خاص: قراءة سماح عادل
رواية “الدكتور عوني” للكاتب العراقي “رياض المولى” تتناول العراق قبل وبعد الغزو الأمريكي في قالب سحري، حيث يسعى طبيب نفسي للتعرف على عالم الجان بطرق علمية.
الشخصيات..
دكتور عوني: طبيب نفسي، في الخمسينات من عمره، ينتمي لأسرة غنية كان والده طبيب، حرم من حبيبته لأنها لم تكن من نفس طبقته، ثم تخرج من إحدى الجامعات الانجليزية وأصبح طبيبا نفسيا شهير، وهو وقور ومهتم بالبحث العلمي لكنه يحاول التفتيش عن ظواهر خارقة بمنطق علمي وتحدث له أحداث غريبة.
هادي: مساعد “الدكتور عوني”، شاب متعلم فضل أن يعمل معه بعد أن عالجه من مرضه النفسي وظل مخلصا له سنوات طوال.
سناء: فتاة تعمل بالبغاء، حيث أجبرتها ظروفها على ذلك، فقد مات أبوها في حرب الكويت، واضطرت إلى الخروج من المدرسة والعناية بأشقائها الصغار، ثم تزوجت أمها من فران قام بالاعتداء عليها واغتصابها لتجد نفسها مجبرة على العمل في بيع الجسد، لأنها نفسيا مؤهلة لذلك كما أنها أصبحت تعول أمها المريضة، وحين تتزوج من “هادي” لا تستطيع أن تنسى عملها وتعود للعمل في البغاء ليقتلها “هادي”.
فرح: فتاة في العشرينات يموت أخوها في انتفاضة 1991، وبعد ذلك يلاحقها أحد أفراد الأمن محاولا إغواءها، وحين تقاومه يظل يلاحقها فتسعى للزواج من “الدكتور عوني” لكي تتخلص من هذا الشخص، لكنه يختطفها ويقوم بتعذيبها وتخرج منهارة نفسيا وفاقدة للنطق وتهرب من زوجها.
الدكتور فهمي: طبيب نفسي أجبر على الخروج من العراق بعد الغزو، لأن البلد أصبحت تدار من قبل الأحزاب والتكتلات، وساءت الأحوال فأصبح المتعلمون الذين يمتلكون خبرات يهربون للنجاة بحياتهم وعلمهم، وهو سيساعد “الدكتور عوني” في فهم اللغز الذي خطف من عمره عشر سنوات.
الراوي..
الراوي عليم، يحكي عن “الدكتور عوني” بشكل أساسي عن حياته وتطوراتها وعن تجربته في محاولة اكتشاف عالم الجان، ثم عن رؤاه الذهنية والتي تعكس المستقبل، ويحكي عن الشخصيات الأخرى من خلال “الدكتور عوني”.
السرد..
يعتمد السرد على أحداث غرائبية ليحكي من خلالها عن العراق وأحوالها قبل الغزو بسنوات قليلة، ثم بعد الغزو الأمريكي والتحولات التي حدثت للمجتمع أثناء ذلك.
تحول المجتمع بعد الغزو..
ترصد الرواية بشكل أساسي العراق والتحولات التي حدثت لها بعد الغزو الأمريكي، وإن كانت تناولت البلد قبل الغزو والحروب وما سببته للناس، ثم حكت عن نهب الناس للقصور والمستشفيات والمتاحف وباقي الأماكن الهامة، ورصدت كيف تحول المجتمع إلى الفوضى بعد الغزو الأمريكي وبمباركة منه، حيث لم يحم المؤسسات الهامة والحيوية من نهب الناس بعد أن هدم قوة الجيش والشرطة، كما ذكرت الرواية مخالفات الأمن قبل الغزو والذي كان يتعامل مع الناس بقسوة ووحشية وكان يديره أخو الحاكم غير الشقيق، والذي كان على خصومه مع ابن الرئيس والذي كان يدعم إحدى الصحف، لذا كانت هذه الصحيفة تهتم بنشر مخالفات الأمن مع أغلبية الشعب، فقد كان بعض أفراد الأمن يسعون إلى إغواء بعض الفتيات الفقيرات وإجبارهن على الدخول معهم في علاقات، ومن ترفض تتم ملاحقتها وتعذيبها واحتجازها في غياهب المعتقلات، مثل قصة “فرح” التي حكي عنها “الدكتور عوني” وهو تحت التنويم المغناطيسي.
كما رصدت واقع الفقر الذي عاني منه كثير من العراقيون بسبب الحروب المتلاحقة، والذي أدي ب”سناء” أن تعمل في البغاء لتستطيع أن تعيش، فلولا التحاق والدها بالجيش في حرب مميتة ما كانت وصلت إلى هذا المصير.
كما رصدت الرواية بدقة ما حدث للبلد بعد الغزو الأمريكي، حيث استهدف العلماء والمتخصصون إما بالاغتيال أو بالخطف، واضطر كثير منهم إلى الهجرة، ودارت حرب أهلية طائفية، فقد تسلح الشباب في محاولة منهم لرد العدوان لكن بدلا من أن يركزوا جهودهم على محاربة العدو الأمريكي أصبحوا يقتلون بعضهم بعضا على الانتماءات العرقية والدينية .
شخصية تحتفي بالعلم..
أكثر ما يلفت النظر إلى الرواية أن الكاتب اختار بطلا ايجابيا يعتمد على العلم بشكل أساسي في فهم كل شيء، اختار أن يتعلم الطب النفسي ليفهم نفوس الناس وتقلباتها في ظل أحداث سياسية واجتماعية متغيرة، وهو رجل وقور وخلوق يساعد المحتاجين ويعالج مرضاه بأمانة ونزاهة، وحتى حين حرم من الزواج من حبيبته، بسبب رفض عائلته لها لأنها تنتمي لطبقة أقل، قرر ألا يتزوج مرة أخرى وظل سنوات طويلة أعزبا ووحيدا، حتى عندما سعى لكشف ظاهرة الدجل والخرافة سعى إلى فهم ظاهرة الجن الذي يظهر للإنسان بطرق علمية رصينة، ولكن الرواية صورت الأمر على أن الجان عالم من الخوارق غير الطبيعية والتي لا تخضع لقواعد العلم، وكأنها مسلمة بوجوده، واستخدمت تلك الحكاية عن فقدان “الدكتور عوني” لعشر سنوات من عمره في لمح البصر لتحكي من خلالها ما يحدث للبلاد من تغيرات وتطورات نحو الأسوأ، وفي النهاية يظل “الدكتور عوني” وفيا لأفكاره ولمنطقه العلمي، ويبحث كل شيء بروية وفهم عميق، حتى حين يكتشف أن ما رصده ذهنه أثناء جلسة التنويم المغناطيسي هو رصد لأحداث مستقبلية يتعامل مع الأمر بهدوء وروية ودون تسرع.
الكاتب..
“رياض المولى” كاتب عراقي، لديه عملين روائيين..هما (منعطف الرشيد) رواية صدرت عام ٢٠١٦ و(الدكتور عوني) رواية صدرت بنهاية عام ٢٠١٨.