24 نوفمبر، 2024 11:26 ص
Search
Close this search box.

رواية المعلم ومارغريتا.. تشوهات المجتمع الروسي في الثلاثينات

رواية المعلم ومارغريتا.. تشوهات المجتمع الروسي في الثلاثينات

 

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية (المعلم ومارغريتا) للكاتب الروسي “ميخائيل بولغاكوف” ترجمة “يوسف حلاق” تحكي عن الشيطان الذي يقوم بزيارة إلى الاتحاد السوفيتي في فترة الثلاثينات من القرن العشرين، ويقوم بأعمال سحر تثير الفوضى في موسكو وتنشر الذعر بين الناس.

الشخصيات..

فولند: هو الشيطان الذي يزور موسكو.

المعلم: كاتب، لقبته حبيبته “مارغريتا” بالمعلم، كتب رواية عن “بيلاطس البنطي” وبسبب هجوم النقاد الشرس أحرقها، وأُودع بعدها مصحاً للأمراض العقلية.

مارغريتا: امرأة متزوجة، أحبت “المعلم” لأنها تعيش حياة تعيسة وتعود في النهاية له.

بيلاطس البنطي: الحاكم الروماني الذي حكم على المسيح بالصلب بناء على أوامر اليهود، يظهر في الرواية في حكاية بصوت “فولند”. ويبدو متعاطفا مع المسيح ورافضا لقتله، لكن يجبره مجمع الكهنة اليهودي على الحكم بقتله.

يشوع الغناصري: اسم ليسوع الناصري، يظهر في الرواية قبل الحكم عليه بالقتل بقرار “بيلاطس البنطي” ويبدو رجلا داعيا للسلام والمحبة.

كرفيوف/فاغوت: أحد أفراد جماعة الشيطان، يقدم نفسه على أنه مترجم “فولن”د معلم السحر الأسود الشهير، ويُقدم على أنه “مواطن” محتال.

بغموت: قط ضخم هو أحد أفراد جماعة الشيطان، يتجول بصحبة “فولند” و”كرفيوف” ليشوش الناس في موسكو، حينما يريد فإنه يظهر على شكل رجل شبيه بالقط.

إزازيلو: شخص قبيح له ناب كبير، قاتل مأجور يعمل مع “فولند”.

غيلا: هي خادمة الشيطان العارية، وهي مصاصة دماء تشارك في بعض الأعمال.

يهوذا: الخائن الذي يشي ب”يشوع الغناصري”، يُقتل بتدبير “بيلاطس البنطي”. و”يهوذا” هو “يهوذا الاسخريوطي”.

إيفان بزدومني: شاعر وعضو في جمعية الماسوليت الأدبية، يكتب في البداية قصيدة تثبت عدم وجود المسيح، ويدخل في جدل مع “برليوز” حول وجود الشيطان والمسيح. يقابل “فولند” وجماعته، ويرى موت “برليوز” لينتهي بعدها في المصحة مريضا بالشيزوفرينيا، حيث يقابل “المعلم”.

برليوز: رئيس رابطة الماسوليت الأدبية، يجادل “بزدومني” حول وجود الشيطان والمسيح، ويقابل “فولند” الذي يخبره بكيفية موته، ويموت “برليوز” ميتة بشعة في بداية الرواية.

وهناك شخصيات أخرى يقوم الشيطان بالتلاعب بهم.

الراوي..

الراوي عليم، يحكي الرواية لكن “فولند” هو ما يحكي عن المسيح و”بيلاطس” وهي حكاية داخل الرواية لها أهمية كبيرة.

السرد..

السرد يعتمد على حكاية غرائبية هي الأساس، ويسير في حكي متصاعد للأحداث لكنه غزير ومتشابك، فالشخصيات كثيرة والأحداث كثيرة تدور معظمها حول أفعال الشيطان في موسكو، وتأثيره على عدد من الشخصيات، لكن وأثناء تحركات الشيطان وجماعته نرى المجتمع الروسي في موسكو وكيف أصبح في الثلاثينات تحت الحكم الشيوعي وتفاصيل كثيرة عنه، كما يعتمد السرد على أحداث غرائبية وسحرية من فعل الشيطان وجماعته، لكن الراوي العليم يؤكد بحكيه أنه سحر، لكن يقدم وجهة نظر المجتمع الروسي بأنه تنويم مغناطيسي لمجموعة كبيرة من المواطنين خلف كل تلك الأحداث الغرائبية والحرائق. وتكون النهاية مزدحمة أيضا حيث يتتبع الراوي مصير معظم الشخصيات التي تماست مع الشيطان. الرواية تقع في حوالي 480 صفحة من القطع المتوسط.

تشوهات المجتمع الروسي في الثلاثينات..

ربما تنبع شهرة رواية (المعلم ومارغريتا) على مدى سنوات طوال ليس بسبب استخدامها لفكرة أفعال الشيطان بالناس، وثنائية الخير والشر، أو حتى لتقديمه تصورا مختلفا عن الحاكم “بيلاطس” وإظهاره بمظهر الرجل الرحيم الذي كان لا يريد إصدار الأمر بقتل المسيح، وإنما أجبر عليه، وأنه في النهاية انتقم لموته من “يهوذا”. ولكن ربما اشتهرت لأنها فضحت المجتمع الروسي في الثلاثينات تحت حكم النظام الشيوعي الصارم بقيادة ستالين، فقد بينت أثناء مسيرة الشيطان وجماعته في موسكو وقيامه بأفعال شيطانية، وأفعال خيرة أيضا، أن المجتمع الروسي في موسكو مجتمع متحلل، فالناس لا يجدون أماكن للسكن لدرجة أنهم يقومون بحيل لاإنسانية حتى يحصلوا على أماكن للسكن داخل العاصمة موسكو.

فقد وشى أحد المواطنين ب”المعلم”لدى الشرطة بأنه ألف رواية ضد أفكار النظام الشيوعي، وتم إيداعه إلى مصحة الأمراض العقلية بسبب ذلك، وانتزعت منه شقته والتي كانت في حالة يرثى لها ليسكن بها الواشي، مما يعني انتشار الفقر بين عدد كبير من الناس، وعدم وجود خدمات إنسانية حتى أن الناس يتقاتلون على أماكن للسكن مزرية. كما رصدت الفساد المستشري بين موظفي الدولة، وأنهم يتقاضون الرشوة ويستغلون نفوذهم ويعاملون الناس بازدراء، وأنهم ينقسمون إلى طبقات أيضا، فقد كان التفاوت الطبقي هائلا في المجتمع رغم أنه محكوم بنظام شيوعي.

الموظفين الكبار في الدولة هم الطبقة العليا والموظفون الصغار فقراء وباقي عامة الشعب فقراء، أيضا المجتمع الشيوعي مجتمع مغلق محكوم بقبضة من حديد يحارب حرية الإبداع ويقبض على الناس إذا تجرئوا وكتبوا عن أشياء تخالف السياسة العامة للدولة، بل أن من يجرؤ ويكتب ما يخالف توجه الدولة تنهدم حياته ويعيش في وضع بائس، مثل “المعلم” الذي أحرق روايته ودخل إلى مصحة عقلية، وأصبح مهددا بألا يعمل ويظل فقيرا طوال حياته. وجماعة المثقفين جماعة من الناس الذين يكتبون بشكل سيء ورديء، فقط يكتبون وفقا لسياسية الدولة ولا يهم مستوى إبداعهم وجودته ويتمتعون بمميزات عدة.

 

أما على مستوى الناس فقد جمعت الدولة الأموال والعملات الذهبية ومنعت تداول أية عملة أجنبية، وذلك بدعوى جمع المال لتنمية المجتمع، ومن يوجد لديه أموالا أو عملات أجنبية يتم القبض عليه. كما أن قبضة الأمن قبضة حديدية حتى أن الناس أصبحوا مهزومين نفسيا، وقد صرح الكاتب على لسان “المعلم” أن الناس حينما يكونوا مظلومين ومنهوبين ويعيشون في ظل نظام حكم ديكتاتوري قامع يلجئون للغيبيات بحثا عن راحة أرواحهم وعقولهم. لكنه رغم ذلك عمد إلى كتابة رواية تعتمد على هذه الغيبيات، وهذا يعد تناقضا صارخا.

أما على مستوى فكرة الخير والشر فقد تبنى الكاتب فكرة أنه لولا وجود الشيطان ولولا وجود الشر لما أصبح للخير قيمة، كما أنه جعل الشيطان يقدم خدمة خيرة لل”معلم” حيث أخرجه من المصحة وجمعه بحبيبته “مارغريتا”، وأعاد إليه مخطوطة الرواية المحروقة، بل وقد طلب منه المسيح أن يوفر للمعلم الراحة لذا فقد أخذه معه هو و”مارغريتا” ليعيشا في راحة أبدية.

أكدت الرواية على قيم مثل حرية التعبير وحرية الكاتب في أن يكتب كيفما يشاء، كما أكدت على أهمية الحب بين الناس وكيف أن المجتمع المحكوم بدكتاتورية يموت فيه الحب والمشاعر الإنسانية، وتتشوه نفوس الناس وأرواحهم.

عن الرواية..

وفقا لويكيبديا كتب”بولغاكوف” الرواية ثم أحرق مخطوطتها في 1930 ليأسه من إمكانية نشرها لموضوعها، ووضعه ككاتب مغضوب عليه، ثم أعاد كتابتها من ذاكرته في عام 1931، بعدها أنهى المسودة الثانية في 1936، ثم المخطوطة الثالثة في 1937، ثم بدأ المخطوطة الرابعة وكرس لها آخر أيامه حتى 1940. وبقيت الرواية مخطوطة حتى طُبعت أخيراً في 1967. ومنها اشتهرت عبارته التي جاءت على لسان “فولند” أحد أبطال الرواية: “المخطوطات لا تحترق أبداً”.

نشرت “إيلينا سيرجييفنا”، أرملة “بولغاكوف”، الرواية للمرة الأولى في مجلة موسكو الأدبية في حلقات منذ نوفمبر 1966 وحتى يناير 1967، وقد حذف منها ما يقرب من 12% من مجملها بداعي توفير المساحة، لكن الحذف كان على الأغلب بسبب التحفظات السوفيتية على مضمون الرواية، فحذف منها ما يتعلق بممارسات الشرطة السرية في القدس وموسكو، كما حذفت لغة “مارغريتا” الفظة والبذيئة. بعد ذلك انتشرت الأجزاء المحذوفة في كتيبات مطبوعة. ونُشر النص الكامل في باريس عام 1967، وبعدها نشر في ألمانيا عام 1969 مع إبراز الأجزاء المحذوفة بالخط المائل.

في 1973 نشرت الرواية كاملة للمرة الأولى بشكل كتاب صادر عن دار “خودوزهيسفيفينايا”، مع أعمال أخرى لم تنشر ل”بولغاكوف”، وقد أعدت المخطوطة للنشر الخبيرة “أنا ساكيانتز” بناء على مخطوطة 1940، واعتمدت طبعة 1973 على أنها الطبعة النظامية للدارسين والباحثين حتى 1989 حين صدرت طبعة جديدة منقحة للراوية بعد أن أعادت الخبيرة الأدبية ل”يديا يانوفسكايا” مراجعة جميع المخطوطات المتوفرة في كييف، وأصبحت طبعة 1989 هي الطبعة النظامية من الرواية.

نسخ “بولغاكوف” فصول الرواية الأخيرة إلى آخر مسودة، ومات قبل أن يلائم بينها وبين الرواية حسب نسختها الأخيرة، فتولت زوجته ضم الفصول الأخيرة من المسودات السابقة إلى المسودة الأخيرة للراوية، قبل إعداد النسخة الأخيرة من الرواية.

تُرجمت الرواية إلى العديد من اللغات من بينها الإنجليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية، كما تُرجمت إلى العربية مرتين، مرة بترجمة إبراهيم شكر في 1986 وحملت الترجمة اسم: (الشيطان يزور موسكو – المعلم ومرغريت). وترجمها أيضاً يوسف حلاق لتصدر عن وزارة الثقافة السورية في ذات العام.

صدرت الترجمتان العربيتان لرواية “المعلم ومارغريتا” في 1986، وحتى الآن لم تترجم النسخة الأخيرة المعتمدة من الرواية الصادرة في 1989.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة