خاص : عرض – سماح عادل :
في رواية (حب وقمامة)؛ للكاتب التشيكي “إيفان كليما” ترجمة “الحارث النهيان”، إصدار دار التنوير، يتناول الكاتب حال بلاده التشيك في ظل الحكم الشيوعي، حيث كتبت الرواية في أوائل الثمانينيات حينما أصبح النظام الشيوعي متهاوياً.
الشخصيات..
البطل: لا نعرف له اسماً، يعمل كاتب، وقد تخرج وتفوق في دراسته حتى أنه قام بالتدريس في إحدى الجامعات الأميركية لمدة ستة أشهر، لكنه فضل العودة إلى بلاده بعد ذلك، لأنه يحب أن يعيش فيها، وحين عاد إلى بلاده واجه التهميش مثل باقي الناس وعاش حياة خاوية.
“داريا”: عشيقة البطل.. ظل يحبها سنوات طويلة دون أن يجرؤ على ترك زوجته والعيش معها، هي رسامة ونحاتة.
“ليدا”: زوجة البطل.. درست علم النفس وأستطاعت بعد تنقل في مهن هامشية أن تعمل معالجة نفسية، وأن تحاول إصلاح أرواح الناس وتخليصها من معاناتها، هي تثق في زوجها ثقة شديدة وحين يعترف لها بحبه لأخرى لا تستطيع تركه وتظل معه، لكنه هو أيضاً لا يترك الأخرى أبداً.
الأب: يتذكر الأب والده دوماً، فهو الذي علمه أشياء كثيرة في الحياة، يعمل مهندساً لكنه تعرض للإضطهاد من الدولة الشيوعية، وتم إحتجازه أكثر من مرة وإبعاده أن ابنه، ثم عاش الأب حوالي ثمانون عاماً، لكن روحه كانت قد طالها المعاناة، ورغم إنشغاله الشديد بعمله إلا أنه لم ينال ما يستحقه، ومات في النهاية بعد معاناة مع السرطان.
“فينوس”: سيدة في منتصف العمر.. تعمل في كنس القمامة، عاشت حياة حافلة، ربت ثلاثة أطفال ومات زوجها، ورغم ذلك تبدو قوية وتستمر في الحياة.
الراوي..
يستخدم الكاتب ضمير المتكلم، فالبطل يحكي عن نفسه وعن الشخصيات الأخرى في تقاطعها معه، يغوص أكثر داخل ذاته، ويدور الحكي عن أفكاره ومشاعره تجاه الحياة، وقد نتعرف على باقي الشخصيات من خلال الحوار الذي ينقله البطل.
السرد..
الرواية تقع في حوالي 290 صفحة من القطع المتوسط، تنقسم إلى خمسة أقسام دون عناوين، ويعتمد السرد على التداعي الذي يشغل ذهن الكاتب، فلا يوجد فواصل بين السرد، حيث يرجع الكاتب إلى طفولته ثم يعود للحظة الراهنة ثم يقفز سنوات دون أن ينبه القارئ بذلك بفواصل أو عناوين، ويعيد الكره مرات عديدة، مما يتطلب إنتباهاً متزايداً من القارئ، كما أن السرد وقع في خطيئة التكرار، حيث يكرر أفكاره ويصوغها بأكثر من طريقه، وغلبت الأفكار والأحكام على سير الأحداث، حيث أن البطل يطلق أحكامه أو آراءه داخل ثنايا الحكي بكثرة.
المعسكرات والحرب..
يتناول الكاتب في الرواية من خلال تذكر الماضي، الحرب العالمية الثانية، وما حدث فيها.. ومحارق اليهود في عهد النازية، ثم ما فعله النظام الشيوعي بدولته ومعسكرات العمل التي كان يحتجز فيها الناس كرهائن أو سجناء لأجل إستغلال قوة عملهم، والبؤس الذي يصاحب ذلك، وكم الضحايا الذين قتلوا سواء في الحرب أو ما بعدها.
يحكي كل ذلك في إنعكاسه على نفسه حين كان طفلاً، وكيف كان الموت مصاحباً له منذ الطفولة، فمات كل الذين يعرفهم أثناء الحرب إما إختناقاً بالغاز وإما حرقاً، وتم إبعاد والده عنه سنوات طويلة، ثم أحب فتاة كانت معه في إحدى المعسكرات لكنها رحلت هي أيضاً.
يتذكر البطل دوماً هؤلاء الضحايا، ويقول أنهم ضحايا خواء الروح للقتلة الذين أبادوهم، وأن هذا الخواء هو الذي جعل القتلة والسفاحين يسعون إلى التضحية بالأرواح البشرية وبطريقة وحشية، لكن رغم ذلك فهؤلاء الضحايا لا يفنون أبداً، يقول البطل في الرواية: “شيئاً لم يختفِ ولن يختفي من هذا العالم: أرواح من قتلوا، أرواح الضحايا، ومن أحرقوا أحياء، أو جُمّدوا حتى الموت، أو ماتوا ضرباً بالعصي أو سحقوا أو شُنقوا أو جُوّعوا حتى ماتوا، أرواح من تعرضوا للخيانة أو من انتُزعوا من أرحام أمهاتهم، هذه الأرواح كلها ترتفع فوق الأرض وفوق البحار وتملأ الفضاء بأنين أصحابها”.
القمامة لا تفنى..
البطل رغم أنه كاتب وينحدر من عائلة متعلمة، وهو نفسه قد نال قسطاً كبيراً من التعليم وأصبح كاتباً، إلا انه لم يستطع نشر مسرحياته، وكتب في بلاده التي أصر على العودة إليها بعد أن أتم تعليمه في أميركا، فالكتاب الحقيقيون لا مكان لهم في بلاد تعتمد على “لغة الحمقى”، لذا كان عليه أن ينسخ كتبه ويوزعها على أصدقائه ليوزعوها بدورهم على أصدقائهم، لأن الكاتب مجرم في ظل هذا النظام الشيوعي المستبد، ودائماً مراقب وتحت السيطرة، لذا سعى الكاتب إلى أن يعمل كناساً للقمامة، لكي يرى العالم من منظور مختلف، كما عمل في السابق أعمالاً هامشية أخرى، عمل في مستشفى يجمع القمامة أيضاً منها، لكن هذه المرة استمر عمله ككناس بعض الوقت، وأخذ يتأمل زملاؤه من الكناسين وينقل حواراتهم ومعاناتهم وهمومهم، مقتنعاً أشد الإقتناع أن القمامة لا تفنى، وإنما تتحول في أشكالها، لكنها تبقى كما هي داخل العالم، كما أن الأرواح لا تفنى حتى أن خرجت من الجسد، فهي تبقى لتعيش في أجساد أخرى حتى لو كانت أجساد الشجر والجمادات.
لا نعلم على وجه التحديد لما أختار الكاتب المتعلم أن يعمل كناساً للشوارع، مرة يقول أنه يسعى لرؤية العالم من منظور جديد، ومرة يقول أنه يسعى إلى تنظيف العالم، ومرة يستنتج القارئ أنه يعمل ليحصل على أجر في ظل مجتمع تزيد فيه نسبة البطالة ويتم تهميش المتعلمين وأصحاب المواهب وتحديد إقامتهم وحصارهم، وكثيرون منهم يضطر إلى العمل في أعمال هامشية ليبقى على قيد الحياة.
التردد في الحب..
يعاني البطل من إشكالية كبرى، وهي أنه يحب امرأة أخرى بجانب زوجته، بالمصادفة تقابل معها حين كان يبحث عن هدية لزوجته وأقتنى إحدى المنحوتات من هذه المرأة، ثم زارته هي بعد وقت لتستعيد المنحوتة لأنها تستعد لتنظيم معرض لها، وحين زارته في بيته أحس بحديث ما بين روحه وروحها وأحس بنور يشع منها، من وقتها أصبح يعشقها وهي أيضاً تبادله نفس العشق وتقابله بشكل سري، رغم أنها هي أيضاً متزوجة ولديها طفلة، ورغم ذلك تحثه على ترك زوجته والإرتباط بها بشكل علني، وهو يظل متردد، يعلم أنه وجد معها العشق الحقيقي الذي تمناه دوماً، لكنه أيضاً يعجز عن ترك زوجته، فهو يرى أن ترك البشر كقمامة بعد أن نأخذ منهم ما نريد عمل سيء، لذا يظل مع زوجته، ونتيجة إلحاح حبيبته يعترف لزوجته بأنه يحب امرأة أخرى، لكنه حين يشعر أنها تنهار بدونه، وأنها لن تستطيع مفارقته يظل معها ويعدها أن يترك المرأة الآخرى، لكنه لا يفعل يظل يعيش مع زوجته ويقابل حبيبته سراً.
ينوي أكثر من مرة ترك حبيبته لأنه لا يريد أن يترك زوجته ويتنكر لها، ولا يريد أن يكون أباً غير مسؤولاً في نظر طفليه، لكنه أيضاً يظل أكثر من عشر سنوات في علاقة العشق السرية تلك، ورغم أن أولاده كبروا وأختاروا حياتهم يظل مع زوجته، ويظل في علاقة العشق السرية تلك.
خواء الروح..
الرواية تصور بدقة خواء الروح الذي يعانيه البطل، ليس فقط بسبب الحرب ومعسكرات العمل التي عاينها في طفولته ولمس وحشيتها، ولكن أيضاً بسبب النظام السياسي الذي جعل بلاده خربة تعاني من البطالة وتهميش الناس، والطبقية المفجعة في بلد يدعي أنه يطبق المساواة، حيث يموت الفقراء من الأمراض دون أن يتلقوا العلاج في حين يعيش الموالون للنظام والقريبين منه في رفاهية، والسواد الأعظم من المجتمع يعيش في فقر وعوز بالإضافة إلى فقدان للحرية.
الكاتب..
“إيفان كليما”، ولد في 14 أيلول/سبتمبر 1931 في “براغ”، وهو روائي تشيكي وكاتب مسرحي.. وقد حصل على “جائزة ماغنيسيا ليتيرا” و”جائزة فرانز كافكا”.
كانت طفولة، “إيفان كليما”، المبكرة في براغ سعيدة، ولكن هذا تغير مع الغزو الألماني لتشيكوسلوفاكيا في عام 1938، بعد اتفاق ميونيخ. في 1941، أحتجز والده “فيليم كليما” ثم في نفس العام ذهب هو وأمه وأخيه إلى معسكر الاعتقال في ثيريزنستادت، حيث بقي حتى التحرير من قبل الجيش الأحمر في آيار/مايو 1945، وقد نجا هو ووالديه من السجن بمعجزة في ذلك الوقت، حيث كانت “تيريزين” معسكراً لليهود من وسط وجنوب أوروبا، وتم تطهيرها بإنتظام من سكانها المكتظين من خلال النقل إلى “الشرق”، ومعسكرات الموت مثل “أوشفيتز”.
وقد كتب “إيفان كليما”، عن هذه الفترة في مقالات في المجلة الأدبية في المملكة المتحدة، (غرانتا)، ولاسيما طفولته في تيريزين. ومع التحرر جاء صعود النظام الشيوعي التشيكي، وأستبدل طغيان النازية بالسيطرة السوفياتية في التشيك بعد الحرب، وأصبح “إيفان كليما” عضواً في الحزب الشيوعي في تشيكوسلوفاكيا .
وقد بدأت بالفعل محاكمات القتل المبكرة وقتل من يعارضون النظام الجديد، وسجن والد “كليما” مرة أخرى، وهذه المرة من قبل أبناء بلده، هذه الخلفية المظلمة هي البوتقة التي شكلت منها مادة “إيفان كليما” المكتوبة: معرفة أعماق القسوة البشرية، جنباً إلى جنب مع الحاجة الخاصة للسلامة الشخصية، ونضال الفرد للحفاظ على كل القيم الشخصية التي سعت إلى محوها الأنظمة الشمولية.
وقد حصل “إيفان كليما” على “جائزة فرانز كافكا” في عام 2002 كمستلم ثان، وفازت مذكراته المكونة من مجلدين (مجنون قرون) بالجائزة الأدبية التشيكية، “مغنيسيا ليتيرا”، في فئة غير خيالية في عام 2010.