16 نوفمبر، 2024 6:53 م
Search
Close this search box.

رواية رقص رقص رقص.. الاغتراب عن الذات في مجتمع استهلاكي

رواية رقص رقص رقص.. الاغتراب عن الذات في مجتمع استهلاكي

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية (رقص رقص رقص) للكاتب الياباني “هاروكي موراكامي” تتناول، في قالب نصفه فانتازيا ونصفه واقعي، المجتمع الرأسمالي الاستهلاكي الذي بدأت تتضح معالم في اليابان في الثمانينات.

الشخصيات..

البطل: لا نعرف اسمه داخل الرواية، هو في منتصف الثلاثينات من عمره، يميل إلى الانطواء والانعزال عن الحياة الاجتماعية، تحدث له مشاكل في حياته تجعله ينعزل فترة من الزمن ثم يعود ليعمل صحفي بالقطعة، يكتب موضوعات ترفيهية عن مطاعم وممثلين مغمورين، وموضوعات تطلب منه بسبب أنه يخلص في ذلك العمل، لكن يظل هناك نداء يزعجه ويذهب للبحث عنه.

كيكي: فتاة جميلة، تعمل في البغاء لصالح مؤسسة كبيرة لا تقبل أعضاء إلا من الطبقة العليا في المجتمع، تختفي فجأة بعد أن تقضي مع البطل أياما جميلة ثم تأتي له في أحلامه كثيرا وكأنها تناديه.

يوميوشي: فتاة تعمل موظفة استقبال في فندق “الدولفين”، ذلك الفندق الذي ذهب إليه البطل لكي يكتشف سر نداء “كيكي” له حيث قابلها من أربع سنوات هناك، ويتعرف على “يوميوشي” وتصبح بينهما علاقة حميمة، وهي فتاة على درجة كبيرة من التوتر تحب عملها وتؤديه بمهارة والتزام.

يوكي: فتاة في الثالثة عشر من عمرها، ابنة لمصورة شهيرة وروائي شهير، تنساها أمها وتتركها وتذهب لتعيش في أماكن خارج اليابان، وعندما تتذكرها تريد أن تكون صديقة لها لأنها لا تعرف أن تقوم بدور الأم، ورغم ذلك ترفض أن تعطيها لوالدها الذي ينشغل أيضا بعمله وأموره، فهو يقوم    بكتابة روايات وعمل برامج تافهة ولا يهمه سوى جمع المال، والفتاة تعاني من وحدة ومن ضياع فتتطور بينها وبين البطل صداقة.

ماكيمورا: والد “يوكي”، روائي شهير كتب روايات ناجحة في بداية حياته الأدبية وعندما لاقت نجاحا أصبح يكتبها بنفس النمط حتى مل منها القراء، فاتجه لعمل برامج ترصد حياة المشاهير ويكرر نفسه مرة أخرى، لا يعنيه سوى المال.

آمي: مصورة شهيرة هي أم “يوكي”، تقوم بعمل صور رائعة ومبهرة للناس، لكنها تعيش دوما في حالة من عدم التركيز حتى أنها تنسى ابنتها، وتحتاج دوما لأحد بجوارها ليساعدها حتى في إطفاء سيجارتها، وتحضير الطعام والقيام بكل الأمور الهامة لتسيير الحياة، وهي لا تجيد القيام بدور الأم لكنها تحب أن تكون قريبة من ابنتها.

جوتاندا: زميل للبطل، كان زميل له في المدرسة الثانوية، كان الفتى المثالي بكل معنى الكلمة الذي يتفوق في كل المجالات، وأصبح فيما بعد ممثلا شهيرا، يقوم بالأدوار المثالية كالطبيب والمحامي و.. ، لكنه لم يكن راضيا عن حياته رغم كونه يعيش في رفاهية، وتوافر سيارة آخر موديل وسكن فاخر له، لكنه رغم ذلك كان يشعر باغتراب أدى به إلى قتل “كيكي” ثم الانتحار غرقا في البحر.

ماي: فتاة ليل تعمل مع نفس المؤسسة التي تعمل بها “كيكي”، ورغم أنها تنحدر من أسرة من الطبقة الوسطى ولم تكن في حاجة إلى المال، إلا أنها ولسبب غير معروف عملت في تلك المؤسسة، ثم قتلت في حادثة غامضة في أحد الفنادق خنقا، ولم يكتشف من هو قاتلها لأن لا أحد اهتم بذلك.

جوون: فتاة ليل تعمل أيضا في نفس المؤسسة، ذهبت إلى البطل في “هونولولو” بناء على طلب أبو “يوكي” وكانت لطيفة في التعامل.

الراوي..

الراوي هو البطل، يحكي بضمير المتكلم عن نفسه ويحكي عن باقي الشخصيات، ولا يسمح الكاتب بحرية لباقي الشخصيات إلا ببعض الحوار النادر.

السرد..

الرواية محكمة البناء تعتمد على رصد التفاصيل الصغيرة والمعايشة للبطل، استعانت بعالم من الفانتازيا لكنه لم يكتمل، حيث انتهت الرواية قبل أن يفسر البطل ظواهر كثيرة، كالرجل المقنع واختفاؤه، وموت “ماي”، والظلام الحالك الذي يظهر له بين وقت وآخر، الرواية تقع في حوالي 504 صفحة من القطع المتوسط، وتركز على البطل الذي يعاني من اغتراب بشكل ما هو وبعض الشخصيات الأخرى.

الرأسمالية المتقدمة..

يذكر البطل في أكثر من موضوع في الرواية أن المجتمع الرأسمالي المتقدم في اليابان في الثمانينات كان قد تطور بشكل سريع، مخلفا وراءه كثير من الأشياء الهامة للناس ومنهم البطل نفسه، حيث أنه يعود بشكل ما لفترة مراهقته ليشعر بأنها الأفضل، هذا المجتمع الرأسمالي المتقدم بدأ يزحف على ملامح المجتمع الياباني متمثلا في مباني شاهقة استبدلت بالمباني القديمة، كما حدث لفندق “الدولفين”، فقد تحول من فندق قديم بسيط الطراز إلى فندق فاخر مكلف بشكل باهظ، كما رصد البطل تحول منطقة ما من منطقة هادئة وبسيطة إلى منطقة فاخرة، وذلك بعد غزو الرأسمالية المتقدمة، حيث يتعاون رجال السلطة مع الرأسماليين في شبكة من الفساد والمحاباة، ويتم تخطيط منطقة ما وإبلاغ الرأسماليين بشكل سري ليشتروا الأراضي بأسعار رخيصة، ثم وعبر مجموعة من عمليات البيع والشراء تصل الأراضي لأسعار خرافية، ويتربح الرأسماليون من ارتفاع الأسعار ويبنون أماكن فاخرة، ويبدءون في تغيير ملامح المنطقة.

كما رصد الكاتب المجتمع الرأسمالي الاستهلاكي في سلوك الروائي الشهير والمصورة الذين يتركون أبنائهم ليستمتعوا بحياة الرفاهية، ويتنقلون في الأماكن الغالية “هواواي” و”هونولولو” ويسكنون في الفنادق الفاخرة خارج وداخل اليابان، دون أن يعبئوا بأي شيء سوى جمع المال.

الاغتراب عن الذات في مجتمع استهلاكي..

كما رصد الكاتب رتم السرعة الذي أصبح يتسم به المجتمع، والاستهلاك حيث يعاني “جوتاندا” من أزمة اغترابه عن ذاته، وعمله في عمل أصبح مملا ورتيبا، يقوم بنفس الأدوار الرتيبة، ومفروض عليه أن يكون استهلاكيا، يقتني سيارة أحدث موديل ومسكن يتوافق مع مواصفات المجتمع الاستهلاكي، ويرتدي ماركات عالمية في الملابس والأحذية والإكسسوارات، إذ لابد وأن يتوافق مع النموذج الاستهلاكي المثالي ورغم تلك الرفاهية المحاط بها إلا أنه يشعر بالاغتراب عن ذاته، ويشعر بالتعاسة لأنه لا يحقق ما يحلم به ولا يعمل عملا يرضيه، ولا يستطيع مقابلة زوجته السابقة التي أجبر على الانفصال عنها بسبب استسلامها لأهلها الشرهين فينتحر في النهاية بعد أن يقتل “كيكي”.

البغاء سلعة..

وأهم ما رصده الكاتب من تفاصيل المجتمع الرأسمالي الاستهلاكي هو تلك المؤسسة التي تدير عمل البغاء، حيث تجلب فتيات جميلات لأغنياء من الطبقة العليا، وتفرض شروط صارمة على عضويتها وعلى عملها السري، حيث لا تقبل أن ينضم إليها إلا الأغنياء من الطبقة العليا الذين يملكون المال وأيضا رجال السلطة، ولذلك فعملها محمي من كبار رجال الدولة ولا يستطيع رجال الشرطة الوصول إليها أو القبض على أفرادها، وحين تقتل فتاة يتم التستر على الأمر ولا تتم تغطية الحادث حتى إعلاميا، فأعضاء المؤسسة محميين تماما لا يطالهم القانون ولا يتعرضون للمسائلة، كما وأن البغاء وتسليع الإنسان أصبح مهنة،  وبيع يخضع للعرض والطلب وشروط المجتمع الرأسمالي القاسية، فحينما قتلت “كيكي” ودفنت في مكان بعيد لم يهتم بالبحث عنها أحد، وكذلك “ماي” التي قتلت في أحد الفنادق بموت بطيء موجع.

الرواية متميزة كباقي روايات “هاروكي موراكامي” بها عالم من الفانتازيا كما يطرح فيها الكاتب الأفكار بشكل غير مباشر، فهو بعيد أشد البعد عن المباشرة والخطابية، وإنما يقدم أفكاره وانتقاداته للمجتمع الرأسمالي من خلال رصد تفاصيل حياتية ورصد لشخصيات مختلفة وسلوكياتها تجاه العالم، ومن خلال تفاصيل عالم الفانتازيا الذي يحمله برموز كثيرة، وإن كنت أعيب عليه كقارئة توقفه عن إتمام عالم الفانتازيا وتركه النهايات مفتوحة، مما يعطي لعقل القارئ مزيد من الحيرة والتفكير في بعض الأمور ، واعتقد أن الكاتب ربما فعل ذلك ليترك للقارئ حرية ملأ الفراغات وإكمال تفاصيل عالم الفانتازيا الذي رسمه.

الكاتب..

“هاروكي موراكامي” مواليد 1949، هو كاتب ياباني من مدينة “كيوتو”. لاقت أعماله نجاح كبيرا حيث تصدرت قوائم أفضل الكتب مبيعا، سواء على الصعيد المحلي أو العالمي، وترجمت إلى أكثر من 50 لغة. حصل “موراكامي” أيضا على عدة جوائز أدبية عالمية، منها جائزة “عالم الفناتازيا” 2006، وجائزة “فرانك أوكونور” العالمية للقصة القصيرة 2006، وجائزة “فرانز كافكا” 2006، و جائزة القدس 2009.

من أبرز أعماله رواية مطاردة الخراف الجامحة (1982) والغابة النروجية (1987) وكافكا على الشاطئ (2002) وإيتشي كيو هاتشي يون (2009 – 2010). يظهر تأثر “موراكامي” بالكُتاب الغربيين، مثل “رايموند تشاندلر” و “كورت فونيجت”واضحا  مما  دفع بعض المؤسسات الأدبية اليابانية لانتقاد بعض أعماله لبُعدها على المنهج الأدبي الياباني.

تتسم أعمال “موراكامي” بالسريالية والسوداوية والقدرية، كما تتناول معظم رواياته موضوع الانسلاخ الاجتماعي والوحدة والأحلام، ويُعد “موراكامي” من أهم رموز أدب ما بعد الحداثة. كما وصفته مجلة الغارديان بأنه “أحد أعظم الروائيين في يومنا هذا” بسبب أعماله وإنجازاته.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة