11 أبريل، 2024 12:34 م
Search
Close this search box.

حسقيل قوجمان.. كان يعزف العود في السجون العراقية بهمة ثوري

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص: إعداد- سماح عادل

“حسقيل قوجمان” سياسي ومفكر ماركسي، ولد في 1931 في بغداد لعائلة متعددة الأبناء، كان والده صباغا بالنيل ولكنه اضطر خلال الحرب العالمية الأولى إلى السفر إلى العمارة هربا من الجيش التركي، وترك والدته مع أطفالها لتواصل عمله وتربي هؤلاء الأطفال. وبعد عودته إلى بغداد لم يوفق في عمله ثم أصيب بشلل نصفي منعه عن العمل مما أدى إلى أن يعيش في ظروف صعبة ماليا.

حياته..

أنهى “حسقيل قوجمان” الدراسة الثانوية وحصل على وظيفة مدرس في مدارس الطائفة اليهودية الابتدائية، والتحق بكلية الصيدلة حيث قضى فيها ثلاث سنوات. تعلم عزف العود بصورة ذاتية وبعد خروجه من السجن كتبت كتابين عن الموسيقى العراقية والمقامات العراقية، أحدهما باللغة العربية كان أطروحة الماجستير، والثاني باللغة الانجليزية كان من المفروض أن يكون أطروحة الدكتوراه.

تعرف”حسقيل قوجمان” على الحركة الشيوعية في بداية الأربعينات من القرن الماضي. وفي 1945انتمى إلى عصبة مكافحة الصهيونية ثم إلى حزب التحرر الوطني غير المجاز. وبعد اعتقال الرفيق فهد سكرتير الحزب الشيوعي العراقي اعتبر كل عضو من أعضاء حزب التحرر عضوا في الحزب الشيوعي وبذلك أصبح عضوا في الحزب الشيوعي بصورة تلقائية. بعد خمسة أيام من إعدام الرفيق فهد جرى اعتقاله وزوجته وعدد من أعضاء عائلته وعائلة زوجته وحتى والدته التي تجاوزت السبعين من عمرها.

قضى في السجون حتى ثورة تموز حيث أطلق سراحه مع سائر السجناء السياسيين ثم اعتقله ثانية بدون محاكمة 1959وبقى في السجن حتى أواخر أيام سنة 1961، وفور إطلاق سراحه هربت إلى إيران حيث سلمته الشرطة إلى منظمة صهيونية كانت تسفر اليهود إلى إسرائيل على حسابها.

اشتغل”حسقيل قوجمان”  في إسرائيل مترجما للغة العربية وفي الوقت ذاته التحق بالجامعة حيث حصل على الماجستير بالأدب العربي الحديث. وفور حصوله على الشهادة سافر إلى بريطانيا بحجة الدراسة لأنه لم يكن يريد أن يرسل أولاده إلى الجيش الإسرائيلي بإرادته. لم يكن له أي نشاط سياسي في إسرائيل إذ لم ينتم إلى أي حزب سياسي حين أدرك أن الحزب الشيوعي الإسرائيلي أصبح حزبا تحريفيا منذ المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي. وحين سافر إلى بريطانيا بدأ يكتب بعض المقالات السياسية ومنها ما نشر في مجلات قليلة التداول ومنها ما لم ير النور إطلاقا. وصدر له بعض الكتب والكراريس السياسة. ولكن حياته ظلت مرتبطة بالماركسية التي حاول جهده أن يتقنها خلال حياته السجنية وواصل دراسته في بريطانيا. ولهذا كانت كل كتاباته تستند إلى علم الماركسية.

له أكثر من كتاب سياسي، منها “ثورة 14 تموز في العراق وسياسة الحزب الشيوعي- نشر في المملكة المتحدة 1985” وله أيضاً “ماركس وماديته الديالكتيكية- نشر في المملكة المتحدة 1981” وكذلك “ستالين كما فهمته- نشر في المملكة المتحدة عام 2000″، وكان قبل ذلك قد أصدر قاموس عربي – عبري في ثلاث مجلدات.  وهو أيضاً باحث موسيقي عراقي تعد مؤلفاته من البحوث المهمة في تناول تاريخ الموسيقية العراقية.

عود في السجن..

في حوار أجراه معه الكاتب “حسين السكاف” في كوبنهاغن يقول “حسقيل قوجمان” عن قصة أول عود في السجون العراقية: “في سجن نقرة السلمان بنينا أول عود في تاريخ السجون العراقية. بنينا العود من مواد أولية مثل قطعة من الخشب المعاكس ومنخل وقطعة من عمود “كرك” الخباز وقبقاب. لم أكن من الخبراء في النجارة ولكن دوري اقتصر على تحديد المقاييس للأعضاء الذين قاموا بالعمل. ولم تكن لنا أوتار يمكن استخدامها للعزف فاستعملنا بعض الأسلاك النحاسية التي توفرت في السجن وفتلنا اثنين منها لجعلها أكثر سمكا. ولكني استطعت مع ذلك العزف بهذا العود البدائي في الحفلات مرافقة المغنين.  وفي سجن الكوت بنينا العود الثاني بنفس الطريقة السابقة وكان العود في هذه المرة أحسن من العود الأول لأننا اكتسبنا خبرة من بناء العود الأول ولأن الظروف في سجن الكوت سمحت لنا بالحصول على أوتار حقيقية. وكنت أيضا عازف العود في الحفلات ومدرس النشيد والأغاني السجنية. وللمرة الأولى في تاريخ السجون جرى تلحين حقيقي لنشيد جديد في السجن. فكل الأناشيد والأغاني السجنية كما جاء سابقا كانت كلمات ثورية يؤلفها بعض السجناء من الشعراء ويغنونها على لحن إحدى الأغاني عراقية المعروفة كأغاني الأنصار. وفي منتصف سنة 1953 كان موعد مهرجان الشبيبة في برلين فقررنا أن نحتفل في نفس اليوم. وكان بيننا محام من البصرة ينظم الشعر فنظم نشيدا بالمناسبة وقمت أنا بتلحينه. ولكننا لم نستطع الاحتفال بالمهرجان لأن الهجوم الذي انتهى بمجزرة في سجن الكوت بدأ قبل تأريخ المهرجان. وعندما أعادونا إلى سجن نقرة السلمان ثانية، حين نقلونا من سجن الكوت، بنينا العود الثالث في تأريخ السجون، وكان أنجح من سابقيه كثيراً إذ كان أقرب الأعواد الثلاثة التي بنيناها إلى العود الحقيقي، لا من حيث الشكل، إنما من حيث الصوت وإمكانية العزف. وكنت أنا عازف العود فرافقت المغنين الشعبيين الذين كانوا يجيدون الغناء الريفي وفي مقدمتهم الشاعر زاهد محمد والسجين كاظم فرهود. كانا هذان السجينان يجيدان غناء الابوذية بشتى أنغامها وأطوارها، وكنت أرافقهم أثناء غنائهم في الحفلات. وكان الأكراد يحبون رقصتهم المفضلة “سي بيي” وكنت أعزف لهم لمرافقتهم في هذه الرقصة التي كان يشترك فيها بعض العرب أيضا. وكان قسم من السجناء من جنوب العراق يحبون رقصة الدبجة فكنت أرافقهم في ذلك ولكن ذلك كان يحصل أيام العيد في الساحة الكبيرة للسجن وليس أثناء الحفلات الليلية”.

وعن زوجته “حبيبة قوجمان”، أول طالبة عراقية تدخل كلية الهندسة في بغداد يقول “حسقيل قوجمان”: “تعرفت على حبيبة عام 1944 حين طلب مني أحد الأقرباء أن أعطيها دروس في الرياضيات، وفعلاً قمت بتدريسها، وكان ذلك الباب الذي دخلت منه علاقتنا العاطفية والزوجية التي بقيت مستمرة إلى الآن. وحبيبة هي أول طالبة تدخل كلية الهندسة، حدث ذلك عندما أراد أستاذ الرياضيات “علي مظلوم” أن يدخل بنته إلى كلية الهندسة، وعلى هذا الأساس تم قبول ثلاث طالبات عراقيات واحدة مسلمة وهي بنت على مظلوم، والثانية مسيحية والثالثة يهودية والتي كانت حبيبة.. طردت حبيبة من كلية الهندسة في العام الثالث من دراستها في الكلية على أثر اعتقالها والحكم عليها بخمسة سنوات. وبعد إنهاء فترة الحكم أُخذت حبيبة إلى المطار ونفيت إلى إسرائيل رغماً عنها، وحبيبة هي أول قارئة لكتاباتي”.

في سجون العراق..

وعن كتابه (ذكرياتي في سجون العراق السياسية) والذي أهداه إلى والدته “لذكرى والدتي، أشجع وأنبل وأحن امرأة عرفتها في حياتي، أكبر سـجناء الحـزب الشيوعي العراقي سـناً، زج بها (النعساني) في السجن وهي في عمر أمه” يواصل”حسقيل قوجمان” : “منذ سنوات عديدة كان أصدقائي، بصرف النظر عن اختلاف آرائنا السياسية، يلحون على ضرورة نشر مذكراتي لأن حياتي، وكما يعتقدون، كانت غنية في تجربتها، وقد تكون مفيدة وشيقة للقراء. وبدأت قبل سنوات في كتابة هذه المذكرات. وطبيعي بدأت أكتبها باللغة العربية، اللغة التي أستطيع أن أعبر بها عن أفكاري أدق تعبير. ولكن  أولادي اعترضوا على ذلك. فهم لا يجيدون قراءة اللغة العربية. وكان احتجاجهم مقنعا لأنهم قالوا أن مذكراتي مهمة لهم بصورة خاصة لأنهم يريدون أن يعرفوا أباهم  على حقيقته، وأصروا على أن أكتب هذه المذكرات بالانجليزية، وفعلت ذلك. كتبت لحد الآن أكثر من 120 صفحة بالقطع الكبير ولم تنته المذكرات بعد. وهي بحاجة إلى تنقيح وإضافات كثيرة. ولكني لم أواصل الكتابة فيها لأني بعد الخسارة المالية الفادحة التي تكبدتها من نشر الكتابين الأخيرين اللذين نشرتهما باللغة الانجليزية “ستالين كما فهمته” و “المقامات العراقية” لست في وضع يسمح لي بأن انشر كتابا آخر. ولكن العديد من أصدقائي الذين علموا بما كتبت ألحوا علي بأن أقوم  بترجمة هذه المذكرات إلى اللغة العربية. ففكرت في حلٍ وسط، وقررت أن أكتب عن ذكرياتي في سجون العراق السياسية وهي فترة من أهم الفترات في حياتي. كان إهداء المذكرات لوالدتي نتيجة طبيعية، فهي امرأة قاست الظلم والقهر والسجون وهي مسنة، وهي أكبر امرأة عراقية سناً تدخل السجون والمعتقلات بتهمة سياسية، وأعتقد بأنها تستحق أكثر من هذا”.

وفي مقالة بعنوان (حسقيل قوجمان صوت يهودي عراقي مدوي) يقول الكاتب”داود سلمان الكعبي”: “كنت أتابع ما يكتبه، هنا وهناك، منذ فترة ليست بالقصيرة، رأيته يمتاز بالرأي الثاقب وقوة الحجة، يحمل فكرا نيرا، ويمتلك في لبه مساحة واسعة من العلم والثقافة والإبداع وشتى فنون المعارف الأخرى . شدتني كتاباته انشداد الظمآن للنمير العذب، ما جعلني أراجع بعض الكتب والمصادر التي يذكرها سواء في الهوامش أو في متون كتاباته، لا أخفي في أنني انشددت إلى تلك الكتابات، وغيرت وجهة نظري في مبادئ وقضايا كنت انظر لها من زاوية ضيقة. وكيف لا يكون كذلك وهو المفكر والسياسي والماركسي العراقي حسقيل قوجمان” .

وفاته..

توفى “حسقيل قوجمان” 27 أكتوبر 2018 عن عمر يناهز 98 عاما.

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب