خاص: قراءة- سماح عادل
رواية “سنوات الوله” للكاتبة اليمنية “شذا الخطيب” تحكي عن الأحداث الصاخبة التي مرت علي البلدان في المنطقة، منذ مذبحة شهيرة وقعت في اليمن يناير ١٩٨٦ وحتي وقت كتابة الرواية.
الشخصيات..
عبد الفتاح فرج: بطل الرواية، صحفي يمني اضطر لمغادرة اليمن بسبب أن حياته أصبحت مهددة بعد مذبحة ١٩٦٨، ومعه بناته الثلاث من امرأة ألمانية، يعيش في بريطانيا سنوات طويلة وتكبر البنات ويرزق بابنة رابعة، ويموت وهو حزين لحال بلاده.
هانا: امرأة من ألمانيا الشرقية، تزوجت من “عبد الفتاح فرج”، وأحبت الثقافة اليمنية وانتمت للدين الإسلامي وأصبحت تربي بناتها علي تعاليم ذلك الدين وعلي تقاليد وعادات المجتمع اليمني.
رضوان: صحفي ليبي تزوج من “سارة” الإبنة الكبرى ل”عبد الفتاح”.
ليث: طبيب عراقي تزوج من “هاجر” الإبنة الثانية.
شريف: أمريكي يمني تزوج من الإبنة الثالثة “مريم”.
هاشم: تزوج من الإبنة الرابعة “فاطمة” وهو يمني.
كما اختارت الكاتبة أن تجيء بشخصيات من مختلف البلدان العربية، لكل منها ظروف خاصة، اضطرتها إلي الهجرة إلى بريطانيا، أو الدراسة أو المرور بها لسبب أو لآخر، لكي تستطيع مناقشة وعرض الأحداث التي تمر بتلك البلدان.
الراوي..
الحكي متعدد الأصوات، حيث تحكي عدة شخصيات داخل الرواية، مما أعطي ثراء وغني للرواية، وجعلنا نري الأحداث من أكثر من زاوية ووجهة نظر.
السرد..
الرواية علي قصرها تناولت أحداث كثيرة وصاخبة مرت بالمنطقة، حيث تبلغ الرواية ١٧٦ صفحة من القطع المتوسط، وامتدت من ١٩٨٦ وحتي وقت قريب. كما تعددت فيها الشخصيات وتتبعت الرواية حياتهم، وإن كانت عائلة “عبد الفتاح فرج” كانت هي محور الرواية.
التمسك بالأخلاق العربية والديانة الإسلامية..
يمكن القول أن أهم ما تناولته الرواية هو تمسك المغتربين الذين تضطرهم الظروف الاجتماعية والسياسية في بلدانهم العربية إلي الهجرة إلي الخارج، وتحديدا البلدان الغربية، تمسكهم بالدين الإسلامي الذي ينتمون له وبالأخلاق والقيم العربية والشرقية، هكذا حرص “عبد الفتاح فرج” أن يربي بناته وأيضا يستقطب زوجته التي تنتمي لألمانيا الشرقية إلي ذلك، فربت بناتها علي تلك الأخلاق وذلك الدين.
وعندما اختار لهم أزواجا اختارهم علي هذا الأساس، وكان هنا انحياز واضح لتلك الفكرة، وعندما حاولت إحدي البنات وهي “فاطمة” أن تعيش علي النمط الغربي حدثت لها كوارث حياتية، أمها ماتت كمدا وأبوها دخل الي المستشفى في حالة خطيرة، ثم أصبحت مطلقة في سن صغيرة، لكنها عندما أرضت والدها حتي ولو بالزواج من رجل متزوج بالفعل أصبحت راضية أكثر.
وكان واضح هنا الانحياز الشديد لأخلاق الشرق دون محاولة مناقشة الاختلافات ما بين ثقافتي الغرب والشرق، وهل هناك عيوب وإشكاليات تكمن داخل الثقافة الشرقية وهل تهضم هذه الثقافة الشرقية حقوقا هامة للمرأة أم لا، لكن الرأي السائد في الرواية كان يعتبر الثقافة الشرقية هي الأمان والملجأ والملاذ من مخاطر الثقافة الغربية التي شعرنا أنها شريرة وآثمة وغير مناسبة علي الإطلاق، ولم يرض بها أبدا “عبد الفتاح فرج” لكي يربي بناته علي قيمها.
الصراعات والنزاعات في المنطقة..
كما تناولت الرواية الصراعات والنزاعات في المنطقة، وبتركيز أكبر علي اليمن والعراق وليبيا ودول أخري أيضا، وأرجعت الرواية شعور الشخصيات بالحزن واليأس والاحباط نتيجة سوء أحوال بلدانهم والصراعات التي تهدمها، وكانت تلك الصراعات السبب الاضطراري الذي من اجله ذهب هؤلاء للعيش في بلدان الغرب، لنفهم كقراء أنه لولا تلك الصراعات ما كانت الشخصيات في الرواية لجأت إلي العيش في بلدان غربية موحشة.
أوضاع المرأة..
اكتفت الرواية بالتسليم بأن الثقافة العربية هي الثقافة المثلي للنساء العربيات، وأن أي سعي نحو تقليد الثقافة الغربية إنما هو شر كبير، ولم تشير إلي أوضاع المرأة في تلك البلدان ولا كيف تستطيع أن تعيش وتتحمل مسؤوليات الحياة والأطفال، وحتي حين تناولت فكرة الزواج من رجل متزوج لم ترفض الرواية ذلك بل علي العكس اعتبرتهأمرا طبيعيا وبمثابة حق أصيل ل”هاشم”، الذي أجبر زوجته الأولي علي أن يتزوج وحين رفضت وافق علي تركها له.
بريطانيا..
اختارت الكاتبة بريطانيا كمسرح للأحداث، باعتبار أن بريطانيا هي أكبر الدول التي استعمرت الدول العربية وهي المسؤولة بشكل كبير عن الخراب والفوضى التي وصلت إليها حال البلدان العربية، وربما أرادت الرواية أن تقول أن نتائج ذلك الاستعمار البغيض هجرة الناس من البلدان المتضررة إلي البلدان التي كانت سببا في التضرر والفوضي..
الحب..
كانت قصص الحب داخل الرواية متعددة وأغلبها تخص بنات “عبد الفتاح فرج”، وقد انصاعت الفتيات لرغبة الوالد ولم يردن التمرد علي الاتجاه الذي دفعهن إليه، فقد رضين بأن يرتبطن بالرجال الذين اختارهم والدهم وقربهم إليهن، وحدها “فاطمة” من حاولت التمرد لكنها سرعان ما انصاعت لأمر أبيها وأحبت “هاشم” الذي كان الوالد يراه رجلا صالحا.
أزمة هوية..
لا يمكن القول أن الشخصيات في الرواية قد عاشت أزمة هوية، لأن تصورهم للهوية كان محسوما لصالح الهوية العربية، فهم لم يقعوا في صراع ما بين الرغبة في الانتماء للهوية الغربية أو الانتماء للهوية العربية، بل كان الأمر محسوما، حتي “فاطمة” التي كانت تميل في فترة المراهقة للهوية الغربية انحازت في النهاية لهويتها العربية، وقد صورت الرواية أن هذا الانحياز والانتماء المطلق للشخصيات لهويتهم العربية هو ما حماهم من الصراعات النفسية والشعور بعدم الاتزان، فقد حقق لهم توازنا نفسيا مناسبا.
الكاتبة..
الكاتبة اليمنية “شذى الخطيب” تقيم في السعودية منذ الطفولة، ومن مواليد عدن 1975، تخرجت من جامعة البنات الأردنية “جامعة البتراء” عام 1998. وفي عام 2009 قررت التفرغ للكتابة. أصدرت عام 2012 أول رواية لها بعنوان “الزنبقة السوداء” دار الفكر العربي. وفي عام 2013 نشرت ثاني رواية لها بعنوان “أوراق رابعة” دار الفكر العربي ثم روايتها الثالثة “ابنة الريح” وصدرت رواية بعنوان “بيت البنفسج” دار سما للنشر الكويتية 2014، وفي عام 2015 أصدرت أول مجموعة قصصية لها بعنوان “للكبار فقط” من قبل دار مداد الإماراتية. وفي عام 2017 أصدرت عملها السادس بعنوان “سنوات الوله” وفي عام 2020 أصدرت روايتها “أنثى العابد” دار العربية للعلوم ناشرون.