26 ديسمبر، 2024 4:23 م

رواية الاغتيال والغضب.. رصد لتخبط البرجوازي الصغير في انتماءه للشعب

رواية الاغتيال والغضب.. رصد لتخبط البرجوازي الصغير في انتماءه للشعب

خاص: قراءة- سماح عادل

في رواية (الاغتيال والغضب) للكاتب العراقي “موفق خضر” رصد للبطل الضد السلبي والبطل الإيجابي، ورصد للعراق في أواخر الستينات وبالأخص “بغداد”، وما يمور فيها من تغييرات سياسية.

الشخصيات..

سمير أحمد رؤوف: بطل سلبي ضد، نموذج للبرجوازي الصغير المتطلع، الذي يريد الصعود طبقيا ليصبح من طبقة البرجوازية، بعد ما قضى عمرا في النضال الثوري وأحبطته الاخفاقات، هو شاب أتي من إحدى مدن الجنوب إلى “بغداد”، رغبة منه في الحصول على التعليم، وقد حصل على شهادة في القانون والتحق بحزب ثوري، لكن انشقاقات الحزب وحدوث انتكاسة سياسية أثرت على احتمالية حدوث ثورة شعبية، أثرت به بشكل عميق، وجعلته يتخلى عن الحلم الجماعي لصالح الحلم الفردي بأن يعيش في رفاهية ويترك حياة الفقر.

عبد الرحمن منصور: بطل إيجابي، صلب متماسك، هو زميل ل”سمير” لكنه لم يتخل عن الحزب، رغم الانشقاقات والخلافات والصراعات داخله، ولم يتخل عن حلمه الثوري بحدوث ثورة شعبية تكنس كل السلبيات التي يتمليء بها المجتمع العراقي في ذلك الوقت، وبقى صلبا رغم الاعتقال والفقر المدقع والمحن.

هناء: أرملة في متوسط العمر، تلجأ إلى “سمير” لكي يتولى قضية الميراث بعد وفاة زوجها المفاجأة، يتقرب إليها وتستجيب له رغم ما يحيط بها من أقاويل حول علاقتها بالرجال، ثم يتركها في لحظة اهتزاز نفسي وتتنكر له تماما بعدها.

بدريه: سيدة فقيرة كان يعيش “سمير” و”عبد الرحمن” في غرفة مؤجرة بمنزلها، ورغم فقرها الشديد إلا أنها تهتم بهما وتسأل عنهما وتعاملهم كأهل لها، وهي نموذج للكادحين في الرواية الذين يتعاملون بطيبة وود دون مقابل أو مصلحة.

يوسف الديواني: محامي كبير وصل إلى الغنى والنجاح المهني بالوصولية والتقرب من رجال السلطة التي يصفهم الكاتب بالجهلاء، تقرب إليه “سمير” حين أراد أن يحقق حلمه الفردي بالثراء وتعامل معه “يوسف الديواني” بنذالة.

الراوي..

الراوي هو البطل “سمير”، يحكي بصوته منذ البداية وحتى النهاية، ويحكي عن باقي الشخصيات، ولا وجد حوار إلا قليلا لتعبر من خلاله الشخصيات عن نفسها بحرية، باستثناء “عبد الرحمن” الذي ترك له الكاتب مساحة أكبر من الحوار.

السرد..

السرد محكم البناء، يعتمد على كشف دواخل وانفعالات البطل “سمير”، وتفاعله مع باقي الشخصيات وهمومه الوطنية والقومية، وتخبطه النفسي واهتزازه، ثم يتجه إلى حكاية غريبة أشبه إلى الرمزية، حيث ينعطف الحكي نحو مبارزة ما تتم بين “سمير” وشخص يلاحقه، يستنتج منها القارئ أنها رمز لأنه قد قتل نفسه، وأنه جنى عليها حين ذهب إلى حلمه الفردي.

الستينات والهزيمة..

تبدأ الرواية من أول عام 1967 وكأنه عام هام جدا بالنسبة للبطل، وسنكتشف أن هزيمة الدول العربية أمام إسرائيل قد أثر به كثيرا، وساهم في زيادة تخبطه واتساع الفجوة داخل ذاته، التي كانت تعاني منذ البداية من الصراع بين التمسك بالحلم الجماعي، والسعي نحو ثورة شعبية تحقق الرفاهية للجميع، وبين الحلم الفردي بأن يتحقق بمفرده من خلال مهنته كمحامي، ومن خلال التقرب من الأغنياء القريبين من السلطة.

يدين البطل منذ البداية الطبقة الحاكمة والتي يصفها بالجهل والفساد، ويدين طبقة الأغنياء المحيطة بها، والتي تتكون من الوصوليين والانتهازيين الذي يستفيدون ماديا من تقربهم إلى سلطة غاشمة وجاهلة، ويعزي أسباب خرابه النفسي إلى التغييرات السياسية في بلاده، فبعد الثورة الأولى التي توقع أن تكون قريبة من الشعب الفقير، ثم الثورة الثانية والتي أخفقت أيضا وسلمت مقاليد الحكم لجماعة من اليمنيين على حد وصفه، فقد الأمل في الحراك الثوري، وزادته إحباطا الصراعات داخل حزبه الثوري، والتي أسفرت عن انشقاقات، مما جعله يهجر النضال السياسي والذي كان مؤمنا به أشد الإيمان، ويلقى بنفسه إلى حياة جديدة سعى أن يصعد فيها طبقيا، وأن يتقرب من الأغنياء الوصوليين ليصبح مثلهم.

ورغم ذلك ظل على صداقته ب”عبد الرحمن” والذي لم يتخل عنه أبدا والذي كان يمازحه دوما عن سعيه وراء حلمه الفردي، وركز في أن يترقى في مهنته، فأثث مكتبه ليليق بمحامي كبير، وتقرب من “هناء” الأرملة الغنية مخططا أن تحبه وتقبل بزواجه، ولكي يحدث ذلك ظل يؤجل في قضية الميراث ليتقرب منها أكثر، وكانت خطته تسير على ما يرام حيث استجابت له “هناء” وعاشا بعض شهور في علاقة حب حميمية، إلا أن حدثت هزيمة 5 يونيو 67، والتي أحدثت صداعا في داخله وجعلته يهتز رغم معرفته بأن تلك النتيجة التي وصل إليها (العرب) منطقية ومتوقعة، لكن الهزيمة زلزلته من الداخل وجعلته يتخبط ويفسد خطته الجديدة، ويترك “هناء” بعد أن يعاملها بقسوة، ويتخيل أن هناك رجلا يلاحقه وينهار حلمه الفردي قبل أن يتحقق.

وحين يفيق يحاول استعادته وترفض “هناء” العودة إليه، ويستمر هو في تخبطه ويترك همنته ويهملها، ويظل ينشغل بمن يلاحقه إلى أن يوافق على الاشتراك في مبارزة معه ويقتله، وكقارئة أشعر أن حكاية المبارزة موغلة في الخيال، وأقحمت بشكل ما على الحكي، واستنتج أنه قصد بها الإشارة إلى أنه قتل نفسه وأنه أصبح قاتلا وقتيلا في نفس الوقت، وانتهى مصيره إلى السجن بتهمة القتل، بعد أن تنكر ل”عبد الرحمن” ول”بدرية” وتعامل بأنانية.

وبالنسبة لهزيمة 67 ليس “سمير” فقط ما كان يتوقع حدوثها رغم أثرها القوي عليه، ولكن “عبد الرحمن” أيضا توقعها لأنه على حد قوله طبيعي أن تحدث الهزيمة طالما “الأحزاب اليمنية” تحكم المنطقة العربية، وهؤلاء الذين يدعون أنهم زعماء وهم جهلة، وأن الحل الأمثل في نظر “عبد الرحمن” هو في ثورة شعبية تنتصر للفقراء والكادحين، فقد “سمير” إيمانه بها في حين تشبث “عبد الرحمن” بها للنهاية وظل قويا بسبب إيمانه بحدوثها، وبالفعل تنتهي الرواية بحدوث تلك الثورة الشعبية التي قضت على الطبقة الحاكمة الفاسدة وأزاحتها، وكان “سمير” في السجن نتيجة لاختياره المتخبط، بينما كان “عبد الرحمن” من أحد أفراد تلك الثورة.

لا أعلم كقارئة هل هذه الثورة حدثت بالفعل وإنما هي من خيال الكاتب ومحاولة منه لعمل نهاية ايجابية، والتأكيد على أن الثورة الشعبية حلم ممكن التحقيق.

الكاتب..

“موفق خضر” كاتب عراقي له تأثير هام في مسيرة الأدب العراقي، ورغم وفاته في سن صغيرة إلا أنه خلف إنتاجا أدبيا مميز، وقد تناوله النقاد العراقيين بالدراسة.

صدرت له روايتان: (المدينة تحتضن الرجال) 1960،  و(الاغتيال والغضب) 1980، وخمس مجموعات قصصية هي: (الانتظار والمطر 1962، ومرح في فردوس صغير 1968، وألقِ ما في يدك 1970، ونهار متألق 1974، وأغنية الأشجار 1977) .

والجدير بالذكر أن رواية (الاغتيال والغضب) اختيرت من بين أفضل مائة رواية عربية خلال القرن العشرين في ملتقى لاتحاد الكتاب العرب في دمشق.

 

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة