9 فبراير، 2025 7:08 ص

رواية “شيزوفرينيا الجسد”.. محنة الاختلاف في ظل قهر مضاعف

رواية “شيزوفرينيا الجسد”.. محنة الاختلاف في ظل قهر مضاعف

 

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية “شيزوفرينيا الجسد” للكاتبة الفلسطينية “وسام المدني” صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر 2020، تحكي عن الصراع النفسي الذي تعيشه المرأة التي تجد نفسها منجذبة إلى جنس مماثل لها، خاصة وأنها تنتمي لمجتمع شرقي مغلق يتحكم فيه الذكور.

الشخصيات..

نور: البطلة، تعاني من هذا الصراع النفسي والجسدي، وتنهي حياتها بطريقة مأساوية بعد أن تفشل في التعامل مع حالتها وفهمها وإيجاد وسط اجتماعي يقبلها.

صفاء: زميلة نور في المدرسة، أول فتاة تحبها، وتحاول التقرب منها  لكن تنفضح تلك المحاولة ويتغير مسار حياة نور للأسوأ. وتظل نور تحب صفاء زمنا طويلا لكن صفاء تتنكر لها.

الأم: تعامل أم نور ابنتها بقسوة شديدة غير مبررة مما يدفعها إلى التخبط والضياع.

أحمد: يتزوج من نور رغم معرفته بميولها المثلية ويقول لها أنه يحبها لكنه يغير عليها غيرة شديدة.

وهناك شخصيات أخرى داخل الرواية.

الراوي..

تحكي الرواية روح نور التي تصعد وتتفرج على جسدها الذي يتعرض لغيبوبة نتيجة لمحاولة الانتحار، في قالب فانتازيا، حيت تستعرض الشخصيات الذين مروا في حياتها وتجلبهم لتحكي عنهم، لكن أيضا تحكي عن طبيبها النفسي الذي يقرأ يومياتها وتحكي عن حياته والتي من المفترض ألا تكون الروح على علم بها مما يعني أن الراوي هنا عليم.

السرد..

تقع الرواية في 256 صفحة من القطع المتوسط، يعتمد الحكي على رصد نفسية نور ومشاعرها وانفعالاتها وإحباطها بشكل أساسي، كما يقوم على سرد أحداث من الماضي أدت إلى تلك النتيجة المفجعة والمأساوية حتى أقبلت نور على الانتحار، فالرواية بدأت من نهايتها ثم استرجعت روح نور الأحداث بدأ من طفولتها متتبعة التغييرات النفسية التي حدثت لها والتغييرات الاجتماعية والقمع الذي تعرضت له، والنهاية جاءت حزينة ومأساوية بموت نور.

المثلية..

الرواية تحكي عن موضوع هام وهو المرأة المثلية التي تشعر بانجذاب نحو النساء من نفس جنسها في مجتمع شرقي ذكوري، وكيف يتم قمعها والتعامل معها بوحشية ولا إنسانية، حيث تعرضت نور البطلة للتنكيل الشديد حينما حاولت التقرب من صديقة لها في المدرسة تدعى صفاء، أدى ذلك الاقتراب إلى اشتعال غضب والدها ووصمها بالمنحرفة من قبل المدرسين والمديرة، وحرمها والدها من التعليم ولم يكتف بذلك بل زوجها لرجل أربعيني وهي في سن السابعة عشر، ولم تعترض أمها أو تحاول التدخل بل عاملتها بقسوة هي الأخرى، ونكلت بها ربما خوفا من غضب والدها وغضبة المجتمع المنغلق، ولم تجد نور أمامها من حل سوى الهرب بعد أن تم تطليقها من الرجل الأربعيني.

هربت وحاولت إتمام دراستها والكفاح لتعيش لكن ظل الرعب من أن يقتلها أخوها يلاحقها، والأسوأ ظل اختلافها الجسدي والنفسي يمثل لها عبئا شديدا لأنها لم تفهم سبب اختلافها أهو بسبب الجينات أو سبب ولدت به أم أنه تأثير اجتماعي، لكنها أبدا لم تفهم سر مثليتها، وتؤكد مرارا أنها لم تختار هذا الطريق بإرادتها، لكنها وجدت نفسها هكذا تنجذب للنساء وليس فقط جسديا وإنما روحيا على مستوى المشاعر.

وتعاني نور فترة إلا أن تجد سيدة عجوز تساعدها لأنها عانت نفس مشكلتها حين كانت شابة، وتعرضت لأمور كثيرة وحاولت فهم اختلافها، لكنها لم تفلح لأن المجتمع لا يعطي الفرصة للمختلفين لفهم اختلافهم، وإنما يعاقبهم أو يحاول قمع اختلافهم وإجبارهم على أن يتصرفوا مثل الجميع، فاضطرت تلك السيدة العجوز أن تتنكر لمثليتها وتعيش دون علاقة طوال حياتها.

سفر..

تذهب نور إلى بلدة أوربية بمساعدة السيدة العجوز الثرية وكان من المفترض أن يكون ذلك السفر بداية تحول إيجابي في حياتها لأن البلدان الأوروبية لا تضطهد المثليين بنفس الدرجة الموجودة في المجتمعات الشرقية، لكن نور لم تتحرر وإنما ظلت تدور في تخبطها وضياعها النفسي، مرة بممارسة الجنس بمقابل مال مع فتيات والانغماس في حالة ضياع نفسي، ومرة بمحاولة التوبة بشكل ديني حتى تعرضت للجلد من أحد الشيوخ باعتبارها زانية.

وفي النهاية تستمر في تخبطها فتوافق على الزواج من أحمد الذي يقول لها أنه يحبها وسوف يرعاها، وتنجب منه فتاة وتتنكر للصوت الداخلي الخاص بها وتحاول تمثيل دور المرأة في علاقة زوجية، وبعد عدة سنوات تعود إلى بلدها وتبحث عن صفاء، ذلك الخيال الذي كان يداعبها دوما لذكرى أول حب في حياتها، لكنها تنهار حينما تتنكر لها صفاء ويتربص بها أخيها ليقتلها فتقتل نفسها.

كقارئة أزعجني كثيرا الحس المأٍساوي للحكاية، خاصة وأن نور أتيحت لها الفرصة للخروج من تخبطها وضياعها حينما سافرت إلى أوروبا فكان من الأولى أن تحاول التعرف على اختلافها وفهمه فهما صحيحا، وتحاول أن تبحث عمن يشبهونها وتكون منهم وسط اجتماعي داعم، لكنها بدلا من ذلك وقعت في اختيارات زادت من مأساوية وضعها، كنت أتمنى أن تتحرر وتجد الفهم والتقبل لنفسها ولميولها وتجد الراحة النفسية.

 

لم تدن الرواية أحدا وإنما طرحت التساؤلات ورصدت الصراع النفسي القاسي الذي تعانيه المثليات، وحاولت رصد أحاسيسهن، فمثلا نور تشعر من داخلها إنها ذكر وأنها ليست تلك المرأة التي تبدو من الخارج للناس، ولا تتصالح مع جسدها وإنما تشعر أنه جسد لامرأة أخرى، كنت أتمنى كقارئة أن تزيد الكاتبة من شرح تلك الأحاسيس التي تشعر بها المثليات لنفهم أكثر حول مشاعرهن وأحاسيسهن.

اعتمدت الرواية على لغة أقرب إلى الشعرية، وعلى رسم عميق لشخصية نور لكنها بالغت في حجم الحزن والشعور به حيث شعرت أن نور تستمتع بجلد الذات وبالانغماس في حالة الحزن. كما رصدت تعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي لبعض المثليات صورت من خلال تلك التعليقات كيف يكون القمع الاجتماعي حتى أن بعض المجتمعات الشرقية تسجن المثليات وتضربهن وتعذبهن.

كما رصدت الرواية حالات لسيدات غيريات لكنهن بسبب فشل علاقة الزواج أو وجود زوج متسلط أناني لا يهتم سوى بنفسه وبإشباع رغباته يلجأن إلى عمل علاقات جسدية مع نساء، لأن ذلك أقل إدانة في وجهة نظرهن من إقامة علاقة مع ذكر آخر، كما أنه أمر يمكن إخفاءه.

ركزت الرواية على قمع المثليات وكان من المهم أن تشير إلى أن النساء بشكل عام يعانين من القمع والقهر في المجتمعات الشرقية إلى حد فقدان الحياة يتساوي في ذلك الغيريات والمثليات.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة