13 أبريل، 2024 9:21 ص
Search
Close this search box.

الموت يعلن هدنة مع الحياة.. رواية جديدة لخوزيه ساراماغو

Facebook
Twitter
LinkedIn

تأليف: جيمز وود

ترجمة: خضير اللامي- السويد

كتب الفيلسوف برنارد وليامز، بحثا أطلق عليه، اسم: ” قضية مكروبولس ” جادل فيه ان حياة بدون موت ستكون مضجرة لدرجة لا أحد يطيقها.

وطبقا لهذا القول، فان رتابة  الحياة الأبدية، ستكون صحراء لامتناهية من التجارب المكرورة. وستكون الذات أيضا مخصية وفاقدة لأي طاقة فيها. وهذا ما دفع كارل بيك أن يكتب هذه المسرحية “قضية مكروبولس ” التي استعار وليامز عنوان بحثه منها، وركز بحثه على عمر شخصية المسرحية، إلينا مكروبولس، التي عاشت 342 سنة ؛ بيد أن أكسير الحياة الأبدية تلاشى بعد الثانية والأربعين من عمرها. وتقرر مكروبولس رفض هذه الحياة الأبدية, وتضطر إلى استخدام الحمية الشديدة التي تؤدي بها إلى الموت البطيء. إذن، الحياة تحتاج إلى الموت كي تنظم معنى تلك الحياة .ذلك، إن الموت هو الفترة السوداء الذي ينظم بناء الحياة. ورواية خوزيه ساراماغو ، “الموت مع المقاطعات ” Death With Interruptions التي ترجمتها الكاتبة البرتغالية مارغريت يول كوستا من الإسبانية إلى الانجليزية، تمتاز بجملها غير المتقطعة والطويلة، والغريبة نسبيا في تلك الفترة.

وقد كتب ساراماغو الرواية التي تمتلك وظائف التجربة الفكرية في حقل كابيك وليامز. ( مع أن الرواية لا تحمل تلميحا واضحا لأي منهما) إذ يعلن الموت في منتصف إحدى ليال رأس السنة الجديدة New Year’Eveهدنته مع الحياةٍ، وفي بلد غير معروف، يبلغ عدد سكانه عشرة ملايين نسمة، ليعطي الناس فكرة ماذا يعني أن يعيشوا حياة أبدية! وبالطبع شعر الناس بفرح غامر في بداية الأمر..

وعاشوا حتى تلك الأيام، المضطربة، التي تخيلوها،والتي بدت لهم هي الأفضل ، والأفضل في عالم محتمل ومتوقع. اكتشفوا ذلك والبهجة والسرور يغمرانهم، إن هذا يحدث هنا، ويحدث هناك، ويحدث قريبا منهم .حياة فريدة ومدهشة  وبلا خوف: إن هذا الخلود في الحياة يمنحنا وجودنا، ويمنح الأمن والحرية لكل إنسان هنا، ويجنبنا المشاكل الميتافيزيقية، دون وصايا مختومة بالشمع الأحمر، تفتح في ساعة موتنا. ولا نسمع أخبار مفترق الطرق، حيث الأعزاء الذين يسكنون في ما يسمى الأرض، يذرفون الدموع وهم يرحلون باتجاهات مختلفة، إلى العالم الآخر. أنت إلى الجنة، وأنت إلى صراط المستقيم، وأنت تهبط إلى الجحيم.

بيد أن الصعوبة الأكبر- ميتافيزيقيا، سياسيا، براغماتيا- هي العودة المفاجئة للأرض. وأول مؤسسة تشعر بالخطر من حياة بلا موت، هي الكنيسة الكاثوليكية. يبدأ الكاردينال برفع سماعة الهاتف ويتحدث مع رئيس الوزراء .ليوضح له، “بدون الموت ليس ثمة يوم للقيامة، وبدون يوم للقيامة ليس ثمة كنيسة”. فضلا عن ذلك، يعتقد الكاردينال أن الحياة بدون الموت، هي إلغاء للذات الإنسانية. وفي الوقت ذاته، اتفق مجموعة من الفلاسفة والاكليركيين على “أن الدين لا يستغني عن الموت أبدا، أنه كحاجتنا إلى الماء والغذاء” والحياة بلا موت كالحياة بلا إله. وقال أحد رجال الكنيسة: إذا لم تمت الإنسانية، فإن كل شيء سيكون مباحا “وعبر دستويفيسكي عن مخاوفه في إحدى رواياته، أن العيش من دون إله فإن كل شيء سيكون مباحا” وعبر أحد الفلاسفة بعمق، كما ساراماغو العلماني الذي أوحى بوضوح أن الموت هو الوسيلة الوحيدة بيد الإله الذي بواسطتها يستطيع أن يحرث بها الطرق التي تؤدي إلى مملكته. ودون شك، إن هذه القصة المقدسة تنتهي حتما إلى مأزق كبير في الحياة.

والبلد الذي لا يموت فيه أحد، سيتحول حتما إلى حديقة حيوانات مالثوسية*، والناس الذين وصلوا إلى أرذل العمر في حياتهم، في منتصف ليلة رأس السنة، ووصلوا على شفا حفرة من الموت، سيبقون على تلك الحافة. وسينجمدون بطريقة عبثية. أما الدفانون الذين يبيعون بوليصة ضمان الحياة، ومدراء المستشفيات، ودور العجزة، سيكونون مهددين بالبطالة، وفي هذه الحالة، ستكون الدولة غير قادرة تماما على تحمل عبء متطلبات حياتهم. ورغم أن هذه اليوتوبيا المفاجئة ربما ستكون هي الأفضل لعوالم ممكنة. وبإمكان البشرية أن تعتمد على مثل هذا الحطام من اليوتبيات. فالعوائل وبكل الأعمار وبكل أعضائها العاجزين، يدركون أنهم بحاجة للموت كي ينقذهم من أبدية العناية السريرية. ولأن ثمة موتا غير مؤجل في البلدان المجاورة. إذن ثمة حلا واضحا، هو تصدير الأجداد المرضى وقذفهم إلى حدود تلك البلدان. حيث يؤدي الموت هناك دوره. كما هناك مافيا منظمة تتولى نشر الموت. ومن جانبها ستتغاضى الدولة عن العمليات السرية. لأنه ليس ثمة دولة تتولى عبء توسع لا نهاية له. وكما حذر رئيس وزراء الملك، بقوله “إذا لم نمت، فليس لدينا مستقبل”.

ورواية “الموت مع المقاطعات”هي إضافة لعمل الروائي العظيم ساراماغو، وهي  فاعلية تعبئ قضية اختبار افتراضها، وتتناسل منها، مجموعة من الأسئلة الميتافيزيقية والثيولوجية حول الرغبة بقبول اليوتوبيا، وحقيقة المؤسسة الدينية، واحتمال وجود الإله. وعمل ساراماغو الحالي، ينزع إلى توفير استعارة. من المتعذر وصفها، وتحمل أسماء ممثلين عالميين بدلا من شخصيات فردية. وهذه الرواية هي محاولة جريئة، ولم تشكل بالنسبة لساراماغو جملا استثنائية، فضلا عن أنها تتميز برشاقة سرديتها. وفي غياب روائيين مبدعين، فإن جمل ساراماغو التي يكون فيها السارد أو الساردون  حاضرين بقوة، ويبنون مجتمعهم الخاص لأنهم بشر بامتياز.

وخلال السنوات الثلاثين المنصرمة، سادت بعض الكتابات الهامة، تتميز بأسلوب الجمل الطويلة، والجمل المتمردة على القواعد. وبخاصة كتابا – توماس بيرنهارد، بوهومل هرابل، دبليو . جي . سيبالد، روبرت بولانو –تشبه تماما أسلوب ساراماغو . الذي يمتلك القدرة ليبدو عاقلا، كما يبدو جاهلا في الوقت ذاته. وكما لو أنه لم يسرد فعلا الروايات التي ألفها. وغالبا ما يستخدم ما نسميه الأسلوب غير المباشر الحر وغير المتماثل. وتبدو رواياته أنها لم تسرد من قبل أي روائي. بيد أنها يسردها مجموعة من العقلاء والعجائز الثرثارين الذين غالبا ما يجلسون على جانب رصيف الميناء وهم يدخنون ويجلس بينهم الروائي نفسه. وهذه المجموعة مولعة بالحقيقة البديهية، والأمثال الشعبية، وتبادل الأفكار المبتذلة. ويضرب لنا الروائي مثلا يقول فيه: ويقال أن المرء لا يمكن أن يملك كل شيء فما تعطيه اليد اليمنى تأخذه اليد اليسرى “كما يؤكد ساراماغو: إن الشهرة، واحسرتاه ! مثل هبة نسيم تهب عليك ثم سرعان ما تغادرك..” وفي مكان آخر، يقول ساراماغو: يقال، وابتداء من العصر الكلاسيكي فما فوق، لم يحصل أحد ما على ثروة إلا من كان جسورا” وهذه التفاهات لم تكن مشرعنة، وترفض الاعتراف بأي سلطة شرعية.

* روبرت مالثوس،( 1766-1834 ) صاحب نظرية السكان التي تقول، كلما زاد عدد السكان في العالم؛ كلما زاد الفقر، والمرض، والجوع، والجشع– المترجم.

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب