9 فبراير، 2025 7:02 ص

رواية “الباقي من الزمن ساعة”.. تأثير التغييرات السياسية على ثلاثة أجيال

رواية “الباقي من الزمن ساعة”.. تأثير التغييرات السياسية على ثلاثة أجيال

 

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية “الباقي من الزمن ساعة”، للكاتب المصري “نجيب محفوظ” تحكي عن مصر منذ ثورة 1919 وحتى فترة الانفتاح في السبعينات، من خلال عائلة “حامد برهان” و”سنية المهدي” التي تكبر وتتعايش مع ظروف البلاد السياسية والاقتصادية وتؤثر عليها بشكل كبير، وهي رواية أجيال.

الشخصيات..

حامد برهان: رب الأسرة، موظف حكومي بسيط، ينتمي بقلبه وعقله إلى حزب الوفد الذي كان يمثل الحركة الوطنية في بدايات القرن العشرين في مصر، ظل زوجا وأبا صالحا إلى أن تعرف على سيدة جميلة في البيت المواجه لبيته ليترك زوجته وأسرته ثم يعود إليها قبيل موته.

سنية المهدي: زوجة “حامد برهان”، سيدة لها أصول من الصعيد، كان والدها ميسور الحال فبنى بيتا في حلوان وقت أن كانت مكان للاستشفاء ومدينة هادئة ولا يسكنها إلا قليل من الناس، وكان هذا البيت من نصيبها وتزوجت فيه، ونمت أسرتها وكبرت في ظل ذلك البيت، الذي ظلت تحلم طوال حياتها بتجديده والحفاظ عليه.

كوثر: الابنة الكبرى لتلك الأسرة، لم يكن حظها جيدا في التعليم، فظلت تنتظر العريس طويلا خاصة وأن جمالها متوسط، ثم تزوجت من رجل كبير في السن وثري، وأنجبت طفلا، وعاشت بعد موته مع أمها في بيت حلون.

منيرة: الابنة الأصغر، تتمتع بجمال وذكاء، وتفوقت في دراستها وأصبحت مدرسة وتطورت في مهنتها، تزوجت من شاب يصغرها في السن سيعاملها فيما بعد بإهمال ويتزوج من راقصة، أنجبت ولدين.

محمد: الأخ لهذه الأسرة، مال منذ شبابه إلى الإخوان المسلمين رغم ميل والده ووالدته والمزاج العام في ذلك الوقت إلى حزب الوفد، الذي كان محبوبا جماهيريا، يتعرض للاعتقال بعد 23 يوليو ويصاب بالعجز لكنه يصمد ويقاوم، وله ابنة وابن.

نعمان الرشيدي: زوج “كوثر”، رجل ثري وكبير في السن يتزوج بعد موت زوجته، ويعامل “كوثر” بود ثم يتركها لتعيش باقي حياتها بلا زوج.

ميرفت: جارة الأسرة، انجذب إليها “حامد برهان” وتزوجها، وهي سيدة تحب أن تعيش حياتها ولا تهتم إلا بنفسها، وهي من أصول أجنبية وعلى قدر كبير من الجمال، ستتزوج بعد موت “حامد برهان” ثم تغوي حفيد “حامد برهان” وتمارس معه علاقة جسدية.

ألفت: ابنه “ميرفت”، ينجذب إليها “محمد” ويتزوجها، وهي تختلف كليا عن أمها، تعمل مترجمة في وزارة الخارجية وستساند زواجها طوال حياتهما.

نجيب سليمان: زوج “منيرة”، كان له أخ من الضباط الأحرار، لذا استغل نفوذه ليغتني في فترة ما بعد 23 يوليو، وتزوج من راقصة وأصبح يقوم بأعمال غير أخلاقية لكسب الأموال، مثل تأجير الشقق التي صودرت، واستقبال العرب.

رشاد: ابن “كوثر”، سيلتحق بالحربية ويفقد رجليه في الحرب، ويتزوج من سيدة مطلقة، وسيكون أقرب الأحفاد إلى الجدة “سنية”.

أمين: ابن “منيرة”، ينتمي فكريا إلى الناصرية مثل والدته، حتى بعد انهزامها يظل متمسكا بها وبولائه وتقديسه للزعيم. سيحب فتاة ابنة مكانيكي ويقرر الزواج منها.

علي: ابن “منيرة”، انجذب مثل معظم الشباب في جيله إلى هوس الزعيم والناصرية لكن بعد نكسة 1967 يفقد الأمل ويصاب باليأس والإحباط ويقرر الهجرة إلى ألمانيا حتى لا يلتحق بالجيش. وسيتقرب قبل ذلك من “ميرفت” ويقيم معها علاقة جسدية.

شفيق: ابن “محمد”، سينجذب مثل والده إلى الإخوان المسلمين، ويرفض التيار الشيوعي لأنه بالنسبة له يستهين بالدين، وسينخرط في علاقة جسدية مع إحدى الفتيات ويحاول الزواج منها لكنها ستفضل الثراء والارتباط برجال أغنياء عليه. وسيفكر بالزواج من أية فتاة.

سهام: ابنة “محمد”، ستنجذب إلى صديق أخيها الشيوعي، وتنجذب لأفكاره نتيجة لوقوعها في حبه لكنه سيموت بعد أن تتزوجه بشكل سري، وستجد نفسها في محنة لكنها ستركز على تكملة دراساتها والالتحاق بالدراسات العليا أملا في الهروب إلى أية دولة أجنبية لتتخلص من أسرتها.

الراوي..

الراو عليم، يحكي عن الشخصيات من الخارج، لا يهتم كثيرا بحكي انفعالاتهم الداخلية، لكنه يحكي عن أفكارهم وتعاملاتهم مع بعضهم البعض في إطار ثابت ومتماسك وهو الحكي عن الظروف السياسية الاقتصادية الاجتماعية للفترة التي تعيش فيها الأسرة وهي فترة طويلة. فهو يهتم بلضم تلك الظروف وتفاعلاتها ووقعها وتأثيرها على الأسرة.

السرد..

الرواية تقع في حوالي 198 صفحة من القطع المتوسط، تحكي عن أسرة واحدة وثلاثة أجيال، جيل الأب والأم ثم جيل الأبناء ثم جيل الأحفاد، وتحكي من خلال تلك الأسرة عن التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي طالت مصر من خلال تلك الأسرة وبيتهم في حلوان، وأفكارهم وطموحاتهم ونظرتهم نحو ما يحدث. كما حكت عن البيت الذي يتهدم ويصبح قديما في حين تبنى من حوله العمارات الفارهة وتبني المصانع في منطقة حلوان وتتحول إلى منطقة مزدحمة ملوثة، بعد أن كانت مدينة للاستشفاء يلجأ إليها الأغنياء للراحة والعلاج وعيش حياة جميلة. وجاءت النهاية مفتوحة على احتمالات كثيرة كما هي حالة مصر.

أسرة من الطبقة الوسطى..

رواية نجيب محفوظ العبقري تضفر أحوال المجتمع مع الناس الذين يعيشونها من خلال أسرة واحدة، تعد نموذجا للأسر المصرية المنتمية للطبقة الوسطى، كما ترصد التغيرات التي تحدث لمنطقة حلوان كرمز عن التغيرات التي حدثت في مصر، وقد تتبع الكاتب الأحداث السياسية من خلال الشخصيات وتفاعلها معها، ف”حامد برهان” رغم أنه لم يتعلم إلا إلى مرحلة الإعدادية وأصبح موظفا حكوميا إلا أنه كان من مناصري ثورة 1919 واشترك في إحدى تظاهراتها وكان يفتخر دوما بذلك، كما كان يؤمن بالوفد وأفكاره وتوجهاته، ويتابع باهتمام الأحداث السياسية ويتناولها مع زوجته وأصدقاء جلسات السمر، فتابع المعاهدة التي عقدت مع الانجليز وتابع إلغاءها، كما كان مشوشا إزاء أحداث 23 يوليو.

الأبناء..

وهنا يأتي دور الأبناء، فقد تحمس “محمد” في البداية لأحداث 23 يوليو ظنا منه أن الإخوان المسلمين لهم دور فيها ثم بعد أن انكشف الأمر أصبح رافضا لها، في حين تبنتها “منيرة” وكانت تعتبر نفسها ناصرية، أما “كوثر” فلم تعبأ إلا بحياتها الخاصة، وظلت “سنية” على حبها للوفد لكنها ظلت تراقب الأحداث.

وعاني “محمد” من تلك الفترة التي وصفها الكاتب بدقة شديدة حيث سرد سلبياتها في جرأة شديدة ووعي، منتقدا الهوس الشديد والقدسية التي أحاطت بالزعيم جمال عبد الناصر وذلك من خلال الشخصيات، حيث رصد حب البعض له واعتباره أبا وقائدا ورصد كراهية الشخصيات الأخرى له لأن فترة حكمه كانت فترة قمع وسجن واضطهاد لكثيرين، وانتقد ذهاب الجيش إلى اليمن من خلال شخصية “محمد” والحروب المتعددة، وكان الانتقاد الظاهر لنكسة 1967 حيث رصدها من خلال وجهتي النظر الموالية للسلطة والرافضة لها.

تخبط جيل الأحفاد..

ثم موت الزعيم، وتخبط جيل الأحفاد، الذي نشأ على تقديس الزعيم ووجوده الأوحد على الساحة السياسية مع تجريف الساحة من أية اتجاهات وأفكار وأحزاب أخرى، هذا الجيل المتمثل في “أمين وعلي وشفيق ورشاد وسهام”، فمنهم من ظل على حبه للزعيم والناصرية مع إحساس بالوجع بسبب الانكسارات، ومنهم من تخلى عن الحلم وأصيب باليأس والإحباط وأراد الفرار من البلد، ومنهم من اتجه إلى التيار الديني كملجأ ومنهم من اقتنع بالشيوعية وبأن الانكسارات لابد وأن تحدث تحركات شعبية هامة، لكن يجمع هؤلاء جميعا الشعور بالهزيمة والانكسار. والتي كانت تستفحل مع الغلاء الذي يزيد والمعيشة الصعبة التي يعشونها كأناس ينتمون إلى الطبقة الوسطى التي لم تنال الامتيازات التي حصل عليها القريبون من السلطة وأتباعهم.

ثم مجيء السادات، ومحاولة استشراف الخير من الجميع، ليفاجئوا بأنه لم يكن أحسن من سابقه وإنما أصبح يغازل الرجعيين ويتقرب من العرب الذين اغتنوا من النفط، ويغازل أمريكا ويعقد سلاما مع العدو، لكن أكبر الانكسارات التي أصاب بها المجتمع كان الانفتاح، وتلك الطبقة الطفيلية التي نشأت في جنباته. وأيضا تخبط الأحفاد وضياعهم مع ظروف معيشية قاسية وتزداد قسوة كل يوم، و”سنية” التي تتفرج على كل ذلك وفي قلبها حلم أن يتجدد البيت ويصبح جميلا وزاهيا كما كان أيام شبابها، لا تستطيع مساعدة أبناءها وأحفادها لأنها لا حول لها ولا قوة، وتظهر مساوئ الانفتاح حين يعيث العرب فسادا في البلاد، وحتى مع النصر الحربي لم تنقلب الانكسارات إلى انتصارات.

ثم يحاول بعض الأحفاد إقناع الجدة ببيع المنزل والذي أصبح ثمنه كبيرا، فترفض، وتصر على البقاء فيه لآخر حياتها، ولا نعلم أهذه محاولة من الكاتب لاتخاذ البيت كرمز للوطن أم لا، لكن حتى بدون ترميز أجاد الكاتب في تصوير الأسرة كنمط ونموذج للأسر المنتمية للطبقة الوسطى في مصر وتشتتها وتوزع أفرادها بين الاتجاهات والأفكار التي كان المجتمع يمتلئ بها وقت ذاك.

اعتمدت الرواية على لغة سلسلة وبسيطة، وهي من ميزات نجيب محفوظ الذي لا يغالي في زخرفة اللغة وتجميلها، كما جاء تصوير الشخصيات بارعا كنماذج لأناس في المجتمع لكن دون رصد أعماق الشخصيات فبدت كصور متشابهة لكثيرين في المجتمع.

الرواية..

“الباقي من الزمن ساعة”، رواية ل”نجيب محفوظ” نشرت سنة 1986. كتب نجيب محفوظ هذه الراوية بعد رواية “أمام العرش” وظهرت في كتاب لأول مرة عام 1984، بعد وفاة السادات بثلاث سنوات، وهي تعد من أعمال نجيب السياسية التي تهتم بنقد الأوضاع السياسية مثلها في ذلك مثل “اللص والكلاب وميرامار” ومعظم أعمال السبعينات، إلا أن ثمة تشابه واضح بين هذه الراوية والثلاثية المشهورة.

تم تحويل الرواية إلى مسلسل من إنتاج التلفزيون المصري عام 1987. من إخراج “هاني لاشين”، وبطولة “فريد شوقي وعزت العلايلي وحسين فهمي ومديحة يسري وفردوس عبد الحميد” وآخرين.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة