6 مارس، 2024 2:17 م
Search
Close this search box.

جواد سليم.. تعكس لوحاته بيئة بغداد الساحرة  

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: إعداد- سماح عادل

“جواد سليم” هو فنان تشكيلي ونحات عراقي مشهور، واسمه الكامل “جواد محمد سليم عبد القادر الخالدي”، ويعتبر من أشهر النحاتين في تاريخ العراق الحديث.

حياته..

ولد في أنقرة لأبوين عراقيين، واشتهرت عائلته بالرسم، فقد كان والده وأخوته (سعاد ونزار ونزيهة) كلهم فنانين تشكيليين، وكان في طفولته يصنع من الطين تماثيل تحاكي لعب الأطفال، ولقد أكمل دراسته الابتدائية والثانوية في بغداد.

نال “جواد سليم” وهو بعمر 11 عاما الجائزة الفضية في النحت في أول معرض للفنون في بغداد سنة 1931. وأرسل في بعثة إلى فرنسا حيث درس النحت في باريس عام 1938-1939، وكذلك في روما عام 1939-1940 وفي لندن عام 1946-1949، عمل في صيانة الآثار بالمتحف العراقي، وكان رئيس قسم النحت في معهد الفنون الجميلة في بغداد حتى وفاته في 1961. كان يجيد اللغة الإنكليزية والإيطالية والفرنسية والتركية إضافة إلى لغته العربية، وكان يحب الموسيقى والشعر والمقام العراقي.

أسس “جواد سليم” “جماعة بغداد للفن الحديث” مع الفنان “شاكر حسن آل سعيد” في عام 1951، وانضم إلى الجماعة فيما بعد الفنان “محمد غني حكمت” “نزيهة سليم”، كما إنّه يعتبر أحد مؤسسي جمعية التشكيليين العراقيين، ولقد وضع عبر بحثه الفني المتواصل أسس مدرسة عراقية في الفن الحديث، وفاز نصبه المعنون (السجين السياسي المجهول) بالجائزة الثانية في مسابقة النحت العالمية وكان هو المشترك الوحيد من منطقة الشرق الأوسط، وتحتفظ الأمم المتحدة بنموذج مصغر من البرونز لهذا النصب.

من أعماله نصب الحرية في بغداد، وكان آخر عمل شارك فيه “جواد سليم” كما شارك المعماري “رفعت الجادرجي” والنحات “محمد غني حكمت” في إنجاز مشروع نصب الحرية القائم في ساحة التحرير ببغداد، وهو من أهم النصب الفنية في الشرق الأوسط، ولجسامة المهمة ومشقة تنفيذ هذا العمل الهائل ففد تعرض إلى نوبة قلبية شديدة أودت بحياته.

لوحات “جواد سليم”:

  • عائلة بغدادية 1953.
  • أطفال يلعبون 1954.
  • زخارف هلالية 1955.
  • الزفـّة 1956.
  • موسيقيون في الشارع 1956.
  • بغداديات 1957.
  • كيد النساء 1957.
  • امرأة ودلة 1957.
  • ليلة الحناء 1957.
  • بائع الشتلات 1957.
  • امرأة تتزين 1957.
  • صبيان يأكلان الرقي 1958.
  • الفتاة والبستاني 1958.
  • القيلولة 1958.
  • الشجرة القتيلة 1958.
  • فتاة وحمامة 1958.
  • مسجد الكوفة 1958.
  • الخيّاطة، 1958.
  • في محفل الخليفة 1958.

نصب الحرية..

في مقالة بعنوان (“جواد سليم”.. النحّات العراقي، ونصب الحريّة يحكي الأمس واليوم في بغداد) تقول الكاتبة اللبنانية “سهى صباغ”: “جواد سليم أضحى مثلاً أعلى، للكثير من الفنّانين التشكيليين وخاصّة النحّاتين العراقيين. كيف لا ونصبه “تمثال الحريّة” يتصدّر ساحة التّحرير في العاصمة العراقيّة. قبل هذا التّمثال، لم يكن في بغداد سوى ثلاثة تماثيل للملك فيصل الأوّل، والملك غازي، والقائد البريطاني مود، صمّمها فنّانون أجانب. فجاء هذا النّصب ليربط بين حقبتين، أو عصرين، العصر القديم والعصر الحديث. كانت فكرة إنشاء هذا النّصب للمهندس المعماري “رفعت الجادرجي” الذي وضع التصميم المعماري، وكانت رغبته أن يقيم بوّابة عالية في ساحة من ساحات بغداد، ومطلوب من جواد، نحت مشهد بارز من البرونز، يُعَلّق على اللافتة، بمشاركة محمد غني حكمت، الذي استفاد جواد من محترفه في روما، لتنفيذ المخطوطات الخاصّة بالنّصب.. بدأ جواد سليم العمل على نصب الحريّة، بطلب من عبد الكريم قاسم، رئيس الوزراء في الجمهوريّة الأولى بعد ثورة تمّوز 1958. وكانت من أولى اهتماماته، الأمور الإبداعيّة والفنيّة، والتّعبيريّة، وطموحه أن تكون ساحات بغداد مسرحاً لإبداعات الفنّانين”.

وتضيف: “يتكوّن نصب الحريّة من 14 قطعة من المصبوبات البرونزيّة، وهي تحكي ثورة تمّوز 58 ورموز تحكي تاريخ العراق، وشعب ناضل وانتصر. مشهديّات عن الاعتقال والتّعذيب في السّجون، أم تحضن ابنها الشّهيد، وأخرى تحمل مشعل الحريّة، وسجين ينتزع القضبان، وآخر وأخرى يرفعوا قبضة الحريّة.. يقول أحد أصدقاء جواد سليم، أن هناك ملحمتان مهمّتان في العراق، ملحمة جلجامش، ونصب الحريّة”.

وعنه تقول: “كان جواد سليم، متعدّد المواهب ليستفيد من حسّه وعمقه الفني والثّقافي، في مجالات فنيّة أخرى، فقد كان عازفاً بارعاً على آلة القيثارة، وإلى جانب كونه نحّاتاً ورسّاماً، صمّم الحلي النّسائيّة وأغلفة الكتب، وصمّم الديكور للمسرح.. وقد أسس النّحّات سليم، لمدرسة عراقيّة في الفن الحديث، رغم أنه لم يطلع كليّاً من تأثّره بالفن الأثري القديم، بل تغلغل به أكثر وفهم أسرار بنائه، ليُعيد خلقها بأسلوب ووسائل فنيّة حديثة”.

في محفل الخليفة..

في مقالة أخرى بعنوان (حين كان جواد سليم في موسكو) يقول”د. هادي الصكَر”: “في يوم من أيام عام 1978 كنت في العاصمة الروسية موسكو، حين كان مداها متسعاً إلى حد التألق الفني العالمي.. مضيتُ، بتلك الفترة، لزيارة (متحف فنون الشرق) الذي ضم مقتنيات وتحفاً فنية قديمة وحديثة من جنسيات شرقية مختلفة. سرعان ما أخذتني المفاجأة قارعة ً أجراسها في أعماقي بفرح وسرور وأنا أجول في القاعة الكبيرة المخصصة للأعمال الزيتية. المفاجأة أجبرتني على الوقوف متأملاً إحدى اللوحات المعلقة في زاوية من زوايا تلك القاعة، مفضلة نفسها من دون جميع الأعمال المعروضة، حتى أنني شعرت بإحساس هو أقرب إلى اللقاء بعزيز عليّ فارقته منذ زمان بعيد كأنني التقي به، على حين غرة، في خضم من زحام وفي مكان لا يخطر على بال. اقتربتُ أكثر وأكثر من هذه اللوحة لأجد نفسي أمام جواد سليم، أمام لوحة من ألواح منهجيته الفنية كأنها كانت تنخرط في هذا الجمع الحاشد ليس لنيل الشرف أو المكانة، بل لمعاقبة الحكام في بغداد ممن لا شأن لهم غير مطاردة الفنانين العراقيين وتهجيرهم عن وطنهم. كانت اللوحة مهيمنة وصاعدة وهي تحمل عنوان: (في محفل الخليفة) وهي على ما أظن من بغداديات جواد سليم”.

ويواصل :”اقتربت أكثر من تفاصيل هذا العمل الخلاق بعينين باحثتين مستغربتين ثم سألت نفسي سؤالا غريبا متعجبا: كيف وصل هذا العمل إلى هذه القاعة.. تـُرى من جاء به إلى موسكو.. من هو الذي اقتناه أول مرة وأهداه إلى هذا المتحف؟وجدت عملا متفردا استحوذ ليس على المكان كله رغم مساحته المحدودة التي لا تتجاوز المتر المربع الواحد، بل وجدته نفسي في حالة من حالات النصر للفن العراقي حيث كانت أذناي تسمعان عن قرب بعض خواطر المتفرجين الآخرين، معربين عن تقييم منبهر بنتائج المشاهدة. أحاطتني نفسي بأسئلة كثيرة ولكن لا جواب عندي رغم أنني وجدت كل الأجواء منفتحة أمام إعجاب متعدد الأنواع ومن أعمار مختلفة كنت اشعر به من الزائرين. وجدت آخرين من المواطنين الروس وغيرهم من المستعرضين والنقاد قد انبهروا بهذا الأثر الفني وقيمته الفنية والتاريخية. كما سألت نفسي في تلك اللحظة: هل يعقل أن يحظى رسم من رسوم جواد سليم بكل هذا الاهتمام وهو فنان عراقي عاش حياة قصيرة وظلت أعماله الزيتية محدودة ومعروفة في الوسط العراقي النخبوي حسب وقد لا تتجاوز العشرين عملا وكانت لوحة (في محفل الخليفة) آخر عمل من أعماله الزيتية ذات المثال الفريد والممتاز قبل أن ينصرف إلى جدارية (نصب الحرية)؟. كان الأجدر برأيي – الاحتفاظ بها داخل العراق وعدم تركها للضياع أو تسربها إلى خارج الوطن، على الأقل اعتزازا بفن جواد سليم وبلمساته الزيتية وتعزيزا للأثر الذي تركه لنا بعد أن غادرنا إلى الأبد بموته المبكر. تألمت وما زلت متألما أن الفن يعامل كسلعة رأسمالية نادرة أو كمادة خام نفيسة تخضع لأساليب الغزو والتهريب إلى خارج أرضها التي ولدت فيها أو عبرت عن جغرافيتها وآمالها وآلامها”.

ويضيف: “كنت قد شعرت بالخذلان في تلك اللحظة التي كنت أشاهد فيها لوحة جواد سليم رغم أن ألوانها كانت تشعرني بالألفة والدفء والطمأنينة، خاصة وأن ما كنت أشاهده هو نسخة أصلية بألوان جواد سليم الخالصة.. كان عمل جواد سليم فريداً في مساحته وفي تكوينه البارع وفي ألوانها كلها التي تنقل مشاهديها إلى عالم أساطير ما بين النهرين. شخوص اللوحة مليئة برشاقة وخفة وبراعة فرشاة الفنان جواد سليم كونه نحاتاً يمتلك حساً مرهفاً. فنانٌ حقٌ يتعامل بمرونة وعفوية عبر حِرفية عالية قل نظيرها. إنه يجعلك تتأكد أن الفن إنساني بطبعه وأصوله بالدرجة الأولى. لأن فنانا مثل جواد سليم بعيد كل البعد عن التساهل أو القبول أو الرضا بأية لمسة لا تحقق تأثيراً سريعاً وحاسماً في عين الرائي بمعنى أنه يستهدف من عمله الفني أن يحدث تداعياته الفنية بعمق وتعبير وتحد. بهذا الأسلوب الفاعل استطاع أن يستحوذ على هذا المكان العالي شأنه فنياً، بعمل واحد اعتبره النقاد والزوار تحفة نادرة تستحق التقييم والتقدير”.

وعن أسلوبه يقول: “أي سحر هذا الذي كان يمتلكه جواد سليم في تطويع الخامة التي تعامل معها قادرا على منحنا جواً ساحراً أليفاً حتى لقد أخذتني ألوانه إلى أجواء بساتين النخيل في البصرة في صباح يوم شتائي مشمس يلفه الضباب الكثيف، كما يطلق عليه أهلنا هناك (المريخان).. أعمال جواد سليم الزيتية رغم قلتها تمثل انعطافة هامة في مسار الفن التشكيلي العراقي الحديث من حيث تميزها عن سائر أعمال الفنانين الآخرين من معاصريه. تمتاز أعماله بخصائص أهمها: هندسية التكوين وبراعته. رهافة حركة الخطوط وعفويتها. الإحساس اللوني الساطع رغم قلة الألوان المستخدمة ومحلية الأشكال والشخوص. الجو البغدادي الذي يسم كل عمل تناوله، بصورة عامة فإن أعماله جميعها قريبة إلى روح المتلقي العراقي وألوانه مؤثرة على المشاهد الأجنبي أيضاً. إنه يشعر كل مشاهد إلى لوحاته كأنه واقف أمام شيء عزيز يجب المحافظة عليه. إنه يمتلك القدرة الوافية في تحديد وتنظيم مساحة العمل ويشعر مشاهدي لوحاته أنهم أمام تحفة نادرة يجب الحفاظ عليها. في غالب تاريخ الفنون التشكيلية العالمية كان أهم دافع للفنانين العالميين ارستقراطياً في أصوله غير أن جواد سليم على ما يبدو كان يرسم لوحاته بمفهوم الشرف الوطني.. كان يرسم ليس من أجل أن يخلق لوحة فنية حسب، بل كان يريد أن يعطي للزمن معناه الذي عاش فيه، وما القلادة التي أهداها إلى بغداد إلا خير دليل على زمنية فرشاة جواد سليم ولوحاته”.

والجدير بالذكر أن عائلة الفنان “جواد سليم” باعت في مزادات “بونهامز” ب”لندن” لوحة جميلة كان الفنان قد رسمها لراقصة هندية عندما كان طالبا في مدرسة “سليد للفنون” ب”لندن”، وأشار موقع “بونهامز” للمزادات بأن اللوحة قد بيعت إلى جهة لم يتم الإفصاح عنها بمبلغ 170000 باون استرليني = 285770 دولار. واللوحة عبارة عن بورتريه (راقصة هندية)، اللوحة (زيتية على الكنفاص) رسمها جواد سليم سنة 1949، وقد عرضت في بغداد سنة 1952، وفي عدد من المدن الهندية سنة 1955.

وفاته..

توفي “جواد سليم” أثر نوبة قلبية في 1961، وشيعت جنازته بموكب مهيب ودفن في مقبرة الخيزران.

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب