9 مارس، 2024 5:51 م
Search
Close this search box.

ملفات معقدة: مستقبل الصراع الاقليمى فى الشرق الأوسط

Facebook
Twitter
LinkedIn

إعداد/ محمد رمضان أبو شعيشع
يعد صراع القوى الإقليمية فى الشرق الأوسط ليس على ما يبدو وليداً لهذه اللحظة؛ إنما هو صراع له جذور وثوابت تاريخية حيث تسعى كل دولة إلى تحقيق مصالحها وفرض إرادتها على ما عداها من الدول الشرق أوسطية المنافسة لها، ولاسيما عقب ثورات “الربيع العربى”، وبروز نسق إقليمى متعدد القوى الشرق أوسطية إلا إنه يبقى قيد التشكل، ومن ثم فهذه المرحلة تعُتبر إنتقالية لتشُكل نسق إقليمى جديد من حيث شكل وطبيعة التفاعلات والتحالفات وموازين القوى النسبية بين مختلف القوى الشرق أوسطية، والتى منها قوى فاعلة غير عربية كإيران، إسرائيل، وتركيا، إلى جانب ذلك هناك قوى عربية فاعلة مثل المملكة العربية السعودية ومصر .

ويتمحور الصراع داخل الإقليم حول عدة جوانب هى : حفاظ الدول على حدودها وتماسكها الوطنى، الحفاظ على الهوية الوطنية التى يلتف حولها الشعوب سواء كانت أيديولوجية أودينية أوعرقية، أيضا من حيث إطار التحالفات الجديدة وتكوين محاور إقليمية وأخرى مضادة، كل هذه الجوانب تُعد بمثابة العوامل المُحفزة للصراع فى المنطقة قبل ثورات “الربيع العربى” وبعده على السواء، وفى هذا الإطار سوف يتكون لدينا شكل وماهية الدولة الفاعلة والقادرة على الهيمنة داخل النسق الإقليمى، إلى جانب ذلك فإن الصراع على الهيمنة وفرض الإرادة فى المنطقة الشرق أوسطية – فى ظل وجود مجموعة من القوى المتقاربة فى القوة والموازين النسبية فيما بينها – لا يمكن أن يحُسم إلا من خلال حسم بعض الأزمات والقضايا المحورية فى الشرق الأوسط، التى منها على سبيل التخصيص : الأزمة السورية، المشكلة العراقية، والأزمة اليمنية .

وأصبح بذلك الشرق الأوسط زخماً كثيراً لحروب أطراف عدة بعضها حروب بالوكالة، والبعض الأخر حروب مباشرة (1)، علاوةً على ذلك فإن سياسات القوى العظمى والكبرى التى تهدف إلى الحفاظ على توازن القوى السائد فى المنطقة أوتغييره، إنما تحدده مصالح كل قوة من هذه القوى وهوما يُحتم على كلاً منها أن يكون لها حضور فى أزمات المنطقة، بل والقدرة على طرح المبادرات والحلول أوفرضها فى بعض الأحيان بما يتلائم مع مصالحها ويٌعزز من نفوذها فى المنطقة، كل هذه التغيرات والأحداث الإقليمية ليست على سبيل المصادفة بل هى نتيجة تراكمات لأزمات عدة وجدت الحافز المحلى بالدول الشرق أوسطية وحركها العالم الخارجى، وبالتالى فهى نتيجة حتمية للتغير فى الإستراتيجيات الدولية للقوى العظمى والكبرى، لا سيما مع دخول الوضع الدولى الحالى عقب إنهيار الإتحاد السوفيتى مرحلة جديدة أطلق عليها البعض : ” مرحلة الفوضى الخلاقة “، بينما يعتبرها البعض الأخر : بأنها بداية تراجع للهيمنة الأمريكية، وهوما أدى إلى جعل النظام الدولى الإقليمى الحالى أكثر عُرضه للفوضى والإنهيار (2)، وهوما جعل الولايات المتحدة الأمريكية تعتقد بأن البديل الأنسب لأمتصاص الأثار السلبية لتمددها الزائد فى العالم هوفى التلاعب بتوازنات القوى الإقليمية من خلال تحديد القوى المركزية فى أقاليم العالم الجيوسياسية، وتسخير هذه القوى لضبط بعضها البعض على غرار ما فعلته بين إيران والعراق فى فترة الثمانينات من القرن الماضى، ولرصد أهم التفاعلات الشرق أوسطية للقوى الإقليمية الفاعلة فى النسق، والوقوف على أدوارها وسيناريوهات تحالفاتها فى المنطقة علينا طرح سؤال هو: ما هى القوى الأساسية المحركة للتفاعلات الشرق أوسطية وأبعاد ومحددات التنافس فيما بينها ؟

فمن المُلاحظ أن منطقة الشرق الأوسط لم تُفرز قوى إقليمية حرة، وإنما ظهرت تلك القوى نتيجة تأثيرات متداخلة ومعقدة لعوامل داخلية وخارجية (3)، وبالتالى فإن أقوى اللاعبيين السياسيين فى الشرق الأوسط ليسوا أولئك الذين يعتبرونه بيوتهم، ولكن أولئك الموجودون خلف المحيط الأطلنطى فى الولايات المتحدة، وحتى قبل ذلك القوى الأستعمارية كفرنسا وبريطانيا إبان الحرب العالمية الثانية، إضافةً إلى ذلك، هناك دول محورية فى الشرق الأوسط قُدر لها أن تكون فى موقع جغرافى يؤهلها للعب دور محورى قادر على التحكم فى توجهات وطموحات بقية اللاعبين السياسيين فى المنطقة، بالإضافة إلى إمتلاكها الأدوات المؤثرة فى لعبها هذا الدور، مما يزيد من توغلها وهيمنتها على المنطقة، على الجانب الأخر، هناك مجموعة من الدول التى تملُك القدرة والإرادة الوطنية اللازمتين لممارسة النفوذ فيما وراء الحدود، لغرض تبديل الوضع الجيوبولتيكى القائم إلى الحد الذى يؤثر على مصالح المنافسين لها، وذلك بغض النظر عن موقعها، أومساحتها الجغرافية،أوحتى حجم نفوذها السياسى فى المنطقة، أيضاً هناك مجموعة من الدول الهامشية التى قد تمتلك عوامل القوة إلا أنها تظل غير قادرة على التأثير وفرض الإرادة على الدول الأخرى والتعديل من الأوضاع السائدة فى المنطقة .

كل ذلك يُنذر بإشتعال صراع للمحاور الجيوبولتيكية فى مواجهة القوى الإقليمية، ليصبح بذلك النسق الشرق أوسطى الجديد فوضوى بالدرجة الأولى، وهذه صفة ليست جديدة على الصراع الشرق أوسطى بل متغلغلة وبقوة فى آفاقه منذ إنتهاء الحرب العالمية الثانية إلى الآن، لا سيما منذ إنهيار النظام العراقى من ناحية، وتنامى التنظيمات الإرهابية كتنظيمى ” القاعدة ” و” داعش ” من ناحية أخرى، وبالتالى عملت القوى الإقليمية على دعم قوى المعارضة فى المنطقة، والفاعلين من غير الدول وفق العديد من المنطلقات الطائفية والعرقية، لتسخيرها والإستفادة منها فى حربها التنافسية مع القوى الإقليمية الأخرى، كل ذلك أدى إلى التسريع من تنفيذ المخططات والمشاريع التى تستهدف منطقة الشرق الأوسط لتجعلها أكثر تفتيتاً وتقسيماً، ولعل الأزمة السورية، المشكلة العراقية، والأزمة اليمنية هوخير دليل على كم الإنقسامات والصراعات الإقليمية فى المنطقة(4) .

أولاً- أبعاد التنافس بين القوى الإقليمية:

إن إحتجاجات “الربيع العربى” فى المنطقة قد أتاحت لإيران الفرصة لتوسيع نفوذها فى المنطقة، وهوما برز فى خطابات المرشد الإيرانى “على خمانئى” أثناء إندلاع الإحتجاجات العربية، والتى كانت تحث على الثورة على الأنظمة الحاكمة الفاسدة، والتشجيع على قيام نظم حكم إسلامية تتوائم مع مرجعية الجمهورية الإسلامية الإيرانية، إذ إعتبرت إيران أن ثورات “الربيع العربى” بمثابة إمتداد لثورتها الإسلامية، إلا أن ذلك الإعتقاد الإيرانى يعد بعيد المنال تماماً، وذلك نظراً للبعد الزمنى بين الحدثين من جهة، فضلاً عن الأختلاف بين المذهبين الشيعى الإيرانى وبين المذهب السنى لأغلب البلدان العربية .

أ ـ بالنسبة للأزمة السورية:

تقع سوريا فى منطقة تُعد من أهم المناطق الاستراتيجية في العالم، فهي نقطة تقاطع العوالم الفارسية والتركية والعربية، الأمر الذى جعلها منطقة خصبة لمحور تفاقم الأزمات الشرق أوسطية بين مختلف القوى الإقليمية، ولذلك فقد تفاقمت الأزمة السورية بشكل سريع ومُعقد للغاية خاصةً بعد التورط الإيرانى والتركى فى سوريا، إذ تعد إيران فاعل رئيسى فى الأزمة السورية، فهى داعم أساسى مساند للنظام السورى المتمثل فى بقاء ” بشار الأسد ” فى السلطة من جهة، وحليف قوى لروسيا فى الأزمة السورية من جهة أخرى، ذلك بأن موقع سوريا الجغرافى يعد مجال خصب لإيران ارتأت فيه مجالاً حيوياً لسريان نفوذها بالمنطقة، إذ إنها تخشى من سقوط نظام ” الأسد ” وتقسيم سوريا وتحويلها لنظام حكم فيدرالى، أوحتى الإتيان بنظام حكم مناؤى لأفكارها وسياستها فى المنطقة، الأمر الذى قد يعرقل إمتدادها، ومد نفوذها وأسلحتها إلى الذراع الإيرانى الأساسى لها والمسيطر تماماً على كافة الأوضاع اللبنانية وهو” حزب الله “، بما يعنيه أن تسوية الصراع فى سوريا وفقاً لمصلحتها لن يتحقق إلا من خلال بقاء ” الأسد ” فى الحكم(5) .

الأمر الذى أدى لإتساع الفجوة بين طهران وأنقرة خصوصاً بعد التدخل الروسي والإيراني المباشر في الدفاع عن النظام السوري، وأيضا في وقت كانت فيه قوات المعارضة مدعومة من تركيا والسعودية وقطر، وفى ظل دعم وتغطية عسكرية تركية لداعش، إذ ارتأت تركيا فى داعش جماعة أصولية لها ثقلها فى أزمات المنطقة – بأمكانها التقارب والتفاهم معها، ويمكنها المساومة معها فى شأن الشمال السورى المكتظ بالأكراد الطرف المناؤى للنظام التركى، وبالتالى التدخل الروسي والإيراني المسنود من قوات حزب الله (اللبناني) أثر بشكل كبير للغاية في إحداث تحول نوعي في موازين القوى، وفرض معادلة حل سياسي للأزمة السورية في جنيف رأتها تركيا وحلفاءها العرب مُجحفة بحق المعارضة السورية، هذه التحولات العسكرية والسياسية تراها تركيا تعمل ضد طموحاتها في سوريا، وتحديدا في الشمال السورى، هذه الشراكة السنية بين ( تركيا، السعودية، قطر، داعش ) قد واجهت تحدياً حقيقياً بعد التدخل العسكري الروسي في الأزمة السورية في ظل نجاح للطيران الروسي، ومن ثم وضع نهاية مأساوية للطموحات التركية بفرض منطقة حظر جوي في شمال سوريا أوفرض منطقة عازلة في الشمال السوري تخضع للنفوذ التركي وبالتحديد محافظة حلب التي مازالت مسيطرة على هواجس وأطماع الأتراك في سوريا كما يعرب الرئيس التركى ” أردوغان ” دائماً عن الإرث التركى فى الشمال السورى فى أغلب مؤتمراته.

إن التحدي الأهم الذي يمثله التدخل الروسي في سوريا بالنسبة لتركيا يتعلق بهدف تركي كبير يركز على إضعاف أكراد سوريا، ومن خلفهم أكراد تركيا، و”حزب العمال الكردستاني ” المعارض، فالتدخل الروسي في سوريا بات يمثل مكسباً كبيراً لأكراد سوريا المتحالفين مع النظام السوري وبالذات لما يُعرف بـ ” وحدات الحماية الكردية” التي قاتلت “داعش” في عين العرب ” كوباني” وظلت تمثل تحدياً كبيراً لـداعش في شمال سوريا، ولكن كل هذه التحديات من وجود ثقل دولى مثل روسيا وإقليمى كإيران فى دعمهم للنظام السورى بالإضافة إلى الأوضاع الداخلية المتأزمة من خلال أعمال ” حزب العمال الكردستانى ” المناؤة للنظام التركى، ومحاولات الانقلاب الفاشلة على الرئيس ” أردوغان ” أدت لفشل الجانب التركى فى الأزمة السورية مما إضطرها لإعادة صياغة سياستها بشأن سوريا وإعادة هيكلة خرائط المصالح بما يلزمه من تغيير شبكة التحالفات الإقليمية لا سيما مع إيران(6)، فعلى الرغم من الأختلاف الجوهرى بين قوة إيران الإقليمية ومذهبها الشيعى، إلا أن المصلحة تقتضى التفاوض بشأن تواجدهم بسوريا، والتسوية للوضع السورى وبشروط روسية أساسية، وهذا على نحوما عبر به أحمد داوود أوغلورئيس وزراء تركيا قبل أن يعلن إستقالته في مؤتمره الصحفي مع الرئيس الإيراني حسن روحاني (5/3/2016) أن ما بين تركيا وإيران من جغرافيا وتاريخ يكفي لتأمين علاقة تعاون قوية بين البلدين، وأضاف أيضاً ربما كانت لدينا وجهات نظر مختلفة، لكن ليس بمقدورنا تغيير تاريخنا وجغرافيتنا .

ومن ثم سعت تركيا خلال هذه الفترة إلى الحصول على التأييد الإيرانى فى مجمل سياستها فى سوريا، إضافةً إلى سعيها فى الحصول على ضوء أخضر روسي للبدء في هجومها الجوي والبري على عفرين فى الشمال السورى، ففي 18 يناير الجارى عقد رئيس أركان الجيش التركي “خلوصي آكار” ورئيس الاستخبارات التركية “هاكان فيدان” اجتماعًا مع كلّا من رئيس الأركان الروسي “فاليري جيراسموف” ووزير الدفاع الروسي “سيرجي شويجو” بالعاصمة الروسية “موسكو” لبحث العملية العسكرية التركية في مدينة عفرين، كما طلبت تركيا من روسيا إغلاق أنظمة الدفاع الجوي “إس 400” المنشورة في قاعدتي “حميميم” و”اللاذقية” بما يسمح لطائراتها الحربية بالتحليق فوق عفرين، وبالفعل قد نجحت الجهود التي قامت بها تركيا في الحصول على الموافقة الروسية، حيث أعلنت وزارة الدفاع الروسية في 20 يناير الجارى سحب قواتها من منطقة عفرين إلى منطقة تل رفعت لمنع الاستفزازات المحتملة، وإستبعاد الخطر الذي قد يُهدد حياة الجنود الروس، وحمَّلت روسيا في الوقت نفسه الولايات المتحدة الأمريكية المسئولية عن العملية العسكرية التي أطلقتها تركيا في عفرين لأنها جاءت نتيجة الخطوات الاستفزازية الامريكية التي اتخذتها بهدف عزل المناطق التي يسكنها الأكراد بإنشائها “قوة أمن الحدود” في المناطق المجاورة لتركيا .

وقد جاءت الموافقة الروسية الضمنية مباشرة فور إعلان النظام السوري سيطرته الكاملة على مطار “أبوالظهور” العسكري الاستراتيجي، والذي كان النظام وحلفاؤه يسعون للسيطرة عليه منذ مطلع شهر يناير الجاري، غير أنهم فشلوا أكثر من مرة نتيجة مقاومة الفصائل المدعومة من تركيا، وهوما يُشير إلى إحتمالية حدوث صفقة بين تركيا من جهة وروسيا والنظام من جهة أخرى بالتنازل عن المطار مقابل السماح لها بدخول مدينة عفرين، وذلك على غرار صفقة “حلب مقابل الباب” في ديسمبر 2016 عندما تخلّت تركيا عن المعارضة السورية في مدينة حلب التي سيطر عليها النظام السوري وحلفاؤه مقابل السماح لقوات المعارضة السورية المدعومة من تركيا بالسيطرة على مدينة الباب (7).

ولعل من أهم الأهداف التركية التى إضطرتها لشن هذه العملية العسكرية على عفرين ومن قبلها عملية درع الفرات فى سوريا هى تحجيم الاتجاهات الانفصالية حيث تستهدف تركيا من خلال العملية العسكرية في عفرين منع إقامة دولة كردية أومنطقة حكم ذاتي للأكراد بموازاة الحدود التركية في شمال سوريا، وتفكيك قوات حرس الحدود إذ تأتي العملية العسكرية التركية ردًّا على اعتزام التحالف الدولي ضد “داعش” الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية تأسيس “قوة أمن الحدود السورية” في شمال سوريا وشرقها بهدف حماية الحدود مع تركيا والعراق، بالإضافة إلى تعزيز النزعة القومية الذى يتمثل في التوظيف السياسي للعملية العسكرية في عفرين لصالح أردوغان وحزبه “العدالة والتنمية” في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقرر إجراؤها العام المقبل2019، وذلك بكسب مزيد من أصوات الناخبين الأتراك من خلال إثارة النزعة القومية لديهم(8) .

من ناحية أخرى، لا يمكن إغفال قوة إقليمية خطيرة مثل إسرائيل ومصالحها فى المنطقة بصفة عامة، وسوريا بصفة خاصة، فإسرائيل فى إندفاعها التواجدى نحوالهيمنة والسيطرة على الإقليم الشرق أوسطى قد لا يتحقق بصورة جيدة إلا من خلال المشاركة بل والحسم لبعض الملفات الشرق أوسطية لا سيما الأزمة السورية، إذا تعتبر المصالح الأولية لوجود إسرائيل فى المنطقة هوالسيطرة والتهدئة والتأمين لحدودها، ولذلك هناك رأيين فى الداخل الإسرائيلى بشأن سوريا، الأول يرى : أن بقاء الأسد فى السلطة هوالأفضل لإسرائيل إذ أن البديل قد يكون إما فوضوى، أوإستيلاء الإسلاميين أوالجهاديين أوكليهما على الحكم فى سوريا، بينما يرى الرأى الثانى : أن بقاء الأسد فى السلطة سيترك إسرائيل فى مواجهة تحالف خطير على حدودها الشمالية يضم إيران، سوريا، ” حزب الله ” خاصةً وأن ذكرى حرب لبنان ( معركة الوعد الصادق ) 2006 لم تشظ من أذهان القيادة الإسرائيلية، ومن ثم فإن رد الفعل الإسرائيلى إزاء الملف السورى يبقى حذر ودقيق للغاية حتى الآن (9).

ب ـ بالنسبة للمشكلة العراقية:

إضافةً إلى الأزمة السورية، فإن منطقة الشرق الأوسط منذ سقوط النظام العراقي وإندلاع ثورات الربیع العربي، هذاين الحدثين الهامين للغاية قد أثرا بشكل كبيرعلى شكل وماهية المنطقة، الأمر الذى أفضى إلى تعرض مصالح القوى الإقلیمیة للخطر والتحدیات، لاسيما في ضوء بروز قوى وفاعلین من غیر الدول وانتشار لظاھرة التنظیمات الإرھابیة ضمن بیئة إقلیمیة متوترة تشھد فوضى وحروب وصراعات وتحالفات بین القوى الإقلیمیة الكبرى وتدخلات عسكریة سواء إقلیمیة أودولیة، تحت حجة فرض الأمن والسلم الدولیین ومحاربة الإرھاب، وحقیقة الأمر أن تلك التطورات والمنافسة الإقلیمیة تشكل داعماً أساسياً للقوى الإقلیمیة وصراع السیطرة والھیمنة القوى الدولیة ومخططاتھا تجاه منطقة الشرق الأوسط الھادفة إلى إعادة تشكیل الخریطة الشرق أوسطیة من خلال تقسیمھا وتفتیتھا وفق ” مشروع برنارد لویس 1979 ” المنظر الأصلي لسیاسة الفوضى الخلاقة .

ولذلك برزت لدينا المشكلة العراقية، إذ هناك تناحر لمزيد من الصراعات داخل الإقليم العراقى بين مختلف القوى الإقليمية، حيث تسعى كلاً منها للظفر بمزيد من التحركات، ومد النفوذ على رقع الشطرنج العراقية مما يعزز إندفاعها نحوالهيمنة داخل الإقليم الشرق أوسطى، فعلى الجانب الإيرانى، تعد أذرعها ممتدده ومتغلغلة داخل الأراضى العراقية بشكل كبير للغاية عن طريق ” مليشيات الحشد الشعبى “، التى تحاول دائماً التخلص من وجود أى قوى سُنية منافسه لها، فهى تسعى إلى تشكيل نظام سياسى عراقى يتلائم مع أسس ومرجعية الجمهورية الإيرانية الإسلامية، وقد إتضح ذلك من خلال مشاركة “مليشيات الحشد الشعبى ” الحكومة العراقية فى معركة الموصل، وعن كم الإنتهاكات التى قام بها ضد السُنة العراقية، فمشاركته كانت تسعى فى الأساس للتخلص من قوى سُنية داعشية تمثل خطرا رئيسيا على تواجد النفوذ الإيرانى الشيعى فى العراق، أيضاً عندما نذكر العراق لا يمكن إغفال فصيل عرقى كبير بها يتمثل فى الأكراد الذين يقطنون إقليم كردستان بالعراق، فإيران ترفض تماماً فكرة إستقلال إقليم كردستان العراق، لأن فى ذلك تهديد أساسى لنفوذها الممتد فى سوريا، أضف إلى ذلك أن فى إنفصال كردستان العراق سيجعل من مهمة إيران صعبة للغاية، إذ لاتستطع مد نفوذها وإمدادتها العسكرية لذراعها الرئيسى ” حزب الله ” فى لبنان .

على الجانب الأخر، تهدف تل أبيب إلى نشر الفوضى، وتسعير النزعة المذهبية والقومية في المنطقة عموماً – والعراق خصوصاً، فتعمل على تشجيع النزعات الإنفصالية القومية والدينية حتى تتمكن من إعلان يهودية الدولة وحل القضية الفلسطينية على حساب الدول التي ستنشأ، والتي ستكون مشغولة في الصراعات البينية التي ستنشأ بينها، مما يسمح لإسرائيل بالتحول إلى ضابط إيقاع صراعات المنطقة بما يحقق مصلحة تل أبيب في السيطرة على مقدرات المنطقة وثرواتها، ويتمم مشروع (تيودور هرتزل) الذي يهدف إلى تحقيق السيطرة على المناطق الزراعية الخصبة في جنوب سورية والجزيرة العراقية والسورية، ولذلك فهى تؤيد إنفصال كردستان العراق، أيضاً هناك مفاوضات قائمة بالفعل بين تركيا وإقليم كردستان العراق تتسق مع بعضها البعض نوعاً ما، فتركيا تسعى إلى دعم أكراد العراق للتخلص من شيعية الدولة وسيطرة الإيرانيين بالداخل العراقى، وبالتالى تحلم بالهيمنة وإستعادة أمجادها العثمانية السابقة من خلال سيطرتها على الهلال الخصيب، ومن ثم فهى تتخذ من تحالفها مع إقليم كردستان العراق ملاذاً فى تحقيق سيطرتها وهيمنتها .

كما أضحت تركيا تلعب أدواراً متناقضة في العراق، مما ساهم في تعقيد المشهد الإقليمي وأربك عدة أطراف في تواصلها مع الطرف التركي، خاصة بعد تعبيرها عن مستجدات موقفها في ما يخص الأزمة السورية، خاصةً وأن تركيا منذ إندلاع الأزمة السورية، تسعى إلى إستغلال الجماعات الإرهابية مثل (جبهة النصرة، تنظيم داعش ) كأداة لإسقاط النظام السوري، فجعلت من أراضيها مأوى وممراً لهذه الجماعات، حتى أن الاستخبارات التركية تورطت في دعمها لتلك الجماعات من خلال التغاضي عن عبور المقاتلين من مختلف مناطق العالم للأراضي التركية أثناء رحلتهم إلى سوريا، كما سعت تركيا لتوظيف تلك الجماعات من أجل محاربة أكراد سوريا، كل هذه الحسابات التركية وضعت أنقرة في دائرة الاحتكاك مع روسيا وأميركا في وقت عادت فيه أجواء الحرب الباردة بين القطبين الدوليين، واحتدمت المنافسة بينهما، ففي موضوع الأكراد هناك شد وجذب بين تركيا وحليفها الأميركي، ففى حين تتحرك أنقرة لمنع تعزيز الأكراد لقوتهم ونفوذهم فى المنطقة وخصوصًا في المناطق المتاخمة لحدودها، فإن واشنطن تعتبرهم حليفًا أساسيًا في استراتيجيتها لمحاربة ” داعش” وتمدهم بالسلاح والتدريب، هذا الأمر الذى أدى أحيانًا إلى إشتباك كلامي، وخصوصًا عندما كانت تركيا تهاجم مواقع الأكراد بدلاً من مهاجمة مواقع ” داعش”(10).

جـ ـ بالنسبة للأزمة اليمنية:

حيث تباينت مصالح وأهداف القوى الإقليمية لاسيما إيران، والمملكة العربية السعودية فى الشأن اليمنى، وذلك نتيجة حتمية لما تمثله هاتين القوتين الإقليميتين المتنافستين لبعضهما البعض من حيث الصراع المذهبى من ناحية، ولما تشكله الأراضى اليمنية من أهمية حيوية للأمن القومى السعودى، حيث تعد إيران أذرعها ممتدة وبقوة فى اليمن من خلال ” المليشيات الحوثية ” التى تحاول السيطرة على اليمن، وإيجاد نظام يمنى بصبغة إيرانية شيعية، ذلك بأن الموقع الجغرافى اليمنى يعد هام للغاية كمحور جيوبولتيكى حيوى للهيمنة الإيرانية ، وذلك نتيجة لسيطرة اليمن على مضيق باب المندب من جهة، وبإمكان إيران عمل تكتل من شأنه صد وتطويق قوى إقليمية سنية معادية لها هى السعودية من جهة أخرى .

وبناءٍ على ما سبق، وحيث انه فى عام 2015 تم تكوين تحالف عربي للدول العربية السُنية – بقيادة السعودية وبدعم ومباركة أمريكية وأطلقوا ما يسمى “عاصفة الحزم” ضد الحوثيين والقوات الموالية للرئيس الأسبق علي عبد الله صالح باليمن، إستجابةً لطلب الرئيس عبد ربه منصور هادي المدعوم من طرف السعودية بالتدخل – مهمتها بالأساس تطويق إيران وتمددها الشيعى فى المنطقة، لاسيما بعد وأن قامت جماعة الحوثيين بإطلاق عدة صواريخ باليستية على السعودية، إلا أنه في 21 نيسان من نفس العام أعلن التحالف إنتهاء “عاصفة الحزم” وبدء عمليات “إعادة الأمل”، خاصةً بعد وأن درجت الأمم المتحدة التحالف العربي في اللائحة السوداء لمنتهكي حقوق الأطفال في مناطق النزاع، وفى هذا القرار الذى يحركه مصالح القوى الكبرى أمر واضح وصريح من قضية هذه الدول الكبرى من تكوين تحالفات عربية فى المنطقة من شأنها إضعاف تواجدها وكلمتها فى المنطقة (11) .

فى حين قام الرئيس التركى ” أردوغان ” بدعم التحالف العربى السُنى وتأييده فى المحافل الدولية فى محاوله من تركيا للتخلص من إيران كقوة إقليمية منافسة لها فى الهيمنة على الإقليم الشرق أوسطى، وتمددها الزائد فى المنطقة، أيضاً على الجانب الإسرائيلى، فتل أبيب تخشى من إنتصار الحوثيين وسيطرتهم على اليمن لأن ذلك سوف يعزز من النفوذ والسيطرة الإيرانية فى المنطقة خاصةً تحكمها فى مضيق باب المندب الذى يربط بين خليج عدن والمحيط الأطلنطى من ناحية، والبحر الأحمر من ناحية أخرى، مما يعد بمثابة طوق جيبوبولتيكى يهدد التواجد الإسرائيلى بل والمصرى على البحر الأحمر، لذلك فإسرائيل تدعم التحالف العربى ومواقف الدول العربية ضد الذراع الإيرانى الممتد فى اليمن، على الرغم من العداء التاريخى بين العرب وإسرائيل، إلا أنها تفضل التقارب مع الدول العربية السُنية من جهة والتسخين مع إيران العدود اللدود لها من جهة أخرى .

ومما يجدر بنا ذكره فى هذا الصدد هوأن محور الصراع فى أزمات ومشاكل المنطقة يُعد فى مجمله صراع لقوى إقليمية غير عربية على أراضى عربية، مما يثير لدينا تساؤل فى هذا الشأن : هل هناك دور عربى قوى فى إدارة أزمات الشرق الأوسط، والقدرة على طرح الحلول والمبادرات وتسوية الصراعات فى المنطقة من عدمه ؟

بالنسبة للأزمة السورية، فإن المملكة العربية السعودية كانت فى بادية الأمر منذ إندلاع الثورة السورية فى 2011 تدعم الثوار وجيش أحرار سوريا ضد الجيش النظامى، فى محاولة منها للتخلص من نظام بشار الأسد ذات الأصول الشيعية وتحالفاته مع إيران، و” حزب الله ” اللبنانى ، ولذلك فإن السعودية فى موقفها من الأزمة السورية تكاد تكون متقاربة مع الموقف التركى فى سوريا، إلا أن أدوات وسياسات البلدين تختلف فى ممارستهم تحقيقاً للمصلحة، أيضاً فإن موقف مصر من الأزمة السورية يبقى هادئاً وحذراً إلى حدا ما على عكس الموقف السعودى إزاء الأزمة السورية، إذ أن مصر تفضل بقاء ” بشار الأسد ” فى الحكم، فهى تخشى من الفوضوية التى قد تطرأ على سوريا خاصة والمنطقة العربية بصفة عامة بعد رحيل النظام السورى، كما تخشى من تقسيم سوريا وتحويلها لكانتونات ذات إستقلالية على أساس عرقى أوطائفى مما سوف يدعم الجماعات الأرهابية وما تشكله من خطر شديد على المنطقة وعلى الأمن القومى المصرى .

ولكن السياسة الخارجية المصرية حالياً فى سريانها وتعاملتها مع مجمل أزمات ومشاكل المنطقة على كل الأحوال تسعى لأن تكون مظهراً بلا مضمون، وذلك نتيجة لتردى الأوضاع الأقتصادية والأجتماعية من جهة، وإنشغالها فى التصدى للإرهاب ومكافحته من جهة أخرى، أيضاً يتضح أن مصر فى ظل تقارب وتعاون مع السعودية وتشابك للمواقف مع الإمارات والبحرين إزاء المواقف القطرية الداعمة للإرهاب وإيران فى المنطقة، تخشى من إعلان مواقفها صراحةً بشأن الأزمة السورية لأن ذلك لا يتفق مع مواقف السعودية مما قد ينذر بتدهور فى العلاقات معها، لذلك مصر تفضل فى الوقت الحالي عدم وضوح الدور وإعلانه صراحةً(12) .

وبشأن المشكلة العراقية، فإن هناك دور عربى متشابه إلى حداً ما، إذ تحاول القوى العربية بشأن العراق إعادة تهدئة الأوضاع والأستقرار فى العراق ليس فقط منذ إحتجاجات “الربيع العربى” بل منذ إنهيار النظام العراقى فى 2003، وبروز نسق إقليمى شرق أوسطى أكثر فوضوية ومليئ بمزيد من أدوار الفاعلين من غير الدول والمُتمثلة فى الجماعات الإرهابية، لا سيما تنظيمى ( داعش، القاعدة ) المتواجد وبقوة فى سوريا والعراق، ومن ثم فإن مصر والسعوية وأغلبية الدول العربية تدعم بكل قوتها الحكومة العراقية فى حربها ضد داعش، وهذا الموقف كان واضحاً فى معركة تحرير الموصل من داعش، إضافةٍ إلى ذلك فإن أغلبية القوى العربية تسعى لتكبيد إيران خسائر فادحة من خلال تقليص نفوذها والقضاء على الحرس الثورى الإيرانى المتغلغل فى المنطقة عن طريق أذرعه الممتدة فى سوريا والعراق وكذلك اليمن .

ثانياً- محددات التنافس المستقبلى بين القوى الإقليمية:

من الضرورى أيضاً فى هذا الصدد، إمتلاك القوى الإقليمية لعناصرالقوة الشاملة، التى تؤهلها للعب مزيد من الأدوار بالمنطقة وتحقيق أهدافها وتأمين مصالحها، بالتالى تحقق هيمنتها وسيطرتها على الإقليم، الأمر الذى سوف يؤدى لسباق تسلح غير عادى بين القوى الإقليمية، وهوما يُنذر بإتباع سياسة داخلية تقشفية من شأنها زيادة حجم الأنفاق العسكرى على حساب المجال التنموى، مما يؤدى لإنخفاض الإحتياطى النقدى للدول، وهوما يعرض إقتصاد هذه الدول لتذبذبات خطيرة، ولكن كل ذلك فى سبيل تحقيق مبدأ التوازن الإقليمى لهذه القوى، غير أن القوى الإقليمية تٌعد غير قادرة بشكل دقيق فى التعرف على نوايا بعضها البعض، ليكون من أهم خصائص هذا النسق الشرق أوسطى الجديد أيضاً هى إنتشار حالة من عدم الثقة فى كافة تحركات وتوجهات أى قوى إقليمية فى المنطقة، مما يهدد الهدف الأساسى لكافة القوة الإقليمية وهوالبقاء، الأمر الذى سوف يفرض علي القوى الإقليمية عمل إعادة صياغة لشبكة العلاقات والتحالفات فى المنطقة، ومن ثم تشكيل تحالف بقيادتها وإعادة التعاون مع دول أخرى للحفاظ على مكانتها المحورية داخل قلب النسق الإقليمى، الأمر الذى يجعل من كل هذه الخصائص للإقليم الشرق أوسطى الجديد بمثابة ضربات لشكل وماهية النسق الإقليمى الجديد التى قد تصيبه بالضعف والشلل فى مجمل تفاعلاته، الأمر الذى يحثنا على رصد أهم عوامل القوة الشاملة للقوى الإقليمية الشرق أوسطية الفاعلة داخل النسق .

1ـ إيران ورسالتها الثورية فى المنطقة:

إيران تمتلك قدرات عسكرية ضخمة فى المنطقة، حيث تتألف القوات المسلحة الإيرانية من بنيتين أساسيتين هما : الجيش الإيرانى، فيلق حرس الثورة الإيرانية، كما هناك ما يعُرف ” بالباسيج ” وهى تدخل فى أعمال الدعوة والترويج وتدريب المدنيين الذين ينخرطون فى وحدات الحرس الثورى وقت إندلاع الأزمات، ومن ثم بلغ العدد الإجمالى للقوات المسلحة الإيرانية وفقاً لتقديرات المعهد الدولى للدراسات الإستراتيجية عام 2017 إلى أنه قد تجاوز 545 ألف جندى، وقوته الإحتياطية حوالى 350 ألف فرد، كما قد بلغت حصة روسيا فى المستوردات العسكرية الإيرانية نحو85% فى الفترة بين 2000 : 2007، أيضاً فى أبريل 2016 سلمت روسيا إلى إيران الدفعة الأولى من منظومة الدفاع الجوى ” إس ـ300 “، كما يتوافر لدى الجانب الإيرانى حوالى سبع مجموعات صناعية تنتج الأسلحة والمعدات والذخيرة للجيش وللحرس الثورى الإيرانى، إذ إنها تأمل فى تحقيق مشروعها السياسى فى المنطقة الشرق أوسطية كقوة إقليمية تسعى للهيمنة والسيطرة على النسق الإقليمى الجديد، وهذا يبرز لنا من خلال مهام الحرس الثورى الإيرانى وأعماله الخارجية فى دول الجوار والخليج، لا سيما عقب ثورات “الربيع العربى” التى مهدت للأذرع الإيرانية الإندفاع وبقوة نحوالإقليم فى العراق، سوريا، اليمن، لبنان، والبحرين، لتُنبذ بذلك الفتن والصراعات على أسس ثورية شيعية تتبؤ بها إيران مكانة دولية وإقليمية أفضل، فعلى الرغم من وجود قوى إقليمية أخرى تنافسها على الهيمنة داخل الإقليم لا سيما تركيا، إسرائيل، إلا أن إيران تُعد أقل وضوحاً فى خريطة الأعداء والأصدقاء فهى تعطى الأولوية للعداء مع إسرائيل، ولكنها فى نفس الوقت ليست مؤيدة لوجود قوة عربية تقود الإقليم الرشق أوسطى،إذ تُفضل علاقات التعاون والتنافس معاً مع تركيا والقوى العربية الأخرى كمصر، السعودية بدلاً من الصراع معهما لكنها لا تستبعد الصراع إذا كان مفروضاً من منظور إدراكها لمصالحها ومتطلبات أمنها القومى .

إضافةً إلى ذلك فهناك جدل يدور دائماً فى ملف السياسة الخارجية لإيران حول إمكانيات إيران النووية (13) من خلال إتفاقها النووى مع مجموعة دول ( 1 + 5 )،الأمر الذى أكسب إيران عدة أشياء فى آن واحد، إذ حصلت إيران على كسب ثقة وتأييد الدول الكبرى( 1 +5 ) لتنفتح بذلك إيران على العالم مرة أخرى بعد مضيها أعوام عديدة من العزلة، والغرق فى غياهب العقوبات الإقتصادية والتجارية مع العالم الخارجى، ومن ثم فإيران لن تسمح بضياع هذه الفرصة من تأييدات القوى الكبرى ولأول مرة ضد الإرادة الأمريكية، إلا أن تأييدات الدول الكبرى للإتفاقية النووية الإيرانية لها عدة دوافع تغذى بها الدول الكبرى نفوذها فى المنطقة، ولا تستطيع العزوف عنها نتيجة كم الأموال الأوروبية المستثمرة وفقاً ” للخطة الشاملة لإيران ” فى قطاعات عدة بإيران مثل قطاع النفط، الغاز، الفندقة، هومايؤدى لتجميد هذه الأموال فى أى وقت تشعر فيه إيران بإنحراف الدول الأوروبية لا سيما فرنسا، وألمانيا عن الإتفاق النووى الإيرانى، ليعد ذلك إنقلاباً تاريخياً فى السياسة الخارجية الأوروبية على الزعامة والهيمنة الأمريكية، أيضاً هذا الإتفاق قد يكسب إيران قوة نووية ضاربة بالمنطقة، إذ يمكنها فى أى وقت التعديل من البرنامج الإيرانى وصناعة رؤوس وصواريخ نووية تقلب بها الموازين العسكرية لصالحها فى المنطقة (14) .

من الناحية الإقتصادية لإيران، فإن الاقتصاد الإيراني يمتاز عن اقتصاد باقي الدول باعتماده استراتيجية محلية عنوانها ” الاقتصاد المقاوم “، وهوما جعل إيران تتبع سياسة إقتصادية تقشفية فى مجملها، وهوما أثار إحتجاجات قوية بالداخل الإيرانى فى الأونة الماضية، وهذه الاستراتيجية ” الاقتصاد المقاوم ” نجحت في جعل إيران تصمد أمام العقوبات الشديدة والتي امتدت لسنوات عديدة، ومن خلال هذه الاستراتيجية تمكنت إيران من تنمية الخبرات الداخلية والنهوض بها، كما وجعلت الاقتصاد الإيراني مرنًا محميًا من الصدمات والضغوط الخارجية التي كانت تحاول الدول الغربية فرضها على طهران لتتنازل عن حقها في امتلاك التكنولوجيا النووية السلمية، ومن ثم إعتماد إيران على هذا النوع من الاقتصاد بعد الاتفاق النووي يعني نجاحها في تطبيقه وتسخيره لكشف المنابع الداخلية التي استطاعت أن تضفي على الاقتصاد الإيراني حالة أشبه ما تكون بالاكتفاء الذاتي، وخاصة أن إيران استطاعت أن تحذف النفط من ركائز اقتصادها، وهذا ما جعل الاقتصاد الإيراني أكثر مناعة أمام تبدلات السوق الدولية من اقتصاد باقي الدول المنتجة للنفط، ولهذا نجد إيران مُصرة على متابعة هذه الخطة، لاسيما بعد الاتفاق النووي من جهة، وبعد تدهور أسعار النفط في السوق العالمية من جهة أخرى، كما أن طهران باتت تؤمن أن الطريق الوحيد لتطوير الاقتصاد الإيراني يعتمد على الداخل بشكل رئيسي، وما رفع العقوبات إلا دعامة غير ارتكازية لهيكل الاقتصاد الإيراني ، هذا إضافةً إلى أن الإتفاق النووى مع الدول الغربية قد أتاح لإيران تحقيق نموبنسبة 6.6 % خلال السنة الفارسية الأخيرة حتى مارس 2017، وبالمثل إنخفض عجز الموازنة فى عام 2016 إلى نحو5.1 % من إجمالى الناتج المحلى، وذلك وفق تقرير صندوق النقد الدولى الذى أشار إلى أن إستمرار التوتر الإيرانى مع إدارة ترامب الأمريكية الذى مازال يواصل مهاجمته للإتفاق النووى مع إيران قد يٌنذر بإنهيار الإتفاق مما سيدخل الإقتصاد الإيرانى فى حالة ركود، وبالتالى سينخفض الإستثمار المباشر وتدفق رءوس الأموال، ومن ثم سٌتعزل إيران عن النظام المالى العالمى مرة أخرى، وهوما لا يرغب فيه نظام الملالى شكلاً ومضموناً .

2ـ تركيا وعثمانيتها الجديدة بالمنطقة:

باتت تركيا فى علاقات معقدة داخل المنطقة الشرق أوسطية، نظراً لما تمتلكه من تاريخ عثمانى مُغيم فقد كانت مقراً للحكم العثمانى، ولذلك فهى تحاول وبكل قوة إستعادة المجد العثمانى القديم وإرثها التاريخى فى المنطقة، نتيجة لما تمتلكه تركيا من قدرات عسكرية مهولة فهى تعد ثانى أكبر قوة عسكرية فى ” حلف الأطلنطى ” بعد الولايات المتحدة الأمريكية وفقاً لتقديرات المعهد الدولى للدراسات الأستراتيجية عام 2017، كما أنها تتمتع بقوة إقتصادية ضخمة وفق تقرير صندوق النقد الدولى الذى أظهر الأقتصاد التركى فى المرتبة الثالثة عشر عالمياً والخامس أوروبياً، إضافةً إلى ذلك لا يمكن وأن نغفل الموقع الإستراتيجى الهام لتركيا والمشعل للصراع الجيوبولتيكى بين القوى العظمى بل والإقليمية كذلك، كل هذا يؤهل تركيا للعب دور إقليمى قوى وفعال كمجرى لسريان نفوذها الإقليمى ليس فقط على مجال الشرق الأوسط، بل قد يمتد للوسط الأوروبى (15) .

أيضا قدمت تركيا نموذجاً للديمقراطية تمثل فى نجاح ” حزب العدالة والتنمية ” الذى يعد نموذج للحكومات والجماعات الإسلامية فى الشرق الأوسط يمكنها الإقتضاء به، والسير قدماً تحت زعامة وهيمنة تركية، لا سيما عقب ثورات “الربيع العربى” وصعود ” الإخوان المسلمين ” فى مصر إلى الحكم فى 2012، ومن ثم فإن المتغيرات الدولية والإقليمية التى شهدتها المنطقة عقب ثورات “الربيع العربى”، قد ساهم فى وضع تركيا أمام خيارات إستراتيجية تتأرجح بها ما بين غياب وعزلة عن عالم إسلامى وعربى يرتبط بها جغرافياً وتاريخياً، وبين تعنٌت ورفض أوروبى لا يقبل بها أوحتى بمشاركتها، وخير دليل على ذلك موقف الأتحاد الأوروبى من إنضمام تركيا إليه، إلا أن الدول الأوروبية تخشى أن تترك تركيا إلى قوة دولية مناؤة فى الاساس لهم كروسيا، وعليه تتبع تركيا حالياً سياسة خارجية ترجح بها العمق الإستراتيجى مع الشرق الأوسط والعالم الإسلامى، ذلك مع الإبقاء على حبل تعاونى مع الغرب، ولذلك سعت تركيا للهيمنة وفرض الإرادة داخل الإقليم من خلال إتباع الرئيس التركى أردوغان ” سياسة تصفيرية للمشاكل ” فى المنطقة مع دول الجوار، خاصةً مع الدول السنية المعتدلة وعلى رأسهم قطر التى تحوى فى طياتها قيادات ” جماعة الإخوان المسلمين “، ولتعزيز إندفاعها فى المنطقة عمل الرئيس التركى على إتباع ” مبدأ القوة الناعمة ” فى تعامله مع الدول العربية، ولكن هذا المبدأ قوبل بمعارضة شديدة من الجانب العربى، مما أثُبت أنه من الصعب أن يكون لها تأثير حقيقى على مجمل الأحداث من خلال هذا المبدأ، فقد كانت الأزمة السورية خير دليل على فشل المبدأ التركى(16) .

وبناءٍ عليه وبعد وأن وجدت تركيا نفسها فى صدام مع قوتين منافستين على الهيمنة فى المنطقة كإسرائيل من جهة، وإيران من جهة أخرى، فقد تبنت تركيا سياسة خارجية إزاء هاتين القوتين المنافستين لها، من شأنها التحول من دولة موازنة بين إسرائيل، وإيران إلى قوة طامحة للسيطرة والهيمنة الإقليمية، وبالتالى فمجمل صراعتها فى مختلف الأزمات الشرق أوسطية قد فرض عليها عمل جدولة للصراعات بالمهادنة مع إسرائيل من ناحية، والتسخين مع إيران من ناحية أخرى، خصوصاً بعد تدهورالمكانة التركية فى إدارة الأزمة السورية فى ظل وجود قوة دولية كروسيا، وإيران كقوة إقليمية، حيث أدى تردى الأوضاع الداخلية التركية – نتيجة الأعمال الإرهابية التى يشنها حزب العمال الكردستانى على النظام، ومحاولات الإنقلاب العسكرى على النظام التركى – إلى عرقلة سياستها الخارجية فى المنطقة بعض الشئ، إلا أن قدرة النظام التركى على التصدى وردع هذا الهجمات الداخلية كان عامل حفاز للنظام فى المضى قدماً نحوالإقليم وملفات المنطقة، فعملت تركيا على إعادة تحالفاتها والتعديل من الوضع الراهن لمكانتها فى غالبية ملفات المنطقة خاصةً الأزمة السورية، فجاءت سياستها الجديدة نحوالهيمنة بالتمحور فى سعيها إلى تأسيس تحالف مع الدول العربية السنية تحلم بقيادته والمساومة به مع إيران، وإسرائيل، ولكن ممارستها العدوانية فى المنطقة المتمثلة فى دعمها لبعض الجماعات الأرهابية ” كالإخوان المسلمين ” قد أربك من حسابتها كثيراً، نتيجة لعدم إتساق هذه السياسات مع توجهات السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية من جهة، وتوجهات السياسة الخارجية المصرية من جهة أخرى(17) .

3ـ إسرائيل وحافز التواجد الإقليمى بالمنطقة:

ظلت إسرائيل تسعى إلى المحافظة على تواجدها الإقليمى فى الشرق الأوسط، وعدم الإخلال بالتوازن الإقليمى القائم على تعدد القوى الإقليمية، فعلى الرغم من أن إسرائيل تمثل فى تواجدها الإقليمى قوة إقليمية ولكنها تبقى قوة منقوصة التأثير، ذلك بأن فى صراعها مع العرب بشأن القضية الفلسطينية قد تسبب فى الحد من قدرتها على إظهار القوة والسلطة، كما سمح للأخرين بمعارضتها على الرغم من كونها قادرة على بناء علاقات ثنائية مع دول أخرى ولكن المسألة ليست بهذه الصورة، فإسرائيل لم تتمكن من البروز ضمن القوة الإقليمية الفاعلة والمهينمة داخل النسق نتيجة لوجود العديد من الإختلافات التاريخية والثقافية والدينية بينها وبين مجمل الدول العربية، فعلى الرغم من أن الصراع العربى الإسرائيلى يحدث فى نطاق جغرافى محدد، إلا أنه يحظى بالإهتمام الدولى كافة، ذلك لأنه يرتبط بقضية إشكالية تتمحور حول أحقية الحركة الصهيونية فى الإستيلاء على الأراضى الفلسطينية، وإقامة دولة قومية يهودية من عدمه، ولذلك فإن وضع إسرائيل بالمنطقة وفى صراعها الدائم مع العرب يستمر فى إعاقتها عن إقامة تحالفات وعلاقات جيدة مع الدول العربية تعزز بها إندفاعها نحوالتواجد من ناحية، والهيمنة الإقليمية من ناحية أخرى .

وفى هذا السياق ستحتاج إسرائيل إلى إتباع سياسة خارجية من شأنها الإدعاء بالتقليل من التمسك بيهودية الدولة، وتفعيل عملية السلام الحقيقة مع العرب والفسلطينين، وذلك لكسر حواجز الحيطة والحذر، وبالتالى طمأنة دول الجوار العربية بعض الشيئ من خطر تواجدها الإقليمى على الأمن القومى العربى، كما أن إسرائيل حقيقةً لا تواجه تهديداً عسكرياً تقليدياً، نتيجة لأنها فى سلام مع معظم الدول العربية، إذ أنها تواجه تحديات جديدة فى المنطقة حلت محل التهديدات التقليدية لا سيما عقب ثورات “الربيع العربى” وسقوط بعض الأنظمة العربية الحليفة، وصعود أنظمة حكم غير موالية ومناؤة للواجود الإسرائيلى من الأساس كجماعة الأخوان المسلمين فى مصر، وبروز نشاط مجموعة الفاعلين من غير الدول مثل تنظيمى ” القاعدة، داعش “، بالإضافة إلى تخوفها الشديد من خطر المد الشيعى الإيرانى فى المنطقة، حيث تعد إيران الخطر الوجودى الحقيقى لإسرائيل فإيران لا تعترف بها، هذا وإن لم تكن تطالب بإزالتها من الوجود فإنها تروج لذلك تكتيكياً .

ومن ثم ترى إسرائيل فى شأن خرائط تحالفاتها فى المنطقة أن مصالحها تقتضى عليها التحالف مع الدول السنية المعتدلة كأغلبية الدول العربية، لا سيما قطر التى تمارس معها سياسة متأرجحة نتيجة دعم قطر لحماس الفلسطينية من جهة، وتعاوناتها الإقتصادية مع إسرائيل من جهة أخرى، إلا أن إسرائيل تسعى للحفاظ على جسور مفتوحة مع قطر كقوة خليجية ضاربة بالمنطقة نتيجة إستخدامها مبدأ ” القوة الناعمة “، كما أن إسرائيل لا تستبعد إمكانية تحالفها مع الجماعات الأصولية المسلحة إذا إقتضت المصلحة الإسرائيلية مقارنةً بتحالفها مع إيران(18) .

فى كل الاحوال، فإن إسرائيل كقوة إقليمية وجدت قسرا وبالقوة فى النطاق الشرق أوسطى بصفة عامة والنطاق العربى بصفة خاصة، تسعى لرفض جميع الحلول السياسية، ولا تؤمن بمبادرات السلام ما دام الوضع الإقليمي والدولي في صالحها، لا سيما فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، كما أنها تملك وسائل القوة والدعم الدولي، نتيجة للعلاقات التاريخية والثقافية التشابكية مع قمة النظام الدولى المتمثل فى الولايات المتحدة الأمريكية، بما يعنى كم الصفقات العسكرية والأقتصادية الذى مكنها من التفوق الإقليمي، لذلك تسعى إسرائيل الآن إلى تعزيز مكانتها الدولية، وإضفاء قدر أكبر من المشروعية على وجودها الإقليمى، وليس أدل على ذلك من ترشحها للعضوية غير الدائمة لمجلس الأمن للفترة من 2019 – 2020 الذي سيتم البت فيه العام المقبل، كما أنها تسير لهذا الهدف من خلال خطة مرسومة ومدروسة ليست على ما يبدووليدة الصدفة، وإنما تم التحضير لها منذ عدة سنوات، فنجدها تسعى للتغلغل في القارة الأفريقية، وكسر الدعم الأفريقي التاريخي للقضية الفلسطينية، وكذلك سعيها لاستعادة وضعها عضواً مراقباً في الاتحاد الأفريقي، إضافة إلى مشاركتها في تجمعات إقليمية، كما في مشاركة رئيس الوزراء الإسرائيلي في القمة الـ51 للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (أكواس) في يونيوالماضي .

ولا يقتصر الأمر على القارة الأفريقية ؛ بل تسعى إسرائيل إلى تعزيز علاقاتها مع دول آسيوية وأوروبية وكسب تأييدها، كما في زيارة رئيس الوزراء الهندي الأولى من نوعها إلى إسرائيل في يوليوالماضي دون زيارة فلسطين، وحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي قمة دول ” الفيزيغراد “، (المجر، وبولندا، والتشيك، وسلوفاكيا) في يوليوالماضي أيضاً، وموافقة هذه الدول على عقد قمتها المقبلة في تل أبيب عام 2018، ومن ثم يبدوأنه ليس لدى إسرائيل ما تخسره في هذا الشأن، فهي تدرك صعوبة وليست استحالة الحصول على الدعم الكافي للحصول على العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن، لكنها أيضاً تطمح على أقل تقدير إلى أن تحصل على دعم يعتد به من قبل دول كثيرة، حتى وإنْ لم تفز بالعضوية الأمر الذي يعطيها أيضاً مشروعية دولية ويخفف عنها الضغوط الدولية المتزايدة نتيجة سياساتها غير القانونية والاستفزازية في الأراضي الفلسطينية المحتلة(19) .

4ـ السعودية وسلطتها الدينية فى المنطقة:

حيث برزت لنا المملكة العربية السعودية فى الفترة الأخيرة كقوة إقليمية عربية فاعلة داخل الإقليم الشرق أوسطى، لا سيما عقب ثورات “الربيع العربى” إذ أن النشاط الجديد للقيادة السعودية عقب “الربيع العربى” بدا لافتاً للنظر، فصانعى السياسة السعودية باتوا يدركون جيداً حجم التهديدات الامنية المختلفة على دولتهم، خاصةً فى ظل بروزت تهديدات جديدة في العالم العربي، نتيجة سيطرة تنظيم “داعش” على مناطق واسعة من العراق وسوريا من جهة، ومحاولات إيران إقامة دولة تابعة لها فى اليمن، وبالتالى كان من الضروري أن تنتهج العربية السعودية سياسة دفاعية جديدة تؤمن حدود المملكة مع بناء قدرات القوات المسلحة السعودية لتمكينها من الدفاع عن أمنها القومى، حيث إن المملكة العربية السعودية كقوة اقليمية عظمى اثبتت بالفعل جدارتها بهذا الوصف من خلال بناء التحالف الذي نفذ عملية “عاصفة الحزم” في اليمن، نظراً لأن تداعيات الأزمة اليمنية على الأمن القومي السعودي، ومنطقة الخليج بأكملها تعد تداعيات بالغة الأثر، وإن احتمال سيطرة ميليشيا مدعومة من ايران ” جماعة الحوثيين ” على اليمن بموقعه الاستراتيجي في جنوب الجزيرة العربية كان خطا احمر بالنسبة للمملكة .

غير أن السعودية نظراً لسلطتها الدينية ؛ وتحكمها بالنفط تعد قوة إقتصادية ومالية ضخمة فى المنطقة، فضلا عن موقعها بوصفها حامية الحرمين الشريفين وراعيتهما، ومن ثم كل ذلك يجعلها مرشحة طبيعية للقيام بدور قيادي في عالم اسلامي مثقل بالأزمات، بالإضافة إلى أنها على الرغم من أن صراعها مع إيران يعد تاريخياً ؛ إلا أنه أكتسب أهمية كبرى فى الوضع الراهن ، فقد بات محدداً أساسياً للمشهد الإستراتيجى فى الشرق الأوسط لعدة أسباب أهمها : المحاولات التى تقوم بها إيران لفرض نفسها كقوة إقليمية شيعية رافضة لأى وجود سعودى سنى فى المنطقة، ونظرا لما تحظى به السعودية من دعم وتقارب مع الجانب الأمريكى لسياسات المملكة فى المنطقة، نتيجة إلى العداء الموجود بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية لاسيما بعد وصول ترامب للإدارة الأمريكية (20) .

وفى ظل هذا السياق، تحاول الولايات المتحدة الأمريكية الإنسحاب تدريجيا من الغطاء الأمريكى للحلفاء فى المنطقة، وإنتهاج سياسة تكاد تكون أشبة بسياسة العزلة التى إتبعتها فى مراحل كثيرة من التاريخ، ولذلك وجدت الولايات المتحدة ضالتها فى السعودية، حيث تسعى لحفظ توازنات القوى الإقليمية من خلال إختيارها للسعودية كقوى سنية مركزية فى الإقليم الشرق أوسطى مناؤة لإيران، ومن ثم عملت السعودية على زيادة قوتها العسكرية ؛ حيث إرتقى حجم الإنفاق العسكرى للمملكة ليبلغ المرتبة الثالثة عالميا، بالإضافة لتوقيعها صفقة عسكرية مع الولايات المتحدة بقيمة إجمالية 400 مليار دولار تشمل الإعلان عن مبيعات دفاعية للسعودية بقيمة 110 دولار، أيضا على الجانب الاقتصادى فقد تم توقيع شركة أرامكوعملاقة النفط السعودى 16 إتفاقية مع 11 شركة أمريكية لدعم فرص النموالتجارى المشترك بين البلدين بقيمة مضافة 50 مليار دولار، الأمر الذى يوضح لنا علاقات التعاون والتقارب بين المملكة والولايات المتحدة الأمريكية، وبناء على كل ذلك، تسعى السعودية فى مشروعها السياسى فى المنطقة إلى إيجاد تحالف قوى مع السنة المعتدلة لكبح جماح النفوذ الإيرانى فى المنطقة، وبالتالى جاء الحرص السعودى على تشكيل تحالف إسلامى سنى بالمنطقة منه على سبيل المثال : التحالف مع تركيا، والسعى لضم مصر إلى هذا التحالف، ومن ثم تكوين تكتل سنى يكفل محاربة التغلغل الشيعى فى المنطقة، الذى لربما قد يرتقى إلى عمل عسكرى برى سعودى تركى تحت مظلة أمريكية، ودعم مصرى فى سوريا عنوانه ” الحرب على الارهاب “(21) .

5ـ مصر: ما بين تحديات الأرهاب واستئنافها للدور الإقليمى:

لا يقتصر الدور العربى داخل النطاق الإقليمى الشرق أوسطى على المملكة العربية السعودية فحسب ؛ بل هناك دور مصرى قوى وفعال حيث ظلت مصر دائما قلب العروبة، وميزانا للنسق الإقليمى العربى الذى هواساس وثقل محور التفاعلات داخل النسق الشرق أوسطى حتى أطلق عليه البعض ( النسق الناصرى ) لما كان ينتابه بالمزيد من الصبغة المصرية للرئيس المصرى جمال عبد الناصر(22)، ومن ثم فمصر تستعد للعب دور بارز خارج حدودها، إلا أن إستئنافها للعب دور الزعامة الإقليمية الذى مارسته من قبل فى فترات كثيرة من التاريخ لا سيما فى الحقبة الناصرية، والحقبة الساداتية يعد ظنا خطأ لدى الكثيرين .

إن التحديات التى يواجهها الأمن القومى المصرى باتت خطيرة للغاية، بالإضافة إلى أن نشاط السياسة الخارجية المصرية حاليا يسعى لأن يكون شكلا بلا مضمون، وإنه مسخر جزئيا على الأقل لتشتيت إنتباه المتابعين سواء فى الداخل أوالخارج عن كافة المتاعب الإجتماعية والإقتصادية والأمنية على وجه التحديد فى ظل مكافحة الإرهاب بالداخل المصرى، وبالتالى تعد العلاقات المصرية مع القوى الإقليمية الأخرى سواء الغير عربية ( إيران، تركيا، إسرائيل ) أوحتى مع المملكة العربية السعودية فى طبيعتها تسير على نفس المنهاج التى كانت عليه على مدى الثلاثين عام الماضية، وهوما أدى بدوره إلى تعزيز تعاونها وتحالفها مع الولايات المتحدة الأمريكية ؛ لا سيما عقب وصول الرئيس الأمريكى ترامب إلى البيت الأبيض، وتقارب وجهات النظر بينه وبين الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى(23) .

لقد بات من الواضح أنه منذ سبعينات القرن الماضى قد إنخفض دور مصر الإقليمى، ليس ذلك بسبب تحالفها مع الولايات المتحدة الامريكية فحسب، بل أيضا بسبب تحالفها مع إسرائيل الذى يعد فى مجمله سلاح ذوحدين، إذ من الناحية الإيجابية قد خفض مزيدا من الصراع مع الوجود الإسرائيلى فى المنطقة، وعلى الجانب السلبى هذا التحالف قد أفقد مصر الكثير من الثقة لدى الأشقاء العرب، ولكن مع مجئ الرئيس المصرى حسنى مبارك فقد أعاد العلاقات المصرية العربية، وبالفعل برز رأى عربى فى هذا الصدد، أن فى تحالف مصر مع الجانب الإسرائيلى ( قد حمى مصر والعرب كافة من حروب عديدة فى المنطقة ) الأمر الى لاقى إستحسان وشعبية فى العالم العربى لاحقا، حيث إن كثرة التحالفات العربية مع إسرائيل مع الإبقاء على المواقف الثابتة إزاء الجانب الإسرائيلى بشأن القضية الفلسطينية، قد خفف الكثير من حدة الصراع فى المنطقة (24)، الأمر الذى بات جليا فى تصريحات الرئيس السيسى والجولات المكوكية لوزير الخارجية المصرى بشأن عقد المصالحة بين حركة حماس والسلطة الفلسطينية فى الأونة الماضية، لهوتأكيدا على الاهتمام المصري بإنهاء القضية الفلسطينية، وأن مصر أرادت هنا إيصال رسالة مفادها أنها على الرغم من كم التحديات التى تواجها فإنها ” لا تقبل بنشر وتصدير الفوضى في جوارها “، وهي ما ستعمل جاهدة على تهدئته ضمن السياسة الدبلوماسية والاتصالات الهادئة مع دول الجوار .

على الجانب الأخر، لا يمكن إغفال ثورات “الربيع العربى” قد طرحت بعدا جديدا فى شكل وماهية النظام السياسى المصرى، تمثل هذا فى البعد الدينى، حيث صعد إلى حكم مصر عقب الثورة المصرية فى 2012 مباشرة ” جماعة الإخوان المسلميين “، ولكن سرعان ما فشل الجماعة فى الحفاظ على سلطانهم وحكمهم، فقد كانت هذه الفترة بمثابة نقطة سوداء فى التاريخ المصرى على كافة النواحى الإجتماعية والسياسية والإقتصادية لن ينساها المصريين، لتشرق شمس الحرية من جديد فى ميادين مصر فى ثورة الثلاثين من يونيو2013 لتسقط الجماعة من الحكم، ولكن فشل الجماعة فى إدارة شئون البلاد لم يكن بسبب رؤيتهم السياسية فحسب، وإنما بسبب عدم قدرتها على إدخال المناخ الجديد لما بعد “الربيع العربى” لرؤيتها، بالإضافة إلى عدم قدرتها على تحقيق تقدم حقيقى فى الحفظ على مصر(25) .

إلا أن الوضع تحسن كثيرا منذ ثورة الثلاثين من يونيو2013، عندما عبر الشعب عن إرادته وحقه فى تقرير مصيره وأختار الشعب وزير الدفاع الأسبق عبد الفتاح السيىسى ليصبح بذلك رئيسا للجمهورية المصرية، فأصبح لمصر رؤية وهدف وسياسة خارجية مُتزنة تعى الكثير من المصالح المصرية جيدا سواء على النطاق الإقليمى أوالدولى، وبالتالى تم إعادة رسم خرائط الأعداء والأصدقاء، وتكوين تحالفات وإتخاذ مواقف دقيقة إزاء أزمات وقضايا الإقليم الشرق أوسطى، فأصبحت مصر حليف قوى ومركزى بالنسبة للسعودية نتيجة تشابه التوجهات فى السياسة الخارجية للبلدين إتجاه قطر ودعمها للإرهاب والتطرف من جهة، وأيضا خطر المد الشيعى الإيرانى فى المنطقة من جهة أخرى، إلا أن العلاقات المصرية السعودية في المرحلة الحالية تدار من جانب القاهرة ” بميزان دقيق للغاية “، وهي تعتمد أسلوب أشبه بالمسارات المتوازية، بحيث لا تتداخل المواقف والسياسات بشأن أزمة معينة، كي لا يفسد بعضها بعضا، وبالتالى العلاقات المصرية السعودية ليست ابتعاداً بقدر ما هي فصل بين الملفات، وهذا أمر طبيعي إذ لا يفترض الاتفاق أوالاختلاف في كل الملفات حزمة واحدة، خاصة فيما يتعلق بالأزمة السورية كما ذكرنا فيما سبق، ومن ثم قد يوجد خلاف فى المواقف أوالسياسات بين البلدين، ولكن يوجد توافق حول القواعد العامة والتقدير لما تصفه الدولتان بالتهديد الإيراني فى المنطقة بصفة عامة وتدخلها فى سوريا بصفة خاصة، إلا أن أسلوب التعاطي مع الملف وإدارة مكوناته الجزئية ربما لا يتطابق وليس مطلوباً ذلك بالضرورة .

علاوة على ذلك، فأن الدولة المصرية نجحت عن طريق جهاز المخابرات العامة باختراق أربعة ملفات مهمة وأثبتت دورها الفعال فيها وهي ” ليبيا، لبنان، فلسطين، الأزمة الخليجية، جنوب السودان، إثيوبيا أخيرا “، فعلى الرغم من صعوبة بعض الملفات،لا سيما الملف السعودي والأزمة الخليجية بالنسبة للدبلوماسية المصرية، إذ إن مصر تخشى على تحالفاتها مع السعودية والإمارات، لكنها تخشى أيضا أن تنقلب الطاولة عليها إن تم التصالح بين الدول الخليجية وقطر، بما يعنيه تورط مصر في حال تمت المصالحة بين الدول الخليجية مستقبلا، على الرغم من قدرات مصر العسكرية فإن الرئيس المصرى دائما ما يؤكد فى خطاباته على مقدرة مصر فى حسم الملفات عسكريا، إلا أن الجانب المصرى بصفته قلب العروبة وسفينة السلام لدى شعوب العالم أجمع لا يفضل العنف والعمل العسكرى، إلا أن الخيار العسكرى يبقى مطروحا مادام هناك تهديدات تتعلق بالأمن القومى المصرى، فمصر تمتلك قدرات عسكرية ضخمة، إذ حل الجيش المصري المرتبة الأولى عربياً والعاشرة عالمياً وفق تصنيف موقع “Global Firepower”، المتخصصة في رصد قوة الجيوش، حيث بلغ مجموع الأفراد العسكريين 1.329 مليون شخص، عدد الجنود العاملين (الذين يُعرّفهم الموقع بالمستعدين للقتال) هو454.3 ألف في حين يبلغ عدد الجنود الاحتياطيين 875 ألفاً ، كل هذه العوامل تمهد لمصر إستعادة مكانتها الإقليمية وتحقيق رؤيتها السياسية الداعية للسلام فى النسق الإقليمى الشرق أوسطى(26) .

ثالثا : سيناريوهات التنافس بين القوى الإقليمية فى المستقبل :ـ

تجادل هذه الدراسة حول امكانية حسم الصراع بين القوى الاقليمية لدى الكثير من الازمات والمشاكل الشرق اوسطية مستقبلاً من عدمه، إذ بات الشرق الاوسط يمر بحقبة تغيير ثورية تخضع فيها الدول المكونة للمركب الاقليمى لتغيرات وتحولات جذرية، تتحدى عملياً السياسات الخارجية للدول العظمى والكبرى من جهة، والدول الإقليمية من جهة اخرى، ولذلك فى ظل هذه البيئة الجديدة المضطربة نجد أن هذه التحديات قد فرضت على عدد من القوى الاقليمية وغيرها فى المنطقة حماية مصالحها الوطنية ومحاولة تهميش طموحات وتحركات منافسيها فى الاتجاه ذاته .

لنكون بصدد ثلاث سيناريوهات حول صراع القوى الاقليمية مستقبلا، والتى من المحتمل تحقيقها على مدار السنتين المقبلتين، اى بحلول عام 2020، فعلى الرغم من أن أكبر الأحداث في الشرق الأوسط في الفترة ما بين الآن وعام 2020 قد تأتي بصورة غير متوقعة ودون سابق إنذار ؛ إلا أن معظم الازمات الكبرى والتي لا يمكن التنبؤ بها ستكون على الأرجح ذات علاقة بالاضطرابات المعروفة والناشئة عن المسائل الإقليمية الرئيسية، لا سيما فى ظل (الازمة السورية، المشكلة العراق، الازمة اليمنية )، وبالاضافة إلى نزاع الاقليات مع بعضها البعض سواء كان هذا النزاع عرقى أوطائفى على النحوالتالى :ـ

السيناريوالأول : يشير إلى إستمرارية الصراع بين القوى الاقليمية دون مقدرة أيا منهم على حسم للملفات الفاعلين فيها لصالح أيا منهم، بما يعنيه إنتشار سباق تسلح خطير للغاية بين القوى يوقع بالدولة فى غياهب الفقر والعجز الاقتصادى الداخلى، ويوقع بالمنطقة كلها فى رعب وزعزعة للاستقرار الاقليمى .

هذا السيناريوقد بدا من الواضح تحقيقه نتيجة لعدة أسباب منها : زيادة حجم الانفاق العسكرى للقوى الاقليمية فى المنطقة على حساب الانفاق على مجالات التنمية بالنطاق المحلى لهذه الدول سواء الدول غير العربية ( كإيران، إسرائيل، تركيا )، أوللدول العربية، إذ بلغ إجمالي الإنفاق العسكري للدول العربية أكثر من 800 مليار دولار في الفترة ما بين عامي 2010 و2015 ما يعادل متوسطاً سنوياً بـ133.33 مليار دولار وفقاً لبيانات صندوق النقد العربي، بما يعنيه إتباع هذه الدول سياسات تقشفية من شأنها رفع الدعم عن الطاقة والسلع الضرورية لمواطنى هذه الدول، بالإضافة إلى الاستناد الى مؤشرات ارتفاع معدلات الاقتراض من صندوق النقد الدولى مما يؤدى لتذبذبات اقتصادية خطيرة قد تعصف بأنظمة هذه الدول نتيجة الثورة عليها من جانب الشعب لتردى الاوضاع الاقتصادية لهم كما هوالحال فى ( مصر، إيران ) حاليا .

على الجانب الاخر، من المحتمل تحقيق هذا المسار على نطاق واسع نتيجة للتقارب الجغرافى، والتشابك العرقى والثقافى لدى شعوب المنطقة ؛ الذى من شأنه إشعال صراع للمحاور الجيوبولتيكية فى مواجهة القوى الاقليمية نتيجة تأملات هذه القوى للهيمنة وبسط النفوذ داخل النسق الاقليمى من جهة، وانفجار الاقليات العرقية فى مواجهة بعضها البعض ومطالباتهم بالانفصال عن الحكومات المركزية لدى بعض الدول من جهة اخرى (27)، أيضا تفشى موجة الارهاب وسيطرة بعض الجماعات الارهابية على مناطق حيوية فى المنطقة جعلتها محور إستقطاب من جانب القوى الاقليمية تطمح إلى التفاوض معها ودعمها والمساومة بها فى مواجهة القوى الاقليمية المنافسة، وبالتالى من المحتمل بحلول عام 2020 سوف تبرز لدينا ظاهرة ( تصدير العنف )، حيث سيتم إختراق العنف المتطرف إلى الداخل المحلى للدول ؛ فالكثير من العنف في الشرق الأوسط بما في ذلك العنف الإرهابي سيستهدف على الأرجح أنظمة الحكم في المنطقة بصورة مباشرة وواضحة أكثر مما هوعليه الوضع الآن، كل ذلك بطبيعة الحال جعل من هذا السيناريوأكثر عرضه للتحقيق مستقبلا مما يؤدى لجعل النسق الاقليمى الجديد أكثر فوضوية.

السيناريوالثانى : يدور حول إمكانية إنتهاء الصراع بحروب مباشرة بين مختلف القوى الاقليمية، نتيجة التداخل المعقد للغاية لأطراف عدة من القوى الاقليمية والدولية فى مناطق جغرافية عديدة بالمنطقة، تُمثل بالاساس مناطق محور تفاقم الازمات والمشاكل داخل النسق الاقليمى الشرق أوسطى لا سيما فى ( سوريا، العراق، اليمن ) ، ومن ثم حسم هذه الملفات لأى من هذه القوى لهى مسألة باتت مطمع لكل قوة إقليمية تطمح بها إلى السيطرة والهيمنة على الاقليم، ذلك بأن مآلات الحسم للصراعات الإقليمية الساخنة فى سوريا والعراق واليمن، بالتضامن مع المحددات الأربعة التى سبق أن تحدثنا عنها : الفراغ الإستراتيجى العربى والاندفاع الإيرانى لتبوء مكانة القوة الكبرى القادرة على المنافسة على القيادة الإقليمية خصوصاً بعد الفوز ببرنامجها النووى وإلغاء العقوبات الدولية المفروضة عليها، إضافة إلى الميل الأمريكى للانسحاب التدريجى من هموم المنطقة مقابل الاندفاع والتقدم المتسارع للنفوذ الروسى بها، فإن هناك عاملاً آخر للحسم بهذا الخصوص يتحدد فى طبيعة وخصوصية المشروع السياسى لكل من هذه القوى الإقليمية المتنافسة على الزعامة وبالذات من منظور رؤيتها لمصادر التهديد ذات الأولية مما قد يستلزمها بشن تدخلات عسكرية مباشرة مثل ما فعلت تركيا كما ذكرنا فى الشمال السورى ” عملية غصن الزيتون ” بمنطقة عفرين .

إذ أن إدراك كل من هذه القوى الاقليمية ( إسرائيل وإيران وتركيا والسعودية ومصر ) لمصدر التهديد الأهم بالنسبة لمصالحها العليا وأمنها القومى ومشروعها السياسى الإقليمى فى المنطقة هوالذى سوف يفرض عليها التوجه إلى الخيار الإستراتيجى لكل من هذه القوى وهوالذى سيتحكم فى أنماط تفاعلاتها فى النسق الاقليمى الجديد، ومن ثم بات من المحتمل أن تكون الأسلحة المتقدمة بما في ذلك ربما ( الأسلحة النووية ) أكثر انتشاراً في الشرق الأوسط في عام 2020 مما هي عليه الآن، وإن الجهود الدولية من أجل كبح انتشار الأسلحة ستؤدي إلى الإبطاء في انتشارها وليس في وقفها ومعظم الدوافع الرئيسية لامتلاك الأسلحة النووية والأسلحة الأخرى المتقدمة ستستمر حتى بعد تغيير الأنظمة عقب إحتجاجات “الربيع العربى”، ذلك بأن عدم الاستقرار بالدول الشرق أوسطية قد يزيد حتى من الدوافع لانتشار الأسلحة، بما يعنيه تفاقم للصراعات داخل المنطقة وحدوث حروب تعصف بأمن وسلام المنطقة الشرق أوسطية، وكذلك زيادة إحتمالية تكوين محاور إقليمية وأخرى مضادة تشعل بذلك الصراع الاقليمى، ونتيجة لما سبق سوف يتم إستنزاف موارد المنطقة والدول بما يعنى حدوث خفوض فى قوة إقليمية فعلية وصعود لقوة إقليمية جديدة تهيمن على المنطقة بآسرها بطبيعة الحال(28) .

على أية حال، ترجع سيناريوهات صعود أوهبوط قوة إقليمية فى منطقتها إلى مجموعة من العوامل هى ( مقومات ومعوقات ) تحدد فرص كل دولة، وتتمثل هذه الفرص فى قدرة الدولة على تحمل القيادة الاقليمية إنطلاقا من مقومات القوة التى تحوزها الدولة التى قد تكون : ( جغرافية، أوسياسية، أوعسكرية، أوإقتصادية ) كذلك من حيث درجة إستقرارها السياسى والامنى، رصيدها القيادى التاريخى، ونفوذها الرمزى سواء كان ( ثقافى،أودينى )، أيضا من حيث موقفها من الأزمات والقضايا المحورية فى المنطقة الشرق أوسطية، ومن حيث علاقتها مع القوى الدولية الصاعدة كروسيا، الصين .

السيناريوالثالث : ينصرف هذا السيناريوإلى إستمرارية الصراع بين القوى الاقليمية، ولكن بشكل ومضمون مختلف تماما عن السيناريوالاول، إذ يفترض هذا السيناريوإستمرار نوع من ( الصراع التعاونى المتبادل الادوار الاقليمية ) الذى يُحتم على الاطراف الاقليمية التفاوض، وتبادل وجهات النظر بشأن تواجدهم فى الكثير من أزمات ومشاكل المنطقة، وبالتالى إمكانية تقاسم النفوذ الاقليمى فى المنطقة لاسيما فى ( سوريا، العراق، اليمن ) على نحوما حدث فى سوريا بين تركيا وإيران، حيث أدرك الجانبين على أن ما بين تركيا وإيران من جغرافيا وتاريخ يكفي لتأمين علاقة تعاون قوية بين البلدين على الرغم من الاختلافات الجوهرية بينهما، وبالتالى نعتقد بأن دخول تركيا إلى منطقة عفرين لم يتم بدون علم الجانب الايرانى وبضوء أخضر من روسيا، وخير دليل على ذلك هوإنسحاب القوات الايرانية والروسية من منطقة عفرين إلى منطقة تل رفعت منعا للاحتكاكات التى قد تطرأ بينهم، وهذا يعد تحدى واضح للمشروع الامريكى فى الشمال السورى بشأن الكرد والذى لاقى الدعم الاسرائيلى والسعودى أيضا(29) .

وهذا الأمر يأخذنا إلى مصطلح جديد هو( التحالفات المرنه ) الذى يكمن فى مضمونه أن تحقيق المصالح قد تقتضى التحالف مع المنافسين لفتره إلى أن تقتضى وتيرة المصالح السياسية للاطراف، وسرعان ما ينقلب التحالف على نفسه ليتشكل بذلك تحالفات أخرى جديدة، ونتيجة لما سبق فإنه على الرغم من عدم رغبة كل دولة فى صعود دولة أخرى منافسه تهيمن على الإقليم الشرق أوسطى ؛ إلا أن معوقات الواقع تحول دون إستئثار دولة واحدة تهيمن على الاقليم، نتيجة للدور الامريكى المانع لكل طموح مستقل عن المنطق الامريكى فى المنطقة فأمريكا لا تريد على كل الاحوال صناعة عبد الناصر من جديد فى المنطقة .

وبناء على ما تقدم، فنعتقد بأن السيناريوالثالث هوالأقرب للتحقق خلال الفترة المقبلة، نتيجة صعوبة سيطرة وهيمنة قوة إقليمية واحدة على الإقليم فى ظل صراعتها المتناحرة مع القوى الاقليمية الاخرى، ونتيجة لعدم توافر أغلب مقومات القوة فى دولة واحدة بعينها من جهة، ورفض القوى العظمى والكبرى بروز قوة إستراتيجية فى الشرق الأوسط تهيمن وتسيطر على الأوضاع داخل النسق الاقليمى الجديد من جهة أخرى، مما ينذر باستمرارية الصراع ولكن فى وجود تعاون بين القوى الاقليمية وتبادل الأدوار داخل الاقليم، وبروز تحالفات أكثر مرونه وتغير من حين لآخر على نحوما تقدم(30) .

الهوامش:

([1]) إدريس،محمد السعيد، (دكتور) مستقبل النظام العربي بين التطورات الجديدة في هيكلية النظام العالمي وتداعيات الثورات العربية، المركز الوطني للأبحاث واستطلاع الرأي، 18يناير2015 .

الرابط : http://ncro.sy/?p=1496 .

)2) جون ميرشايمر،(دكتور) كتاب مأساة سياسة القوى العظمى، ترجمة:مصطفى محمد قاسم، النشر العلمي والمطابع بجامعة الملك سعود، 2012، ص481:478ص .

)3) نور الدين قلالة، (دكتور) فوضى النظام الدولى وإنهيار النظام الاقليمى العربى، مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية،25فبراير2016 .الرابط : https://islamonline.net/1441 .

)4) الفطيسى،محمد سعيد, (دكتور) مستقبل الشرق الأوسط بين هيمنة المحاور وتدخلات القوى الإقليمية، موقع رأي اليوم، 30 أكتوبر 2017 .

الرابط :

https://www.raialyoum.com/index.php/%D9%85%D8%B3%D8%AA%D9%82%D8%A8%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%88%D8%B3%D8%B7-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D9%87%D9%8A%D9%85%D9%86%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D8%A7%D9%88%D8%B1/ .

(5) هينز فورتنج،(دكتور) إيران ورسالتها الثورية فى المنطقة، ورد فى :القوى الإقليمية فى الشرق الأوسط،إعادة تشكل ما بعد الثورات العربية، موقع الجزيرة للدراسات، يونيو2015 . الرابط :

http://studies.aljazeera.net/ar/bookrevision/2015/06/20156711255544430.html

)6) إدريس،محمد السعيد، (دكتور) الصراع على القيادة الإقليمية، موقع الأهرام، 16فبراير 2016. الرابط :

http://www.ahram.org.eg/NewsQ/476903.aspx .

)7) إدريس،محمد السعيد، (دكتور) عودة إلى صراع تقاسم النفوذ في سوريا، موقع الأهرام اليومي، 30يناير2018، الرابط : http://www.ahram.org.eg/News/202542/4/635153/%D9%82%D8%B6%D8%A7%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%A1/%D8%B9%D9%88%D8%AF%D8%A9-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9-%D8%AA%D9%82%D8%A7%D8%B3%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D9%88%D8%B0-%D9%81%D9%89-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7.aspx .

)8) لماذا تسعى تركيا لاجتياح عفرين بسوريا، موقع أخبار سكاي نيوز،19يناير2018. الرابط :

https://www.skynewsarabia.com/web/article/1014286/%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D8%AA%D8%B3%D8%B9%D9%89-%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7-%D9%84%D8%A7%D8%AC%D8%AA%D9%8A%D8%A7%D8%AD-%D8%B9%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%86%D8%9F .

)9) خيارات محدودة : الدور الإسرائيلي في شرق أوسط متغير، مركز الروابط للبحوث والدراسات,24 فبراير 2015. الرابط : http://rawabetcenter.com/archives/4277 .

)10) عثمان الميرغني، (دكتور) الدور التركي المزدوج في سوريا والعراق، جريدة الشرق الأوسط، 27يونيو2016 . الرابط :

https://aawsat.com/home/article/770476/%D8%B9%D8%AB%D9%85%D8%A7%D9%86-%D9%85%D9%8A%D8%B1%D8%BA%D9%86%D9%8A/%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B2%D8%AF%D9%88%D8%AC-%D9%81%D9%8A-%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A7-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82 .

)11) أحمد زكي، (دكتور)عاصمة الحزم ودور السعودية في النظام الإقليمي العربي، مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية،28مايو2015 . الرابط : http://rawabetcenter.com/archives/7536 .

)12) يزيد الصايغ، (دكتور) مصر واستئناف الدور الإقليمي، موقع المال، 15مارس 2015. الرابط :

http://www.almalnews.com/Story/212589/49/%D9%85%D8%B5%D8%B1—%D9%88%D8%A7%D8%B3%D8%AA%D8%A6%D9%86%D8%A7%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%82%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%89 .

)13) منال العرينى،(دكتور) الإتفاق النووى الإيرانى بعد عامين، مجلة السياسة الدولية،عدد 210،عدد أكتوبر 2017، ص 141:ص 138.

)14) أبوالنور،محمد محسن، (دكتور) دلالات موقف إيران من تقويض الاتفاق النووي، شبكة أخبار الحدث، تفريغ كلمته من اليوتيوب، بتاريخ : 8 يناير 2018. الرابط :

https://www.youtube.com/watch?v=oSPWkYE6V64 .

) 15) آندريه بيك،(دكتور) تركيا والماضى العثمانى، ورد فى :القوى الإقليمية فى الشرق الأوسط،إعادة تشكل ما بعد الثورات العربية، موقع الجزيرة للدراسات، 7 يونيو2015 . الرابط :

http://studies.aljazeera.net/ar/bookrevision/2015/06/20156711255544430.html .

) 16) مليحة بينليا،(دكتور) العودة التركية للشرق الاوسط، ورد فى :القوى الإقليمية فى الشرق الأوسط،إعادة تشكل ما بعد الثورات العربية، موقع الجزيرة للدراسات، يونيو2015 . الرابط :

http://studies.aljazeera.net/ar/bookrevision/2015/06/20156711255544430.html .

) 17) إدريس، محمد السعيد، (دكتور)خريطة معقدة :الصراع الإقليمي بين إيران وتركيا وإسرائيل، مجلة السياسة الدولية، عدد 196، أبريل 2014.

) 18) مارك هيلر،(دكتور) إسرائيل كقوة إقليمية منقوصة التأثير، ورد فى :القوى الإقليمية فى الشرق الأوسط: إعادة تشكل ما بعد الثورات العربية، مراجعة عمر حسن، موقع الجزيرة للدراسات، ورد فى :القوى الإقليمية فى الشرق الأوسط،إعادة تشكل ما بعد الثورات العربية، موقع الجزيرة للدراسات، يونيو2015 . الرابط :

http://studies.aljazeera.net/ar/bookrevision/2015/06/20156711255544430.html .

) 19) كمال طربيه،(دكتور) إسرائيل: القوى الأولى في الإقليم، مونت كارلوالدولية، 1يوليو2015 . الرابط :

https://www.mc-doualiya.com/chronicles/decryptage-mcd/20150701-%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84-%D9%82%D9%88%D8%A9-%D8%A5%D9%82%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D9%85%D8%A4%D8%AB%D8%B1%D8%A9-%D8%AF%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B1%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D8%B3%D8%B7 .

) 20) توماس ريتشز،(دكتور) المملكة السعودية : ماهوأكثر من الدولارات النفطية، ورد فى :القوى الإقليمية فى الشرق الأوسط،إعادة تشكل ما بعد الثورات العربية، موقع الجزيرة للدراسات، يونيو2015 . الرابط :

http://studies.aljazeera.net/ar/bookrevision/2015/06/20156711255544430.html .

) 21) بسمة المومني،(دكتور) العلاقات الأمريكية السعودية لا تتوقف عند دونالد ترامب، معهد بروكنجز الدوحة، 23مايو2017. الرابط :

https://www.brookings.edu/ar/opinions/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D8%A7-%D8%AA%D8%AA%D9%88%D9%82%D9%81/ .

) 22) إسماعيل، قدرى محمود، (دكتور) كتاب السياسية العربية المعاصرة،الناشر: دار فاروس العلمية، تاريخ النشر 2013، ص88: ص120.

) 23) أبوبكر الدسوقي، (دكتور) مكانة مصر الإقليمية في عهد جديد، موقع السياسة الدولية، 3يوليو2014.

الرابط : http://www.siyassa.org.eg/News/3783.aspx .

) 24) أليزابيث منير،(دكتور) مصر مجد الماضى والمستقبل، ورد فى :القوى الإقليمية فى الشرق الأوسط،إعادة تشكل ما بعد الثورات العربية، موقع الجزيرة للدراسات، يونيو2015 . الرابط :

http://studies.aljazeera.net/ar/bookrevision/2015/06/20156711255544430.html .

) 25) مصطفى اللباد، (دكتور) عدم التقبل الشعب المصرى لحكم الاخوان المسلمين فى2013، ورد فى :القوى الإقليمية فى الشرق الأوسط،إعادة تشكل ما بعد الثورات العربية، موقع الجزيرة للدراسات، يونيو2015 . الرابط

http://studies.aljazeera.net/ar/bookrevision/2015/06/20156711255544430.html .

) 26) سامح راشد، (دكتور)مصر وتحديات العودة إلى قوة إقليمية فاعلة، حوار مع شبكة أخبار DW، 21نوفمبر2017. الرابط :

http://www.dw.com/ar/%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D9%88%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%88%D8%AF%D8%A9-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D9%82%D9%88%D8%A9-%D8%A5%D9%82%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%8A%D8%A9-%D9%81%D8%A7%D8%B9%D9%84%D8%A9/a-41471218 .

) 27) إيمان رجب،(دكتور) تحولات الإرهاب بعد داعش، مجلة السياسة الدولية،عدد 210،عدد أكتوبر 2017، ص77: ص74 .

) 28) هشام القروي، (دكتور) الشرق الأوسط حتى 2020، موقع الحوار المتمدن،27مارس 2006 . الرابط :

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=60675 .

) 29) تقريرمجلس الاستخبارات القومي الامريكى،هكذا ترى المخابرات الأمريكية العالم في 2030: قراءة وتحليل، يورونيوز،5 فبراير2013 . الرابط :

http://arabic.euronews.com/2013/02/05/world-according-to-cia-ambiguous .

) 30) علي الدين هلال، جميل مطر، النظام الإقليمي العربي: دراسة العلاقات السياسية العربية، نسخة إلكترونية، بدون ناشر، ص80:ص140 .
المركز العربي للبحوث والدراسات

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب