23 ديسمبر، 2024 6:15 م

رواية الجانب المظلم للحب.. لا يعيش الحب في مجتمع طائفي

رواية الجانب المظلم للحب.. لا يعيش الحب في مجتمع طائفي

 

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية (الجانب المظلم للحب) للكاتب السوري “رفيق شامي”، وترجمة المترجم السوري “خالد الجبيلي”، رواية ثرية بالتفاصيل، تتناول الواقع السوري في حوالي مائة عام، ومحورها الأساسي هو علاقات الحب المحرمة اجتماعيا وعشائريا، والتي غالبا ما تنتهي بمأساة، ومن النادر أن تصل إلى بر الأمان ويعيش العاشقين في سلام.

الشخصيات..

جورج مشتاق: هو الجد الأكبر للبطل، مسيحي، أحب فتاة مسلمة واضطر إلى الهرب بها بعيدا، والتنقل في عدة أماكن إلى أن وصل إلى قرية معلا، وقد غير اسمه واسمها وبدأت حكايته، فقد أصبح أحد أثرياء القرية، وكان منافسا شرسا لشخص آخر كان سيد القرية، ودار صراع طويل امتد سنوات بين العائلتين.

زرقا: أو “ليلى”، الفتاة التي أحبها “جورج مشتاق” لكنها جنت بعد أن تعددت خيانته لها، وتركت له أطفالا، وكانت جميلة ذات عيون زرقاء.

شاهين: المنافس الشرس ل”جورج مشتاق”، وهو ابن قرية معلا، وكان يكره صعود نجم “مشتاق” وثراءه، وكان يحاربه بشتى الطرق وورث العداء لأولاده.

فريد: بطل الرواية الرئيسي، وهو حفيد ل”جورج مشتاق”، طفل وحيد يعيش قصة حب محرمة، ويتعذب لسنوات بسببها وبسبب جفاء أبوه تجاهه ثم ينتصر في النهاية.

رنا: حبيبة “فريد”، وهي تنتمي لعائلة “شاهين”، مما جعل حبهما ضربا من المستحيل، وبعد معاناة حياتية وسنوات طويلة من الألم تعيش معه في النهاية.

هناك شخصيات كثيرة داخل الرواية، ما بين شخصيات رئيسية وشخصيات ثانوية، وشخصيات يكتفي الراوي بحكي حكايتها بشكل موجز.

المكان..

يدور جزء كبير من الرواية في قرية معلا، حيث يحكي الراوي حكاية “جورج مشتاق” منذ هروبه إليها مع “زرقا” أيام حكم العثمانيين، أي حوالي بداية القرن العشرين، وكيف صعد نجمه وأصبح ثريا وعدوا ل”شاهين”، ثم يتتبع أولاده وأولاد “شاهين” أيضا، كما تنتقل الأحداث إلى دمشق حيث يعيش “فريد”، وإلى الدير الذي التحق به طفلا، ثم إلى سجنين من سجون السلطة الذين حبس فيهما “فريد” وتم تعذيبه.

الراوي..

الراوي عليم، يحكي على مدى زمن طويل متنقلا بين الأماكن، من بداية القرن العشرين وحتى فترة السبعينات منه، كما يحكي “فريد” أيضا في بعض المواضع من الرواية، يركز الراوي العليم بشكل أساسي على “فريد” و”رنا” وشخصيات أخرى مثل “كلير” أم فريد و”الياس” أبوه، وأيضا عائلة “شاهين” وبعض أفرادها، لكن يمكن القول أن الحكي يتبنى وجهة نظر “فريد” في مجمله.

السرد..

يبدأ السرد بالحكي عن “فريد” وحكاية حبه المحرمة، وحكايات حب أخرى لها نفس السمة، ثم يعود السرد إلى الماضي البعيد متقصيا تاريخ عائلة “مشتاق” وعائلة “شاهين”، صاعدا في الزمن ليتناول حياة “فريد” منذ طفولته، متتبعا إياها بشكل تفصيلي، وذاكرا في ثنايا الحكي حكايا كثيرة لشخصيات متعددة، ومحافظا على الخط الرئيسي في السرد وهو حكاية “فريد” و”رنا” . لا يهتم السرد بالتشويق بقدر اهتمامه بحشد التفاصيل الكثيرة والمزدحمة، والتي تشكل في تشعبها وازدحامها كلا متكاملا ومتماسكا، كما يحافظ السرد على عموده الفقري وهو حكايات الحب المحرم، تقع الرواية في حوالي 1040 صفحة من القطع المتوسط، ورغم طولها إلا أنها تظل جذابة للنهاية، وقد اتسمت بنهاية سعيدة.

المجتمع المسيحي في سوريا..

الرواية ثرية وطويلة ويمكن القول أنها ملحمية، ورغم أن خطها الرئيسي الحكي عن الحب، إلا أنها رصدت الواقع السوري اقتصاديا واجتماعيا وتاريخيا، منذ أيام الاحتلال العثماني، متمثلا في قرية معلا، وتناولت تفاصيل كثيرة خاصة بمجتمع الفلاحين في ذلك الوقت، في قرية يغلب على سكانها الدين المسيحي، وكيف كان يعامل المسيحيون من الطائفتين الكاثوليكية والأرثوذكسية في ذلك الوقت، في قرية سورية، وكيف أنهما كانا عرضا للهجوم من قبل المسلمين من فقراء الفلاحين عندما تسوء الأحوال الاقتصادية، وقت حكم العثمانيين ووقت الاحتلال الفرنسي، وكيف أن المسيحيين كانوا يحسبون دوما على الاحتلال الفرنسي بسبب تشابه الديانة.

فالرواية ترصد المجتمع المسيحي بالأساس، الصراعات فيما بين الطائفتين لأسباب اقتصادية واجتماعية، وصراعات لها علاقة بالمصالح الشخصية للأثرياء، متمثلة في عائلتي “مشتاق” و”شاهين”. كما ترصد علاقات الحب التي تتجاوز الحدود الطائفية والعشائرية، والتي كانت تقابل بعنف شديد، سواء أكان الحب بين مسلمة ومسيحي، أو ما بين طرفين ينتميان للمسيحية ويختلفان في الطائفة.

سوريا والتحولات الاجتماعية..

أهم ما قامت به الرواية رصد حال سوريا منذ الاحتلال العثماني وحتى الاحتلال الفرنسي، ثم توالي الانقلابات العسكرية والتي كانت كثيرة، وكيف تغيرت أحوال البلاد حتى على مستوى التفاصيل اليومية، وتحولت الحياة، في دمشق وقرى سوريا، من حياة حرة منفتحة بها بعض الجمال والحيوية وقبول التعدد الطائفي والعرقي إلى حياة قاسية وصعبة، وقد استخدم الراوي أسماء ساخرة لحكام سوريا من قادة الانقلابات العسكرية، واستخدم اسم “سطلان” دلالة على الرئيس المصري جمال عبد الناصر، راصدا تأثيره السلبي على سوريا، وكيف أنه كان بداية للتدهور حينما قام بعمل الوحدة مع سوريا، وفرض رجاله وأعوانه في كل مفاصل السلطة، وأصبح رجاله يعذبون الناشطين السوريين ويقهرونهم، ثم انتهت الوحدة بتمرد السوريين على ذلك الوضع، ولم تنته الانقلابات ليتسيد أخيرا عمران وأشقاءه بدران و.. ليصبحوا هم حكام سوريا، الذين جروها إلى مزيد من التدهور، وأحكموا قبضتهم عليها، وعذبوا الناس في سجون غاية في السوء واستعانوا بالألمان النازيين وأصبحت الحياة لا تطاق في سوريا.

لا يعيش الحب في مجتمع طائفي..

أهم ما أكدت عليه الرواية أنه لا يعيش الحب في مجتمع طائفي، حينما كانت “زرقا” و”جورج مشتاق” يعشقان بعضهما البعض وهربا من قسوة الثري المسلم الذي كان يود امتلاك “ليلى – زرقا” تحول هذا الحب وفسد، بعد أن تحول “جورج” إلى رجل جشع، كل ما يهمه هو جمع المال والانتصار على عدوه “شاهين”، وحينما غلبته أحقاده الشخصية وأنانيته، وخالة “رنا” “ياسمين” التي تزوجت من رجل مسلم قتلت بسبب حقد أشقاءها وطائفيتهم البغيضة، وإصرارهم على تأديبها وفرض سلطتهم في مواجهة سلطة والدتهم “سامية” التي كانت قوية ومتحكمة، وعلاقة “رنا” و”فريد” كان أهم العقبات أمامها غباء والدة “رنا” وأنانيتها وعلاقتها السيئة بابنتها، وغباء أخيها “جاك” الذي تربي على أن يكون متسلطا وأقوى فقط لكونه ذكرا، فاجبرا “رنا” على الزواج من ابن خالها العسكري المتزلف للسلطة، والذي قبل أن يغتصبها في منزلها فقط ليجبرها على الزواج منه، بمساعدة أمها وأخيها، وظل يعيش معها سنوات كثيرة ويعاملها بأنانية.

لكن وبخلاف معظم قصص الحب التي  ذكرتها الرواية استطاع “فريد” و”رنا” أن ينجوا بحبهما وأن يهربا إلى ألمانيا، رغم ملاحقة الجميع ورغم ملاحقة “بولس” بشكل أساسي ل”فريد”، لينتقم منه ومن عائلة “مشتاق” في شخصه.

تتميز الرواية بالعمق في التناول، فهي تتناول حياة الشخصيات وترصد العوامل والأسباب والنتائج وكافة التفاصيل، تحكي عن الشخصيات الرئيسية طويلا حتى يكاد القارئ يشعر أنها عرفها جيدا، ماضيها وحاضرها، “فريد” و”رنا” و”كلير” و”الياس” وحتى “سامية” زوجة “شاهين” و”جورج مشتاق” نفسه، تقدم الشخصيات بعمق حتى الشخصيات الثانوية قدمتها بحرفية عالية.

 الرواية..

صدرت الرواية باللغة الألمانية في عام 2004، يقول “رفيق شامي” في تقديمه للطبعة العربية من الرواية: “وتصدرت الرواية قائمة المبيعات، وملأت صفحات النقد الأدبي، وخصصت لها صفحات كاملة في كبرى الصحف والمجلات الألمانية. وظلت الرواية تتصدر قائمة الكتب الأكثر مبيعاً طوال 35 أسبوعاً. وترجمت الرواية، رغم ضخامتها، إلى أكثر من 10 لغات، منها الإنجليزية واليابانية والنرويجية والفنلندية.. وتصدرت الرواية أيضاً قائمة المبيعات في إيطاليا وإسبانيا لمدة نصف سنة. كما أشاد بها عدد كبير من النقاد، وأثنوا عليها في كبرى الصحف العالمية. لو تنبأ أي صديق بهذه الحقيقة لأشفقت على شفقته عليّ”.

الكاتب..

رفيق شامي.. روائي سوري ولد عام 1946 في دمشق، أسس 1965 مجلة حائطية “المنطلق” في حيه واستمرت بالصدور حتى عام 1970. سافر إلى ألمانيا عام 1971 حيث عمل في ورشات ومصانع إلى جانب دراسته من 1971 ـ 1979، ونال درجة الدكتوراه في الكيمياء العضوية المعدنية. عمل في شركة أدوية كبيرة من عام 1980 وحتى 1982 ثم قدم استقالته ليتفرغ للأدب.

أسس عام 1980 مع كتاب أجانب آخرين المجموعة الأدبية “الريح الجنوبية” واتحاد الفنانين الأجانب “بوليكونست”، أصدر مع زملاؤه في مجموعة “الريح الجنوبية” 13 مجلداً تحتوي نخبات من أدب الكاتبات والكتاب الأجانب في ألمانيا من عام 1980 وحتى عام 1985.

أصبح منذ عام 1982 كاتب متفرغ. و أصبح منذ 2002 عضو في أكاديمية الفنون الجميلة البافارية.

من أعماله: (أساطير ثانيــة 1979- الخطاب الأخير للجرذ المتجول 1984

(مجموعة من القصص العجائبية)- حلاب الذابة 1985(قصص من دمشق) – العبور الأول لثقب الإبرة 1985(قصص عجائبية)- بوبو وسوسو 1986 (كتاب أطفال)- يد ملؤها النجوم 1987 (رواية)- أساطير معلولا 1987 (أساطير وقصص عجائبية)- الحنين يسافر بدون بطاقة سفر 1988(قصص من المنفى)- حكواتي الليل 1989(رواية)- صندوق العجائب 1990(كتاب أطفال)- من سحر اللسان 1991 (مقالات حول موضوع الكتابة بلغة أجنبية)- الشجرة الطائرة 1992(قصص عجائبية)- الكاذب الصادق 1992(رواية)- هذا ليس ببغاء 1994(كتاب أطفال)- جبل الجليد الملتهب 1995(مقالات عن الحياة في المنفى)- الغراب يقف على منقاره 1995 (كتاب أطفال)- رحلة بين الليل والصباح 1995(رواية)-فاطمة وسارق الأحلام 1996 (كتاب أطفال)- بزر زيتون 1997 (مقالات ساخرة)- ميلاد 1997(رواية)- التقرير السري عن الشاعر غوته 1999(رواية خيالية).

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة