إعداد/ د.علوان العبوسي
تمر اليوم الذكرى الخامسة عشرة لحرب احتلال العراق بقرار أمريكي – بريطاني خارج الإرادة والشرعية الدولية مما كان له انعكاساته من قبل المجتمع الدولي من معارض ورافض ، وقد بنت الدولتان دوافعهما لشن هذه الحرب على عدة ادعاءات لم تؤيدها معظم دول العالم ، كامتلاك العراق لأسلحة دمار شامل قادر على استخدامها في خلال دقائق وادعائهما ان العراق يهدد الأمن الدولي وأمن الولايات المتحدة بشكل خاص وغير ذلك من ادعاءات باطلة ، والمؤسف المؤلم أكثر لم يكن للأمم المتحدة الدور الفاعل في كبح جماح هاتين الدولتين على العكس فقد اصدرت بعد اكتمال الاحتلال الوصايا الكاملة في تفويض الولايات المتحدة وبريطانيا مسؤوليتها في ترتيب الاوضاع العامة بعد الاحتلال .
بعد توقف العمليات لم يثبت سلامة وصحة أيا من هذه الادعاءات بل أوضحت أمور ان هناك أطماع اقتصادية منها احتكار لإنتاج النفط العراقي والاستفادة من عائدات أعمار العراق وأهداف سياسية تحقق الهيمنة من خلال هذا البلد على البلاد العربية وإعادة تشكيلها بما يخدم ألمصالح الأمريكية وفرض الوجود الإسرائيلي والفارسي عليها أضافة إلى زيادة امنها ، كما أن هاتين الدولتين لعبت دوراً مؤثراً في حث الولايات المتحدة الأمريكية لشن الحرب على العراق لتدمير قوته العسكرية و إخراجها من حسابات القوى العربية .
في هذه الذكرى الاليمة سأقوم بذكر يوميات هذه الحرب على شكل حلقات يومية حتى اكتمال احتلال العراق في 9 / 4 / 2003
تنفيذ العملية الهجومية الاستراتيجية الامريكية ضد العراق – الاطار العام
قُسّم تنفيذ العملية الهجومية الاستراتيجية الى اربع مراحل : –
– المرحلة الاولى .استهداف راس القيادة السياسية العراقية في 19 /3/ 2003 .
– المرحلة الثانية. تبدا اعتباراً من 20 – 25 آذار / مارس 2003 .
– المرحلة الثالثة. تبدا اعتباراً من 26 – 31 آذار / مارس 2003 .
– المرحلة الرابعة. تبدا اعتباراً من 1 – 9 نيسان / ابريل 2003 .
قوات التحالف في دول الخليج العربي تمهيدا لاحتلال العراق
قوات التحالف(المرحلة الاولى ) استهداف راس القيادة السياسية العراقية 19 /3 / 2003
قبل شن هجوم المرحلة الاولى ، قامت كونداليزا رايس الاتصال بالسفير السعودي بندر بن سلطان ودعته للمجيئ الى البيت الابيض فوراً ، وبعد حضوره ابلغته رايس بالاتي ( بحدود التاسعة مساءً بتوقيت واشنطن جهنم سوف تنفجر ) ، وصديقك الرئيس بوش أصر على إعلامك بالأمر فوراً ، اجابها بندر قولي له باننا سنذكره في صلواتنا وقلوبنا وكان الله في عوننا جميعاً ، وعلى الفور اخطر بندر الامير عبد الله بن عبد العزيز – الملك لاحقاً ، برسالة مجفرة فحواها ( التوقعات تقول إنه سوف يكون هناك امطار غزيرة ) اجابه الامير عبد الله ( فهمت ..هل انت متأكد ) ، نعم متأكد ، عندها اخذ ولي العهد نفساً عميقاً وقال ( ربما قرر الله ما كان جيداً لنا جميعاً ) ثم سال بندر ( هل علمت متى تضرب العاصمة ) وكان رد بندر ( سيدي لا أعرف لكن تابع التلفزيون ) (1) .
قبل بدء الهجوم كان اليوم طويل على الرئيس بوش ، هل سينجح في القضاء على الرئيس صدام وعائلته بضربة واحدة ويحقق ما عجزت عنه الادارات الامريكية المتعاقبة منذ عام 1989 ، وهل ينجح في عدم خوض الحرب ضد صدام ؟ كل هذه الاسئلة تراود بوش وتمنعه عن النوم ، في هذه الاجواء المتباينة وردت معلومات عاجلة الى البيت الابيض تفيد بان موكباً دخل مزرعة الدورة الخاصة بعائلة الرئيس صدام حسين في التاسعة والنصف مساءً (بتوقيت واشنطن) كانت رايس والناطق باسم البيت الابيض ومعهم بعض الموظفين يتحلقون حول التلفزيون ، بدأت ترد تقارير بان صافرات الانذار تدوي في بغداد تبعها إطلاق نار من أسلحة مضادات الطائرات (2) .
ففي الساعة 0430 (بتوقيت بغداد) يوم 19 آذار /مارس 2003 قامت القوات الجوية الامريكية بتوجيه ضربة صاروخية (40 صاروخ كروز تماهوك من اربع سفن حربية متمركزة في البحر الاحمر )، بينما اسقطت مقاتلات الشبح F-117) ) على مجمع الدورة قنابر موجهة بالأقمار الصناعية اقلعت من القواعد الجوية في قطر وعُمان ، اطلقت عليها عملية( قطع الراس ) استهدفت الرئيس صدام حسين وعائلته واهداف مختارة بقرار الرئيس بوش بعد ان ابلغت المخابرات المركزية الامريكية ان الرئيس صدام حسين مختبئ في احد هذه الاهداف ، بهدف سرعة أنهاء العملية العسكرية قبل ان تبدء .
استهداف راس القيادة السياسية العراقية
بعد انجار الضربة الجوية لأهدافها بدأ بوش بألقاء خطابه قائلا ( المراحل المبكرة من جهود العسكريين ضد صدام حسين بدأت للتو) ودون اية تفاصيل اخرى .
في الحادية عشرة ليلا ، جاءت معلومات بان الطائرات المغيرة عادت الى قواعدها سالمة وقبل دقائق على منتصف الليل في واشنطن الثانية ظهراً في العراق ورد تقرير من مقر ال (C.I.A) في السليمانية شمال العراق يقول ( ان المخبر الرئيسي افاد بان صدام حسين ونجليه قصي وعدي ، كانا في المزرعة عندما سقطت القنابر والصواريخ عليهما لكنه لا يعرف النتيجة ) ، قبل الفجر في واشنطن ( بعد الظهر في العراق) ورد تقرير ثان ( لا معلومات عن وضع صدام وولديه ، احد نجلي صدام لم نعرف ايهما خرج صارخاً : لقد خانوك واطلق النار على احد الحراس في ركبته ، النجل الاخر خرج من بين الحطام مغطى بالدماء وبدأ مشوشاً ، ليس واضحاً ان كان دمه ام دم غيره ، صدام اصيب وفق احد المخبرين وتم انتشاله من تحت الركام ، كان لونه ازرق ، اعطوه اوكسجين ووضعوه على حمالة ثم ادخلوه سيارة إسعاف …انتهى التقرير)(3) .
اليوم الاول للعمليات 19 / 3 / 2003
عند الرابعة والنصف صباحاً بتوقيت واشنطن اتصل جورج تينيت مدير وكالة المخابرات الامريكية C.I.A بغرفة العمليات في البيت الابيض وقال للضابط المسؤول باننا نلنا منه (سيل من الشتائم القذرة) ، ولكن لم يكن الامر اكيد بعد وبدا وكان الرئيس صدام حسين قد نجا ، ورد خطاب من على شاشة التلفزيون العراقي يوبخ بوش ويصفه واركان إدارته بألفاظ اقسى مما قاله جورج تينيت لبوش موضحا ان الرئيس صدام قد نجا ، وبعد فحص دقيق لمزرعة الدورة من قبل الاستخبارات الامريكية بعد احتلال العراق ، لم يتوصلوا الى نتيجة منطقية ان الرئيس صدام ونجليه كانوا في الدورة ليلة قصفها (4) .
وبفشل تحقيق أهداف هذه الضربة قامت قوات التحالف يوم 20 آذار / مارس 2003 بشن العملية الهجومية الاستراتيجية التي اطلقت عليها ( حرب حرية العراق ) دون التمهيد لها بضربات جوية شاملة كما اعتادت في حربي الخليج الثانية وكوسوفو ، بدأت العملية من كافة الاتجاهات الاستراتيجية كما خطط لها عدا الاتجاه الشمالي بسبب مستجدات الظروف السياسية مع تركيا مما أدى الى عدم دفع الفرقة الالية الجبلية الرابعة الى شمال العراق حيث استعيض عنها لاحقاً باللوائيين 173 ، 194 المنقولة جواً من المسرح الاوربي الى العراق مباشرة .
بعد منتصف هذه الليلة ولفجر اليوم التالي شنت المئات من الطائرات القاصفة والمقاتلة الامريكية والبريطانية هجومها الوحشي على بغداد وبعض الاهداف الاخرى خارجها ، مع سلسلة طويلة من ضربات بالصواريخ الجوالة بلغ عددها 1000 صاروخ مع 550 مقذوف متنوع الاغراض موجهة بالليزر تراوحت اوزانها ما بين 1 – 9 طن اطلقتها الطائرات ، لقد شعر سكان بغداد وكان السماء انطبقت عليهم من هول الصدمة ، في ذات الوقت خرج الرئيس الامريكي بوش من على شاشة التلفزيون ليعلن بدء الحرب على العراق اسماها (حرب حرية العراق) ، ثم أكد بعده رئيس الوزراء البريطاني توني بلير مشاركة القوات البريطانية بهذه الحرب العدوانية .
وبشكل غير متوقع باشرت القوات البريطانية والامريكية هجومها المباشر على مدينة ام قصر العراقية ومع انزال بحري على الميناء الواقع على خليج عبد الله مدخل الخليج العربي للعراق ، وكان الهجوم مباغتا للقيادة العراقية ، التي كانت تتوقع ان يكون بعد 3 – 5 ايام من الشروع بالعمليات الجوية .
القوات العراقية
قامت القوات العراقية بإدارة عملية دفاعية استراتيجية حيث تمسكت بالمدن الرئيسة والاهداف الحيوية والاستراتيجية دون التمسك بالدفاع عن الحدود الدولية في محاولة لجذب قوات التحالف الى قتال المدن لتأخير تقدمها وأحداث أكبر خسائر بها ( وكان ذلك رأي القيادة السياسية العراقية حسب وجهة نظرها باعتبار ذلك الحل الانسب في ظل التفوق الساحق لقوات التحالف الذي بلغ أكثر من 1 :50 لصالح العدو ) بما سيؤثر على معنوياتها ثم العمل على استنزافها ومحاولة منعها من السيطرة الكاملة على العراق وبالتالي ستضطر الى ايقاف القتال والتفاوض ويعتبر العراق منتصراً في الحرب !!!!.
اما الاعتقاد السائد لدى قوات التحالف هو عدم مواجهة مقاومة عراقية في الجنوب وسوف يستقبلهم الشعب العراقي في هذا الجزء بالأحضان والزهور كما صور لهم ذلك المعارضون للنظام في الخارج ولكن حدث العكس تماما مما اربك خطط القيادة العسكرية الامريكية أضطرها الى تعزيز قواتها بقوات إضافية لاحقاً .
من جانب القوات النظامية العراقية على الرغم من التصدي الملحمي و البطولي الذي قامت به في كافة قواطع العمليات كما سيتضح ذلك لاحقاً الا ان هذا لم يؤثر على النتيجة النهائية للمعركة في ظل التفوق الساحق لقوات التحالف كما اشرت وغياب التنسيق والتعاون وفقدان مبدأ القيادة والسيطرة ومبدأ وحدة القيادة بعد ان تسبب القصف الجوي والصاروخي المعادي الى قطع المواصلات أضافه الى التشويش الايجابي على المواصلات اللاسلكية وغير ذلك .
يتبع
1). عبد الرحمن مظهر الهلوش : صدام حسين الجمهورية الخامسة :الدار العربية للعلوم ناشرون : بيروت : الطبعة الاولى :تموز / يوليو / 2017 : ص 317.
2).المصدر نفسه ص318
3). المصدر نفسه.
4). وورد بوب : خطة الهجوم : :مكتبة العبيكان : الرياض : الطبعة الاولى 2004 .
تصاميم المقال من قبل الاستاذ مهند عبد الجبار الشيخلي فله كل الشكر والتقدير