6 أبريل، 2024 9:23 م
Search
Close this search box.

جميل صدقي الزهاوي.. فيلسوف ومصلح اجتماعي وداعي لحرية المرأة

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص: إعداد- سماح عادل

هو “جميل صدقي بن محمد فيضي بن الملا أحمد بابان الزهاوي” كاتب وشاعر عراقي شهير ارتبط ظهوره بنهضة العراق اجتماعيا وثقافيا، ولد في بغداد عام 1863، ونشأ ودرس على يد أبيه وعلى يد علماء عصره.

حياته..

عين مدرسًا في مدرسة السليمانية ببغداد عام 1885، وهو شاب ثم عين عضواً في مجلس المعارف عام 1887، ثم مديراً لمطبعة الولاية ومحرراً لجريدة “الزوراء” عام 1890، وبعدها عين عضواً في محكمة استئناف بغداد عام 1892، وسافر إلى إسطنبول عام 1896، فأعجب برجالها ومفكريها، وبعد إعلان العمل بالدستور في عام 1908، عين أستاذًا للفلسفة الإسلامية في دار الفنون بإسطنبول ثم عاد لبغداد، وعين أستاذاً في مدرسة الحقوق، وعند تأسيس الحكومة العراقية عين عضواً في مجلس الأعيان.

نظم “جميل صدقي الزهاوي” الشعر باللغة العربية واللغة الفارسية، وتميز إنتاجه  بالكثرة والتنوع بين الشعر والنثر. وكان فخورا ومعتدا بنفسه فكتب عن نفسه في أواخر حياته قائلا: “كنت في صباي أسمى (المجنون) لحركاتي غير المألوفة، وفي شبابي (الطائش) لنزعتي إلى الطرب، وفي كهولتي (الجريء) لمقاومتي الاستبداد، وفي شيخوختي (الزنديق) لمجاهرتي بآرائي الفلسفية”، وكان يجاهر بإيمانه بنظرية التطور ويخالف آراء المجتمع العربي في وقته وينعتها بالجهل والتخلف، ونسبت إليه الزندقة في أواخر حياته لكثرة تفلسفه في العلوم، ولكنه كان مسلما ولم يكن ملحدا على الرغم من شيوع ذلك عند عامة الناس، وله شعر جميل في وصف الذات الإلهية وجمال صنع الخالق، وله مقالات فلسفية في المجلات العربية.

مجلس ثقافي..

وكان ل”جميل صدقي الزهاوي”  مجلس يحفل بأهل العلم والأدب، وأحد مجالسه في مقهى الشط وله مجلس آخر يقيمه عصر كل يوم في قهوة رشيد حميد في الباب الشرقي من بغداد، واتخذ في آخر أيامه مجلساً في مقهى أمين في شارع الرشيد وعرفت هذه القهوة فيما بعد بقهوة الزهاوي، ولقد كان مولعاً بلعبة الدامة وله فيها تفنن غريب، وكان من المترددين على مجالسه الشاعر “معروف الرصافي”، والأستاذ “إبراهيم صالح شكر”، والشاعر “عبد الرحمن البناء”، وكانت مجالسه لا تخلو من أدب ونكات ومداعبات شعرية، وكانت له كلمة الفصل عند كل مناقشة ومناظرة.

كان “جميل صدقي الزهاوي” معروفا على مستوى العراق والعالم العربي وكان جريئاً وطموحاً وصلباً في مواقفه، فاختلف مع الحكّام عندما رآهم يلقون بالأحرار في غياهب السجن ومن ثم تنفيذ أحكام الإعدام بهم فنظم قصيدة في تحيّة الشهداء مطلعها:

على كل عود صاحب وخليل             وفي كل بيت رنة وعويل

وفي كل عين عبرة مهراقة                وفي كل قلب حسرة وعليل

كأن الجدوع القائمات منابر               علت خطباء عودهن نقول

السفور والحجاب..

كما دافع “جميل صدقي الزهاوي”  عن حقوق المرأة وطالبها بترك الحجاب ويقصد به النقاب الذي يخفى معالم الوجه حيث قال:

اسفري فالحجاب يا ابنة فهر              هو داء في الاجتماع وخيم

كل شيء إلى التجدد ماض                فلماذا يقر هذا القديم ؟

اسفري فالسفور للناس صبح             زاهر والحجاب ليل بهيم

اسفري فالسفور فيه صلاح               للفريقين ثم نفع عميم

زعموا أن في السفور انثلاماً             كذبوا فالسفور طهر سليم

لا يقي عفة الفتاة حجاب                  بل يقيها تثقيفها والعلوم

وقال أيضا:

مزقي يا ابنة العراق الحجابا              أسفري فالحياة تبغي انقلابا

مزقيه وأحرقيه بلا ريث                   فقد كان حارساً كذابا

وقال عنه طه حسين: “لم يكن الزهاوي شاعر العربية فحسب ولا شاعر العراق بل شاعر مصر وغيرها من الأقطار، لقد كان شاعر العقل، وكان معري هذا العصر، ولكنه المعري الذي اتصل بأوروبا وتسلح بالعلم”

وقال عنه الشاعر العراقي “فالح الحجية” في كتابه (الموجز في الشعر العربي): “شعر الزهاوي يمتاز بسهولة الألفاظ واضح المعاني ثر الإنتاج وكذلك يتسم بالتأثر بالعلوم التي درسها واشتهر بالشعر الوطني والاجتماعي والفلسفة والوصف وأنشد في أغلب الفنون الشعرية).

فيلسوف ومصلح اجتماعي..

في مقالة بعنوان (جميل صدقي الزهاوي الشاعر الفيلسوف، الداعية الاجتماعية، ونصير المرأة وحريتها) يقول “سرور ميرزا محمود” :

“جميل صدقي الزهاوي، ينتسب إلى قبيلة (بابان) الكردية، أمراء السليمانية، ولهذه القبيلة شأن كبير في التاريخ الكردي الحديث، إذ قاد أمراؤها أكثر من ثورة كردية ضد الحكم العثماني في بدايات القرن التاسع عشر، ولعل أقدمها هي ثورة قادها عبد الرحمن باشا الباباني بين سنتي 1804– 1813، وهي القبيلة التي أنجبت الوزراء ورجال العلم والثقافة والطب والقانون ذو المكانة المرموقة لدى المجتمع العراقي.. الزهاوي قمة من القمم الشوامخ في تاريخ الأدب في العصر الحاضر، علم عملاق من أعلام شعراء النهضة الشعرية والأدبية في منتصف القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، اعتبره النقاد واحداً من مؤسسي النهضة الأدبية والشعرية في العالم العربي، فهو من شعراء الطليعة، تأثر كثيراً في الأشعار التي نظمها بالعلوم التي درسها وبالأفكار الغربية التي تأثر بها من خلال سفره إلى تركيا وأستنبول وعمله فيها كأستاذ للفلسفة الإسلامية فهو كان يجمع بين الثقافة التراثية والتقليدية وبين العلوم الجديدة، امتاز بروعة بيانه وقوة عارضته واتساع أفق خياله وغزارة مادته، نظم الشعر بالعربية والفارسية منذ نعومة أظفاره، آياته الشعرية من جزالة وسهولة، ذو النزعة الفلسفية والاجتماعية والسياسية والدينية، عرف بنزعته المتمردة والرافضة في المجالات التي تطرق إليها في شعره، ومنها التي طغت على شعره النزعة السياسية وذلك واضح من خلال النشاطات السياسية التي مارسها خلال حياته”.

ويواصل: ” له في الفلسفة “الكائنات”، وفي الأفلاك وسبرها “أجمل ما رأيت” وفي النثر “الجاذبية وتعليلها”، “الخيل وسباتها”، “أشراك الداما” ، “الفجر الصادق”، “المجمل مما أرى”، و”رباعيات الخيام” ترجمها شعراً ونثراً عن الفارسية، وشعره كثير يناهز عشرة آلاف بيت، منه “ديوان الزهاوي”، و”الكلم المنظوم”، و”الشذرات”، ورباعيات الزهاوي”، و”اللباب” و”أوشال” و”الثمالة”، سمير وليلى “رواية”.. ملحمته الشعرية الخالدة “ثورة جهنمية – نزغات الشيطان- منكر ونكير”، ويطلق عليها “ثورة في الجحيم”، ملهاة حوارية شعرية خيالية فلسفية واجتماعية ألفها الزهاوي وهو في بداية عقده السابع عام 1929 ليقاوم بعنفوانه ملامح الشيخوخة التي داهمته والمرض وتباشير العجز، بالمزيد من المرح وروح الفكاهة والمجون، تتميّز بالجرأة، يعرض فيهـا رؤاه وفلسفتـه ونظرته للحياة وأدبها والناس ومعتقداتهم من خلال سجل زيارته للجحيـم والنعيـم، وهي ملحمة فيها من نسق “رسالة الغفران” للمعرّي و”الكوميديا الإلهيّة” لدانتي واستعارات من القرآن الكريم حول النعيم والجحيم، فكـانت الملحمة الشعرية الفلسفية الوحيدة باللغة العربية استناداً إلى أدب العرب ومعتقداتهم بعد رسـالة المعري، الملحمة تهكم على العقل الدیني الخرافي، الأمر الذي جعل أئمة المساجد یطالبون بقتله باعتباره كافراً، فلما استدعاه ملك العراق لیستكشف حقیقة الأمر، قال الزھاوي: أردت أن أقیم ثورة على الأرض فعجزت فأقمتها في السماء، وكان من المفروض ترجمتها لتكون عالمية وتضاهي الكوميدبا الإلهية لدانتي، انصح بقراءتها لأنها تمثل النزعة الثورية للأدب العربي في الربع الأول من القرن العشرين”.

وحول المرأة يضيف: “إن الزهــاوي نصيراً عنيداً للمرأة وكتب في حريتها ومساواتها بالرجل الكثير من النثر والشعر، إحدى مقالاته في الدفاع عن المرأة نشرت في عام 1910 سببت له المتاعب وانتهت بتسريحه من وظيفته في إحدى مدارس بغداد وشن حملات كبيرة من قبل الكتاب المتشددين الذين وصفوه بالمارق، قيل أنها عرضت حياته للخطر وأدت إلى هجوم الناس على بيته، قصـائده في تحـرر المرأة كـانت أشد وقعـاً على الرجعيين والمتخلفين”.

وفاته..

توفي “الزهاوي” في 1936، ودفن بمشهد حافل في مدخل مقبرة الخيزران في الأعظمية.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب