23 ديسمبر، 2024 3:06 ص

رواية بريد الجحيم.. ترصد دروب المعاناة التي يعايشها جيل الانتفاضة

رواية بريد الجحيم.. ترصد دروب المعاناة التي يعايشها جيل الانتفاضة

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية (بريد الجحيم) للكاتبة الفلسطينية “إيناس عبد الله” تحكي عن جيل الانتفاضة في رام الله، كيف يعيشون معاناتهم وأوجاعهم، في وطن بائس ومع اغتراب ذاتي وحقيقي.

الشخصيات..

هبة: البطلة الرئيسية، فتاة من الطبقة الوسطى، تعيش في رام الله، تتزوج من فلسطيني يعيش في أمريكا لكنها تنهي زواجها بعد خيانته لها، وتعود إلى رام الله لتكتشف أن بها مرض مميت.

لينا: صديقة “هبه”، عاشت طفولتها في تونس ثم عادت إلى رام الله ما بعد اتفاق أوسلو، تزوجت وكانت تعمل صحفية لكنها استقالت بسبب وحشية المجازر التي تحدث، اكتشفت خيانة زوجها مما جعلها تعيش حياة صعبة.

فارس: أحبته “هبه” لكنها لم تتزوجه لاعتراض أهلها عليه بسبب أنه مناضل، وسافر إلى أوروبا بعد ذلك.

ياسر: زوج “لينا”، يعمل في شركة ثم أصبح رجل أعمال، أقام علاقة مع فتاة يعمل معها مما ساهم في زعزعة زواجه من “لينا”.

قصي: شاب فلسطيني كان يشترك في النضال، سافر روسيا ثم عاد، تم القبض عليه واحتجازه في سجن اسرائيلي ويعاني من التعذيب الوحشي داخل السجن، كما أنه دخل ورفاقه في إضراب طويل عن الطعام وكان يتلقى رسائل من “هبه” كنوع من الدعم النفسي ثم تم الإفراج عنه.

جد وجدة هبه: جد “هبه” رجل قوي يمتلك مزرعة زيتون في رام الله، وحين حلت النكسة رفض ترك أرضه والهرب بعيدا، وأجبر عائلته على البقاء ومات في اليوم التالي، واستأنفت الجدة الحياة في رام الله رغم هجرة كثير من أبناءها، وظلت تزرع الأرض ثم بنت بيتا آخر لأولادها حين يعودون وكانت قوية وحازمة.

أبو لينا: خرج من بيروت بعد الحرب الأهلية هناك، حاول أن ينتحر بالقفز في المياه لكن تم إنقاذه وذهب وتزوج في تونس من لاجئة أيضا، وكان يصر على تعليم ابنته في مدرسة فرنسية بعيدا عن مدارس اللاجئين، وحين ماتت زوجته بسرطان تزوج من فلاحة فلسطينية ورجع ليزرع أرضه.

ستيف: الرجل الذي تزوجته “هبه”، اسمه “سيف” فلسطيني من رام الله، كان يخونها مع راقصة تعري ويعاملها بسادية، وفي النهاية تزوج فتاة فلسطينية أخرى بعد أن أصرت على الطلاق منه.

رنا: فتاة أردنية، قام أخوها بحز رقبتها بسكين لأنه شك في أنها تقيم علاقة مع زميل لها، ولم يقم أهلها بانقاذها واستطاعت أن تهرب قبل أن يتم ذبحها وتلجأ إلى أمريكا، وتزوجت هناك وأنجبت طفلين وكانت تتلقى الدعم النفسي، ثم عادت إلى الأردن لرؤية أمها التي تحتضر فقتلها أخوها بالرصاص.

والدكتور قاسم: باحث عراقي متخصص في مجال الآثار، كان يحاول حماية الآثار وإرجاعها إلى العراق بعد غزو أمريكا لها، حين عاد إلى العراق مع ابنته قتله المهربون العراقيون بدعوى أنه متعاون مع المخابرات الأمريكية، وكانت زوجته قد قتلت من قبل في العراق وهاجر إلى امريكا بعض الوقت.

الراوي..

تتميز الرواية بتعدد الأصوات، حيث تحكي “هبه” بضمير المتكلم المساحة الأكبر من الرواية، وتحكي “لينا” أيضا بضمير المتكلم، ويحكي “قصي” من خلال رسائله إلى “هبه”، وقاسم يحكي من خلال رسالة متخيلة تخيلتها “هبه”، وحتى “ستيف” يحكي بصوته، تعدد الأصوات يعطي ثراء للرواية ويساهم في جعل القاريء يتماهى أكثرمع الأبطال.

السرد..

السرد محكم البناء، يعتمد على تعدد الأصوات كما يعتمد على رسائل وعلى حكي كل شخصية عن شخصيات أخرى وعن مقتطفات من ماضيها، الرواية تقع في حوالي 220 صفحة من القطع المتوسط، لا تعتمد على تصاعد الأحداث بشكل أساسي وإنما على الحكي عن الماضي أيضا ومعاناة اللحظة الراهنة، وتنتهي نهاية مفتوحة لا نعرف منها هل ماتت “هبه” وهل تقابلت مع “فارس” أم لا ؟.

جيل الانتفاضة ودروب المعاناة..

أهم ما يميز الرواية أنها تتناول شريحة من شباب جيل الانتفاضة الذين ولدوا في سبعينات القرن الفائت، وكانوا وقت انتفاضة فلسطين الأولى مراهقين، شريحة تنتمي للطبقة الوسطى التي لا تعاني من عوز مالي مثل “هبة” و”لينا” وإنما تتمحور معاناتهم حول أمور أخرى أهمها فقدان الوطن والاغتراب في بلدان أخرى، ف”لينا” تربت في تونس وأصر أبوها على تعليمها في مدرسة فرنسية حيث كانت تعاني من اعتداء طفل متنمر عليها ومن معاملة سيئة لأنها لا تشبه باقي الأطفال هناك، ولكنها تركت تلك المدرسة بعد إلحاح من أمها وانتقمت من الطفل المتنمر قبل ذهابها، لكن ظلت تلك المعاملة السيئة تلاحقها في شبابها وتعاني أيضا من زوج خائن، ومن تسرب الحب من زواجها منه، وهذا الأمر أودى بها إلى التفكير في الانتحار بأن تقتل جنديا إسرائيليا لتموت برصاصات العدو، لكن لم تنجح المحاولة وتعود لطفلتها الصغيرة، تعاني أيضا من عجزها أمام المجازر التي تحدث للفلسطينيين فهي لا تستطيع التعايش مع تلك الوحشية.

أما “هبه” فتعاني من مرض كان سببه حادثة سقوط لها في طفولتها ومن فقدان حبيبها بسبب تعنت الأهل وتزويجها من رجل آخر، ومن اغترابها في أمريكا معه والعيش في بلد آخر مع زوج خائن، لكنها تعود سريعا إلى رام الله تعيش حياة خاوية لأن حبيبها بعيد عنها، ولأن المرض ينهكها كما أن موت أبيها ساهم في زيادة معاناتها.

لكن الرواية لا تتوقف عند البطلتين “هبه” و”لينا” وإنما تصور معاناة السجين الذي يتعذب بوحشية في السجون الاسرئيلية والذي يعتبر “قصي” نموذج له، يقضى سنوات من عمره في احتجاز انفرادي وفي تعذيب ولكنه رغم ذلك يحتفظ بالأمل، كما يقرر الصمود والنضال من خلال إضراب طويل عن الطعام يكاد يودي بحياته، وهو يتلمس أية مظاهر للحياة من خلال رسائل ترسلها إليه “هبه” كوسيلة لدعمه كسجين، فبعض الشابات فكرن أن يتواصلن مع بعض السجناء بالرسائل لإعطائهم دعما نفسيا ولخلق صلة بالحياة تساعدهم على التمسك بها،يشرف الصليب الأحمر على آلية إرسال الرسائل لكنها قد تتأخر، وهي الصلة الوحيدة التي تربط “قصي” بالحياة في الخارج لكنه يساهم هو نفسه في دعم “هبه” في مواجهة مرضها المميت.

وفي طيات الرواية تتحدث “هبه” عن رام الله وعن تحولاتها بعد اتفاق أوسلو وأحوالها وكيف أن هناك شباب يتسلحون ويسعون إلى الموت في مواجهة عدو قاسي، في حين أن هناك آخرون ينشغلون بأمور حياتية أخرى، وكيف أن جيل كامل ضائع ما بين وطن لا يمتلكونه بشكل حقيقي  وما بين الاغتراب في بلدان أخرى، وما بين محاولة العيش وفق ما هو متاح والاستمتاع به.

كما ترصد الرواية معاناة “فارس” الذي سافر للجوء في أوربا لكنه لم يستطيع أن يأخذ رقما بسبب الازدحام الشديد، وأصبح وجوده غير شرعي فهرب خوفا من ترحيله مرة أخرى إلى فلسطين وأصبح يعيش في العراء ينتظر الطعام ممن يتعاطفون معه.

ولم تقتصر الرواية على الفلسطينيين وإنما امتدت لتحكي عن “رنا” الأردنية التي فقدت حياتها كضحية لجرائم الشرف الذكورية وتعنت أخ مريض نفسيا.

كما رصدت ما يحدث في العراق من خلال “الدكتور قاسم” من نهب للآثار بواسطة أمريكا وعصابات التهريب في الداخل، ووحشية الامريكيين في التعامل مع العراقيين وأفعالهم المشينة من اغتصاب وقتل وتدمير وتفجير للبيوت.

الرواية تتميز بلغة عذبة أقرب إلى اللغة الشعرية ورسم محكم للشخصيات وتصوير معاناتها الداخلية وانفعالاتها، خاصة الشخصيات النسائية، كما ترصد الحنين إلى أيام زراعة الزيتون والى أيام الخير في فلسطين.

الكاتبة..

إيناس عبد الله، كاتبة فلسطينية، صدر لها (مبللة بالمنافي، مجموعة شعرية- لا ملائكة في رام الله، رواية- بريد الجحيم، رواية).

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة