14 نوفمبر، 2024 4:49 م
Search
Close this search box.

“رجل في الظلام” .. هروب العقل البشري من الواقع المأساوي بصنع حرب أهلية !

“رجل في الظلام” .. هروب العقل البشري من الواقع المأساوي بصنع حرب أهلية !

خاص : عرض – سماح عادل :

رواية (رجل في الظلام)؛ للكاتب الأميركي، “بول اوستر”، ترجمة، “أحمد م أحمد”، إصدار دار الآداب.. تحكي عن بؤس الحياة؛ والذي يجعله الحرب أكثر عمقًا وتأثيرًا في البشر.. كما تتخيل حرب أهلية جديدة في أميركا وتأثيرها على الناس.

الشخصيات..

“أوغوست بريل”: البطل.. هو ناقد للكتب أميركي؛ عمل طوال حياته في كتابة المقالات ونقد الكتب، وهو في السبعين من عمره، تعرضت حياته لسلسلة من الأحداث الكئيبة، ويعيش مع ابنته في بيتها في “فيرمونت”، بعد تعرضه لحادث مميت، ويتخيل في عقله قصص وحكايات في محاولة منه للهروب من الماضي.

“سونيا”: زوجة “أوغوست”.. وهي فرنسية عاشت في أميركا في فترة شبابها، وقد تزوجها وهما في عمر العشرين؛ وعاشا معًا سنوات طويلة ثم ماتت وتركته وحيدًا.

“ميريام”: ابنه “أوغوست”.. وهي في السابعة والأربعين من عمرها، هجرها زوجها لأجل الزواج من فتاة شابة، وعاشت محنة الهجر، وهي كاتبة أيضًا.

“كاتيا”: حفيدة “أوغوست”.. تعرضت لحادث مأساوي هي الأخرى، حيث قتل حبيبتها في العراق، وأهملت تعليمها وعاشت في بيت أمها بصحبتها هي وجدها في حالة كآبة مزمنة.

“تياتوس”: شاب في العشرين.. قرر أن يذهب إلى العراق رغم رفضه الحرب فيها؛ لكي يعمل سائقًا لصالح إحدى الشركات ينقل البضائع والمؤن بحثًا عن مال كثير، ويتم اختطافه وذبحه بعد أن ترفض الشركة التي يعمل بها تصفية أعمالها في العراق.

“بريك”: بطل قصة متخيلة في عقل “أوغوست”.. ساحر يعمل في المناسبات الخاصة بالأطفال؛ ومتزوج من سيدة تعمل في تجهيز الطعام، تنقلب حياته فجأة وتنتهي الحكاية بموته.

الراوي..

الراوي هو “أوغوست” البطل.. يحكي عن شعوره بالوحدة وكيف يتعايش معها في الظلام، ويتحايل على أحداث الماضي الحزينة بنسج القصص في عقله ليلًا، حين تنام ابنته وحفيدته ويتملكه الأرق، وينسج حكايات محبوكة تثأر في ذهنه من وحشية الواقع.

السرد..

السرد يعتمد على التشويق.. حين يتخيل “أوغوست” حكايات في خياله، وعلى إستدعاء الماضي حين يفكر “أوغوست” به أو يحكيه لحفيدته.. تقع الرواية في حوالي 260 صفحة من القطع المتوسط.

حرب أهلية في أميركا..

في الظلام؛ حين يشعر “أوغوست” بالأرق ويخاف من أن يغوص ذهنه في تذكر، “سونيا”، التي ماتت مؤخرًا بمرض السرطان، وفارقته بعد أن عاش معها أكثر من أربعين عامًا، وفكر بعد موتها أن يقتل نفسه وانتهى الأمر به أن يتعرض لحادثة سيارة مميتة كسرت فيها ساقه، وأصبح مقعدًا في كرسي متحرك.. يحاول “أوغوست” الهروب بنسج الحكايات؛ وقد نسج حكاية عن حرب أهلية في أميركا، لاغيًا حادث تفجر البرجين والحرب على العراق، متخيلًا أنه بنجاح “جورج دبليو بوش”، في عام 2000، استقلت بعض الولايات عن أميركا وكونت اتحاد للولايات المستقلة في مقابل الولايات المتحدة القديمة، وحدثت الحرب الأهلية التي أشاعت الدمار في كل مكان وعاش الأميركيون في ظروف بائسة وفقر وعوز وفقدان لأبسط وسائل المعيشة اليومية، و”بريك” بطل هذه القصة هو ساحر، لا علاقة له بالثقافة أو السياسة، يستيقظ فجأة ليجد نفسه مجندًا في القوات المسلحة التابعة للولايات المستقلة ويطلب منه قتل من إفتعل تلك الحرب.

وحين يتساءل عن هويته يعرف أنه هو الكاتب، “أوغوست”، الذي تخيل تلك الحرب في ذهنه، ويستمتع “أوغوست” بحبك القصة وتصوير حيرة “بريك” وخوفه من أن يصبح قاتلًا، وهلعه من مظاهر الحرب الأهلية البشعة في كل مكان، ثم يعيده إلى عالمه الحقيقي بعد أن يقول له العملاء السريين، الذين طلبوا منه تنفيذ مهمة القتل، أن هناك عوالم موازيه لعالمه الحقيقي؛ ليقرر مزاج “أوغوست” المتقلب، قتل “بريك” بعد أن كان عليه أن يتتبعه في “فيرمونت” ويقتله هو، حيث قتل “بريك” في قصف من القوات المعادية.

تكمن قيمة تلك القصة المتخيلة في أنها تخيلت أن يعود سيناريو الحرب البشعة؛ الذي تفتعله أميركا وتنفذه على الدول التي تختارها عليها هي، أن ينفذ ذلك السيناريو على أميركا ويذوق الأميركيون مرارته وبشاعته ودماره وتدمر حياتهم مثلما يفعلون بالآخرين.

وإستكمالًا لسخط “أوغوست” على الحرب، يتضح في النهاية أن صديق حفيدته قتل ذبحًا في العراق، بعد أن طلب الخاطفون أن تتوقف الشركة التي يعمل بها عن العمل في العراق، وترفض الشركة، طمعًا في الأرباح المهولة التي تحصل عليها.. لكن يعاب على الكاتب أنه جسد وحشية الحرب وبشاعتها على البشر في أميركا، دون أن يذكر بشاعتها على العراقيين أنفسهم أو يظهر بعض التعاطف تجاههم، فقد إنصب تعاطفه على “تاتيوس”، الذي ذبح بوحشية نتيجة لذهابه إلى حرب يرفض حدوثها، كما أشار الكاتب في أحد المواقع إلى أن الجرم هو جرم “جورج دبليو بوش” ومساعديه، لكنه مع ذلك لم يهتم بتصوير تلك البشاعة على الدول التي تقع فيها حروب أميركا المفتعلة، وإن كان تصويره لها في الحرب الأهلية المتخيلة إدانة ضمنية لفكرة الحرب ووحشيتها على الإنسانية..

الهروب من أخطاء الماضي..

يهرب “أوغوست” من أخطاءه في الماضي، والتي أصبحت تلح عليه بعد أن فارقته زوجته وتركته وحيدًا، فأصبح يشعر بوطأة الذنب لإرتكابه تلك الأخطاء، فقد ترك زوجته حين وصل إلى الأربعين وبعد 18 عامًا من الزواج، وكان قبلها قد بدأ في خيانتها خيانات قصيرة، ثم قرر الزواج من كاتبة شابة وتركها؛ مخلفًا لها ألم شديد، وبعد أن تركته زوجته الشابة لأجل رجل آخر وجد نفسه تائهًا، وعاد إلى “سونيا” مرة أخرى واستأنفا زواجهما هذه المرة ليظلا معًا حتى موتها، ورغم ذلك يلح عليه الإحساس بالذنب، لأنه لم يكن زوجًا جيدًا، ولأنه تسبب لها في الألم، كما أن آلام ابنته وحفيدته إنضافت إلى آلامه وأصبح محملًا بها.

الكاتب..

“بول بنغامين أوستر”؛ كاتب ومخرج أميركي، مولود في 1947، كتاباته خليط بين العبثية، الوجودية، أدب الجريمة والبحث عن الهوية والمعاني الإنسانية.

أبرز أعماله: (ثلاثية نيويورك) 1987، (قصر القمر) 1989، (موسيقى الصدفة) 1990، “كتاب الأوهام) 2002، (حماقات بروكلين) 2005. تُرجمت كتبه لأكثر من أربعين لغة.

ولد “أوستر” في مدينة “نيو آرك” في ولاية “نيوغيرسي” الأميركية، لأبوان يهوديان من الطبقة الوسطى، وذوي أصول بولندية، “كويني” و”صموئيل أوستر”، نشأ “أوستر” في منطقة جنوب “أورنغ، نيوغيرسي” ونيوآرك، وتخرج من ثانوية كولومبيا في مابلوود.

بعد تخرجه من “جامعة كولومبيا” عام 1970، انتقل “أوستر” إلى باريس، وكوسيلة لكسب قوت يومه قام بترجمة الأدب الفرنسي. عند عودته إلى الولايات المتحدة الأميركية في عام 1974، قام بنشر قصائد، مقالات وروايات من تأليفه، فضلاً عن الأعمال التي قام بترجمتها لبعض الكُتاب الفرنسيين مثل “ستيفان مالارمي” و”جوزيف غوبيرت”.

عقب النجاح الذي حققه أول عمل أنتجه “أوستر”، والذي كان عبارة عن مذكرات أطلق عليها “اختراع العزلة”، عاد للأضواء مجدداً عند إصداره ثلاثيته الشهيرة التي تتكون من قصص بوليسية ترتبط ببعضها بشكل بسيط ونشرها تحت عنوان “ثلاثية نيويورك”، وهذه القصص لم تكن مجرد قصص بوليسية تقليدية تدور حول أمر غامض أو مجموعة أدلة، حيث قام “أوستر” باستخدام نموذج المحقق للتطرق إلى قضايا الوجودية وأسئلة الهوية، المكان، اللغة والأدب، مما جعله يبتكر أسلوبا فريداً في الحداثة (ما بعد الحداثة).

يتخلل الكثير من أعمال “أوستر” الأخيرة هاجس البحث عن الهوية والمعاني الشخصية، والكثير منها يركز بشكل كبير على دور الصدفة والعشوائية (موسيقى الصدفة) أو بشكل أعمق، مدى ارتباط الأشخاص بأقرانهم وبيئاتهم (كتاب الأوهام، قصر القمر). أبطال “أوستر” غالباً ما يجدون أنفسهم مضطرين للعمل كجزء من مخطط أشخاص آخرين أو منظمات كبرى. في 1995، وآخر أعمال “أوستر” هي ليلة التنبؤ (2003)، حماقات بروكلين (2005)، و رواية رحلات في حجرة الكتابة التي لاقت استحسانا كبيراً.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة