خاص: قراءة- سماح عادل
رواية (الزوج) للكاتب الأمريكي “دين كونتز” هي قصة بوليسية تعتمد على الغوص داخل الشخصيات لتبرير تصرفاتهم، سواء الإجرامية أو تصرفاتهم تجاه الشر والجريمة.
الشخصيات..
ميتشال رافيرتي: البطل، شاب في أواخر العشرينات، يعمل بستانيا، ويدير عملا صغيرا، تختطف زوجته فجأة ويجد نفسه في مأزق تخليصها من الخطف بدفع فدية مالية أكبر من قدراته المادية، ليكتشف أثناء محاولته إنقاذ زوجته المفاجأة الكبرى في حياته، عاني البطل في طفولته من أبوين متحجري المشاعر، متخصصان في علم النفس وكانا يطبقان نظرياتهما على أطفالهما الخمسة، وكانا يعرضونهم لأنواع من التعذيب بحجة توجيه سلوكهم نحو الأفضل.
هولي: زوجة البطل، تعمل سكرتيره في إحدى الشركات، وتدرس لتلتحق بالعمل في مجال العقارات، تربت على يد جدتها بعد أن توفى والداها، عاشت حياة سعيدة مع زوجها إلى أن جاءت حادثة اختطافها والتي قلبت حياتها.
ايغى بارنز: مساعد البطل في عمله الصغير، رجل طيب وبسيط.
دانيال: أبو البطل، متخصص في علم النفس، يربي أولاده بطريقة صارمة تصل إلى حد عزلهم في غرفة مظلمة مزودة بجدران عازلة للصوت لأيام طويلة، وحرمانهم من الطعام وأساليب أخرى أدت إلى ظهور عقد نفسية لدى أطفاله، وهو مولع بجمع بيضات الديناصور.
كاتي: أم البطل، وهي متخصصة في علم النفس، وكانت شريكة لزوجها في المعاملة السيئة التي عاملتها لأطفالها الخمس، وكانت أم غير مبالية بأطفالها.
أنسون: شقيق البطل الكبير والذي كان يعتقد طوال حياته أنه مرشده ومساعده، في التغلب على العقد النفسية التي سببتها الطفولة البائسة لهما، لكنه يكتشف أن أخاه قد سلك طريق الجريمة والتربح من الأعمال القذرة، ووصل به الأمر إلى التضحية بأخيه وقتل أباه وأمه.
الراوي..
الراوي عليم، يحكي عن “ميتش” و”هولي” بالأساس، يتتبعهم في مجريات الأحداث، وينقل مشاعرهم ومخاوفهم وانفعالاتهم ويحكي عن باقي الشخصيات من الخارج.
السرد..
يعتمد السرد على التشويق والتسلسل وعلى إيهام القارئ بأشياء أثناء سريان الأحداث ثم كشف أشياء أخرى، القصة بوليسية في مجملها لكنها تعتمد على تحليل سيكولوجي مبسط للشخصيات، وعلى أدق التفاصيل في السرد حيث يصر الكاتب على وصف الأماكن والأشياء من حول البطلين “ميتش” و”هولي”، ووصف الشخصيات جسديا ووصف تحركاتها بالتفصيل، ويعتمد الكاتب على هذه التفاصيل الدقيقة لزيادة تشويق القارئ لكنها قد تبدو مملة لبعض القراء، الرواية تقع في حوالي 357 صفحة من القطع المتوسط، وتنتهي نهاية سعيدة ينتصر فيها الخير.
الجريمة وتطور الشخصية..
رغم أن الرواية تدور عن قصة بوليسية محضة إلا أنها تتميز بخلفية سيكولوجية لا بأس بها، كما يهتم الكاتب بتقديم وصف نفسي لأغلب الشخصيات، لكن ما يلفت النظر للرواية أنها اعتمدت على شخصية حية هي شخصية “ميتش” التي تطورت وحدثت لها تغييرات كبيرة نتيجة لتعرضه إلى جريمة اختطاف زوجته، والتهديد بقتلها بعد تعذيبها، مما وفر لديه مؤثرا قويا لتتغير شخصيته من رجل هادئ مسالم بسيط يدير عملا صغيرا، ويعمل في مجال زراعة النباتات، ويعيش حياة بسيطة مع زوجته، إلى رجل شجاع سريع البديهة قادر على التغلب على مجرمين محترفين، وتجاوز مواقف غاية في الدقة، قد تودي بحياته في لحظة خاطفة، حتى أنه يستطيع في النهاية إنقاذ زوجته والتخلص من الفخ الذي وضعه فيه أخيه، الذي كان ينتوي قتله وإلصاق تهمة قتل والديه إليه.
عالم الجريمة والمال..
وبما أن الكاتب حين يكتب رواية ما لا يكون قاصدا بشكل واعي تقديم رصد لمجتمعه، إلا أن المجتمع الذي تدور فيه الرواية يظهر رغما عن الكاتب ودون إرادة منه، ويفرض نفسه رغما ليتضح لنا أن الرواية تنقل بعض ملامح هذا المجتمع، سلبياته وايجابياته، وفي هذه الرواية أهم ما يلفت نظر القارئ أن الرواية رصدت عالم الجريمة القذرة في أمريكا، متمثلة في “أنسون” الذي تورط في عالم الجريمة لأجل جمع المال، رغم أنه متفوق وحصل على الماجستير والدكتوراه في مجال اللغويات، وتفوق في مجال الكمبيوتر إلا انه استخدم مهاراته لمساعدة المجرمين وتحصيل مبالغ ضخمة، وقد كان يساعد أحد المجرمين على ترويج أفلام إباحية يتم فيها اغتصاب أطفال والاعتداء عليهم جنسيا، والمتربح من هذه الأفلام الأشخاص الذين يقومون بالاعتداء الجنسي على الأطفال، والذين يديرون عملية الترويج لهذه الأفلام وتوفيرها للمرضى ممن يحبون مشاهدة الجنس مع الأطفال.
وقد تربح “أنسون” من وراء تسهيل عملية الترويج لهذه الأفلام على شبكة الانترنت مبالغ طائلة، ولكنه في إحدى عملياته يقوم بسرقة بعض المجرمين فيقومون باختطاف زوجة أخيه، لاسترداد المبلغ الذي سرقه منهم عن طريق خداعهم في العمل، لكنه لا يهتم ويجد ذلك الاختطاف فرصة للتخلص من أخيه، ولقتل والداه القاسيين وإلصاق التهمة بأخيه، لكن “ميتش” يتسرف بثبات ويستطيع تجاوز تلك الأحداث المتلاحقة دون مساعدة من الشرطة، يساعده في ذلك أن المجرمين الذين اختطفوا زوجته كانوا طماعين وقتلوا بعضهم بعضا ولم يتبق منهم إلا واحد.
كما تكشف الرواية عن أشياء أخرى وهي أن الشرطة تتصف بالبيروقراطية في أمريكا، وأن إجراءاتها بطيئة وقد تؤدي إلى فقدان الناس لأرواحهم في جرائم مثل الاختطاف والمطالبة بفدية، لذلك لم يثق بهم “ميتش” وقرر التصرف خارج معرفة الشرطة، موضحا في الرواية أن تلك الإجراءات البيروقراطية تسهل حدوث الجرائم، فكل مكان له دائرة قسم محددة، وحتى الشرطة الفيدرالية لها عيوبها أيضا وإجراءاتها الطويلة.
كما تكشف الرواية عن عالم الجريمة القذر المرتبط بمجتمع رأسمالي وحشي، حيث يتم استغلال الأطفال لأجل جمع المال وترويج البغاء للمرضى والمعقدين نفسيا، فقط لأنهم يملكون المال للدفع، ففي مجتمع رأسمالي مثل أمريكا كل شيء عرضة للبيع والشراء، حتى الأطفال الأبرياء وأجسادهم.
كما تكشف الرواية عن حقيقة هامة وهي أن الأشخاص الذين يعانون من طفولة بائسة غالبا ما يكونون ضحية للتورط في عالم الجريمة، مثلما حدث ل”أنسون” الذي تعرض لوسائل أبويه المريضة والتي كانا يدعان أنها وسائل علمية لتربية الأطفال، حيث كانا يحبساه لأيام طويلة في غرفة معتمة لا تسمح بدخول الأصوات، كما كانا يتركانه عاريا لأيام أمام باقي أشقاءه ويتعمدون إذلاله حتى يتخلص من الخجل والحياء.
الكاتب..
“دين كونتز” كاتب وروائي أمريكي, ولد عام1945، قال أنه في العادة كان يتعرض للضرب والإساءة من قبل والده المدمن على الكحول, وفي عامه الأخير في جامعه “شبينسبورغ” في ولاية “بنسلفانيا” فاز بمسابقة الخيال برعاية مجلة الأطلسي الشهرية, بعد التخرج في عام 1967، ذهب للعمل كمدرس اللغة الإنجليزية في مدرسة “مشانيسبورغ” الثانوية في “مشانيسبورغ”، بنسلفانيا, وقد عرف برواياته التي تحمل صبغة تشويق غامضة. كذلك تمتزج في رواياته عناصر رعب وخيال علمي وغموض وسخرية. ظهرت عناوين بعض كتبه في قائمة “النيويورك تايمز” لأعلى الكتب مبيعا.
من رواياته: (وجه الخوف المنشورة عام 1977- قلبك ينتمي- موعد مع الجريمة).