27 ديسمبر، 2024 6:44 م

رواية “حتى رحيل الروح”.. الموت ينتصر لكن الحب يخفف قسوته

رواية “حتى رحيل الروح”.. الموت ينتصر لكن الحب يخفف قسوته

 

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية “حتى رحيل الروح” للكاتب الهندي “دورجوي داتّا”، ترجمة “أحمد صلاح الدين”، تحكي عن الحياة حين تصبح في مواجهة مع الموت، حين يوشك الإنسان على الذهاب إلى نهايته وكيف تكون أحاسيسه ومشاعره، وتحكي عن محنة الأمراض التي تحدد مصائر البشر.

الشخصيات..

دوشيانت: شاب هندي يسعى لتدمير ذاته عن طريق شرب الخمر وكافة أنواع المخدرات، تعرض لعنف شديد في طفولته من قبل والده مما أثر على شخصيته وجعله عنيف متعجرف وسليط اللسان.

بيهو: فتاة لم تدخل في سن العشرين، أصيبت بمرض نادر سيودي بها إلى الموت البطيء، ورغم ذلك تحتفظ بحيوية وحماس وتبتسم دوما، وتتعامل مع الحياة بلهفة الاكتشاف.

زهرة: طبيبة شابة تبدأ حياتها العملية، لكنها ترزح تحت وطأة عقدة نفسية خطيرة نتيجة تعرضها لكارثة في مراهقتها وهي حادثة اغتصاب.

كالجا: فتاة من عائلة ثرية، كانت بينها  وبين دوشيانت علاقة حب عميقة وقوية، لكنها لم تتحمل عنفه وسعيه إلى تدمير ذاته، وفي النهاية تركته ليستأنف حياته.

أرمان: طبيب ماهر، يكرس حياته كلها لعلاج المرضى، لكنه لا يمنع نفسه من التورط عاطفيا مع المرضى.

الراوي..

تتميز الرواية أنها تحكي من خلال راو عليم، لكنه يحكي في كل قسم عن شخصية من الشخصيات الرئيسية، يخصص كل قسم للحكي عن شخصية ويعنون القسم باسم الشخصية، ويظل الحكي يتوالي عن الشخصيات تلك. يحكي الراو ما يشعرون به وصراعاتهم النفسية وأفكارهم الداخلية كما يحكي الأحداث وتصاعدها.

السرد..

الرواية تقع في حوالي 266 صفحة من القطع المتوسط، ويدور الحكي فيها عن الشخصيات، وتتناول تيمة الموت والحياة، كيف تتضح الحياة بمعالمها أكثر في حضرة الموت، كما تحكي عن تأثير الطفولة الكبير وما يجري فيها على حياة الناس، وتنتهي نهاية لا يمكن القول أنها سعيدة أو حزينة، فهي نهاية واقعية وفقط.

في حضرة الموت..

تبدأ الرواية بين جدران مستشفى حيث يتم نقل دوشيانت بعد أن يفقد الوعي نتيجة لاحتسائه الخمر وتناوله المخدرات بإفراط، ونتعرف على ذلك الشاب ومعاناته بالتدريج، كما نتعرف على بيهو ومرضها الغريب والذي عرفته هي من بداية ظهور أعراضه، لكن استجابة بيهو لمرضها المميت اختلفت عن استجابة دوشيانت مع معرفته بخبر إصابته بمرض مميت. بيهو رغم سخطها وبكاءها إلا أنها حاولت تقبل الفكرة وحاولت الحفاظ على تماسكها، على الأقل أمام والديها ومن حولها وسعت إلى الحفاظ على ابتسامة دائمة، رغم أنها كانت تتعذب بفكرة اقتراب النهاية الوشيك، وأيضا من فكرة إصابتها بمرض قاتل دون مبرر منطقي، وحرمانها من حياة طويلة وحافلة كانت تنتظر أن تعيشها، وأحزنها الأمر أكثر كونها فتاة وحيدة لوالديها، لكنها مع ذلك دائما ما كانت تعيش اللحظات باستمتاع حتى أنها أحبت الطبيب أرمان وتمنت أن تعيش معه لحظات ممتعة.

في حين أن دوشيانت كان كئيبا بائسا حزينا، كل ما يفكر فيه هو إنهاء الألم المبرح الذي يصيبه والحصول على مخدرات ليتناولها، ورغم أن الطبيبة زهرة قد اقتربت منه وشعرت بوجود رابط ما بينهما، إلا أنه لم يستجب بسرعة معها، كما تعامل مع بيهو بوقاحة شديدة، لكن انقلب سلوكه حين علم بموتها الوشيك.

الحب بين أحضان الموت..

تناولت الرواية موضوع الحب، الحب بين دوشيانت وكاجال والذي دار في الجامعة، وكيف كانت علاقة الحب بينهما عميقة وقوية رغم اختلافهما الشديد، فهي تنتمي لعائلة ثرية، فتاة رقيقة منظمة في حين أن دوشيانت ينتمي لعائلة فقيرة عنيف ومتعجرف ولديه سلوكيات جانحة.

رغم ذلك أحبت كاجال دوشيانت لأنه عاملها بطريقة لم تعهدها من قبل، أحبها بجنون وامتلكها، كان دوما يعبر عن غيرته واهتمامه وشغفه الشديد، كما كان اقترابه منها مؤثرا ولطيفا، وقد قارنت كاجال دوما بين هذا الحب وحب رجل آخر ارتبطت معه في علاقة وهو فارون، والذي لم يكن يهتم بها ولا يعاملها بنفس الشغف والجنون الذي كان يعاملها به دوشيانت.

لكن علاقات الحب داخل المستشفى كانت الأكثر لفتا للانتباه، لأن علاقة حب نشأت بين بيهو وأرمان رغم معرفة الطرفين أن حالة بيهو حرجة وأنها ذاهبة إلى الموت ببطء، لكن ذلك لم يمنع ورود الحب من أن تنمو في قلبيهما هما الاثنين، وقد أحست بيهو بسحر شديد نتيجة تجاوب أرمان معها، كما شعر أرمان بأنه اختطفته من ضياعه النفسي ونسيانه لحياته الشخصية، لكن للأسف لم تستمر تلك العلاقة بسبب موت بيهو المفاجئ والكارثي.

وعلاقة زهرة ودوشيانت التي نمت مع شعور الطرفين أن هناك أشياء مشتركة تجمعهما، معاناة في فترة الطفولة، علاقة مضطربة مع الوالد، وشعور عام بالضياع. حين صارحت زهرة دوشيانت بعقدة حياتها بدأت تشعر بالأمان وبالحميمية نحوه، كما أن دوشيانت الذي ظل يشعر بحبه لكاجال يشعر بألفة نحو زهرة وبالاقتراب وبالانجذاب، لكنه لم يفكر أن ما يشعر به نحوها ربما يتطور لعلاقة حب.

عقدة الأب..

تناولت الرواية عقدة الأب والتي تخلق كوارثا وعقدا نفسية داخل نفس الإنسان سواء أكان ذكرا أم أنثى، دوشيانت قد أصبح على ماهو عليه بسبب العنف المفرط من قبل والده، والذي كان يضربه ضربا مبرحا ويطفئ السجائر في جسده، أمام سلبية أمه وعجزها عن الدفاع عنه، فقد خلف ذلك العنف آثاره الكبيرة على حياة دوشيانت والذي رغم أنه أصبح متفوقا في الدراسة إلا أنه لم يتخلص من الشعور بعدم الأمان ومن الكراهية تجاه والديه، بل أصبح هو أيضا عنيفا واغتصب حبيبته حينما كان تحت تأثير الخمر.

وزهرة التي تنتمي لعائلة ثرية فقد عانت هي أيضا، وهذه المرة لم تعاني من عنف الأب وإنما من تجاهله وعدم اهتمامه ومن عدم مساندته لها حين تم اغتصابها، مما سبب لها عقدة نفسية خطيرة جعلتها تكره الرجال وترتعب حين تتعامل معهم، وعاشت سنوات طوال بإحساس الخزي والعار وعدم الأمان، لكن في النهاية حاول والدها طلب الغفران منها بعد أن عرف أنه أذنب في حقها حين لم يصدقها أو يساندها وهي طفلة، ولم يهتم بمعرفة معاناتها مع ما حدث لها من اغتصاب. واستطاعت أن تسامحه رغم سنوات من العذاب والمعاناة

الموت ينتصر في النهاية..

رغم ما ازدحمت به الرواية من تفاصيل وأحداث وتجارب عاشها الأبطال، ورغم تمني القارئ أثناء قراءته للرواية ألا تنتهي بموت دوشيانت أو بيهو إلا أن الموت انتصر في النهاية، وكان لابد له من اختطاف أحدهما، في حين أن الآخر نجا من براثن الموت بأعجوبة، فقد تبرعت بيهو بأعضائها لدوشيانت الذي كان يحتاج لكبد وكلي، بعد أن تدمرت أعضاءه من جراء سعيه لتدمير نفسه. وربما سارت الرواية على هذا الدرب لتؤكد على أن الحياة ليست حانية بما يكفي وأنها تقسو أحيانا وتكون حانية في أحيان أخرى، فهي تعطي الحب وتسمح أيضا للموت باختطاف الأرواح بغتة.

الكاتب..

ولد «دورجوي داتا» في السابع من فبراير عام 1987، وهو مؤلف لستة أعمال أدبية، تميزت بأنها من الكتب الأكثر مبيعًا في الهند، وتتسم أعماله وشخصياته الروائية، بالكوميديا السوداء والواقعية، كما يعرف عنه الجرأة في اختيار كل ما يقدمه من أعمال، وباع«دورجوي»، أكثر من مليون نسخة من أعماله خلال السنوات الثلاثة الماضية، كما يحتفظ بصاحب الترتيب الثالث في الهند بين المؤلفين الأكثر مبيعًا وفق إحصائيات «ايه سي نيلسين»، لمبيعات الكتب.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة