13 أبريل، 2024 7:43 ص
Search
Close this search box.

مع كتابات.. محمد عبد الله دلة: الروائي ثائر سواء في أزمنة الحرب أو السلم

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: حاورته- سماح عادل

“محمد عبد الله علي دلة” كاتب سوداني، من مواليد 1987 بمنطقة جافلة شمال كردفان. تخرج من جامعة الخرطوم كلية الآداب- قسم الجغرافيا والآداب. صدرت له رواية (مملكة خالية من الأشرار).

إلى الحوار..

(كتابات) متى بدأت رحلة الكتابة وكيف تطور شغف الكتابة لديك؟

– اسمح لي سيدتي العزيزة أن نعدل من سؤالك قليلا لنقل متى بدأ خيالك في صناعة عوالم ونسج قصص؟ كانت البدايات من خلال الاستفادة من القصص الشعبية التي تزخر بها مناطق غرب السودان، البيئات التي عشت فيها لعبت دورا كبيرا في تكوين مملكة الخيال لدي، كنا نجلس في الليالي القمرية ونحن صبيه، كانت مقياس زعامتك في تلك الفترة تقاس بمدي قدرتك علي شد انتباه الناس وأنت تحكي القصص الشعبية، أنت لم تعد شيئا مذكورا إن لم تعد قاصا جيدا أمام الآخرين.

كانت لدي قدرة وأنا تحت سن العاشرة علي صناعة عوالم وقصص جديدة لم تكن مألوفة من قبل، حتى اتهمت بالكذب والجنون من بعض أصدقائي في ذالك الزمان، قصصي كان أبطالها أغنام ودجاج وصغار الكلاب والحمير. لم أسمع  بضرب من الكتابة يسمي الرواية أو القصة حتى وصلت إلي جامعة الخرطوم .

ومازلت أتذكر جيدا وأنا في أول محاضرة لي بكلية الآداب جامعة الخرطوم حيث دخل لنا الأستاذ الدكتور العالم الجليل “حمد النيل” أستاذ الأدب، قال في سياق التعريف بالكورس التي ندرسها: “يا أبنائي الطلاب هناك عدة أنواع من الأدب القصة والرواية” كانت في تلك اللحظة تجلس بجانبي إحدي الطالبات، لم تفصل بيننا سوي عقبة الاختلاف في اللون والعرق التي كانت أحد الحواجز التي تمنعني من التواصل مع الآخرين، والمصطنع من قبل النخبة الحاكمة، قالت لي وهي ترتجف: “لو سمحت يعني شنو الرواية البقولها الدكتور؟” أجبت هي نوع من أنواع الحيوانات كانت ترعاه العرب في زمن الجاهلية، ثم عدلت الإجابة سريعا عندما أحسست بأن إجابتي كانت غير كافية: “قلت هي نوع من أنواع الطعام تقدم للعروسين في زمن الجاهلية، وبدأت رحلة البحثـ وإذ أول رواية تقع في يدي هي رواية “الحب في زمن الكوليرا” قراءتها أكثر من عشر مرات متتالية تحت ذريعة هل الأحداث والشخصيات حقيقية أم لا؟.

تطور الكتابة لدي هو وليد أو ثمرة القراءة المستمرة، ولدي الآن ستة من المخطوطات ما زالت مدرجة علي قوائم الانتظار، الكتابة لدي لا تنفصل عن ذكريات الأيام الخوالي، لا أدب بدون ذكريات ولا ذكريات بدون أدب، كل من ينكر هذا الحقيقة وهو كاتب سيجف مداد قلمه ويسرق من أقلام الآخرين، إلي أن يتلاشي من  الحياة الأدبية. أيضا خوفنا من المستقبل يجلعنا دوما في رحلة البحث عن وطن بديل والخيال هو أحد تلك الخيارات.

(كتابات) رواية (مملكة خالية من الأشرار) حكت عن العنصرية وتقسيم الناس علي أساس القبائل احكي لنا عن هذا؟

– بحكم تنقلي بين أقاليم السودان المختلفة عشت هذا الإحساس، لكن علي الرغم من ذلك هناك شي ما يجعل ذلك الإحساس والشعور بالاختلاف هي من المهملات في زوايا بعيدة نستدعيها في ظروف معينة، كل الصراعات التي نسيمها قبلية هي في جوهرها تكتيكات سياسية لنخبة لا تريد سوي العزف علي هذا الوتر. الصراع القبلي بالمعني الحقيقي لم يصل لمرحلة الانفجار الأكبر حتى الآن، لأن المجتمعات السودانية تضع لنفسها مساحة قليلة أو لنقل منطقة وسطي للعيش مع الآخر.

لكن الجديد في حكومة الإنقاذ خاصة بعد الفصل بين جناح السلطة وأصحاب الفكر، استطاع الجناح المنفرد بالسلطة أن يوظف أدوات الدولة في خلق صراع بين المجتمعات، كان هناك صراع لكن صراع مختفي في القاع،يظهر بطرق غير عنيفة، مثلا تجد أحد أصدقاءك تيحكي لك عن تاريخ وبطولات وهمية لتاريخ القبيلة التي ينتمي إليها، هذا يمكن أن نسميه نوعا من أنواع الصراع غير العنيف.

(كتابات) في رواية (مملكة خالية من الأشرار) هل كنت تتنبأ بالثورة التي حدثت فيما بعد؟

– نعم لأن محاولات الشعوب للخلاص من الأنظمة المستبدة لم تتوقف منذ فجر التاريخ، للثورات قوانين وظروف وأزمان تحكمها، نستطيع أن نعرف متى تثور الشعوب وتصل إلي قصور الطغاة. وكما قرأت في الصفحة الأخيرة لرواية (مملكة خالية من الأشرار) وقد كتبتها في العام 2016 وهي تكاد تكون طبق الأصل لما حدث في القيادة، من اعتلاء أيقونة الثورة السودانية في سيارة مخاطبا الحشد، انظري إلي مشاركة المرأة الفعالة في الثورة وهي شبه تطابق بين تصرفات بطل الرواية “إيمان عبد الله “وحزبها “مملكة خالية من الأشرار”.

(كتابات) في رواية (مملكة خالية من الأشرار) هناك بعض الشباب الذين يسافرون إلى إسرائيل هل هذا من الواقع.. احكي لنا عن ذلك؟

– الموت بطلقة الجندي الأجنبي أفضل بكثير من الموت تحت تعذيب جنود بني وطنك، الشعوب في هذا اللحظة الحرجة من تاريخ البشرية في أشد الحاجة لكثر حواجز الحدود والاختلاف، نحن نشتاق لمعرفة خصوصيات الآخر المختلف عنا، ومازلت أضحك لعيون الصينيين واليابانيين وهم كذالك مندهشون لسواد بشرتنا، لماذا لا نستثمر في هذه الاختلافات لإنشاء موطنا يجمع بين كل الشعوب. لقد آن الأوان لصنع سفينة تتسع لكل البشرية، سفينة قوامها المحبة والسلام.

للعلم في إسرائيل الآن حوالي خمسة آلاف سوداني يجدون من الحرية وطعم الحياة ما كانوا يفتقدونه في موطن الميلاد، تلك القطعة الجغرافية التي ترعرعوا فيها وشهدت نمو أنسجة أحلامهم تحولت إلي موطن للنباتات لا تثمر ألا ثمار الكراهية.

وأوكد أنا سماح عادل من أجريت هذا الحوار أني ضد هذا الكلام وضد اعتبار الكيان الصهيوني دولة عادية يمكن التعامل معها مثل باقي الدول، لأنها كيان غاصب ومحتل ويستعمر أرض إخواننا الفلسطينيين.

في رواية (مملكة خالية من الأشرار) كانت “إيمان” نموذجا للمرأة التي تناضل من أجل المساواة بين الرجل والمرأة؟

– الطبيعي في السودان أن المرأة مشاركة في كل دروب الحياة، ويختلف هذا النشاط من منطقة إلي أخري. هي الشاعرة والكاتبة والمزارعة والعالمة لكن من غير الطبيعي ما حدث عند مجي نظام الإنقاذ، حيث حدد لها أماكن هامشية في الشأن العام، وخلقت رموز نسائية لمناصرة سياسة أولياء الحكومة، سرقة كانت أو  قتل الآخرين أو فتاوى مدفوعة القيمة. الكيرات اللاتي علا صوتهن من فترة لأخرى هربن بجلدهن للخارج.

ولو تأملنا في الرواية لم تثر مجموعة “إيمان” لاستعادة حقها في قيادة السيارة أو السفر من دون محرم أو حقها في السير علي الرصيف مكشوفة الشعر والرأس، وإنما كان نضالها هي نوع من أنواع محاولة استرداد حقها التي منحتها إياه الأديان والنظم الوضعية، لكن هناك معاناة أساسية تعاني منها كل النساء وهي عدم معرفة حقوقهن، سواء أكان حقها الديني أو الفطري. مما جعلها ضعيفة وعرضة للاستغلال المادي والمعنوي. بعد ثورة السودان العظيمة شاركت مدفوعة بمرارات القديم لكن تنقصها قيادة فعالة لأنها مازالت مرهونة بتوجهات الذكور.

(كتابات) لماذا اتجهت لكتابة الرواية هل بسبب طغيان الرواية علي الأنواع الأدبية الأخرى؟

– شوقنا للحرية دائما يدفعنا للبحث عن مساحات أوسع للتعبير عن أفكارنا، في ظل الأنظمة المستبدة، كل حدث عابر في اليوم هي مادة خام لصناعة حكاية تتسع لصفحات. لذلك أفضل الرواية علي الأنواع الأدبية الأخرى. سبب آخر تجعلني أميل إلي جنس الرواية، وهي الأزمات التي تعاني منها الإنسانية اليوم، مما يدفعني ويدفع كل أصحاب الضمير إلي البحث عن سرد يستطيع أن يعبر من خلاله عن أشواق اليتامى وجرحي المعارك، لذلك اليوم نقول بأن ضمير العالم يتعرض لسلطة الأقلام الروائية المحايدة بعدما اقترب الشعراء من قصور الطغيان واعتلوا ظهور الدبابات تشجيعا للآلة القاتلة التي لا تفرق بين الشيوخ والأطفال والأرامل والنساء.

(كتابات) ما تقيمك لحال الثقافة في السودان؟

– هناك انتعاش ومحاولة الكل أن يجعل من الثقافة جسرا للعبور إلي ضفة السياسة والنجومية، لكن عموما نحن نعيش إلي جانب الثورة التي أطاحت برؤوس الاستبداد ثورة سردية أخري تسير تحت الأرض، تفوه من رائحة مطر الشاش من فترة لأخرى.

(كتابات) لماذا يضطر الكتاب إلي النشر خارج السودان؟

– أنا اعتقد وهذا رأي شخصي أنا أولي الأسباب الذي يجعل الكاتب يفضل النشر بالخارج هي تكلفة صناعة الكتاب في الداخل، إضافة إلي تميز دور النشر الخارجية من حيث التحرير والترويج، وتكلفة الكتاب بالخارج عادة ما تعني جودة ونوعية الكتاب. هناك رغبة لبعض الكتاب في محاولة اجتياز الحدود.

لكن في السنوات الخمس الأخيرة هناك أبواب للأمل بدأت تتفتح، ومازالت تتسع يوما بعد يوم، هناك دور نشر فتية ولها الرغبة والشغف في صناعة الكتاب.

(كتابات) في رأيك هل ستؤثر الثورة علي الأدب السوداني والثقافة بشكل عام؟

– كل سطر يكتب أو مساحة خالية من الورق تلون هي شكل من أشكال الثورة علي شيء ما، والقلم الروائي قلم ثائر بامتياز سواء أكان في أزمنة الحروب أو أزمنة السلم، وفي حالة الاستبداد والديمقراطية في كلا الحالتين هناك أقلام تكتب بمداد من الأشواق والرغبة في الخلاص من النظام القديم.

الثقافة هي رحلة البشر إلي الجانب الأفضل من الحياة، والفرار الدائم من الآلة الثابتة. طوال الثلاثين عاما كان السودان مسروقا ومملوكا لهؤلاء الذين يعتقدون بأن الله أعطاهم مفاتيح الجنان، كانت سياط الحكومة موجهه بشكل أساسي إلي ظهر الإبداع والمبدعين.

لكن بعد الثورة هناك أقلام نهضت وتغذت من رماد النظام المباد، وهناك أصوات وألحان موسيقية بدأت تسمي من آفاق بعيدة، تقترب يوما بعد يوم.

(كتابات) ما توقعاتك للثورة السودانية وهل حققت في رأيك جزء من أهدافها؟

– الجزء الأكبر من أهداف الثورة لم يتحقق بعد، تمر الثورة الآن بمرحلة تسابق الأعداء لسرقتها من الداخل والخارج، وهنالك مشكلة  مزمنة تعاني منها الثورة السودانية وهي العمل بأدوات النظام القديم، والإقصاء تحت ستار كل من أكل في إناء ذلك النظام المباد فهو معه، لكن يبقي الأمل موجودا لأن تلك الحشود التي اعتلت المنصات وأسقطت النظام كفيلة بأن تحافظ علي ثورتهم.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب