خاص: قراءة- سماح عادل
رواية (ضياع في حفر الباطن) للكاتب العراقي “عبد الكريم العبيدي” رواية موجعة، حتى أنني لا أخجل حين أقول أني بكيت بحرقه عندما أوشكت على إنهاءها، تحكي عن معاناة الجنود العراقيين وقت الحرب على الكويت ورحلة مجموعة منهم مع الضياع المكاني والنفسي.
الشخصيات..
البطل: ليس له اسم معلوم، شاب من ضمن آلاف الشباب الذين عانوا في أوقات الحرب في العراق، من مدين البصرة، التحق بالجيش وقت الحرب مع إيران ثم أعيد استدعاءه رغم تسريحه عندما غزت العراق الكويت، يحكي بالتفاصيل الدقيقة كيف مرت عليه تلك الفترة العصبية وتنقل في الصحراء وبين المعسكرات حتى عاد إلى بلده مرة أخرى،.يبدو من حكيه أنه مثقف وقارئ وأنه يجيد الكتابة أيضا.
الأشتر: مالك، صديق للبطل يصاحبه طول فترة ضياعهم خارج العراق ويعيشون المعاناة يوما بيوم، رغم أنه ينتمي لأسرة ميسورة الحال إلا أنه لم يسعى إلى الهرب من الجيش أو رشوة الضباط، لأنه مطلوب في ثأر نتيجة لشجار وقع بين عائلته وعائلة أخرى.
باقي الشخصيات تتشابه مع آلاف من الشخصيات في العراق.
الراوي..
الراوي هو البطل الذي يحكي بضمير المتكلم عن نفسه ومعاناته وانفعالاته الداخلية، وعن صديقه “الاشتر” وعن ما يمر به ومن معه من الجنود.
السرد..
الرواية محكمة البناء، ورغم أنها قصيرة لا تتجاوز 151 صفحة من القطع المتوسط إلا أنها ثرية بالأحداث والتفاصيل الدقيقة عن الحرب على الكويت، وعن حالة الجيش العراقي وحالة الأسر في معسكرات الأمريكان ولدى السعوديين. الحكي واقعي مستمد من معايشة لكل تلك التفاصيل في الحياة الحقيقة وهو أقرب إلى السيرة الذاتية.
الضياع في صحراء الحرب وفي انكسار الذات..
الرواية تعد تسجيلا روائيا لما جرى للجنود العراقيين في الحرب على الكويت، بعد أن كانت العراق كدولة مستنزفة وخارجة من حرب دامت ثماني سنوات مع إيران، والشعب بأفراده شباب وشيوخ منهكين ويتنفسون الصعداء بعد انتهاء الحرب، إلا أن النظام الحاكم لم يترك فرصة للناس ليرتاحوا من معاناة الحرب حتى شرع في غزو الكويت، وعاد الشباب الذين كانوا قد سرحوا من الجيش إليه مرة أخرى، ويرصد البطل كيف أن الجيش العراقي في ذلك الوقت كان يدار من قبل بعض الفاسدين الطغاة الذين يستأثرون بالطعام والمشروبات وكل مظاهر الترفيه لهم، ويتركون الجنود في فقر مدقع لا يوفرون لهم أبسط الحقوق الأساسية من وجبات طعام مناسب وملابس ومياه، يحشرونهم في ملاجئ باردة وسيئة حتى تلتصق أجسادهم ببعضها البعض، ويرحلونهم إلى مواقع القتال دون أن يهيئون لهم أبسط الحاجات الضرورية لأي إنسان من طعام وشراب وملابس.
الجنود يتعذبون أثناء ترحيلهم من مدنهم، ويتعذبون حين يصلون إلى المواقع التي سيحاربون فيها، ويعانون من الجوع والعطش حتى أنهم يتشاجرون على الطعام والمياه، في حين أن الضباط والرتب العالية يعيشون في أماكن تتمتع بكل مظاهر الترفيه، من طعام وشراب وحتى خمور وتليفزيون ومجلات إباحية، ويجهزون الأعلام البيضاء في حالة الانهزام ليرفعونها كعلامة على الاستسلام. وأول من يهرب من مواقع القتال هم الضباط والرتب الأعلى، بعد أن يأخذوا السيارات ويرحلون بعيدا تاركين الجنود عرضة للموت بمختلف أشكاله، في صحراء لا يعرفون عنها شيئا.
وهذا ما حدث بالضبط مع البطل الذي بعد أن عاني من الجوع والعطش والشرب من مياه قليلة يزدحم فيها الذباب الميت، وجد نفسه ضائعا هو وصديقه بعد قرار الجيش بالانسحاب، وأصبح لا يعرف ماذا يفعل، هل يسير في الصحراء التي لا يعرف عنها شيئا، أم يموت جوعا أو خوفا أو قصفا في الصحراء، وبعد أن وجد هو ورفيقه مجموعة أخرى من الجنود الضائعين تجمعوا وقرروا أن يسيروا في الصحراء إلى منطقة الزبير، مع أهوال ذلك وحدوث شجارات متوالية نتيجة لأن هؤلاء الجنود يختلفون في أشياء كثيرة، وقد قادهم البطل لكنهم عانوا أشد المعاناة حتى وقعوا في أيدي الجنود الأمريكان الذين أسروهم.
ويرصد البطل المكان الذي أسرهم فيه الأمريكان والذي كان أحسن حالا من الأماكن التي كان يوفرها لهم الجيش العراقي، حيث عولج البطل وقدم إليهم الطعام والسجائر، لكنه رفض هو وعدد كبير من الجنود تقديم طلب لجوء إلى أمريكا وقرر أن يعود إلى بلاده، ليذهب إلى معسكر السعوديين والذي عاملوه أيضا ببعض الإنسانية ثم سلموهم للأمم المتحدة التي تولت إرجاعهم إلى بلادهم..
ويرصد البطل إحساس الضياع الذي تملكه منذ أن التحق بالجيش، فقد ذاته أو بالأحرى عاني من تشظيها وانكسارها مع المعاملة غير الإنسانية التي وجدها في الجيش، ثم عاني من ضياع فعلي في صحراء شاسعة في وسط القصف والضرب وفي حقل ألغام، ثم الضياع في الأسر، واستمر ضياعه بعد عودته إلى مدينته ليكتشف تغير أحوالها وخرابها على يد النظام الذي زج به ورفقاه في كل ذلك، فقد قتل النظام المنتفضين بدماء باردة وخرب المدن وخرب البيوت، وعاني كثير من الأهالي من الأمراض، نتيجة لحزنهم على أبنائهم، واستمر ضياع البطل وضياع أجيال كاملة بسبب نظام وحشي دموي لم يعبأ إلا بنزقه و بمصالحه وأطماعه.
الرواية مميزة تقدم تأريخا اجتماعيا معتمد على معايشة الشخصيات للأحداث التي مرت بها البلاد، وهو تأريخ يبدو أنه مبني على معايشة واقعية للأحداث.
الكاتب..
“عبد الكريم العبيدي”روائي وإعلامي عراقي، عمل كمراسل لإذاعة البي بي سي في بغداد لمدة ثلاث سنوات، بث له من خلالها بصوته أكثر من 350 تقريرا إذاعيا. وهو أحد مؤسسي جريدة المدى ورئيس قسم التحقيقات لمدة عامين ونصف، و رئيس قسم التحقيقات في صحيفة العالم، ورئيس قسم التحقيقات في جريدة النهضة، و مشرف على البرامج في قناة العراقية، وحاليا يعمل كرئيس القسم الثقافي في صحيفة “طريق الشعب” البغدادية.
ونشر في جريدة القبس الكويتية – قسم التحقيقات عشرات الربورتاجات على مدة عام ونصف، وقام بإعداد خمسين تقرير بعنوان العراق بين الأمس واليوم لبرنامج “ضوء3” عرضت حلقاته على “قناة الحرة” و”الحرة عراق” لمدة عام ونصف. قام ب إعداد خمسين تقرير عن محاكمة الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين لبرنامج “ضوء 3” ومسجلة بصوته – تم عرضها من على شاشة “قناة الحرة” و”الحرة عراق”.
فاز مؤخرا بجائزة كتارا للرواية العربية 2018 عن روايته “اللحية الأمريكية – معزوفة سقوط بغداد”. وتم تكريمه لمرتين بدرع الجواهري من قبل الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق في جلسة احتفاء خاصة به بمناسبة صدور روايته (كم أكره القرن العشرين – معلقة بلوشي) وفوز رواية (اللحية الأمريكية) بجائزة كتارا 2018
انجازه الأدبي:
- رواية (ضياع في حفر الباطن) وهي أول رواية له وأول رواية عراقية تتحول إلى مسلسل درامي في العراق. وقد كتب عنها كبار النقاد العراقيين والعرب دراسات ومقالات نقدية رصينة، كما احتلت فصلا موسعا في كتاب: War and occupation in iraqi fiction “الحرب والاحتلال في الخيال العراقي” الصادر باللغة الانكليزية عن جامعة “ادنبرة” في بريطانيا للبروفيسورة “إكرام مصمودي”.
- رواية (الذباب والزمرد) التي كتاب عنها الكثير من النقاد ونال بها الدكتور “سلمان الكاصد” درجة الأستاذية – البروفيسور- عن دراسته الموسعة التي تحمل عنوان: (تشكلات البنى الاجتماعية والتقابلات والأنساق في رواية الذباب والزمرد) المنشورة في مجلة أبحاث البصرة “العلوم الإنسانية”.
- رواية (كم أكره القرن العشرين – معلقة بلوشي) عن دار “قناديل للنشر والتوزيع ” في بغداد.
- مسرحية (تحويلة مؤقتة) وعرضت على قاعة المسرح الوطني في بغداد- تمثيل الفنانة الكبيرة “سناء عبد الرحمن” والفنان الكبير “عزيز خيون” وإخراج المخرج المبدع “أحمد حسن موسى”.. وتنتظر الطبع
- مجموعة قصصية جديدة ومختلفة بعنوان (ثمانية أعوام في باصورا( عن قصص هروب الجنود العراقيين في ثمانينيات القرن الماضي.
- رواية (اسطوانة عرش).. ستصدر قريبا