عرض – سماح عادل :
طائفة “الصابئة المندائيون” أحد الأقليات الدينية في العراق، استقر معظم أبناءها في بغداد بعد أن عاشوا زمناً طويلاً في الأهوار العميقة في الجنوب.. رصدتهم دراسة قام بها أستاذ علم الاجتماع والباحث القدير “صادق شهيد الطائي”، لينال بها درجة الماجستير، ونشر في كتاب أصدره المجلس الأعلى للثقافة المصري، بعنوان “سحر الفضة سر الماء” دراسة أنثروبولوجية لطائفة الصابئة في العراق، ونعرض لهذه الدراسة للتعرف على الطائفة “المندائية”.
تعريف للمندائيين..
تُعرف الدراسة “الصابئة المندائيون” بأنهم “أتباع دين موحد ربما من أقدم الديانات في العراق، لازالوا يعيشون في جنوب ووسط العراق، يؤمنون بوحدانية الله ويطلقون عليه اسم “الحي العظيم” و”الحي الأزلي”، وتقوم الديانة المندائية على خمسة أسس وهي: (التوحيد، التعميد، الصلاة، الصوم، الزكاة)، ويعتقدون أن “آدم” هو أول الأنبياء، ثم أُرسل بعده عدد من الرسل وهم “شيت” ويسمى بالمندائية “شيتل”، ثم “سام بن نوح” وآخر أنبيائهم “يحيى بن زكريا”، وهو المعلم الكبير الذي جدد الدين المندائي، ولهم عدد من الكتب المقدسة أولها “كنزاربا”، “الكنز العظيم”، وهو صحف آدم التي أنزلت من الحي العظيم، ويقع الكتاب في جزأين الأول: “كنزاربا” اليمين ويحوي على قصص وميثولوجيا دينية تصور الصراع بين قوى الخير والشر، ويقص عملية الخلق ونزول النفس من مستقرها السماوي إلى جسد آدم الطيني، كما يحوي على تعاليم وصلوات وأدعية دينية، والجزء الثاني “كنزاربا” اليسار وهو خاص برحلة عودة النفس إلى بارئها وعمليتي التطهير والعقاب، والكتاب الثاني هو” دارشة آد يهيا” تعاليم النبي “يحيى بن زكريا”، وهناك عدد كبير من الكتب المقدسة في الأدب الديني المندائي، مثل “قلستا” وهو كتاب ترانيم وأدعية زواج، وكتاب الـ”نياني” كتاب الأدعية والصلوات المندائي.. والمندائيون يتوجهون في صلواتهم نحو الشمال ودليلهم النجم القطبي لثباته، وذلك لاعتقادهم أن عالم النور أو الجنة تقع في الشمال، وأن الأنفس ترحل باتجاه الشمال على عكس الجنوب الذي تأتي منه الشرور.. وهم يصلون ثلاث مرات في اليوم، ويؤتون الزكاة ويصومون 36 يوماً متفرقة على أيام السنة ويمتنعون فيها عن أكل اللحوم”.
الجذور والتطور الاجتماعي..
عن جذورهم وتطورهم الاجتماعي تقول الدراسة: “عاش المندائيون مئات السنين في قرى جنوب العراق وإيران، وبقيت منطقة دجلة والفرات جنوب وادي الرافدين مناطق الطائفة التقليدية حتى منتصف القرن العشرين، بعد الاحتلال الانكليزي وتأسيس الحكم الوطني في العراق، وفي فترة ما بين الحربين حدثت هجرات كبيرة قام بها أبناء الطائفة من مناطقهم الأصلية إلى المدن الكبرى في العراق، مثل بغداد والبصرة، وأحدثت هذه الهجرات تغيرات هامة في البناء الاجتماعي للطائفة، حيث تغير نمط العيش ونمط القيادة ومراكز القوى في المجتمع، وفي الثمانينيات في القرن الفائت سعى أبناء الطائفة إلى بلورة هوية ثقافية ودينية عصرية، وتشكلت نظم جديدة متمثلة في ثلاث مجالس تقود الطائفة:
1 – مجلس العموم: وهو برلمان يعتمد على الانتخاب الحر.
2 – مجلس روحاني: يضم كل رجال الدين، يهتم برعاية الشؤون الدينية.
3 – مجلس شؤون الطائفة: يدير الأمور الحياتية عبر لجان.
أن حال أبناء الطائفة المندائية اليوم صعب، فهناك هجمة من قوى ظلامية تكفيرية تهددهم بالقتل والاختطاف، إذ حدثت عشرات الحوادث مع أقليات دينية مثل “المسيحيين والصابئة واليزيديين” في محاولة لإخراجهم من المعادلة العراقية”.
وعن أصولهم: “ذكر في كتاب “كنزا ربا” أن المندائيون خرجوا مع قوم فرعون، وتعقبوا اليهود الفارين مع موسى، غرق قسم منهم في البحر وسافر الناجون شمالاً وسكنوا أعالي “فرات زيوا” الفرات النوراني، وفي كتاب آخر لهم “ديوان حرانكويثه” يذكر أنه تعرض المندائيون إلى اضطهاد يهودي، حين كان يسكنون القدس، وتعرضوا لمجازر من قبل اليهود، مما دفعهم للهجرة نحو الشمال حيث إلتحقوا بإخوان لهم يسكنون جبال ميديا، واستقروا في حران قبل المسيح بحوالي قرن أو أكثر”.
وحول كونهم أقلية دينية وعرقية يدلل الكاتب على ذلك قائلاً: “التبشير في الدين المندائي غير موجود منذ أكثر من ألف وخمسمائة عام، ويجب أن يكون المندائي من والدين مندائيين، لذا فإن الصفات الجسدية مغلقة ضمن الطائفة المنغلقة على نفسها وبالتالي فيه أقلية عرقية دينية”.
الدين المندائي..
رصدت الدراسة “الدين المندائي”، ومن ذلك أن “النسق الديني المندائي أثر وتأثر بكل الأديان في الشرق الأوسط، فنجد فيه عناصر يهودية، ومسيحية، وبابلية، وزرادشتية، وإسلامية، وتأثيرات من الفلسفة اليونانية الهلنستية في نموذجها الغنوصي الشرقي المسيحي، ولطائفة المندائية مجموعة أعياد:
1 – العيد الكبير: عيد رأس السنة المندائية في يومي 27 – 28 تموز/يوليو، وتسبقه طقوس ما “يسى كنشي وزهلي” أي التنظيف والتهيؤ، لأن كل مندائي عليه أن يلزم داره لمدة 36 ساعة من مساء 27 تموز/يوليو، ولا يجوز له مس أي شئ غير طاهر، ولا يشرب أو يأكل إلا ما اختزنه في داره قبل مساء 27 تموز/يوليو، لأن الأرض في ذلك الوقت تمتلئ بقوى الشر.
2 – العيد الصغير: عبارة عن يوم واحد، يرمز إلى نزول الملائكة لقمع قوى الشر في يوم 10 -11 من كل عام، وشروطه إقامة وليمة طعام على كل عائلة.
3 – عيد الخليقة بروانايا: ومدته خمس أيام إشارة إلى خلق العالم في خمسة أيام، وهي تخصص للتعميد الجماعي وإطعام الفقراء، وقراءة الأدعية، ونحر الخراف، ويصادف 24 آذار/مارس، وهذه الأيام تسقط من حساب السنة المندائية، إذ أن التقويم المندائي يتكون من سنة شمسية مكونة من 12 شهر، وكل شهر فيه 30 يوماً فقط وهي مطابقة للتقويم البابلي.
4 – عيد دهب “اد ايمانه”: عيد مولد النبي يحيى، ويسمى عيد “التعميد الذهبي”، لأن كل تعميد في هذا اليوم يعادل 60 تعميداً، ويقع في 28 آذار/مارس”.
المقدسات..
عن مقدسات الدين لدى هذه الطائفة، “يقدس المندائيون الكائنات النورانية الموجودة على الكواكب، ولكل مندائي اسمان اسم دنيوي متعارف عليه، واسم ديني هو اسم “الملواشة”، قائم على حسابات فلكية دقيقة، ويعتبره المندائيون الاسم الحقيقي للشخص، يستعملونه في جميع المناسبات الدينية والطقسية، وينسب المندائي في الاسم الديني إلى الأم بدلاً من الأب، ويلاحظ أن الكواكب دينياً كائنات محسوبة على قوى الشر، كما أن الماء مقدس، وهناك تشابه في الجذر المائي للديانة السومرية، ومن بعدها البابلية وبين الديانة المندائية، وكذا فكرة الأنهار النابعة من السماء موجودة في كثير من الميثولوجيا الدينية، فهي موجودة في الدين اليهودي، وفي الأحاديث المروية عن النبي محمد “ص”، وكذا في الأدب الديني المندائي، إذ يطلق على الفرات “فرات زيوا” الفرات النوراني، والملائكة لها دور هام، حيث يتجاوز عدد الملائكة المذكورين بالاسم أكثر من خمسين ملاك”.
الطقوس..
من الطقوس الدينية لدى المندائيين، الصلاة.. “في الصلاة المندائية يجب أن يكون المصلي واقفاً، لا يوجد فيها ركوع وسجود مثل الصلاة الإسلامية، وإنما هناك انحناء كلما ذكرت أسماء الله أو صفاته، ويجب على المصلي أن يرتدي غطاء على رأسه، رمزاً للاحترام، والصلاة هي عبارة عن تراتيل وذكر لصفات الله الخالق والملائكة النورانية، ونواقض الصلاة أو موانعها مثل الحيض، والنفاس عند المرأة، والجنابة عند الرجل، عدد الصلوات اليومية تم إنقاصها في عهد النبي يحيى، من خمس صلوات إلى ثلاث صلوات، الصلاة الأولى في الصباح الباكر بعد بزوغ الشمس، والثانية عند الظهيرة في منتصف النهار، والثالثة عند العصر قبيل بزوغ الشمس، ويتحتم على المندائي أن يترسم بالماء “الوضوء” قبل إجراء أي طقس ومنها الصلاة”.
الهجرة إلى بغداد..
تأثرت الطائفة بالهجرة كما تفصل الدراسة: “عند استقرار الطائفة المندائية في بغداد وفيها الثقل الأكبر للطائفة اليوم، عاشوا حياتهم وفق النمط الحديث وهذا لم يعني انقطاع الصلة مع عشائرهم، ويعود أول تعامل رسمي مع وجود الطائفة في العراق إلى أيام الاحتلال البريطاني، وبعد تأسيس الحكم الوطني وتتويج الملك فيصل الأول 1921 ملكاً على العراق، حيث بعث شيخ المندائيين رسالة للملك تتضمن تهنئة وتعريف ومطالبة بحقوق الطائفة، ومع تزايد الهجرة من الجنوب إلى المدن الكبرى مثل بغداد والبصرة، وحدوث تغيرات سياسية واجتماعية في العراق، انخرط أبناء الطائفة في الأحزاب السياسية، وابتعدوا بشكل واضح عن محور الهوية الدينية، واستمر هذا الحال حتى منتصف السبعينيات تقريباً، إذ بدأ التفكير بين مثقفيهم لإيجاد هيكلة تنظيمية اجتماعية تبلور هوية المندائيين، فشكلت أول هيئة تحت اسم “هيئة التولية”، وكان مركزها بغداد، ثم حلت، وتم تأسيس مجلس عوضاً عنها هو “المجلس الأعلى الروحاني لطائفة الصابئة المندائيين”، وكان مقره بغداد، وتشكلت عضويته بمشاركة رجال الدين والنخبة المثقفة، واستمر المجلس يقود الطائفة نحو عشرين عاماً، ثم تم الاتفاق على فصل المؤسسات، بعد طول الصراع بين رجال الدين والمثقفين في عام 1996، فالتغير في مناطق السكن ساهم في حدوث حراك اجتماعي داخل الطائفة المندائية، فلقد اتجه أغلب الشباب إلى التحصيل العلمي، واجتذبتهم المهن الحديثة، وانصرفوا عن ممارسة المهن البدائية القديمة، وقل اهتمامهم بممارسة الطقوس الدينية، كما أصبحوا يتحدثون باللغة المحكية في المدن التي يعيشون فيها، ونسوا لغتهم الأصلية، مما أوجد أزمة حقيقية بالنسبة لبقائهم كمجموعة دينية ذات سمات ومعتقدات خاصة”.