إعداد: محمود كعوش
1 – جامعة الدول العربية
أولاً: – النشأة
أ – السياق العام:
على الرغم من أن الدعوة إلى الوحدة العربية كانت مطروحة منذ عدة قرون إلا أن فكرة إقامة تنظيم عربى واحد يجمع شمل الدول العربية لم تتبلور أو تتضح معالمها إلا خلال الحرب العالمية الثانية بفعل جملة متغيرات عربية وإقليمية ودولية.
– على المستوى العربي، يمكن القول أن الحقيقة العربية كانت هي حجر الأساس لهذا التطور التاريخي. فمن ناحية، كانت الحرب مناسبة لنمو الحركات الوطنية ونشاط المقاومة ضد الوجود الاستعماري الأمر الذى انعكس على استقلال عدد متزايد من الدول العربية وأنشأ الحاجة إلى إقامة نوع من التوازن بين القوى السياسية لعبت فيه مصر دوراً فاعلاً. ومن ناحية ثانية، تعززت الحاجة إلى الوحدة مع الوعى بمخاطر الحركة الصهيونية وتقاطر الهجرات اليهودية إلى فلسطين بدور لا يغفل للدولة المنتدبة عليها.. “بريطانيا”، تحقيقاً لحلم الدولة اليهودية. ومن ناحية ثالثة، أدى تزايد الاحتكاك بالغرب نتيجة البعثات التعليمية إلى الانفتاح على بعض الأفكار والتيارات السياسية التي كانت تعتمل فيه، وفى مقدمتها الفكرة القومية. ومن ناحية رابعة، بدت أن هناك درجة معقولة من التبادل التجاري وانتقال الأشخاص لا سيما بين دول المشرق العربي على نحو بدا وكأنه يوفر الأساس المادي للوحدة، إضافة إلى الأساس الروحي والثقافي المبدئي.
– وعلى المستوى الإقليمي، ساعدت التطورات التي كانت تجتازها دول الجوار وهى بالأساس تركيا وإيران على شغلها بنفسها وصرفها عن محاولة إجهاض مساعي العرب إلى الوحدة. أما تركيا فقد كانت هزيمتها في الحرب العالمية الأولى ومخاوفها من قيام نظام شيوعي على حدودها وبوادر تغيير علاقاتها وتحالفاتها من الشرق إلى الغرب أهم محددات أجندتها الداخلية والخارجية، وفى الوقت الذى تكفل فيه استيلاؤها على لواء الإسكندرون من سورية وفشلها في اقتطاع الموصل من العراق بتعلية الجدران التي تفصلها عن محيطها العربي – الإسلامي وإكسابها سمكاً إضافياً، وأما إيران فكانت مكبلة بنظام متسلط وباستعمار غربي مسيطر على موارد الثروة فيها، وكانت مهددة بأكثر مما كانت تركيا بخطر الجار الشيوعي القوى الذى تحتفظ معه بحدود طويلة والذى لم يخف نواياه الاستعمارية لا في منافذها البحرية ولا في نفطها.
– وعلى المستوى الدولي، تلت الحرب العالمية الثانية مرحلة انتقالية من مراحل تطور النظام الدولي، صرفت انتباه الولايات المتحدة إلى المناطق المجاورة للاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية والصين، فيما تركت المنطقة العربية، مؤقتاً، لتقع ضمن اهتمامات بريطانيا وفرنسا بخبرتيهما الطويلة في الشئون العربية. وفيما يخص بريطانيا تحديداً فمن المهم في تحليل موقفها من تأسيس الجامعة العربية توضيح حقيقتين بالغتي الأهمية. الحقيقة الأولى، أنها لعبت بالفعل دوراً داعماً لتأسيس الجامعة العربية لأسباب مصلحية سيرد ذكرها. والحقيقة الثانية، أن هذا الدور كان دوراً مكملاً أو مساعداً ولم يكن دوراً منشئا أو مبادرا، سواء لأنه لا توجد دولة ما كانت ومهما بلغت درجة هيمنتها السياسية في حقبة تاريخية معينة قادرة على نفخ الروح في فكرة من العدم، أو لأن السلوك السياسي البريطاني، وكلما اتضح لاحقاً كان سلوكاً معادياً لتطوير الآصرة العربية وساعياً إلى منافستها بأواصر مصطنعة أهمها الأواصر الشرق أوسطية. بقول آخر، لقد وجدت بريطانيا في الأربعينيات من القرن العشرين أن وجود أحد الأشكال المؤسسية التي تنتظم فيها الدول العربية المستقلة في حينه يخدم مصالحها من عدة وجوه أساسية. الأول التعاطي مع أماني المنطقة تعاطياً جديداً تحسباً للمنافسات الدولية، والفرنسية منها بالأساس. والثاني التجاوب مع المد الاستقلالي والتحرري الذى بدا أنه سيكون أحد معالم العلاقات الدولية بعد انتهاء الحرب. والثالث، وهو مرتبط بسابقه، الاعتبار بالانتفاضات التي حصلت ضدها، ومنها ثورة العراق أيام رشيد علي الكيلاني، وحركات التمرد ضدها في مصر. والرابع حل قضية اليهود في فلسطين، توهما منها أن تأسيس دولة يهودية لا يمكن أن يتم إلا من خلال إطار عربي عام قادر على إعطاء التنازلات للصهاينة وموحد لكلمة العرب ومنسقها في هذا الشأن. والخامس الاستفادة من خبرة الحرب العالمية الثانية التي أكدت الطبيعة الواحدة اقتصاديا واستراتيجيا للمنطقة العربية كمنطقة تزخر باحتياطي نفطي ضخم يجاور ثلثي الاحتياطي العالمي المعروف آنذاك وكمعبر لأحد أهم المجاري المائية الدولية: قناة السويس، وكحلقة وصل بين الشرق والغرب، وبالتالي الشعور بالحاجة للتعامل مع هذه الحقيقة بما يلائمها.
وفي هذا السياق جاء إلقاء انتوني إيدن وزير خارجية بريطانيا خطابا في 29 نيسان/أبريل 1941، ذكر فيه “أن العالم العربي قد خطا خطوات عظيمة منذ التسوية التي تمت عقب الحرب العالمية الماضية، ويرجو كثير من مفكري العرب للشعوب العربية درجة من درجات الوحدة أكبر مما تتمتع به الآن. وإن العرب يتطلعون لنيل تأييدنا في مساعيهم نحو هذا الهدف ولا ينبغي أن نغفل الرد على هذا الطلب من جانب أصدقائنا ويبدو أنه من الطبيعي ومن الحق وجود تقوية الروابط الثقافية والاقتصادية بين البلاد العربية وكذلك الروابط السياسية أيضاً… وحكومة جلالته سوف تبذل تأييدها التام لأي خطة تلقى موافقة عامة”. وبعد أقل من عامين من هذا التاريخ وتحديداً في24 شباط/فبراير 1943، عاد إيدن يصرح في مجلس العموم البريطاني بأن الحكومة البريطانية “تنظر بعين العطف إلى كل حركة بين العرب ترمى إلى تحقيق وحدتهم الاقتصادية والثقافية والسياسية”.
ب – الخطوات التنفيذية:
استثماراً للعوامل الذاتية المبررة للوحدة وللظروف الإقليمية والدولية المواتية، بدأت الخطوات التنفيذية لوضع هدف الوحدة موضع التنفيذ . فلقد أخذ رئيس الوزراء المصري مصطفى النحاس بزمام المبادرة بعد عام تقريباً من خطاب أنتوني إيدن. ودعا كلا من رئيس الوزراء السوري (جميل مردم) ورئيس الكتلة الوطنية اللبنانية (بشارة الخوري) للتباحث معهما في القاهرة حول فكرة “إقامة جامعة عربية لتوثيق العرى بين البلدان العربية المنضمة لها”. وكانت هذه أول مرة تثار فيها فكرة الجامعة العربية بمثل هذا الوضوح ثم عاد بعد نحو شهر من تصريح إيدن أمام مجلس العموم، ليؤكد استعداد الحكومة المصرية لاستطلاع آراء الحكومات العربية في موضوع الوحدة وعقد مؤتمر لمناقشته وهي الفكرة التي أثنى عليها حاكم الأردن في حينه الأمير عبد الله. وعلى أثر ذلك بدأت سلسلة من المشاورات الثنائية بين مصر من جانب وممثلي كل من العراق وسورية ولبنان والمملكة العربية السعودية والأردن واليمن من جانب آخر وهى المشاورات التي أسفرت عن تبلور اتجاهين رئيسيين بخصوص موضوع الوحدة. الاتجاه الأول يدعو إلى ما يمكن وصفه بالوحدة الإقليمية الفرعية أو الجهوية وقوامها سورية الكبرى أو الهلال الخصيب. والاتجاه الثاني يدعو إلى نوع أعم وأشمل من الوحدة يظلل عموم الدول العربية المستقلة وإن تضمن هذا الاتجاه بدوره رأيين فرعيين أحدهما يدعو لوحدة فيدرالية أو كونفدرالية بين الدول المعنية والآخر يطالب بصيغة وسط تحقق التعاون والتنسيق في سائر المجالات وتحافظ في الوقت نفسه على استقلال الدول وسيادتها.
وعندما اجتمعت لجنة تحضيرية من ممثلين عن كل من سورية ولبنان والأردن والعراق ومصر واليمن (بصفة مراقب) في الفترة من 25 أيلول/سبتمبر إلى 7 تشرين الأول/أكتوبر 1944، رجحت الاتجاه الداعي إلى وحدة الدول العربية المستقلة بما لا يمس استقلالها وسيادتها. كما استقرت على تسمية الرابطة المجسدة لهذه الوحدة بـ “جامعة الدول العربية” وآثرته على مسمى “التحالف” و “الاتحاد” كون الأول يشير إلى علاقة عارضة والثاني يعبر عن علاقة تجب الاختصاصات المتفق على تحويلها للمنظمة العربية الناشئة. وعلى ضوء ذلك تم التوصل إلى بروتوكول الإسكندرية الذى صار أول وثيقة تخص الجامعة والذي نص على المبادئ الآتية:
– قيام جامعة الدول العربية من الدول العربية المستقلة التي تقبل الانضمام إليها ويكون لها مجلس تمثل فيه الدول المشتركة في الجامعة على قدم المساواة.
– مهمة مجلس الجامعة هي: مراعاة تنفيذ ما تبرمه الدول الأعضاء فيما بينها من اتفاقيات وعقد اجتماعات دورية لتوثيق الصلات بينها والتنسيق بين خططها السياسية تحقيقات للتعاون فيما بينها وصيانة استقلالها وسيادتها من كل اعتداء بالوسائل السياسية الممكنة، والنظر بصفة عامة في شئون البلاد العربية.
– قرارات المجلس ملزمة لمن يقبلها فيما عدا الأحوال التي يقع فيها خلاف بين دولتين من أعضاء الجامعة ويلجأ الطرفان إلى المجلس لفض النزاع بينهما. ففي هذه الأحوال تكون قرارات المجلس ملزمة ونافذة.
– لا يجوز الالتجاء إلى القوة لفض المنازعات بين دولتين من دول الجامعة كما لا يجوز اتباع سياسة خارجية تضر بسياسة جامعة الدول العربية أو أية دولة من دولها.
يجوز لكل دولة من الدول الأعضاء بالجامعة أن تعقد مع دولة أخرى من دول الجامعة أو غيرها اتفاقات خاصة لا تتعارض مع نصوص هذه الأحكام وروحها.
– الاعتراف بسيادة واستقلال الدول المنظمة إلى الجماعة بحدودها القائمة فعلاً. كما اشتمل البروتوكول على قرار خاص بضرورة احترام استقلال لبنان وسيادته، وعلى قرار آخر باعتبار فلسطين ركناً هاماً من أركان البلاد العربية وحقوق العرب فيها لا يمكن المساس بها من غير إضرار بالسلم والاستقلال في العالم العربي، ويجب على الدول العربية تأييد قضية عرب فلسطين بالعمل على تحقيق أمانيهم المشروعة وصون حقوقهم العادلة.
– وأخيراً نص في البروتوكول على أن (تشكل فوراً لجنة فرعية سياسية من أعضاء اللجنة التحضيرية المذكورة للقيام بإعداد مشروع لنظام مجلس الجامعة، ولبحث المسائل السياسية التي يمكن إبرام اتفاقيات فيها بين الدول العربية).
ووقع على هذا البروتوكول رؤساء الوفود المشاركة في اللجنة التحضيرية وذلك في 7 تشرين الأول/أكتوبر 1944، باستثناء السعودية واليمن اللتين وقعتاه في 3 كانون الثاني/يناير 1945 و5 شباط/فبراير 1945، على التوالي بعد أن تم رفعه إلى كل من الملك عبد العزيز آل سعود والإمام يحيي حميد.
ولقد مثل هذه البروتوكول الوثيقة الرئيسية التي وضع على أساسها ميثاق جامعة الدول العربية وشارك في إعداده “أي الميثاق” كل من اللجنة السياسية الفرعية التي أوصى بروتوكول الإسكندرية بتشكيلها ومندوبي الدول العربية الموقعين على بروتوكول الإسكندرية، مضافاً إليهم مندوب عام كل من السعودية واليمن وحضر مندوب الأحزاب الفلسطينية كمراقب. وبعد اكتمال مشروع الميثاق كنتاج لستة عشر اجتماعا عقدتها الأطراف المذكورة بمقر وزارة الخارجية المصرية في الفترة بين 17 شباط/فبراير و3 آذار/مارس 1945، أقر الميثاق بقصر الزعفران بالقاهرة في 19 آذار/مارس 1945، بعد إدخال بعض التنقيحات عليه. تألف ميثاق الجامعة من ديباجة وعشرين مادة، وثلاثة ملاحق خاصة، الملحق الأول خاص بفلسطين وتضمن اختيار مجلس الجامعة مندوباً عنها “أي عن فلسطين” للمشاركة في أعماله لحين حصولها على الاستقلال. والمحلق الثاني خاص بالتعاون مع الدول العربية غير المستقلة وبالتالي غير المشتركة في مجلس الجامعة. أما الملحق الثالث والأخير فهو خاص بتعيين السيد عبد الرحمن عزام الوزير المفوض بوزارة الخارجية المصرية كأول أمين عام للجامعة لمدة عامين. وأشارت الديباجة إلى أن الدول ذات الصلة وافقت على الميثاق بهدف تدعيم العلاقات والوشائج العربية في إطار من احترام الاستقلال والسيادة بما يحقق صالح عموم البلاد العربية.
(فئة الحكام التنظيمية والإجرائية الخاصة بالعضوية، ومجلس الجامعة واللجان الدائمة والميزانية، ومقر الجامعة وأمانتها العامة، والامتيازات الدبلوماسية والانسحاب من الجامعة أو الفصل منها، وتعديل الميثاق، وأخيراً إجراءات التصديق عليه وفئة الأحكام الموضوعية الخاصة بالتزامات الدول الأعضاء قبل بعضها البعض، والتي شملت احترام كل دولة لنظام الحكم في الدول الأخرى وحل منازعاتها بالطرق السلمية وتنسيق سياساتها الخارجية بما لا يضر بمصالح أي منها والتعاون في رد الاعتداء عن أي من دول الجامعة والتعاون في مختلف الشئون الاقتصادية والاجتماعية والثقافية).
وبالفعل شكل المجلس لجنة لهذا الغرض عرضت مشروعاتها عليه فتولى إقرارها بعد تعديل ما رآه مناسباً. وفي 22 آذار/مارس 1945، تم التوقيع على ميثاق جامعة الدول العربية من قبل مندوبي الدول العربية عدا السعودية واليمن اللتين وقعتا على الميثاق في وقت لاحق. وحضر جلسة التوقيع ممثل الأحزاب الفلسطينية واصبح يوم 22 آذار/مارس من كل عام هو يوم الاحتفال بالعيد السنوي لجامعة الدول العربية.
ومن واقع تحليل ميثاق جامعة الدول العربية والمبادئ التي اشتمل عليها، يمكن تسجيل الملاحظات الثلاث الآتية:
الأولى، أن الميثاق جاء توفيقا بين الاتجاهين القطري والقومي مما انعكس على اعتبار الجامعة منظمة تقوم على التعاون الاختياري بين الدول الأعضاء فيها على أساس قاعدتي المساواة والاحترام المتبادل للاستقلال، كما انعكس على وضعها كمنظمة بين الحكومات وليست سلطة فوقية تعلوها.
والثانية، أن الميثاق جسد حالة من التوافق السياسي والرضاء العام بمعنى ان الجامعة لم تنشأ من خلال قيام قوة إقليمية مسيطرة بفرض إرادتها على الآخرين بل جاءت ثمرة لمجموعة من التوازنات بين الأطراف المعنية.
والثالثة، أن مبدئي السيادة والمساواة رتبا الأخذ بقاعدة الإجماع في التصويت واختيارية نظام الأمن المشترك وحل المنازعات بالطرق السليمة.
ومثل هذا الرضاء العام كأساس لبناء المنظمة كانت له إيجابية كما كانت له سلبياته. أما أنه كان عاملا إيجابيا فلأنه حافظ على تماسك النظام وضمن له مرونته وحال دون انفراد دولة واحدة أو عدد محدود من الدول بالسيطرة على الجامعة. وأما أن له سلبياته فلأن قاعدة الإجماع أدت أحيانا إلى قدر من الجمود والشكلية في الأداء بحيث تحركت الجامعة بفعالية حيثما توفر الإجماع لقراراتهما والعكس صحيح.
ثانيا: – التطور
بدأ السعي لتطوير الجامعة منذ تأسيسها الذي مثل حلا توفيقياً على ما تقدم بين الرابطتين القومية والقطرية، وساعد على ذلك أن ميثاق جامعة الدول العربية لم يغلق الباب في وجه تعزيز الرابطة التي أنشأتها وجسدتها الجامعة، وأوجد في هذا السياق آليتين محتملتين للتطوير: الأولى آلية تعديل الميثاق ذاته وذلك بالإشارة في المادة 19 منه الى جواز تعديله بأغلبية الثلثين لجعل الروابط بين الدول الأعضاء أمتن وأوثق وكذلك لإنشاء محكمة عدل عربية . والثانية آلية توثيق الروابط التي أوجدتها بين دولتين أو أكثر من دولها.
على ضوء ذلك شهد الواقع العربي محاولات لاختبار الآليتين السابق الإشارة إليهما في عدة مجالات منها المجال السياسي والمجالان الاقتصادي والاستراتيجي والمجال القانوني والمجال الإداري.
أ – سياسيا
لوحظ مع بدء اجتماعات مجلس الجامعة عدم وجود لجنة تضطلع بالنظر في الشئون السياسية التي تعد مجالا من مجالات أنشطة الجامعة حيث خلت المادة الثانية من الميثاق في ذكرها اللجان الدائمة الست من لجنة تختص بالقضايا السياسية . وعلى حين فسر البعض إشارة الميثاق للجان الست الدائمة على أنها إشارة حصرية. ذهب آخرون إلى أنها وردت كنماذج وكان رجحان الرأي الأخير هو السند القانوني لتأسيس لجان أخرى منها اللجنة القانونية واللجنة الدائمة للإعلام ولجنة الشئون الإدارية والمالية فضلا عن اللجنة السياسية نفسها.
تشكلت اللجنة السياسية في 30 تشرين الثاني/نوفمبر 1946، مع احتدام الصراع الدائر في فلسطين مع قوى الصهيونية وبروز الحاجة إلى تفعيل المشاورات السياسية بين الدول الأعضاء والتنسيق بين مواقفها في هذا الصدد وعلى حين نص قرار التشكيل على أن تكون العضوية في اللجنة على مستوى وزراء الخارجية فإنه بعد خمس سنوات من عمل اللجنة أي في عام 1951 أصدر مجلس الجامعة قرارا بفتح العضوية لرؤساء الحكومات ورؤساء وفود الدول لدى الجامعة حسب مقتضى الحال . وكان أهم ما أنجزته اللجنة من أعمال: بلورة معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي، والإعداد لجدول أعمال القمم العربية ورفع تقاريرها إلى اجتماعات تلك القمم، وهو ما تحقق بالفعل في القمم الخمس الأولى فضلا عن تنسيق المواقف العربية من بعض القضايا الدولية.
على صعيد آخر منذ انعقدت أول قمة عربية في القاهرة عام 1964 على خلفية قيام “إسرائيل” بتحويل مجرى نهر الأردن، واتخاذها قرارا بدورية انعقاد القمم العربية سنويا، وهذا المطلب يمثل مطلبا عربيا متكررا خاصة مع تنامي الدور الذى باتت تلعبه مؤسسة القمة على مستوى النظام العربي وتعدد أبعاد هذا الدور وتشعبها، وذلك بدءا من محاولتها “أي القمة” إنشاء مؤسسات سواء نص عليها الميثاق أو لم ينص من قبيل محكمة العدل العربية وآلية لتسوية المنازعات بين الدول العربية والوقاية منها.
ومعالجة فكرة الاتحاد العربي التي قدمتها ليبيا مروراً بسعيها إلى تعديل ميثاق جامعة الدول العربية وإدراجه لأول مرة على جدول أعمال قمة الرباط عام 1974 ثم توالت مناقشته في عدة مؤتمرات لاحقة، والحديث عن تطوير الجامعة تحديدا من المنظور الهيكلي أو الإداري والمنصب بالأساس على الأمانة العامة، وانتهاء بإثارتها موضوع تطوير المنظمات العربية المتخصصة في قمة عمان عام 1987 وقرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي على أثر ذلك بتقليص عدد المنظمات القائمة بدمج بعضها وظيفيا، بحيث لم يحتفظ بكيانه من المنظمات العربية المتخصصة سوى المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم والمنظمة العربية للتنمية الإدارية ومنظمة العمل العربية .
وبعد ستة وثلاثين عاما من قرار أول قمة عربية بدورية الانعقاد اتخذت قمة القاهرة المنعقدة في تشرين الأول/أكتوبر عام 2000 قرارا ينص على إقرار هذا المبدأ وإدراجه في ملف مكمل للميثاق . وكان نص القرار هو التالي: يقرر القادة العرب وهم يلتقون في هذه المرحلة الدقيقة اعتماد الآلية الخاصة بالانعقاد الدوري المنتظم للقمة العربية والتي وافق عليها مجلس جامعة الدول العربية في دورته الأخيرة “114” وأقر صيغتها النهائية اجتماع وزراء الخارجية العرب التحضيري لهذه القمة.
ويعبر القادة العرب عن ثقتهم في أن الانعقاد الدوري المنتظم للقمة العربية سوف يسهم في دعم العمل العربي المشترك في كافة المجالات لا سيما المجال الاقتصادي..” وكما يلاحظ فإنه مثلما كانت القضية المركزية أي قضية الصراع العربي – “الإسرائيلي” هي المحرك لعقد أول قمة عربية لمواجهة الأطماع “الإسرائيلية” في المياه العربية، فإنها كانت هي الداعي لمأسسة القمة واعتماد دوريتها على أثر اندلاع الانتفاضة الفلسطينية في 28 أيلول/سبتمبر 2000 وتصاعد سياسات القمع “الإسرائيلي” بشكل غير مسبوق.
ب – اقتصاديا واستراتيجيا:
ربط فيما بين المجالين الاقتصادي والاستراتيجي (أو الأمني) من خلال معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي التي وقعت في عام 1950، وهو ما يمثل إدراكاً مبكرا لتعدد أبعاد الأمن وتجاوزها البعد الحمائي أو العسكري.
فمن ناحية، نصت المعاهدة في مادتها السادسة على تكوين مجلس للدفاع المشترك يستطيع اتخاذ قرارات ملزمة لجميع الأعضاء بأغلبية الثلثين مما عد في حينه نقلة نوعية تعالج النقطة الخاصة باشتراط الاجماع في قرارات الجامعة، وعدم إلزام القرارات التي تتخذ بالأغلبية لغير الموافقين عليها. وفي واقع الامر فلقد تضافرت جملة من العوامل الإقليمية والدولية التي يسرت اتخاذ هذه الخطوة المتقدمة في إطار تطوير الجامعة إقليمياً.
كان هناك العدوان الفرنسي على سوريا ولبنان عام 1945 وغياب آلية عربية للتعامل معه على نحو ألجأ الدول العربية لرفع الموضوع الى الأمم المتحدة. وكانت هناك حاجة للتكتل العربي في مواجهة الخطر “الإسرائيلي” بعد قيام “الدولة اليهودية” عام 1948. ومما له صلة بهذا الموضوع أن سوريا كانت قد تقدمت باقتراح لعقد معاهدة تحالف سياسي عسكري بين دول الجامعة عام 1948، وأحيل اقتراحها للجنة السياسية التي شكلت بدورها لجنة خاصة عرفت باسم لجنة “التضامن الجماعي” تلقت أفكارا ومشروعات من كل من لبنان ومصر والعراق وسوريا، وكان إبرام المعاهدة من ثمارها.
ودوليا برز اتجاه عربي عبرت عنه الولايات المتحدة بالاشتراك مع كل من فرنسا وبريطانيا في “الإعلان الثلاثي” كان هدفه اخضاع أولويات الصراع العربي – “الإسرائيلي” لأولويات الصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي من خلال إدماج “إسرائيل” مع الدول العربية في نظام دفاعي شرق أوسطي عرف باسم منظمة الدفاع عن الشرق الأوسط، وبالتالي كان لا بد من مواجهة هذه الضغوط عبر بلورة هوية قومية استراتيجية للدول العربية يظللها ويحتويها نظام قومي له سنده الأمني مما يميزها عن “الآخر”: الإقليمي. وفي السياق نفسه أثيرت قضية التأسي بميثاق الأمم المتحدة بتركيزه على مفهوم الأمن الجماعي عبر المواد 52 و53 و54 التي تندرج في الفصل الثاني الخاص بالمنظمات الإقليمية. وبالفعل جاءت معاهدة الدفاع المشترك معبرة عن الحرص على تعزيز الأمن الجماعي، من خلال نصها على فض جميع منازعات أطرافها فيما بينهم وفي علاقاتهم مع الدول الأخرى بالطرق السلمية، وعلى عدم جواز دخول هذه الأطراف في أي اتفاقيات دولية تناقض المعاهدة، ولا سلوكها مع سواها من الدول مسلكا يتنافى مع أغراض المعاهدة. وكما يلاحظ فان هذه المبادئ تمثل إضافة للميثاق وإغناء له بوضع تصور لآليات تمتين الامن القومي العربي.
وكما تقدم فإن المعاهدة المشار إليها أنشأت أربعة أجهزة في مجال الامن الجماعي، هي:
مجلس الدفاع المشترك من وزراء الخارجية والدفاع في الدول المتعاقدة، أو من ينوبون عنهم. اللجنة العسكرية من ممثلي هيئة أركان جيوش الدول المتعاقدة لتنسيق خطط الدفاع المشترك.
الهيئة الاستشارية العسكرية من رؤساء أركان حرب جيوش الدول المتعاقدة للإشراف على اللجنة العسكرية الموحدة برئاسة الدولة التي تكون قواتها المشتركة أكثر عتادا ورجالا، ما لم توافق حكومات الدول العربية بالإجماع على اختيار دولة أخرى.
ومن ناحية أخرى، تطرقت المعاهدة إلى الجانب الاقتصادي، ودعت في إطار ذلك إلى توثيق العلاقات الاقتصادية العربية وإلى تقنينها، وتبنت من تلك الزاوية فكرة تأسيس مجلس اقتصادي يكون له دور استشاري من خلال تقديم مقترحاته لحكومات الدول العربية حول ما يراه كفيلا بتعزيز التعاون الاقتصادي العربي.
وجدير بالذكر أن هذا الجانب الاقتصادي من جوانب العمل العربي المشترك مثل اهتماما رئيسيا من اهتمامات جامعة الدول العربية منذ تأسيسها عبر عنه قرار المجلس الاقتصادي والاجتماعي ذو الصلة بخصوص اتفاقية تيسير وتنمية التبادل التجاري العربي في عام 1953، وتوَّجه إبرام اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية في عام 1957، ثم صدور قرار انشاء السوق العربية المشتركة في عام 1964.
إلا أن أهمية العمل الاقتصادي العربي المشترك ما لبثت أن تزايدت، بل يمكن القول أنها مثلت رافعة للعمل العربي المشترك في فترات تأزم العلاقات السياسية العربية. حدث هذا عندما أصيب النظام العربي بصدع من جراء الخلاف المصري – العربي حول سياسات التسوية مع “إسرائيل” اعتبارا من عام 1977 حيث انعقدت قمة عمان في عام 1980 التى تبنت مبدأ التخطيط القومي في توجيه العمل العربي المشترك وفي تطويره، وأقرت الوثائق المتعلقة باستراتيجية العمل الاقتصادي العربي المشترك، وميثاق العمل القومي الاقتصادي، ومشروع عقد التنمية المشتركة والاتفاقية الموحدة للاستثمار.
وتكرر ذلك بعد “كارثة الخليج الثانية عندما اتخذت أول قمة تعقد بالقاهرة بعد ست سنوات من تاريخ الغزو أي في عام 1996” قرارا بتكليف المجلس الاقتصادي والاجتماعي بالإسراع بإقامة منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى. وقام المجلس بالفعل بوضع برنامج تنفيذي لإنشاء المنطقة على مدار عشر سنوات تبدأ في 1/1/1998. كما أطلق على قمة عمان في عام 2001 – وهي أول قمة دورية تنعقد إعمالا لقرار قمة القاهرة في عام 2000 – وصف “القمة الاقتصادية” وتبنت هذه القمة المبادرة المصرية الخاصة بعقد أول مؤتمر اقتصادي عربي بالقاهرة في تشرين الثاني/نوفمبر 2001 تحت شعار “الارتقاء بأداء الاقتصادات العربية”.
ج – قانونيا:
يعبر المشروع الخاص بتشكيل محكمة عدل عربية عن أبرز جهود التطوير المؤسسي للجامعة العربية على المستوى القانوني. وكان ميثاق الجامعة قد نص – على ما تقدم – على جواز تعديله في حالات ثلاث، إحداها تأسيس محكمة عدل عربية. وهي نقطة بالغة الأهمية بالنظر الى أن قيام هذه المحكمة يعالج أحد جوانب القصور الخاصة بوسائل تسوية المنازعات وفي هذا السياق، اتخذت قمة الإسكندرية في عام 1964 قرارا بإنشاء المحكمة. وبعد ستة عشر عاما وتحديدا في عام 1980 قرر مجلس الجامعة تشكيل لجنة لوضع النظام الأساسي للمحكمة. وبالفعل أتمت اللجنة مهمتها في عام 1982، لكن دون أن تحدد مجالات الولاية الإلزامية للمحكمة وبالتالي ونزولا على قرار قمة فاس في عام 1982 تشكلت لجنة أخرى قامت بإعداد مشروع عرض على مجلس الجامعة بعد فترة طويلة، وتحديدا في عام 1994. وفي عام 1995 تم تحويل المشروع إلى اللجنة القانونية الدائمة التي انكبت على صياغة مشروع متكامل، تلك أهم عناصره الأساسية:
تتشكل المحكمة من سبعة قضاة بالانتخاب السري لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد، مع تغيير ثلاثة منهم. يتم تحديدهم عن طريق القرعة كل ثلاثة أعوام.
تختص المحكمة بالفصل في المنازعات التي تحيلها لها أطرافها، أو تنص على إحالتها لها اتفاقيات ثنائية أو متعددة، أو تصرح الدول بولاية المحكمة عليها دون حاجة لاتفاق خاص.
تحكم المحكمة وفق مبادئ ميثاق الجامعة العربية وبمقتضى قواعد القانون الدولي، كما تراعى المصادر الاخرى بموافقة الاطراف.
وينتظر المشروع إقرار الدول الأعضاء بنوده حتى يصبح ساري المفعول.
ومما له صلة بقضية تسوية المنازعات بين الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، تجدر الإشارة إلى مشروع آخر من مشروعات التطوير. وذلك هو الخاص بإنشاء آلية للوقاية من المنازعات وإدارتها وتسويتها. وقد تقدمت تونس بهذا المشروع في الدورة رقم 104 لمجلس الجامعة التي انعقدت بين 20 و21 أيلول/سبتمبر 1995، وعبرت بذلك عن الاقتراح ذي الصلة الذى تبنته دول اتحاد المغرب العربي. وقد صادق مجلس الجامعة على المشروع في21 أيلول/سبتمبر 1995، وكلف لجنة متخصصة بصياغته في شكله النهائي. وبموجب هذه الصياغة تقرر ما يلي:
يشكل جهاز مركزي ليكون بمثابة الهيكل الأساسي المناط به تسيير آلية توقع المنازعات. ويتكون من خمسة ممثلين للدول الأعضاء على مستوى وزراء الخارجية، وامين عام الجامعة. ويرأسه وزير خارجية الدولة التي تترأس الدورة العادية لمجلس الجامعة.
تساعد الجهاز هياكل أخرى سواء في جمع المعلومات أو في تنفيذ القرارات. وهذه الهياكل هي: بنك المعلومات، ونظام الإنذار المبكر، ولجنة الحكماء، وصندوق جامعة الدول العربية للسلام.
تتولى هذه الالية مهمة التدخل السريع للوقاية من أية منازعات بين الدول العربية، ثم تقوم في مراحل أخرى بإدارة هذه المنازعات وتسويتها بالوسائل السلمية. وفي حالة عدم التوصل للهدف السابق باستخدام إمكانيات الجامعة، تعمل الآلية بالتعاون مع الأمم المتحدة على تطويق النزاع والاشراف على عمليات حفظ السلام استنادا الى الشرعية الدولية.
تعتمد الآلية في عملها على مبادئ ميثاق الجامعة، ومعاهدة الدفاع المشترك، وميثاق الأمم المتحدة.
د – إداريا:
ينصب الحديث عن التطوير الإداري للجامعة على تطوير وضع الأمانة العامة. ومن الملاحظ ان هذا البعد من أبعاد التطوير الهيكلي أو المؤسسي قد ارتبط بقضية تعديل الميثاق التي أدرجت على جدول أعمال عدد من القمم العربية، دون أن يعنى ذلك التطابق بين الجانبين. فلقد شكلت قمة الرباط في عام 1974 لجنة رباعية كلفت بإعداد تقرير عن تطوير الجامعة للعرض على مؤتمر القمة العربي الثامن. وطالبت قمة تونس في عام 1979 بالعمل على إعادة بناء أجهزة الجامعة على أسس جديدة تكفل الفعالية والقدرة على التحرك.
وأشارت قمة الدار البيضاء في عام 1989 في بيانها الختامي إلى ضرورة تطوير التنظيم الإداري والهيكلي للجامعة. وأخير جاءت قمة عمان في عام 2001 لتكلف الأمين العام السيد عمرو موسى “باتخاذ الخطوات اللازمة”، واقتراح الصيغ المناسبة لإصلاح أوضاع الأمانة العامة للجامعة من جميع النواحي المالية والإدارية والتنظيمية، من أجل إعادة هيكلتها، والارتقاء بأساليب عملها وأدائها وتمكينها من الاضطلاع بالمتطلبات القومية، ومواكبة المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية.
ثالثا: – الهيكل
تتكون جامعة الدول العربية من ثلاثة فروع رئيسية أنشئت بمقتضى نصوص الميثاق، وتلك هي مجلس الجامعة واللجان الدائمة، والأمانة العامة. هذا بخلاف الأجهزة التي أنشأتها معاهدة الدفاع العربي المشترك التي أُبرمت في عام 1950، وهي الأجهزة التي سبقت الإشارة اليها، والأجهزة التي تم إنشاؤها بمقتضى قرارات صادرة عن مجلس جامعة الدول العربية من قبيل هيئة استغلال مياه نهر الأردن وروافده، ومركز التنمية الصناعية للدول العربية، ومعهد الغابات العربي..الخ، كما أنشأت الجامعة أو شجعت على إنشاء منظمات متخصصة بهدف تجميع الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية على أسس فنية وتخليصها، بدرجة أو بأخرى، من التعقيدات السياسية. هذا بخلاف المجالس الوزارية المعنية بشئون الصحة والسياحة والأمن “الداخلية” وفيما يلي إشارة للأجهزة الثلاثة الرئيسية التي نص الميثاق على إنشائها:
أ – مجلس الجامعة:
عُدّ هذا المجلس أعلى سلطة داخل الجامعة، ويتألف من ممثلي جميع الدول الأعضاء بما فيهم ممثل منظمة التحرير الفلسطينية، ويكون لكل منهم صوت واحد مهما بلغ عدد الممثلين، علما بأن من حق الدول الأعضاء أن تحدد مستوى التمثيل الذى قد يرقى إلى مستوى رؤسائها أو يقل عنه، دون أن يغير ذلك من طبيعة المجلس. ويختص المجلس بحسب المادة الثالثة من الميثاق بتحقيق الأغراض الاتية:
مراعاة تنفيذ ما تبرمه الدول الأعضاء من اتفاقيات في مختلف المجالات.
اتخاذ التدابير اللازمة لدفع العدوان الفعلي أو المحتمل الذى قد يقع على إحدى الدول الأعضاء .
فض المنازعات بين الدول الأعضاء بالطرق السلمية مثل الوساطة والتحكيم.
تحديد وسائل التعاون مع الهيئات الدولية وبما يحفظ السلم والامن الدوليين.
تعيين الامين العام للجامعة.
تحديد أنصبة الدول الأعضاء في ميزانية الجامعة وإقرارها.
وضع النظام الداخلي الخاص به، وباللجان الدائمة، وبالأمانة العامة
ب – اللجان الدائمة:
ينص الميثاق في المادة الرابعة على تشكيل عدد من اللجان الدائمة المعنية بمختلف مجالات التعاون فيما بين الدول الأعضاء ، وهي اللجان التي ظهرت فيما بعد إلى استحداث المزيد منها لمواجهة مستجدات العلاقات العربية – العربية كما كان الحال بالنسبة للجنة السياسية التي أنشأتها الممارسة العملية ولم تنشأ بنص صريح من الميثاق. ويجرى التمثيل في كل من اللجان الدائمة بمندوب واحد عن كل دولة، ويكون له صوت واحد.
ويعين مجلس الجامعة رئيس كل لجنة لمدة عامين قابلين للتجديد. وتصدر قرارات اللجان بأغلبية أصوات الدول الأعضاء علما بأن اجتماعاتها لا تصح إلا بحضور اغلبية الدول الأعضاء منها وتتمتع هذه اللجان بحق تشكيل لجان فرعية تعنى بالشئون الفنية المتخصصة، كما يحق لها أن توصي بدعوة خبراء من الدول الأعضاء في الجامعة للاستفادة بخبراتهم عند الحاجة وفي مجال تقويم أداء هذه اللجان، يمكن الإشارة إلى دورها في إنجاز العديد من مشروعات الاتفاقيات التي أبرمتها الدول الأعضاء والتي تدخل فيها بخلاف اتفاقية الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي ، واتفاقية الاتحاد العربي، واتفاقية تسليم المجرمين وبروتوكول معاملة الفلسطينيين في الدول العربية.
ج – الأمانة العامة
تنظم المادة الثانية عشرة من الميثاق وضع الأمانة العامة للجامعة التي أشير إلى أن يتم تشكيلها من أمين عام وأمناء مساعدين وعدد من الموظفين، وأن مجلس الجامعة هو الذى يعين الأمين العام بأغلبية الثلثين ولمدة خمس سنوات قابلة للتجديد، فيما يتولى الأمين العام – بموافقة المجلس – تعيين الأمناء المساعدين والموظفين الرئيسيين في الجامعة. ولقد تعاقب على منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية ستة أمناء هم السادة : عبد الرحمن عزام، ومحمد عبد الخالق حسونة، ومحمود رياض، والشاذلي القليبي، ود. عصمت عبد المجيد، وعمرو موسى، والدكتور نبيل العربي، وأحمد أبو الغيط “حتى عام 2018”.
ويحدد النظام الأساسى مهام الأمين العام على النحو التالي:
أ – المهام الإدارية والفنية: وتشمل متابعة تنفيذ قرارات مجلس الجامعة ولجانها، وتحديد تاريخ دورات انعقاد مجلس الجامعة، و توجيه الدعوة لعقد اجتماعات مجلس الجامعة واللجان الدائمة ، وتنظيم أعمال السكرتارية ذات الصلة، وإعداد ميزانية الجامعة.
ب – المهام السياسية: وتتضمن حق حضور اجتماعات مجلس الجامعة والمشاركة في مناقشة الموضوعات المعروضة عليه، وحق تقديم تقارير أو بيانات شفوية ومكتوبة عن أية مسألة يبحثها المجلس، وحق توجيه نظر المجلس أو الدول الأعضاء في الجامعة إلى مسألة يقدر الأمين العام أهميتها، وحق تمثيل الجامعة لدى المنظمات الدولية، وحق التحدث باسم الجامعة والتوجه للرأي العام بالبيانات اللازمة.
والجدير بالذكر أن الشق السياسي من عمل الأمين العام قد تطور تطورا كبيرا مع اتساع أنشطة الجامعة وتعدد أبعاد تلك الأنشطة ومجالاتها .
رابعا: – الدور
تمكنت جامعة الدول العربية على امتداد تاريخها من القيام بأدوار أربعة رئيسية يمكن الإشارة إليها بإيجاز على النحو التالي:
أ – الإسهام في حصول الدول العربية على استقلالها ، حيث برز دور الجامعة على سبيل المثال في مجال دعم جهود التحرر في دول مثل الجزائر، وسلطنة عمان، واليمن الجنوبي “شطري اليمن”، والسودان. ومثل هذا الدور كان هو السبب المباشر في اتساع حجم عضوية الجامعة على ما تقدم، لتشمل اثنتين وعشرين دولة عربية على حين لم يتعد عدد الدول الموقعة على الميثاق التأسيسي سبع دول.
ب – المشاركة في تسوية بعض المنازعات العربية – العربية، ومن نماذجها النزاع المصري – السوداني عام 1958، والمغربي – الجزائري عام 1963، واليمني – اليمني عام 1987. ويلاحظ أن قدرة الجامعة في هذا المجال قد ارتبطت بدرجة قبول الأطراف المتنازعة لدورها، وهي نقطة تبدو أهميتها على ضوء ما هو معروف من كون سلطة الجامعة لا تعلو فوق سلطات الأعضاء. كما أنشأت الجامعة قوة أمن مؤقتة بمناسبة النزاع الكويتي – العراقي عام 1961، وطورت دبلوماسية مؤتمرات القمة العربية.
ج – تشجيع التعاون العربي – العربي عبر مجموعة المنظمات المتخصصة التي تشكلت على مختلف المستويات داخل إطار الجامعة وخارجه. ففي إطار الجامعة، تم إنشاء منظمات اتسع نشاطها ليشمل مسائل العمالة، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والشئون العلمية والثقافية، ووسائل الاتصال والإعلام، ولقد نهضت بعض المنظمات مثل منظمة العمل العربية، والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي. والمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، واتحاد إذاعات الدول العربية، والاتحاد العربي للمواصلات السلكية واللاسلكية، بالتعبير عن تلك الاهتمامات والنشاطات كافة. وخارج إطار الجامعة نشط العمل النقابي العربي بجهد لا يغفل من الجامعة وبتنسيق مستمر بين أجهزتها، ومن هنا جاء قيام اتحادات المحامين والأطباء والصحفيين والحقوقيين والعمال العرب… الخ.
د – تمثيل الدول العربية في مختلف المحافل والمنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة ومنظمة الوحدة الافريقية، والتعاون مع هذه الأخيرة على تكوين طائفة من المؤسسات المشتركة مثل المصرف العربي للتنمية في افريقيا، والصندوق العربي للقروض، هذا إلى جانب دور الجامعة العربية كطرف في الحوار مع أوروبا في حقبة السبعينيات.
ميثاق جامعة الدول العربية:
تألف ميثاق جامعة الدول العربية من ديباجة وعشرين مادة، وثلاثة ملاحق خاصة، الملحق الأول خاص بفلسطين وتضمن اختيار مجلس الجامعة مندوباً عنها “أي عن فلسطين” للمشاركة في أعماله لحين حصولها على الاستقلال. والمحلق الثاني خاص بالتعاون مع الدول العربية غير المستقلة وبالتالي غير المشتركة في مجلس الجامعة. أما الملحق الثالث والأخير فهو خاص بتعيين السيد عبد الرحمن عزام الوزير المفوض بوزارة الخارجية المصرية كأول أمين عام للجامعة لمدة عامين. وأشارت الديباجة إلى أن الدول ذات الصلة وافقت على الميثاق بهدف تدعيم العلاقات والوشائج العربية في إطار من احترام الاستقلال والسيادة بما يحقق صالح عموم البلاد العربية.
وفى 22 مارس 1945 تم التوقيع على ميثاق جامعة الدول العربية من قبل مندوبي الدول العربية عدا السعودية واليمن اللتين وقعتا على الميثاق في وقت لاحق وحضر جلسة التوقيع ممثل الأحزاب الفلسطينية وأصبح يوم 22 مارس من كل عام هو يوم الاحتفال بالعيد السنوي لجامعة الدول العربية.
2 – مؤتمرات القمة العربية
بانوراما القمم العربية من القمة الأولى في “أنشاص” المصرية حتى “الظهران” السعودية
يتعذر على من يطلع على محاضر أعمال القمم العربية والقرارات التي صدرت عنها التمييز بين تلك المحاضر والقرارات التي بلغت ما يزيد على الثلاثمائة قرار منذ نشأتها، لأنها عادة ما كانت تتشابه في مضامينها، وفي معظم النتائج التي تتمخض عنها، وحتى في طرق انعقادها وانفضاضها، وفي بياناتها الختامية، وفي كل تفاصيلها من الألف إلى الياء تقريباً.
ومن المفيد البدء بالإشارة إلى أن القضية الفلسطينية كانت في فترة من الفترات، وبالأخص في فترة المد القومي العربي بين خمسينات وستينات القرن الماضي وفي ظل قادة تاريخيين من أمثال الراحل الكبير جمال عبد الناصر، قضية العرب الأولى ومحور اهتمامهم الرئيسي. ومن المفيد الإشارة أيضاً إلى أن الوقائع التي استجدت على مسرح الأحداث في الوطن العربي في ظل ما اصطلح على تسميته زوراً وبهتاناً “الربيع العربي”، دللت على أن غالبية القادة العرب الحاليين ليسوا في وضع يُحسدون عليه، أكان ذلك لجهة تحمل المسؤوليات الوطنية والقومية الملقاة على عاتقهم، أو لجهة كفاءاتهم وقدراتهم على مواجهة التحديات التي طرأت على القضية الفلسطينية، في ظل تزايد حديث الرئيس الأمريكي عن قرب نقل سفارة بلاده من تل أبيب ألى القدس، وفي ظل تزايد الضغوط الأميركية “الإسرائيلية” المشتركة على القيادة الفلسطينية لغرض إجبارها على الاعتراف بيهودية “إسرائيل”، وفي ظل تصاعد وتيرة الاستيطان الصهيوني في الضفة الغربية، واستمرار عمليات التهجير والتهويد في الجزء الشرقي من مدينة القدس. وأكثر من ذلك فإن هؤلاء القادة غير مؤهلين لإيجاد حلول للقضايا الجوهرية المتعلقة بإقامة الدولة الفلسطينية على حدود ما قبل الخامس من حزيران/يونيو 1967، وغير مؤهلين كذلك لمواجهة وحل أبسط المشاكل والصعوبات التي تواجهها بعض البلدان العربية، خاصة وأن بينهم وللأسف من تسبب في افتعال وتأجيج وتيرة تلك المشاكل والصعوبات.
منذ قمة “أنشاص” المصرية، التي انعقدت في شهر أيار/مايو 1946، يتوالى عقدُ القمم العربية قمةً بعد أخرى، وما بين العادية والطارئة منها كان هناك ثمة قضايا جوهرية بات عمرُها من عمر القمم ولا حاجة لتعدادها وإعادة اجترارها، لأن ذلك لن يفيد أو يضر ولن يقدم أو يؤخر.
يمكن القول أن التوافق في الرؤى بين القادة العرب إزاء العديد من القضايا المشتركة وفي طليعتها القضية الفلسطينية وحقوق البلدان العربية في الاستقلال قد حافظ على وضوحه في العديد من القمم العربية، مما لم يستوجب حتى الحد الأدنى من التشاور والتنسيق قبل انعقادها، إلا أن عقد الستينيات شهد تبايناً حاداً في الآراء في ما بين العديد من الأنظمة العربية ، فبرزت الخلافات إثر انفصال الوحدة بين مصر وسوريه، واشتعال حرب اليمن، وولادة المقاومة الفلسطينية، مما حتم التشاور والتنسيق للتقريب بين وجهات النظر المتباينة ومواجهة المخاطر “الإسرائيلية” المحدقة بالأمة العربية.
وشهدت العقود التي تلت عقد الستينات من القرن الماضي انعقاد العديد من القمم وسط أجواء سياسية مشحونة، كانت أبرزها قمة الخرطوم التي أعقبت نكسة الخامس من حزيران/يونيو 1967، والتي سميت بقمة “اللاءات الثلاثة، لا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض مع كيان العدو الصهيوني”. وفي تلك القمة أجمع القادة العرب على دعم دول المواجهة وشهدت المصالحة بين الراحلين جمال عبد الناصر وفيصل بن عبد العزيز.
ولربما أن قمة القاهرة 1970 والتي انعقدت على خلفية أحداث أيلول الدامية بهدف تسوية الأزمة بين الملك حسين وقادة فصائل الثورة الفلسطينية كانت الأكثر سخونة، بسبب ما تخللها من اجتماعات جانبية كثيرة ومباحثات صعبة وشاقة دفع الرئيس جمال عبد الناصر حياته ثمناً لها، جراء الجهود المرهقة والمضنية التي بذلها لرأب الصدع.
ولم تقل قمة بغداد عام 1978 عن قمة القاهرة 1970 سخونة، لأنها أعقبت توقيع مصر لاتفاقية كامب ديفيد مع “إسرائيل”. كما وشهدت قمة القاهرة 1990 التي جاءت إثر اجتياح العراق للكويت انقساماً حاداً بين الدول العربية بعدما دان غالبية القادة العرب ذلك الاجتياح وطالبوا العراق بالانسحاب الفوري، وأيدوا طلب قوات أجنبية وعربية للدفاع عن المملكة السعودية وإخراج الجيش العراقي من الكويت.
وفي قمة شرم الشيخ 2003 التي سبقت غزو واحتلال العراق بثلاثة أسابيع، ساد التوتر أجواء القمة وتبادل القادة الصراخ والألفاظ الجارحة والاتهامات التي بلغت حد اتهام البعض بالخيانة والتآمر مع الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين.
وفي ما يلي جدول القمم العربية ونبذة موجزة عن كل قمة وإنجازاتها وإخفاقاتها:
قمة أنشاص:
انعقدت في الثامن والعشرين من شهر أيار/مايو 1946، بدعوة من ملك مصر فاروق في قصر أنشاص، بحضور الدول السبع المؤسسة للجامعة العربية، وهي مصر،وسوريه، والأردن، والسعودية، واليمن، والعراق، ولبنان.
وخرجت القمة بعدة قرارات، أهمها:
مساعدة الشعوب العربية المستعمرة على نيل استقلالها، والتأكيد على أن القضية الفلسطينية هي قلب القضايا القومية. والدعوة إلى وقف الهجرة اليهودية إلى فلسطين، مع اعتبار أي سياسة عدوانية ضد فلسطين من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا هي سياسة عدوانية تجاه كافة دول الجامعة العربية. إضافة إلى ضرورة حصول طرابلس الغرب على الاستقلال، والعمل على إنهاض الشعوب العربية وترقية مستواها الثقافي والمادي، لتمكنها من مواجهة أي اعتداء صهيوني داهم.
قمة بيروت:
انعقدت في الثالث عشر من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 1956، بدعوة من الرئيس اللبناني كميل شمعون، إثر العدوان الثلاثي على مصر وقطاع غزة. وشارك في القمة تسعة رؤساء عرب أجمعوا في بيان ختامي على مناصرة مصر ضد العدوان الثلاثي، واللجوء إلى حق الدفاع المشروع عن النفس، في حالة عدم امتثال الدول المعتدية (بريطانيا، وفرنسا، وإسرائيل) لقرارات الأمم المتحدة وامتنعت عن سحب قواتها. وأعربت القمة عن تأييدها لنضال الشعب الجزائري من أجل الاستقلال عن فرنسا.
قمة القاهرة:
انعقدت في الثالث عشر من شهر كانون الثاني/يناير 1964، بناءً على اقتراح من الرئيس المصري جمال عبد الناصر في مقر الجامعة العربية بالقاهرة. وخرجت ببيان ختامي تضمن عدة نقاط أهمها، الإجماع على إنهاء الخلافات، وتصفية الجو العربي، وتحقيق المصالح العربية العادلة المشتركة، ودعوة دول العالم وشعوبها إلى الوقوف بجانب الأمة العربية في دفع العدوان الإسرائيلي. إضافة إلى انشاء قيادة عربية موحدة لجيوش الدول العربية، يبدأ تشكيلها في كنف الجامعة؛ وذلك رداً على ما قامت به “إسرائيل” من تحويل خطير لمجرى نهر الأردن، مع إقامة قواعد سليمة لتنظيم الشعب الفلسطيني من أجل تمكينه من تحرير وطنه وتقرير مصيره، وتوكيل أحمد الشقيري بتنظيم الشعب الفلسطيني.
قمة الإسكندرية:
انعقدت في الخامس من شهر أيلول/سبتمبر 1964، في قصر المنتزه بمدينة الإسكندرية المصرية، بحضور 14 قائداً عربياً، ودعت إلى دعم التضامن العربي، وتحديد الهدف القومي ومواجهة التحديات، والترحيب بمنظمة التحرير الفلسطينية.
قمة الدار البيضاء:
انعقدت في الثالث عشر من شهر أيلول/سبتمبر 1965، وتقرر فيها الالتزام بميثاق التضامن العربي، ودعم قضية فلسطين عربيا ودوليا، والتخلي عن سياسة القوة وحل المشاكل الدولية بالطرق السلمية.
قمة الخرطوم:
انعقدت في التاسع والعشرين من شهر آب/أغسطس 1967، بعد الهزيمة العربية أمام “إسرائيل” في 5 حزيران/يونيو 1967، بحضور جميع الدول العربية ما عدا سورية، التي دعت إلى حرب تحرير شعبية ضد “إسرائيل”. وخرجت القمة بعدة قرارات، أبرزها اللاءات الثلاثة، وهي لا صلح، ولا تفاوض مع “إسرائيل”، ولا اعتراف بها، إضافة إلى التأكيد على وحدة الصف العربي، والاستمرار في تصدير النفط إلى الخارج.
قمة الرباط:
انعقدت في الحادي والعشرين من شهر كانون الأول/ديسمبر 1969، بمشاركة 14 دولة عربية، بهدف وضع استراتيجية عربية لمواجهة “إسرائيل”، ولكن قادة الدول العربية افترقوا قبل أن يصدر عنهم أي قرار.
قمة القاهرة:
انعقدت في الثالث والعشرين من شهر أيلول/سبتمبر 1970، بعد أحداث أيلول/سبتمبر الأسود التي شهدتها المخيمات الفلسطينية في الأردن وكان من أهم توصياتها، الإنهاء الفوري لجميع العمليات العسكرية من جانب القوات المسلحة الأردنية وقوات المقاومة الفلسطينية، وتميزت بعقد مصالحة تاريخية بين الراحل ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية وملك الأردن الراحل الملك حسين.
قمة الجزائر:
انعقدت في السادس والعشرين من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 1973، بحضور 16 دولة، بدعوة من سوريا ومصر بعد حرب أكتوبر 1973، وقاطعتها ليبيا والعراق. ووضعت القمة شرطين للسلام مع “إسرائيل”، هما انسحاب “إسرائيل” من جميع الأراضي العربية المحتلة، وفي مقدمتها القدس، واستعادة الشعب الفلسطيني لكافة حقوقه. ودعت إلى تقديم كافة الدعم المالي والعسكري للجبهتين السورية والمصرية من أجل استمرار نضالهما ضد العدو “الإسرائيلي”. وشهدت هذه القمة انضمام موريتانيا إلى الجامعة العربية.
قمة الرباط:
انعقدت في السادس والعشرين من شهر تشرين الأول/أكتوبر 1974، ووضعت أسس العمل العربي المشترك، واعتمدت منظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني.
قمة الرياض غير العادية “مؤتمر القمة السداسي”:
انعقدت في السادس عشر من شهر تشرين الأول/أكتوبر 1976، بدعوة من السعودية والكويت لبحث الأزمة في لبنان وسبل حلها. وضمت هذه القمة كلا من السعودية ومصر والكويت وسوريا ولبنان إلى جانب منظمة التحرير الفلسطينية. ودعت إلى وقف اطلاق النار في لبنان وإعادة الحياة الطبيعية إليه واحترام سيادته ورفض تقسيمه، وإعادة اعماره، وتشكيل لجنة عربية لتنفيذ اتفاقية القاهرة.
قمة القاهرة:
انعقدت في الخامس والعشرين من شهر تشرين الأول/أكتوبر 1976، وشاركت فيها 14 دولة لاستكمال بحث الأزمة اللبنانية التي بدأت في مؤتمر الرياض الطارئ. صدقت على قرارات قمة الرياض السداسية ودعت إلى ضرورة أن تساهم الدول العربية حسب امكانياتها في إعادة اعمار لبنان، والتعهد بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد عربي.
قمة بغداد:
انعقدت في الثاني من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 1978، ورفضت اتفاقية كامب ديفيد التي وقعها الرئيس المصري الراحل أنور السادات مع “إسرائيل”، ونقلت مقر الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس، وعُلقت عضوية مصر في الجامعة.
قمة تونس:
انعقدت في العشرين من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 1979، بمبادرة من الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة، وأكدت تطبيق المقاطعة على مصر، وأدانت سياسة الولايات المتحدة الأمريكية المنحازة “لإسرائيل” بتطرف.
قمة عمان:
انعقدت في الخامس والعشرين من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 1980، واعتبرت إن قرار مجلس الأمن 242 لا يشكل أساسا صالحاً للحل في المنطقة، ودعت إلى تسوية الخلافات العربية.
قمة فاس:
انعقدت في الخامس والعشرين من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 1981، بمشاركة 19 دولة وتغيب كل من ليبيا ومصر، وبحثت في مشروع السلام العربي، والموقف العربي من الحرب العراقية – الإيرانية، وموضوع القرن الإفريقي.
قمة فاس:
انعقدت في السادس من شهر أيلول/سبتمبر 1982، وشاركت فيها 19 دولة وتغيبت كل من مصر وليبيا، واعترفت فيها الدول العربية ضمنياً بوجود “إسرائيل”. وصدر عنها بيان ختامي تضمن:
(1) انسحاب “إسرائيل” من جميع الأراضي العربية التي احتلتها عام 1967، وإزالة المستعمرات “الإسرائيلية” في الأراضي التي احتلت بعد عام 1967 وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وتأكيد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وتعويض من لا يرغب بالعودة.
(2) الإدانة الشديدة للعدوان “الإسرائيلي” على الشعب اللبناني.
(3) بخصوص الحرب العراقية – الإيرانية، دعت القمة إلى ضرورة التزام الطرفين بقرارات مجلس الأمن، وأعلنت أن أي اعتداء على أي قطر عربي هو اعتداء على البلاد العربية جميعاً.
(4) مساندة الصومال في مواجهة وإخراج القوة الأثيوبية من أراضيها.
قمة الدار البيضاء غير العادية:
انعقدت في العشرين من شهر آب/أغسطس 1985، وتركز بحثها على القضية الفلسطينية، وتدهور الأوضاع في لبنان، والإرهاب الدولي.
قمة عمان غير العادية:
انعقدت في الثامن من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 1987، وبحثت في أمور الحرب العراقية – الإيرانية والصراع العربي “الإسرائيلي” وموضوع عودة مصر إلى الصف العربي.
قمة الجزائر غير العادية:
انعقدت في السابع من شهر حزيران/يونيو 1988، ودعت إلى دعم الانتفاضة الفلسطينية الأولى “انتفاضة 1987″، وبحثت موضوع المؤتمر الدولي حول السلام، وقضية فلسطين.
قمة الدار البيضاء غير العادية:
انعقدت في الثالث والعشرين من شهر أيار/مايو 1989، وهي القمة التي أعادت مصر إلى عضوية الجامعة العربية، وبحثت في قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، والمؤتمر الدولي للسلام، وتشكيل لجنة لحل الأزمة اللبنانية، والتضامن مع العراق.
قمة بغداد غير العادية:
انعقدت في الثامن والعشرين من شهر أيار/مايو 1990، واعتبرت القدس عاصمة أبدية لدولة فلسطين، ودعمت قيام اليمن الموحد، وأدانت قرار الكونجرس الامريكي باعتبار القدس عاصمة “لإسرائيل”.
قمة القاهرة غير العادية:
انعقدت في الخامس عشر من شهر آب/أغسطس 1990، ودانت قراراتها اجتياح الجيش العراقي لإمارة الكويت، وأكدت سيادتها على أرضها.
قمة القاهرة غير العادية:
انعقدت في الحادي والعشرين من شهر حزيران/يونيو 1996، بدعوة من الرئيس المصري محمد حسني مبارك، ودعمت جهود السلام على أساس قرارات مجلس الأمن الدولي، وأيدت اتفاق العراق مع الأمم المتحدة حول برنامج النفط مقابل الغذاء.
قمة القاهرة غير العادية:
انعقدت في الحادي والعشرين من شهر تشرين الأول/أكتوبر 2000، إثر أحداث العنف التي تفجرت ضد الفلسطينيين بعد أن دخل رئيس الوزراء “الإسرائيلي” المقبور آرئيل شارون الحرم القدسي الشريف، وسميت بقمة الأقصى. حضرتها جميع الدول العربية وانسحب وفد ليبيا الدبلوماسي في اليوم الثاني من القمة. وقرر المشاركون إنشاء صندوق باسم انتفاضة القدس برأس مال 200 مليون دولار لدعم أسر الشهداء، وإنشاء صندوق الأقصى برأس مال 800 مليون دولار لدعم الاقتصاد الفلسطيني. وقد استحدثت هذه القمة غير العادية مبدأ الانعقاد الدوري للقمة بعد أن كان يتم بشكل غير دوري وفقا للحاجة.
قمة عمان:
انعقدت في السابع والعشرين من شهر آذار/مارس 2001، وتعهد القادة العرب فيها بدعم صمود الشعب الفلسطيني مالياً وسياسياً، وتحذير “إسرائيل” من مخاطر التفلت من مقررات مؤتمر مدريد لعام 1991، وكلفوا العاهل الأردني الملك عبد الله إجراء المشاورات اللازمة لبحث الحالة بين العراق والكويت، كما وافقوا على اختيار السيد عمرو موسى أميناً عام للجامعة العربية خلفاً للدكتور عصمت عبد المجيد.
قمة بيروت:
انعقدت في السابع والعشرين من شهر آذار/مارس 2002، وأقرت أن “السلام العادل والشامل خيار استراتيجي للدول العربية” يتحقق في ظل الشرعية الدولية، ويستوجب التزاماً مقابلاً تؤكده “إسرائيل” في هذا الصدد. وطالبت القمة “إسرائيل” بإعادة النظر في سياساتها وبالجنوح إلى السلم. ودعتها إلى الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة حتى خط الرابع من حزيران/يونيو 1967، بما في ذلك الجولان السوري، والأراضي التي ما زالت محتلة في جنوب لبنان، إضافة الى ضرورة التوصل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194. يُذكر انه طغى على أعمال تلك القمة الوضع في الأراضي الفلسطينية بعد مذبحة مخيم جنين وحصار الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في مقره برام الله. أُقرت فيها مبادرة السلام العربية التي كانت تحمل تسمية “المبادرة السعودية للسلام” والتي اقترحها ولي العهد السعودي آنذاك الأمير عبد الله بن عبد العزيز.
قمة شرم الشيخ:
انعقدت في الأول من شهر آذار/مارس 2003، قبل ثمانية عشر يوما من قيام الولايات المتحدة والبلدان المتحالفة معها بجريمة غزو واحتلال العراق.
بيان القمة الختامي شدد على ضرورة احترام سيادة شعب العراق على أراضيه. وشهدت إحدى جلسات القمة تبادل الزعيم الليبي معمر القذافي الاتهامات في جلسة على الهواء مع ولي العهد السعودي آنذاك الأمير عبد الله بن عبد العزيز. وأحدثت مبادرة الإمارات التي اقترحت تنحي الرئيس العراقي الراحل صدام حسين عن السلطة ردود فعل مختلفة بين القادة العرب وكانت سببا بعد ذلك في أزمة عميقة بين الإمارات وأمين عام الجامعة عمرو موسى.
قمة تونس:
انعقدت في التاسع والعشرين من شهر آذار/مارس 2004، وأكدت على التمسك بدعم وحدة العراق واحترام سيادته واستقلاله، ودعت مجلس الأمن لإعطاء الأمم المتحدة دورا مركزيا وفعالا في العراق بهدف إنهاء الوجود الأمريكي وترتيب مراحل نقل السلطة إلى الشعب العراقي.
قمة الجزائر:
انعقدت في الثاني والعشرين من شهر آذار/مارس 2005، وافتتحت بالوقوف دقيقة صمت وتلاوة الفاتحة على أرواح رئيسي كل من الإمارات الشيخ زايد بن سلطان ال نهيان وفلسطين ياسر عرفات ورئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري. وحضر الموضوع اللبناني بقوة في تلك القمة، وركز المشاركون على الدعوة للانسحاب السوري من لبنان واجراء الانتخابات في موعدها. وتمسكوا بالسلام كخيار استراتيجي، وقرروا إنشاء برلمان عربي انتقالي لمدة خمس سنوات يجوز تمديده لمدة عامين كحد أقصى.
قمة الخرطوم:
انعقدت في الثامن والعشرين من شهر آذار/مارس 2006، وأعادت التركيز على مركزية قضية فلسطين، والتمسك بمبادرة السلام العربية التي أقرتها قمة بيروت عام الفين واثنين، وجددت التضامن مع الشعب العراقي، ودعت إلى احترام سيادة العراق وعدم التدخل في شؤونه الداخلية واحترام إرادته في تقرير مستقبله وخياراته الديمقراطية.
قمة الرياض:
انعقدت في الثامن والعشرين من شهر آذار/مارس 2007، تحت اسم “قمة التضامن العربي”، وقد وضعت على جدول أعمالها مختلف القضايا التي تهم المسلمين من مشكلة لبنان إلى الصومال إلى السودان إلى العراق إلى فلسطين ، فكررت القمة نفسها ولم تقدم شيئاً يذكر -طبعاً بالسوء- سوى لقضية فلسطين بل قل”قضية التنازل عن فلسطين” حيث أكدت على تمسك جميع الدول العربية بمبادرة السلام العربية التي قدمها ملك السعودية كما أقرتها قمة بيروت العربية 2002 بكافة عناصرها، والمستندة إلى قرارات الشرعية الدولية ومبادئها لإنهاء النـزاع العربي “الإسرائيلي”، وإقامة السلام الشامل والعادل الذي يحقق الأمن لجميع دول المنطقة، ويمكن الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس. وطالبت بانسحاب “إسرائيل” من كل الأراضي العربية التي احتلتها بعد 4/6/1967 بما فيها الجولان، وطالبت “إسرائيل” بقبول المبادرة كما هي بلا تعديل ولا تطوير ولا تغيير. لاءات ثلاث عودنا حكام العرب على البدء بها والانتهاء بضدها تكررت في مؤتمر قمة الرياض الذي أجمع المراقبون على أنه كان الأسوأ في تاريخ مؤتمرات القمة العربية.
قمة دمشق:
انعقدت في التاسع والعشرين من شهر آذار/مارس 2008، وسط أجواء من التشاحن والاختلاف والتوترات في العلاقات العربية ــ العربية كادت تكون شبيهة بتلك التي سبقت قمة القاهرة الطارئة عام 1990، بعد قيام العراق باحتلال الكويت، وهي الحالة التي عادة ما لا تنبثق من اختلاف الرؤى الذاتية بين بعض الدول العربية بشأن قضايا ملحة على الساحة وحسب، ولكن أيضًا نتيجة لضغوط أو تدخلات دولية، بما طرحت في حينه من الأسئلة والقضايا التي لم ترتبط فقط بالقمة كمؤسسة وآلية دورية تشاورية، وإنما بمستقبل النظام العربي ككل في ضوء الإشكاليات والتحديات التي تواجهه بداية من التحدي الأساسي والمتمثل في القضية الفلسطينية، مرورا بالأزمة اللبنانية، فالأزمة العراقية، وانتهاء بالتحديات الأخرى الأقل ظهورًا في خلفية واقع أزمات النظام العربي مثل مشكلة دارفور وجنوب السودان والصومال والصحراء الغربية، فضلاً عن القضايا التقليدية الأخرى كالتعاون الاقتصادي ومكافحة الإرهاب.
قمة الدوحة:
انعقدت في الثلاثين من شهر آذار/مارس 2009، وأكدت رفضها لمذكرة التوقيف التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس السوداني عمر البشير، على خلفية النزاع في إقليم دارفور غرب السودان، كما وشددت على دعم السودان في مواجهة كل ما يستهدف النيل من سيادته وأمنه واستقراره ووحدة أراضيه. وكانت قمة المصالحات العربية التي لم تكتمل، أو بكلام آخر لم يتحقق منها شيء.
قمة سرت غير العادية:
انعقدت في السابع والعشرين من شهر آذار/مارس 2010، وسط تساؤلات حول إمكانية نجاحها في حل الخلافات العربية المستشرية أو فشلها في ذلك وبقاء القديم على قدمه، انعقد مؤتمر قمة “سيرت” الليبية في غياب بعض الحكام العرب الذين كان من المفترض أن يكونوا مهمين قياساً بحجم دولهم والأدوار السياسية المنوطة بها، وقد أقرت سلسلة توصيات عامة بشأن تفعيل العمل العربي المشترك وأكدت على دعم السودان والصومال ورحلت عددا من القضايا الخلافية الى قمة بغداد التي تلتها.
قمة بغداد:
انعقدت في السابع والعشرين من شهر آذار/مارس 2012، ودعت الى حوار بين الحكومة السورية و”المعارضة”، التي طالبوها بتوحيد صفوفها. وطالبت الحكومة وكافة أطياف المعارضة بالتعامل الإيجابي مع المبعوث الأممي والعربي المشترك إلى سورية كوفي عنان، لبدء حوار وطني جاد يقوم على خطة الحل التي طرحتها الجامعة وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وكان من المقرر عقد هذه القمة عام 2011 إلا أنه نظرا لظروف الثورات العربية أو ما سمي زوراً وبهتاناً بالربيع العربي تم تأجيلها عاماُ آخر.
قمة الدوحة:
انعقدت في السادس والعشرين من شهر آذار/مارس 2013، في دورتها العادية لمدة يومين متتاليين في ظل ظروف استثنائية كانت تجتاح منطقة الشرق الأوسط، ووسط حراك اجتماعي عربي طالبت فيه الشعوب العربية بالمزيد من الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، وفي خضم تحديات هائلة كانت تعصف بالأمن القومي العربي، وعلى إيقاع تناقض واضح في ملفات، أبرزها الأزمة السورية والقضية الفلسطينية. ولربما أن ابرز ما لفت الأنظار في تلك القمة هو حلول المعارضة السورية المرتبطة بالغرب وبعض الأنظمة العربية التي تدور في فلك تحالف واشنطن وتل أبيب محل حكومة دمشق للمرة الأولى منذ تعليق عضوية سورية في الجامعة العربية في تشرين الثاني/نوفمبر 2011، وذلك في خطوة كرست القطيعة مع نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
قمة الكويت:
انعقدت بين 25 و26 آذار/مارس 2014، وأكدت مشاريع القرارات التي تبنتها بشأن رفض يهودية دولة “إسرائيل”، وحملتها مسؤولية تعثر عملية السلام، كما طالبت مجلس الأمن بتحمل مسؤولياته حيال ما يجري في سورية.
وفي ما يلي ابرز النقاط التي تضمنها القرار الذي اتخذته قمة الكويت بخصوص القضية الفلسطينية:
(1) التأكيد مجددا على ان السلام العادل والشامل هو الخيار الاستراتيجي وان عملية السلام، عملية شاملة لا يمكن تجزئتها، والتأكيد على أن السلام العادل والشامل في المنطقة لا يتحقق إلا من خلال الانسحاب “الإسرائيلي” الكامل من الأراضي الفلسطينية والعربية المحتلة بما في ذلك الجولان، وحتى الخط الرابع من حزيران/يونيو 1967، وكذلك الأراضي التي لا تزال محتلة في الجنوب اللبناني والتوصل الى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين استنادا الى مبادرة السلام العربية، ووفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (194).
(2) رفض كافة اشكال التوطين وإقامة دولة فلسطين المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية، وفقاً لما جاء في المبادرة العربية التي اقرت في قمة بيروت 2002، وأعادت التأكيد عليها القمم العربية المتعاقبة ووفقا لقرارات الشرعية الدولية ومرجعيتها ذات الصلة.
(3) الرفض المطلق والقاطع للاعتراف “بإسرائيل” دولة يهودية ورفض جميع الضغوطات التي تمارس على القيادة الفلسطينية في هذا الشأن.
(4) حمل مشروع القرار “إسرائيل” المسؤولية الكاملة لتعثر عملية السلام والتأكيد على ان استئناف المفاوضات جاء نتيجة لتجاوب الدول دائمة العضوية في مجلس الامن مع التحرك العربي المطالب بإنهاء الاحتلال “الإسرائيلي” وتغيير المنهجية الدولية المتبعة في معالجة القضية الفلسطينية وإدارة عملية السلام.
(5) دعوة مجلس الامن الى تحمل مسؤولياته والتحرك لاتخاذ الخطوات والاليات اللازمة لحل الصراع العربي “الإسرائيلي” بكافة جوانبه وتحقيق السلام العادل والشامل في المنطقة على أساس حل الدولتين وفقا لحدود 1967.
(6) دعوة الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي إلى الاعتراف بدولة فلسطين على خط الرابع من حزيران/يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
قمة شرم الشيخ:
انعقدت قمة شرم الشيخ بين 28 و29 آذار/مارس 2015، واستمدت أهميتها من الظروف السياسية الصعبة والمعقدة التي كانت تمر بها معظم البلدان العربية، والتي تزداد تأزماً عاماً بعد عام، بدءاً بتطورات القضية الفلسطينية واستمرار سلطات الاحتلال في سياساتها الاستيطانية التوسعية، مروراً باستمرار الأزمة السورية التي كانت قد دخلت في حينه عامها الخامس، وصولاً إلى الحاجة الماسة لإعادة ترتيب البيت العربي بشكل جذري وحاسم.
دعا البيان الختامي لقمة شرم الشيخ إلى إنشاء قوة عسكرية عربية، تشارك فيها الدول اختياريا، وتتدخل هذه القوة عسكريا لمواجهة التحديات التي تهدد أمن وسلامة أي من الدول الأعضاء بناء على طلب من الدولة المعنية، وهو القرار الذي تحفظ عليه العراق.
وفيما يتعلق بالأحداث الجارية في اليمن، أيد البيان الختامي الإجراءات العسكرية التي يقوم بها التحالف الذي تقوده السعودية ضمن عملية عاصفة الحزم، مطالبا الحوثيين “بالانسحاب الفوري من العاصمة صنعاء والمؤسسات الحكومية وتسليم سلاحهم للسلطات الشرعية”.
وشدد المجتمعون على ضرورة الاستجابة العاجلة لدعوة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بعقد مؤتمر في السعودية تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي.
العراق من جهته، جدد رفضه لأي تدخل عسكري من أي دولة في شؤون أي دولة أخرى، ودعا الى اعتماد الحوار سبيلا للحل، أما لبنان فشدد على السير بأي موقف يقوم على الإجماع العربي، ونأى عن أي خطوة لا تحظى بالإجماع أو التوافق.
وبخصوص ليبيا، دعا البيان إلى تقديم الدعم السياسي والمادي الكامل للحكومة الشرعية بما في ذلك دعم الجيش الوطني.
وطالب القادة العرب مجلس الأمن بسرعة رفع الحظر عن واردات السلاح إلى الحكومة الليبية باعتبارها الجهة الشرعية، وتحمل مسؤولياته في منع تدفق السلاح إلى الجماعات الإرهابية.
كذلك شدد البيان على دعم الحكومة الليبية في جهودها لضبط الحدود مع دول الجوار، وهو قرار تحفظت قطر عليه بالكامل، فيما فسرت الجزائر الفقرات المتعلقة برفع الحظر وتسليح الجيش الليبي على أنه يندرج ضمن السياق السياسي للحل.
أما بشأن سورية، فأكدت القمة ضرورة تحمل مجلس الأمن مسؤولياته الكاملة إزاء التعامل مع مجريات الأزمة السورية، وطالبت الأمين العام للجامعة العربية بمواصلة اتصالاته مع الأمين العام للأمم المتحدة من أجل إقرار خطة تحرك مشتركة تضمن إنجاز الحل السياسي للأزمة السورية وفقا لمؤتمر جنيف (1).
وعن فلسطين، دعت القمة الدول العربية لدعم موازنة دولة فلسطين لمدة عام تبدأ من الأول من أبريل المقبل، ودعمت قرارات المجلس المركزي الفلسطيني الداعية لإعادة النظر بالعلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية مع “إسرائيل” بما يجبرها على احترام الاتفاقيات الموقعة وقرارات الشرعية الدولية.
وفيما يتعلق بالجزر الإماراتية، جدد المجتمعون تأكيدهم المطلق على سيادة دولة الإمارات الكاملة على جزرها الثلاث، داعين الحكومة الإيرانية إلى الدخول بمفاوضات مباشرة مع دولة الإمارات أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية لإيجاد حل سلمي لقضية الجزر.
قمة نواكشوط 2016 “قمة الأمل”:
اقتصر انعقاد القمة في دورتها السابعة والعشرين على يوم واحد تفادياً لتفجر الخلافات العربية، بالرغم من أنه كان مقرراً لها أن تنعقد على مدار يومي 25 و 27 من شهر تموز/يوليو، وكانت القمة الأولى التي استضافتها العاصمة الموريتانية منذ بدء انعقاد القمم العربية في عام 1946. اكتسبت القمة أهمية خاصة لأنها أنقذت دورية انعقاد القمم العربية السنوية، التي استحدثت في قمة القاهرة غير العادية عام 2000 واختير شهر آذار من كل عام موعداً لانعقادها، بعد أن أوشكت أن تنتهي بسبب اعتذار المملكة المغربية في 19 شباط/فبراير 2016، عن استضافتها بذريعة “عدم توفر الظروف الموضوعية لعقد قمة عربية ناجحة تكون قادرة على اتخاذ قرارات في مستوى ما يتطلبه الوضع العربي”، استناداً لما جاء في بيان للخارجية المغربية آنذاك.
تناول جدول أعمال القمة عدداً من القضايا والملفات العربية الشائكة، مثل الأزمات في سورية واليمن وليبيا والعراق، بالإضافة إلى علاقة العرب بالقوى الإقليمية، وتحديدا إيران وتركيا. ورغم اختيار الحكومة الموريتانية شعار “قمة الأمل” عنواناً للقمة “العتيدة”، إلا أن القمة لم تخرج بما من شأنه إحياءُ آمال المواطنين العرب في إيجاد حلول وتسويات للأزمات الأمنية والسياسية، التي تعصف بالعالم العربي.
وجاء اختيار عنوان القمة المذكور من قبل الحكومة الموريتانية اعترافا صريحاً منها بحجم المآسي، التي تعيشها البلدان العربية، والتأزم الذي يمر به العمل العربي المشترك نتيجة الخلافات البينية العميقة. كما أرادت موريتانيا بهذا الشعار لفت انتباه العرب إلى أول قمة عربية تستضيفها، وهي التي كان يعتقد بعض المراقبين أنها يمكن أن تقدم شيئا للعرب بحكم بُعدها نسبيا عن لعبة الاستقطاب، التي تعمق الشرخ العربي.
وإن كانت موريتانيا قد كسبت رهان التنظيم من الناحيتين اللوجستية والأمنية في تلك القمة، فإن النتائج التي تمخضت دون سقف تطلعات المراقبين والمواطنين العرب، حيث لم يختلف البيان الختامي للقمة عن البيانات المعهودة.
وما عدا دعوة إيران إلى الكف عن التدخل في الشؤون الداخلية العربية، وتبني المبادرة الفرنسية للسلام بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين”؛ فإن البيان الختامي لقمة نواكشوط لم يحمل ما يميزه عن بيانات القمم السابقة، وتوزعت فقراته بين الأمل والمناشدة والترحيب.
وحول النزاع السوري الذي كان عمره في حينه أكثر من خمس سنوات، فقد اكتفى البيان الختامي لقمة نواكشوط بالإعراب عن “أمل القادة العرب في أن يتوصل السوريون إلى حل سياسي لأزمتهم، يحافظ على وحدة بلادهم ويصون استقلالها وكرامة شعبها”.
وتحت ضغوط خليجية، ناشد البيان الختامي المتنازعين في اليمن “تغليب منطق الحوار والعمل على الخروج من مسار الكويت بنتائج إيجابية”، بينما دعا القادة العرب أطراف الأزمة الليبية إلى “السعي الحثيث لاستكمال بناء الدولة من جديد والتصدي للجماعات الإرهابية”.
وأبدى “إعلان نواكشوط” دعم العرب للعراق في الحفاظ على وحدته ومساندتهم لهذا البلد في حربه ضد تنظيم “داعش”، الذي قال ممثل العراق في القمة وزير الخارجية إبراهيم الجعفري إن بلاده تتطلع للقضاء عليه نهائيا بحلول نهاية العام الجاري. ومر البيان الختامي بالوضع في الصومال والسودان، معربا عن دعم القادة العرب لمسار المصالحة الوطنية في كل منهما.
الخلافات حاضرة:
وألقت الخلافات البينية بظلالها الكثيفة على قمة نواكشوط، حيث انعكس ذلك في ضعف مستوى الحضور الذي كان مفاجئا للموريتانيين وللجامعة العربية. وكان مستوى حضور الزعماء أقل من المستوى المتوسط الذي حدده الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط بأنه يتراوح بين 11 و 15 زعيما، في حين لم يحضر قمة نواكشوط سوى سبعة زعماء بينهم رئيس موريتانيا المضيِّفة.
وفي المجمل، كانت الغيابات وازنة، بحيث انخفض تمثيل عواصم صنع القرار العربي في القمة، مثل مصر والسعودية والمغرب والأردن لأسباب مختلفة، تركت العديد من علامات الاستفهام حول مدى اهتمام العرب بقضاياهم.
وكشفت وسائل إعلام موريتانية النقاب عن خلافات حادة بين حاضري قمة نواكشوط حول الأزمة السورية، إذ انقسم العرب إزاء منح مقعد سورية في الجامعة للمعارضة إلى ثلاث طوائف، تدعم أولاها منح المقعد السوري للمعارضة وتقودها معظم دول الخليج ومعها السودان واليمن، وترفض ثانيتها منح مقعد سورية للمعارضة وتتزعمها كل من مصر والعراق والجزائر وتونس وليبيا وفلسطين ولبنان وعمان وجيبوتي، أما الطائفة الثالثة فوقفت على الحياد من طرفي النزاع السوري وهي المغرب وموريتانيا والإمارات والأردن والصومال وجزر القمر.
قمة البحر الميت في الأردن:
انعقدت قمة البحر الميت في الأردن في دورتها العادية الثامنة والعشرين في 29 آذار/مارس 2017، بحضور 16 زعيماً عربياً، وبحضور الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس ومبعوثه الخاص إلى سورية ستيفان دي ميستورا، بالإضافة إلى رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي، والأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، والممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي، ورئيس البرلمان العربي ومبعوثين رئاسيين من الولايات المتحدة وروسيا وآخر من الحكومة الفرنسية.
وكان مقرراً لهذه القمة أن تنعقد في اليمن، إلا أنها اعتذرت عن ذلك نظراً للأوضاع الميدانية والسياسية فيها، فآلت رئاسة القمة العربية بعد اعتذارها إلى الأردن، وفقاً للترتيب الهجائي للدول الأعضاء بالجامعة.
وتعتبر قمة البحر الميت القمة الرابعة التي تستضيفها الأردن، إذ استضافت القمة العربية أعوام 1980، 1987 و 2001.
دعت القمة في بيانها الختامي دول العالم إلى عدم نقل سفاراتها إلى القدس ورفض تحركات “إسرائيل” الأحادية.
أكدت على أهمية محادثات “جنيف” و”أستانا” لحل الأزمة السورية، وطالبت بضرورة دعم اللاجئين. أكدت دعمها للحل السياسي لإنهاء الأزمة وحفظ وحدة سورية، واعتبرت أن لا مكان للحل العسكري فيها.
ثمنت الإنجازات التي حققها الجيش العراقي، وأيدت جميع الجهود الهادفة لعودة الأمن إلى العراق وتحقيق المصالحة الوطنية فيه.
وبخصوص الملف الليبي، أكدت على ضرورة اعتماد “اتفاق الصخيرات” لتحقيق الاستقرار في ليبيا، كما أيدت جهود دول الجوار لإيجاد حل سياسي للأزمة الليبية.
وفي الوقت الذي أعربت عن قلقها من تنامي ظاهرة “الإسلاموفوبيا”، شددت على مكافحة الإرهاب وإزالة أسبابه حماية للشعوب العربية.
ودانت القمة في بيانها الختامي للقمة اضطهاد أقلية “الروهينغا” المسلمة بميانمار.
وفي ما يختص بالموضوع الإيراني – الإماراتي، دعا البيان الختامي إلى الاستماع لدولة الإمارات بخصوص مسألة الجزر الإماراتية الثلاث، وشدد على استمرار التشاور لحل الأزمات والحد من الصراعات وتحقيق التنمية المستدامة.
أكدت دعم ومساندة التحالف العربي للشرعية في اليمن، والتمسك بالمبادرة الخليجية لحل الأزمة اليمنية.
وأعربت عن رفض الخطوات “الإسرائيلية” التي تُعرقل المضي قدما في حل الدولتين، وطالبت بوقف الانتهاكات “الإسرائيلية” ضد المسجد الأقصى.
وأكدت الحرص على بناء علاقات حسن الجوار مع إدانة التدخلات في الشؤون العربية.
قمة الظهران “قمة القدس”:
انعقدت القمة العربية التاسعة والعشرون التي سُميت “قمة القدس” في مدينة الظهران الواقعة في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية في 15 نيسان/أبريل 2018. واختير مركز الملك عبد العزيز الثقافي في المدينة المذكورة مكاناَ لانعقاد القمة، التي مُثلت فيها جميع الدول العربية، باستثناء سورية التي لم توجه الدعوة لها بسبب تجميد عضويتها في الجامعة العربية مع بداية هبة “الربيع العربي” المزعوم في عام 2011. وقد استضافت المملكة القمة بناء لطلب من دولة الإمارات العربية المتحدة، التي سبق لها أن اعتذرت عن استضافتها. وحضر القمة 14 من الملوك والرؤساء العرب، هم: ملك المملكة العربية السعودية سلمان بن عبد العزير آل سعود، وملك المملكة الأردنية الهاشمية عبدالله الثاني، وملك البحرين حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة، وأمير دولة الكويت الشيخ صباح الحمد الجابر الصباح، والرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، ورئيس جزر القمر غزال عثماني، ورئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيلي، والرئيس السوداني عمر البشير، والرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، والرئيس اللبناني ميشال عون، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، والرئيس اليمني عبد ربه منصور، والرئيس العراقي فؤاد معصوم، وحضرها ممثلون عن إمارة قطر وليبيا والإمارات العربية المتحدة وعُمان والجزائر والمغرب.
ولم يكن مفاجئا إعلان المملكة العربية السعودية الدولة المضيفة للقمة تسميتها بقمة القدس، كما لم يكن مفاجئا أيضا أن البيان الختامي لها حفل بفقرات عديدة تعلقت بالقدس، فالقضية الفلسطينية، وفي المقدمة منها القدس، تمثل القضية الوحيدة التي ظلت محل وفاق “علني” بين الحكام العرب، وبقيت بندا ثابتا تنتقل فيه الفقرات والعبارات ذاتها من بيان إلى بيان ومن قمة إلى أخرى.
لكن الحقيقة أن القمة التاسعة والعشرين التي انعقدت في الظهران كانت “قمة طهران” أكثر منها “قمة القدس”، فقد كان التركيز الإعلامي قبل وأثناء وبعد القمة على إيران وخطرها على الأمن القومي العربي، وضرورة حشد كل الجهود العربية لمواجهتها. كما جاءت أغلب الخطابات “الأكثر أهمية” منساقة في هذا الاتجاه، محذرة من التمدد الإيراني وداعية على مواجهته والوقوف في وجهه.
فتسمية القمة بالقدس لم تكن أكثر من ذر للرماد في العيون ومحاولة تلميع للموقف العربي الرسمي عموما، والسعودي خصوصا، بعد ما تكشف من أدوار لدول عربية وازنة، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية، في ترويج لما عرف بصفقة القرن التي تمنح القدس بالمجان “لإسرائيل”. وهي الصفقة التي ووجهت بردود فعل شعبية رافضة ومستنكرة على مستوى الوطن العربي وبرفض فلسطيني وأردني رسمي وشعبي، وتسربت معلومات أكدت قيام المملكة العربية السعودية بالضغط على أطراف معنية – من بينها قيادة السلطة الفلسطينية – للقبول بهذه الصفقة التي تعني التخلي عن القدس وطي ملفها بشكل نهائي ونقل عاصمة الدولة الفلسطينية إلى بلدة “أبو ديس”.
لا شك أن قمة الظهران حققت الأهداف التي عقدت من أجلها على أكمل وجه. ودلل على ذلك البيان الختامي للقمة الذي أكد على مواقف المجتمعين من القضايا الساخنة في الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط، وفق منظور محور الاصطفاف العربي المناهض لنهج المقاومة والممانعة. وليس من باب المبالغة القول أن مقررات القمة قد فُصلّت على مقاس المملكة العربية السعودية ودول ذلك المحور، الذي يحلو للبعض تسميته “المحور السني المعتدل”!!
فقد أدانت القمة التدخلات الإقليمية في الشؤون العربية، وبالأخص تدخلات كل من إيران وتركيا ومحاولاتهما مد نفوذهما في المنطقة. وأعادت القمة التأكيد على رفض العرب للموقف الأمريكي المتمثل باعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة “لإسرائيل”، والتأكيد على أن القدس الشريف هي عاصمة دولة فلسطين، التي يأمل العرب بمن فيهم الفلسطينيون إقامتها كحل نهائي للصراع العربي – “الإسرائيلي”، طبقا لمقررات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، التي أكدت القمة أنها لا زالت مطروحة على الطاولة، برغم عدم اعتراف “إسرائيل” بها.
لكن لا يمكن تجاهل جملة من الملاحظات الانتقادية التي تفترض أمانة الانتماء الوطني والقومي تسجيلها على القمة “العتيدة”:
أولاً – غاب عن البيان الختامي للقمة أي ذكر لحق الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم وفق ما يكفله لهم القرار 194، والإشارة الى قضية اللاجئين جاءت في سياق الإشارة إلى “مبادرة السلام العربية”، في تأكيد جديد على تجاهل حق العودة.
ثانياً – لم تتخذ القمة قراراً بوقف التطبيع والتعاون العلني وغير العلني مع الكيان “الإسرائيلي”، بما في ذلك قطع العلاقة الدبلوماسية مع “إسرائيل”، وطرد سفرائها، وإغلاق البعثات “الإسرائيلية” حيث وجدت في عواصم عربية.
ثالثاً – كان الأجدى بالقمة أن تشير إلى قرارات المجلس المركزي الفلسطيني التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، في دورتي 5 آذار/مارس 2015 و 15 كانون الثاني/يناير 2018، رداً على فشل أوسلو وصفقة القرن والاعتراف الأمريكي بالقدس “عاصمة لإسرائيل” ونقل سفارة واشنطن إليها. كما كان الأجدى بها أن تشيد وتدعم حركة مقاطعة “إسرائيل” باعتبارها سلاحاً فعالاً.
رابعاً – كان الأجدى بالقمة أن تطالب منظمة الأمم المتحدة بتطبيق قراراتها الخاصة بالقدس وبالاستيطان، وفقاً لقواعد الباب السابع من ميثاق المنظمة، وأن تطالب بإحالة جرائم الحرب “الإسرائيلية” ضد الشعب الفلسطيني إلى محكمة الجنايات الدولية.
خامساً – كانت قمة روتينية كسابقاتها من القمم العربية، وليس من المأمول التعويل على مقرراتها، التي جاءت في أحسن الأحوال تسجيلاً لمواقف دبلوماسية خالية من المضمون، بسبب حالة التشرذم التي تعيشها الأمة العربية منذ اندلاع ثورات “الربيع العربي” المزعوم. ولربما أن أبرز ما حققته القمة هو إعطاء “صك براءة” للعرب الذين تورطوا مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، عبر ما عُرف بصفقة القرن!! لكن في نهاية المطاف يبقى معيار مصداقية قرارات هذه القمة، مرهوناً بمدى توفر الآليات والاجراءات والنوايا الصادقة لتطبيقها، حتى لا تُعلق في الهواء كما عُلقت قرارات القمم العربية السابقة.
وفي الختام من المفيد الإشارة إلى أن أكثر من 300 قرار صدرت عن مؤتمرات القمة العربية من قمة “انشاص المصرية 1946” إلى قمة “الظهران السعودية 2018” كان أبرزها، قرارات اللاءات الثلاثة “لا للاعتراف، لا للتفاوض، لا للصلح”، ومقاطعة مصر إثر توقيعها معاهدة السلام المشؤومة مع “إسرائيل”، وتأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، وإقرار مشروع السلام العربي مع “إسرائيل”. ومن المهم الإشارة أيضاً إلى أن الصراع العربي “الإسرائيلي” ظل على الدوام المحور الرئيسي لجميع مؤتمرات القمة، علماً أنه يتعذر على المطلع على محاضر أعمال القمم العربية والقرارات التي صدرت عنها التمييز بين تلك المحاضر والقرارات، لأنها عادة ما كانت تتشابه في مضامينها، وفي معظم النتائج التي تمخضت عنها، وحتى في طرق انعقادها وانفضاضها، وفي بياناتها الختامية، وفي كل تفاصيلها من الألف إلى الياء تقريباً.
المصادر:
1- موقع جامعة الدول العربية الإلكتروني
2- إصدارات جامعة الدول العربية
3- موقع جامعة الدول العربية الإلكتروني
4- البيانات الختامية لمؤتمرات القمة العربية
5 – أدبيات فلسطينية
6- دراسات ومقالات توثيقية سابقة لي
محمود كعوش
كاتب وباحث فلسطيني مقيم بالدنمارك
[email protected]