16 نوفمبر، 2024 10:00 م
Search
Close this search box.

رواية حقول الذرة.. الثورة حين تتحول للعنة  

رواية حقول الذرة.. الثورة حين تتحول للعنة  

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية (حقول الذرة) للكاتب السوري “سومر شحادة” اصدار دار ” ممدوح عدوان” فترصد كيف تحولت الثورة السورية عن مسارها لتصبح لعبة في أيدي الانتهازيين من المتشددين الدينيين وأفراد السلطة، في حين أن وقودها كان من الناس الكادحين الذين أنهكتهم سلطة قمعية لعقود.

 

الشخصيات..

ملهم: البطل، بطل ضد، يأخذ موقف المتفرج، رغم اهتمامه بالأحداث التي تدور من حوله لكن تشغله دوما انفعالاته الداخلية وصراعاته النفسية، يتراوح ما بين الشجاعة والجبن ما بين الثورية والانهزام، يتفرج على تطورات الأحداث ويريد دوما أن يشترك فيها لكن فعله يأتي متأخر دوما. وفي النهاية سيتحول تماما بعد أن تطاله وحشية الأحداث ويصبح خانعا.

لمى: حبيبة البطل، تربيا معا منذ الطفولة في قريتهم، ثم جاءا إلى المدينة بغرض الدراسة والعمل، تعامله بحنو واحتواء لكنه دوما يعاني من صراعات نفسية تشغله عن ذلك الحب وفي النهاية سيعاملها بقسوة شديدة، تعمل صحافية في إحدى الصحف القومية.

موفق: رجل يساري، عاني من سجون السلطة ومن اضطهادها، كان يجمع حوله “لمى” و”ملهم” و”غالية” و”عدي”، من بداية الثورة سيقوم بمساندتها ونشر مقالات تشجيعية لها، لكنه سيعرف أن ثورة بلا تنظيم وأهداف واضحة سوف تؤدي إلى كارثة، تم اعتقاله مع بداية الثورة ولا أحد عرف مكانه.

عدي: شاب، ابن لضباط في الجيش، اعتبره أصدقاءه من أبناء السلطة ولم يصدقوا أنه مخلص تماما للثورة، وشكوا أنه وشى بهم ثم سيكتشف “ملهم” أنه لم يشي بهم، وأنه تعرض للتعذيب بعد أن أوصى والده باعتقاله حتى يفيق من أوهامه الثورية، وبعد صدمته في أصدقاءه وحبيبته “غالية” يقرر الانضمام للدفاع الشعبي ليتسق تماما مع أصوله الطبقية، لكنه سيقدم يد المساعدة لأصدقائه.

غالية: صديقة للبطل ولباقي المجموعة، تعاني من صراعاتها الخاصة هي أيضا، فهي لا تريد أن تتورط في علاقة حب أو أن تتعلق برجل ما، لذا تظل تقاوم حب “عدي” لها وتصفه بأنه يفتقد للرجولة، ثم تكشف الأمر أخيرا وهو أنها لا تريد أن تكون تحت رحمة علاقة حب، وإنما تريد أن تملك أمرها، لذا ستتزوج من رجل لا تحبه وتنجب أطفالا وستعيش حياة عادية بعد أن كانت مساندة للثورة في بدايتها.

الراوي..

الراوي عليم، يحكي عن “ملهم” وعن وجهة نظره تجاه بلاده وقت اشتعال الثورة وما بعدها، كما يحكي عن باقي الشخصيات الأخرى من خلال رؤية “ملهم” لهم، كما ينقل صراعات “ملهم” الداخلية وتذبذباته النفسية.

السرد..

يبدأ السرد من وصول “ملهم” لقمة الأزمة النفسية نتيجة للوحشية التي تعرض لها وفقدانه لعائلته في ما يسمى بالحرب الأهلية، ثم يعود الحكي إلى الماضي ليحكي عن الثورة من بدايتها، وتظل الأحداث تتصاعد زمنيا حتى الوصول إلى اللحظة التي بدأت بها الرواية، ثم تتطور الأحداث ويحدث تحول كبير في شخصية البطل، الرواية تقع في حوالي 161صفحة من القطع المتوسط، ويعتمد السرد على شخصية البطل بشكل أساسي.

ثورة تتحول للعنة..

أهم ما ترصده الرواية هو كيفية تحول الحراك الشعبي العفوي في سوريا إلى صراعات وأحداث دموية، حيث بدأ الأمر باحتجاجات شعبية عفوية دون تنظيم كافي أو حزب منظم يقودها ويحدد أهدافها وخطط عملها، حتى أن كثير من المثقفين والبرجوازيين الصغار أمثال “ملهم” و”موفق” لم يكونوا يصدقون بإمكانية نجاح مثل هذه الاحتجاجات لأنها على حد قول “موفق” ظهرت في أوساط بعض الشباب الذين لا يحترمون النساء، والذين يذهبون للتلصص على الفتيات في الشارع نظرا لضيق ظروفهم المعيشية، فهي ثورة بدأت في صفوف الفقراء والكادحين غير المنظمين لذا لم يصدق في نجاحها “ملهم” أو “موفق” وإن كان “ملهم” قد تحمس لها لأنها أتت بعد عقود طويلة من القهر وإحكام السلطة لقبضتها الأمنية، مما كان يمنع أية بوادر للاحتجاج، تنبأ “موفق” بفشلها وتحولها إلى كارثة لأنه في رأيه إذا هدمت مؤسسات الدولة دون وجود سيادة لمفهوم المواطنة داخل الناس سوف يؤدي ذلك إلى كوارث، وهذا بالفعل ما حدث حيث استغل ذلك الحراك الشعبي من السلطة التي أطلقت سراح السجناء الجنائيين، ومنهم المتشددين الدينيين حتى ترعب الناس وتحدث مجازر وتصبح السلطة هي المخلص للناس من المجازر التي سيحدثها المتشددون الدينيون، وهذا بالفعل ما حدث، يقول الكاتب في الرواية: “لبلاد التي لا تطلب أبناءها سوى للموت هي بلاد ميتة، الأبناء الذين لم يعرفوا سواها، ولم يكونوا ليفكروا في مغادرتها، ها هي تصطادهم فرادى، ليكون الخراب مستقبلاً جلياً، وليكون التفكير في النجاة من اختبار الشعوب للمعارك الكبرى في سبيل الحرية والعدالة والتغيير، هو تفكير غاية في البساطة”.

كما استغل ذلك الحراك الشعبي من قبل الدول الرأسمالية الكبرى التي استغلت ذلك الحراك لعمل تخريب متعمد في سوريا، وقد شجعت على نزوح آلاف من أفراد جماعات التشدد الديني لتصبح سوريا مسرحا لأحداث دموية وحشية.

تحولت ثورة سورية إلى لعنة راح ضحيتها آلاف من الأبرياء الذين عانوا عقودا من سلطة غاشمة، ثم أصبحوا وقودا لحرب توصف بأنها أهلية لكنها في الواقع مؤامرة حاكها الرأسماليون الكبار لتحقيق مطامعهم في منطقة الشرق الأوسط بهزيمة وتخريب الدول الكبرى فيها.

المثقف البرجوازي الصغير..

وكان “ملهم” نموذج المثقف البرجوازي الصغير الذي حاز على تعليم عالي واستطاع أن يجد له وظيفة ثابتة، تضمن له حد أدني من الاستقرار، فهو متوزع ما بين الجبن والرغبة في الحفاظ على وضعه الاجتماعي المستقر لأن لديه ما يخسره وهو وظيفته الثابتة، لكنه في نفس الوقت يملك فكرا ثوريا رافضا للسلطة الغاشمة، لذا ينتصر لحسه الثوري ويقرر تقديم استقالته من وظيفته، والانضمام لصفوف الثورة ويكتب مقالات مشجعة لها، لكن ما تلبث السلطة أن تلاحقه وتقبض على صديقه “موفق” ليهرب إلى الريف، لكنه يقرر العودة مرة أخرى ليكتشف أن الثورة انحرفت عن مسارها وركبها المتشددون الدينيون، وأناس ليس لديهم تصور واضح عن كيف تقوم الثورات، لذا سعوا إلى إرهاب الناس واستخدام العنف، ويقع مرة أخرى في تناقضه فلا يعرف ماذا سيفعل، ليقرر أن ينضم إلى صفوف المتشددين الدينيين ليحمي أهله منهم، لكنه يشهد مذبحة تتعرض لها قريته ويقتل فيها كل أهله، وينجح في الهروب بأعجوبة لينهار تماما، لكنه رغم لك يرفض ترك بلاده ويقاوم “لمى” التي تحثه دوما على السفر خارج هذا الجحيم، وفي النهاية يتحول إلى الشر هو أيضا ويتعامل مع حبيبته بقسوة حتى أنه يغتصبها ويفقدها جنينها، غير عابئا بإسعافها، وتسافر هي للخارج ويحصل هو على وظيفة تابعة للدولة ليعيش خنوعا إراديا هذه المرة.

الكاتب..

“شومر شحادة” روائي سوري من مواليد اللاذقية عام 1989، حاصل على إجازة في هندسة الإلكترونيات والاتصالات، يعمل في الصحافة الثقافية العربية. وحصلت روايته الأولى “حقول الذرة” على جائزة الطيب صالح العالمية للإبداع الكتابي عام 2016 .

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة