17 أبريل، 2024 12:51 م
Search
Close this search box.

“تيسير السبول” .. قتلته الهزيمة ومهادنة العدو رغم حلمه بوطن كبير !

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص : كتبت – سماح عادل :

“تيسير السبول” شاعر وكاتب أردني.. ولد في مدينة “الطفيلة” الواقعة جنوب الأردن عام 1939، وعاش في أسرة متوسطة الحال، وكان والده مزارعاً، ويحرص على تعليم أبناءه.

حياته..

درس “تيسير السبول” المرحلة المتوسطة والثانوية في مدينة “الزرقاء” وكان متفوقاً، مما أدى إلى حصوله على منحة دراسية إلى “الجامعة الأميركية” في بيروت لدراسة الفلسفة، إلا أنه لم يكمل الدراسة بها نتيجة لأفكاره، حيث دفعته الأحداث السياسية إلى ترك الجامعة ودراسة الحقوق في “جامعة دمشق”، وتعرف على “مي اليتيم” أثناء الدراسة ثم تزوج منها وأنجبا طفلين، “عتبة وصبا”، بعد تخرجه من الجامعة تعين في “دائرة ضريبة الدخل” ثم استقال من العمل الحكومي، وبدأ بالتدرّب في مكتب المحامي “صليبا الصناع”، ثم قطع تدريبه وسافر مع زوجته، الدكتورة “مي اليتيم”، إلى البحرين للعمل فيها، ثم إنتقل إلى السعودية وعاد إلى الأردن عام 1964 وأكمل تدريبه، وفتح “تيسير السبول” مكتباً للمحاماة في “الزرقاء”، ثم أغلق مكتبه وعمل في الإذاعة، واستمر يقدّم برنامجه الإذاعي (مع الجيل الجديد) حتى موته.

الكتابة..

أثناء الدراسة بالجامعة؛ ظهرت موهبة “تيسير السبول” الشعرية وكان كثير الإطلاع، وبدأ في نشر شعره في بعض المجلات والدوريات الشهرية الأدبية في دمشق وبيروت، كمجلات (الثقافة والآداب والأديب).

شعر “تيسير السبول” بحزن شديد بعد إنفصال مصر وسوريا، فهجر الكتابة فترة من الزمن، ثم بعدها إنكسرت أحلامه تماماً عندما جاءت النكسة، وأعلن إعتزاله الشعر تماماً، ثم كتب رواية (أنت منذ اليوم) التي كانت تتكلم عن تلك الفترة وكل ما يمر به الوطن العربي، وحصلت الرواية على جائزة جريدة (النهار) الأدبية، وقد كتب” تيسير السبول” الرواية والشعر، والقصّة القصيرة، والتمثيلية المصوّرة، والنقد، والمقالة الصحافية، وترك مخطوطاً فكرياً في العروبة والإسلام.

إختيار الموت..

أطلق “تيسير السبول” على نفسه النار، في نفس الوقت الذي وقع فيه النظام المصري اتفاقية “فك الإشتباك” الأولى التي مهدت لمعاهدة السلام مع إسرائيل، ومات وهو في عمر 34 عام.. يقول عنه الكاتب الأردني، “سليمان القوابعة”: “بدأت تظهر على ملامحه علامات التعب والإنهيار النفسي والحزن الدفين، وتفاجأت بنهايته عندما أقدم على الإنتحار، حيث وضع حداً لها بعد معاناة طويلة بطلق ناري في 15/11/1973 في أعقاب حرب تشرين، ولقاء المصريين والإسرائيليين عند (خيمة الكيلو 101)”.

إفساد لذة الكتابة..

يقول الكاتب، “سامر حيدر المجالي”، عن “تيسير السبول”: “لقد إلتقى الشخصي والعام عند تيسير السبول بطريقة فريدة، فَسُدَّتْ أبوابهما معاً. كانت صدمة 1967 آخر عهده بلذة الكتابة، كانت كل قصائده قبل ذلك، برغم قلقها والحزن الذي يكتنفها، أملاً يسكن روحاً ترقب الأفق البعيد منتظرة لحظة إنفراج تتبدد فيها قسوة الواقع وبشاعته. فلما أراد أن يفسر سبب الفاجعة، أي لما أراد أن يتغلب عليها ويعري حقيقتها وأسبابها، غرق في اليأس وقادته خطاه إلى هاوية سحيقة، فبدأ منذ تلك اللحظة عزوفه عن الحياة”.

عورات المجتمع..

من جانبه، يقول الكاتب العراقي، “فؤاد التكرلي”، عن “تيسير السبول”، في مقالة له بصحيفة (الشرق الأوسط): “يخلط تيسير سبول في رواية «أنت منذ اليوم»، ومنذ الصفحة الأولى، الأزمان والوقائع من أجل إظهار عورات مجتمعه وتناقضاته الصارخة. وهو عبر هذا الخلط المحسوب بدقة، يبني شكل روايته، ويقدم للقارئ صورة مكثفة عن هزيمة حزيران 67 المرة. إنها صورة ذات أبعاد ثلاثة: الماضي والحاضر والحالة النفسية. ولولا براعة تيسير سبول اللامحدودة، لما أمكن، ضمن ستين صفحة فقط، أن تقدم حياة «عربي» بأكملها.. منذ مقتل القطة الصغيرة وحتى تعليق الجنرال المقيت ذي العين الواحدة عن خصومه الذين حاربوا أفضل منه سنة 1956، والذي فتح فيه للعرب باباً على «عصور الظلمة». إن هذه الرواية هي عصارة لما فعلت الهزيمة في نفس هذا الكاتب ذي الحساسية الشديدة أمام إنتمائه، وهي، بشكل أو بآخر، عنصر مهم لفهم نفسية، وفهم بعض الأسباب الخفية لعمله المفجع، الذي أقدم عليه بعد سنوات قليلة. كتبت له رأيي في روايته المتميزة واستمر التراسل فيما بيننا”.

جدوى الكتابة..

يضيف “فؤاد التكرلي”؛ عن إحساس “تيسير السبول” بالكتابة: “ومنذ رسالته الثانية، المؤرخة 14/7/1969، لاحظت موقع الكتابة في حياته والقلق الذي بدأ يحسه لشعوره، (الخاطئ بالتأكيد)، بأنه قد نضب على المستوى الإبداعي. كتب يقول:«هل تتساءل معي ما جدوى حياة الإنسان الذي خبر لذة الكتابة ثم يجد نفسه عاجزاً عنها ؟.. ليتك تساعدني في بحث هذه القضية. ماذا سنكتب ؟.. إن الكتابة أولاً وآخراً وجهة نظر شاملة !.. ما حقيقة وجهة نظر الإنسان في ألف قضية مطروحة ؟.. هب أنه إفتعل موقفاً إيجابياً، ما قيمته إذا لم يكن سلوكه إيجابياً ؟». هذه القضية لم تكن قضية بسيطة أو عابرة، فقد تكررت في رسائله بعد ذلك بصور مختلفة، وفي الأثناء أرسل لي مخطوطة أقصوصة عنوانها «صياح الديك»، وأخبرني أنه نشر أقصوصة فكهة سماها «هندي أحمر» في مجلة الجامعة اللبنانية. لم تكن الأقصوصتان تملكان نفساً قصصياً ذا إمتياز، ولعل تيسير سبول شعر بذلك قبل الجميع. حدستُ لديه من الآراء النقدية الكثيرة التي كان يضمنها رسائله قابلية نقدية نفاذة حقاً أثارت إعجابي دائماً رغم أني لم أوافقه على كل آرائه”.

على حافة هاوية..

يواصل “فؤاد التكرلي”، عن إنتحار” تيسير السبول”: “لم يخطر لي، بعد لقائنا في القاهرة، أن ذلك اللقاء سيكون آخر مرة أرى فيها تيسير سبول، كما لم أنتبه إلى جدية فقرة وردت في رسالته، المؤرخة 16/1/70، «لا أكتب ولا أستطيع التفكير بالكتابة. إن شعوراً حاداً بعدم الإستقرار يستولي عليّ وعبثاً أحاول في مثل هذه الظروف النفسية ما يسمى بالخلق». كانت العناصر التي دفعت إلى فاجعة الإنتحار، تتجمع بخفاء حول تيسير سبول، فحساسيته الفائقة بإنتمائه إلى أمة العرب؛ وما يحمله هذا الإنتماء من مشاعر بالإحباط والهزيمة واليأس، كانت قوية بشكل مدمر. يُضاف إليها ما يخلفه في النفس إدراكنا الفردي بتعطل القابليات الخلاقة وبالعجز عن ممارسة الكتابة الإبداعية. كل هذه المواقف يمكن أن يصبر عليها الإنسان وأن يتجاوزها بإرادته وبمضي الوقت، غير أن الأمر لم يحدث هكذا مع تيسير سبول. كانت الرسائل بيننا، خلال سنتي 71 و72، لم تزل مستمرة ولكن بوتيرة بطيئة، ومن إحداها أعلمني بعودة المرض إلى عينيه، وكنت آخذ طلبه بأن نلتقي لنجلس نتحدث حديثاً طويلاً حميمياً، مأخذاً عادياً لا عجلة تدعو إليه. غير أني، الآن، أشعر بأنه كان على حافة هاوية غير منظورة، وأن يدرك، بشكل خفي ربما، الخطر الذي يختفي في زاوية من نفسه، فأراد أن تمتد له يد صديق يثق به لمساعدته، ولم يكن هنالك أحد مع الأسف. كنت أنتظر رسالة منه في خريف سنة 1973، حينما قرأت، صدفة، خبر إنتحاره.. لم تفارقني الصدمة التي شعرت بها حين قراءة الخبر، وما زلت غير سليم النفس من آثارها. لقد حوصرت تلك الروح الحساسة البريئة بين براثن آلات هرس متنوعة المستويات: كان هناك الإدراك المضني بالعجز عن الخلق، وكانت آفاق حرب أكتوبر ممتلئة بأشباح هزيمة أخرى، وكان الإحباط حوله يسدّ عليه كل طرق الأمل والنجاة، فلم يجد الحل ـ واحسرتاه ـ إلا في طلقة مسدس”.

تجاهل متعمد..

في حوار مع القاصة، “مي اليتيم”، زوجة “تيسير سبول” لصحيفة (نزوى)، تبين أنه لم يأخذ حقه من الإهتمام ككاتب، تقول: “هل أوفينا تيسير حقه من الدراسة الجادة المتأنية وغير المسبوقة بأفكار مسبقة ومشاعر خصوصية، حتى نفكر بطرق أخرى لتكريمه ؟.. هل كرمنا تيسير حقاً وأوفيناه حقه ؟.. بل أني أقول أكثر من هذا؛ لقد أهمل تيسير إهمالاً متعمداً. لقد طلب مني، وبإلحاح شديد، إعادة طبع أعمال تيسير الكاملة، وحين طبعناها منذ ما يقرب من السنة وبأعداد متواضعة، «1000» نسخة فقط، ومع جود الكم الكبير من الجامعات الحكومية والخاصة والمعاهد والدارسين للأدب والمهتمين به، لم يتجاوز عدد ما بيع من النسخ ربع الكمية المطبوعة”.

شعر حر..

يقول الناقد، “عز الدين المناصرة”، عن شعر ” تيسير السبول”: “كان تيسير ينتمي إلى جيل الستينيات الشعري, الذي ساهم في ترسيخ الملامح الشكلية للشعر الحر في ديوانه الوحيد (أحزان صحراوية).. يمكنني تصنيف شعر تيسير بأنه وجود رومانتيكي ويميل إلى الذهنية, فالوجودية, هنا تتعلق بتأمل الطبيعة في علاقتها مع الأنا الفردية: الأنا هي السارد المركزي في علاقتها مع الأشياء, حيث تتأمل الأشياء, وتسقط عليها مشاعر الذات الرومانتيكية, وأحياناً, نجد إنفصالاً بين الأنا والوجود, حيث يتمركز الحوار داخل الأنا وحدها”.

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب