خاص: قراءة – سماح عادل
رواية ( إيربن هاوس) للكاتب الفلسطيني “طلال أبو شاويش” تناقش قضية هامة، وتساؤل ملح هل الحل في الخلاص الفردي أم في الخلاص الجماعي؟، عارضة أزمة غزة وحصارها والكوارث التي تنضح بها منطقة الشرق الأوسط، والمعاملة غير العادلة التي يلقاها اللاجئين في البلدان الرأسمالية الكبيرة، التي هي أصل البلاء وسبب الكوارث والصراعات في مناطق عديدة بالعالم.
الشخصيات..
عاصم: البطل، كاتب في عمر الخمسين، يعيش في غزة، يتعرض لهجوم من الجماعات المتشددة دينيا بسبب كتاباته واتجاهه الفكري لكنه لا يأبه لذلك، يحاول الخروج من غزة ويقدم على اللجوء إلى بريطانيا، وبالفعل يسافر إلى هناك وبعد الاطلاع على الواقع بكل فجاجته يغير رأيه.
إبراهيم: كاتب خمسيني، يعيش في غزة، صديق مقرب ل”عاصم” يحلمان معا بكتابة رواية مشتركة، يصر على البقاء في غزة رغم حصارها وما يخلفه ذلك الحصار من كوارث.
بشار: رجل فلسطيني لجأ إلى بريطانيا منذ سنوات طويلة، لكنه لم ينس وطنه رغم استقرار حياته، لديه ولدان “علي” و”غسان” يحرص على ربطهما بوطنهما الأول، ويقوم بالمشاركة في فاعليات كثيرة للدفاع عن القضية الفلسطينية، ويساعد اللاجئون الجدد ويفكر في العودة إلى غزة لكي يكون لتحركه ونضاله معنى.
ريفال: سيدة من تونس، عانت هي أيضا من التطرف والتشدد الديني حيث أجبرها أخوها على الزواج من ابن عمها، وكليهما ينتميان إلى التيار المتشدد، وتلقى معاملة غير إنسانية من زوجها، ويتم اغتصابها على يد أحد أفراد الجماعة، ثم تستفيق مما هي فيه وتعود قوية وتعمل بجد، وبعد عدة سنوات يعود أخاها وابن عمها وتجد نفسها عرضة للاضطهاد مرة أخرى، فتهرب من خلال اللجوء إلى بريطانيا.
تيمبا: شاب صومالي، عاش كارثة هو أيضا، حيث قتل والده على يد المتشددين دينيا وخسر كل ما يملك، وقتل أخيه على يد ثري خليجي وهاجر إلى بريطانيا فقط لكي ينتقم لأخيه، ورغم أنه يعزف الموسيقى ويرسم ويتعامل بإنسانية مع باقي اللاجئين إلا أنه يتحول إلى متشدد بعد ما فشلت محاولته في الانتقام لأخيه، ويتحول من المسيحية إلى الإسلام فقط لينضم لجماعة متشددة ويسافر إلى الشرق ليفرغ شحنات غضبه.
الراوي..
الراوي عليم، يحكي عن الشخصيات بضمير الغائب، لكنه يركز حكيه على البطل “عاصم”، ورحلته من غزة إلى بريطانيا ويحكي دواخله، ويحكي عن الشخصيات الأخرى من خلال “عاصم” ماعدا “إبراهيم”.
السرد..
تحتشد الرواية بكثير من المعلومات والحقائق لتعرض أفكار هامة ومترابطة، وتعتمد على حبكة متماسكة تتمثل في خروج “عاصم” من غزة وعودته إليها بعد أن يكون قد وعى بحقيقه موقفه وحياته وطريقه في الخلاص، تقع الرواية في حوالي 240 صفحة من القطع المتوسط وتمتلئ بشخصيات حية ولغة سلسة.
الرأسمالية ليست رحيمة..
تناقش الرواية قضية هامة وهي مسئولية الرأسمالية عن ما وصل إليه حال مناطق عديدة في العالم، حيث تشتعل فيها الصراعات والنزاعات الطائفية والعرقية، ويقتل الآلاف بشكل وحشي بأسباب معلنة لكنها غير حقيقية، فالاختلاف في العرق أو الدين ليس السبب الرئيسي للنزاعات المنتشرة في بلدان العالم، وإنما توحش الرأسمالية واستغلالها لثروات تلك البلدان، وتغذيتها للتيارات الدينية المتشددة لتكون أذرعها العديدة في تنفيذ مخططاتها وتحقيق ما تصبو إليه من استيلاء على ثروات البلاد، لا يختلف الأمر في قارة إفريقيا الغنية بالثروات عن ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط وفي بلدان أخرى من العالم.
ويعرض الكاتب ذلك من خلال تتبعه لبطل الرواية “عاصم” الذي يعيش في غزة المحاصرة منذ 2007، وكيف أن مليونين من الفلسطينيين يعيشون في ظروف غاية في السوء، حيث يعانون من الحصار من كل الاتجاهات كما يتعرضون للقصف وهدم بيوتهم وترشيدهم في المخيمات، ينتظرون بفارغ الصبر فتح معبر رفح الذي يربطهم بالحياة، ويذهبون من خلاله إلى مصر ثم إلى بلدان العالم الأخرى، لكن فتح المعبر يرتبط بالسياسة وألاعيبها الكثيرة، وهم محجوزون في بلدهم ينتظرون الخلاص بالهروب.
ويعد “عاصم” مثال على هؤلاء الذين يبحثون عن خلاص فردي بالهروب من غزة إلى أية بلد أخرى، حيث يستطيع الإفلات والذهاب إلى بريطانيا طالبا للجوء، لكنه يفاجئ بأن الحال في بريطانيا ليس جيدا كما كان يتوقع، فقد تم احتجازه في سجن قديم تحول إلى ملجأ مؤقت للاجئين، يعيشون فيه حتى تتم الإجراءات القانونية ويتم إعطائهم سكن وإقامة، ويبدأ “عاصم” في اكتشاف المزيد، اللاجئون من كل بلدان العالم المنكوبة يعاملون معاملة سيئة، يعطونهم طعاما سيئا بكميات قليلة وكأن الجوع لعنتهم التي تلاحقهم أينما ذهبوا، وذلك لأن القائمون على (إيربن هاوس) ملجأ اللاجئين مجموعة من الموظفين الفاسدين الذين يسرقون أموال الملجأ والتي تأتي من الحكومة ومن التبرعات، كما يعاملون اللاجئين معاملة قاسية ويطردون من يعترض حتى يصبح مصيره أسوأ ويحرم من الإقامة ومن أن يكون لاجئا شرعيا.
ويكتشف عاصم مآسي لبعض اللاجئين، كما يكتشف أن بريطانيا نفسها دولة عنصرية، هي من سهلت إقامة دولة إسرائيل وهي من استعمرت دول كثيرة في الماضي لتحقيق مصالحها، فهي أقدم قلاع الرأسمالية، ورغم أنها تستقبل اللاجئين اليوم وتدعي أنها دولة رحيمة تتعامل بإنسانية مع من تطالهم الكوارث، والتي في الواقع هي أحد مسببيها، إلا أنها رغم ذلك تصر على عنجهيتها، حيث تعلن رئيسة الوزراء فخرها بوعد بلفور واحتفال دولتها بمئوية هذا الوعد، غير عابئة بحق الشعب الفلسطيني الذي أضير من ذلك وما زال يعاني الكثير.
الخلاص الفردي أنانية..
كما تقول الرواية من خلال البطل “عاصم” أن الخلاص الفردي ليس حلا وإنما أنانية من ذلك الشخص الذي يسعى إليه، فاللاجئون يذهبون إلى تلك البلدان الغربية يعانون من القمع والقهر ومن العنصرية، ويعيشون حياة ليست جيدة بما يكفي، وفي النهاية تظل أوطانهم تعاني من خرابها وبؤسها، لذا فقد اختار “عاصم” أن يعود إلى غزة بحثا عن خلاص جماعي، وقبل ذلك واجه المسئولين عن قبول لجوئه بخطبة طويلة عن مسئولية بريطانيا عن مأساة فلسطين، وعن فساد (إيربن هاوس) وعن سياسة بريطانيا المجحفة وغير العادلة، وقرر مع صديقه “إبراهيم” أن يوثق كل ذلك في رواية، فالنضال لأجل قضية وطنك أهم بكثير من محاولة الهروب منها والبحث عن خلاص لك ولأهلك.
الرواية متميزة تناقش هموم الشرق الأوسط وما حل به من خراب، بدء من فلسطين وليس انتهاء بسوريا، فالشرق الأوسط سوف يعاني المزيد، كما ترصد كوارث العالم الذي أصبح لقمة في يد الرأسمالية التي غالت في وحشيتها.
الكاتب..
طلال أبو شاويش، كاتب فلسطيني يعيش في غزة، صدر له:
– وداعاً أيها الأنبياء. مجموعة قصصية 1999.
– بقايا ليست للبيع. مجموعة قصصية 2001.
– اغتيال لوحة. مجموعة قصصية 2003.
– نستحق موتاً أفضل. رواية 2005.
– كوابيس شرق أوسطية. رواية 2007.
– مواسم الحب والدم. رواية 2013.
– كتاب غزة. مجموعة قصصية مشتركة باللغة الإنجليزية- بريطانيا 2015.
– وقت مستقطع للفرح. قصص ونصوص 2017.