ثقافة تشرين (16): وعدُ الحريةِ رعدٌ يسري في شرايينِ البلاد

ثقافة تشرين (16): وعدُ الحريةِ رعدٌ يسري في شرايينِ البلاد

 

خاص: إعداد- سماح عادل

يرى كثير من العراقيين أن الحراك الشعبي الذي حدث في تشرين 2019 أعظم انتفاضة حصلت في العراق منذ وثبة 1920، وربما تفوقها تأُثيرا في رأي البعض، في حين يحكم آخرين على هذه الانتفاضة من خلال نتائجها الملموسة على أرض الواقع، ويحكمون أنها لم تنجح تماما، تختلف الآراء حول انتفاضة تشرين، لكن يبقى الاتفاق على أنها أدهشت الجميع، ليس فقط على مستوى العراق، وإنما على مستوى البلدان في الشرق وعلى مستوى العالم.

بمناسبة ذكرى ثورة تشرين العظيمة نواصل نشر ملف عن (تأثيرات ثورة تشرين الثقافية) وكيف تجلت تلك التأثيرات على أرض الواقع. ونجمع آراء مجموعة من الكتاب والمثقفين والمتفاعلين مع أحداث ثورة تشرين.

تعرية الديكتاتورية والفكر الأصولي..

تقول “شاهيناز الإمام”: “مر عام على بدء الانتفاضة الشعبية في العراق، والتي شملت أغلب المدن العراقية، احتجاجاً على تردي الأوضاع الاقتصادية وانتشـار الفساد الإداري والبطالة. كان من أثرها اغتيال ناشطين وانتهاكات لحقوق الإنسان واستخدام العنف ضد المتظاهرين وسقوط قتلى وجرحى كثر. مر عام لبدء انتفاضة سلمية رافضة لعقول متحجرة تحكم العراق بقوة الجهل والتفكير الأصولي المغلق، انتفاضة شارك فيها جيل شـاب نزل للساحات ليستعيد وطنه وحقه في حياة تليق به.

استشهد بجزء من قصيدة (حكاية عراقية مضيئة) للشاعرة “باهرة عبد اللطيف”:

أيادٍ صغيرةٌ توضّأتْ بالحلمِ والنقاء..

تشرينُ أضحى كلّ الشهور،

ووعدُ الحريةِ رعدٌ

يسري في شرايينِ

البلاد”.

وتضيف عن تأثيرات الثورة الثقافية: “في  كل حراك مجتمعي رافض لا يمكن أن يمر مروراً عابراً في حياة المثقف المنحاز لهموم مجتمعه، ومواقفه الداعمة لتحقيق العدالة الاجتماعية، ولاشك أن انتفاضة تشرين العراقية وفرت فضاءً رحباً لإرساء وإلهام المبدعين على اختلاف وسائلهم، ففي الشعر وهو الأسرع استجابة مثل ذلك المقطع من قصيدة (متفائلون)  للشاعر “سعدي يوسف”:

لا تَقُلْ: ليس من أملٍ…

كيف تذكرُ هذا، وأنتَ الأملْ؟

أنت في الساحةِ

الآنَ صِرنا بأعلى الجبلْ.

ولكل انتفاضة مفرداتها وقاموسها وخطابها .فقد كان فن الغرافيتي حاضراً في الساحات، والأغنية كان لها دوراً جمالياً منها أغنية (نازل آخذ حقي) للفنانة “رحمة رياض”. أما في مجال ما أنتجته الرواية العراقية من موضوعات تناولت، وبكل جرأة وحرية، التغيير الاجتماعي الحاصل والناتج عن تردي الأوضاع الاجتماعية والسياسية وعن التطرف الديني الطائفي، لقد كان الإبداع الروائي العراقي ولسنوات طويلة وقبل الانتفاضة حافلاً بشواهد وعلامات تتنبىء بما سيجري كاشفا ما وراء الأحداث، أذكر هنا من أعلام الرواية العراقية الكثر كل من: (حميد العقابي، لطيفة الدليمي، أعتقال الطائي، كريم عباس حسن، إنعام كجه جي، أحمد سعداوي، ميسلون هادي، نجم والي، سنان أنطوان، شاكر الأنباري، عدنان النصيري)”.

وتواصل: “من الجوانب المضيئة للانتفاضة ولهذا الحراك الجماهيري هو كسر حاجز الخوف في مجتمع عشائري يقوده تجار السياسة والدين. وإن كان سقف الحلم تحقيق دولة المواطنة والقانون فلابد من خطوات نضالية، تطالب بحقوق الإنسان وتعري الديكتاتورية العربية والتفكير الأصولي المغلق، وإن لم يفصل الدين عن الدولة وتحرر المرأة من قوانين الشريعة فأننا سنحصل على طغاة جدد، يجنون ثمار اللحظة الثورية وهم التجار والإسلاميون، وهم من سيعبدون الطريق لإنتاج شكل آخر لديكتاتورية جديدة بشكليها العسكري والديني، الأولى تسيطر على فكر الفرد والثانية تتحكم على عقله وجسده، أي كمن ينتقل من حلقة مفرغة إلى حلقة أخرى. إن الحضارة إبداع فإن لم يعط للفرد حق حريته سيتحول إلى مستهلك لإبداع الآخرين (اقتباس من حوار مع الشاعر أدونيس)”.

وتؤكد: “وإن كان سقف الحلم تحقيق دولة المواطنة فلا بد من البدء بتغيير بنيات العائلة والتعليم والسياسة، ودرب الألف ميل يبدأ بخطوات صغيرة ليعود ضياء العراق.. عراق بابل وحمورابي ودجلة”.

سلمية مفرطة..

ويقول الكاتب “أحمد إبراهيم السعد”: “الثقافة في تعريفها هي طريقة تفكير وممارسة حياة. لذلك تعتبر ثورة تشرين من الثورات العراقية الأصيلة والشابة التي قالت وفعلت بالتزام أخلاقي وسلمية مفرطة، حيرت جهات كانت تراهن على انفراط مسبحة الثورة مع الوقت. إن بسالة ثورة تشرين تكمن بوعي شبابي لا يمكن بحال الضحك عليه بحلول ترقيعية، وهو المؤمن أن مطلبه يكمن بحاجته إلى وطن. لذلك كانت مقولة (طالع آخذ حقي) لا يراد بها الأخذ الشخصي وإنما يراد به وضع حد لأعمار شابة طفح بها الكيل في وطن مقيد بأكبال سياسية وحزبية مؤدلجة”.

ويؤكد: “ذلك الوعي الناضج والشجاع هو ثقافة حقيقية تجاوزت المعرفيات القولية والكتابية، والسرديات، وتركت الوجوه تلتفت لها وتبتسم  بفخر. ومن قيم الثقافة التي أنتجتها الثورة هي ثقافة التكافل، وثقافة التحدي، وثقافة الصبر، وثقافة الاستغناء، وثقافة الإيثار، وثقافة الشجاعة النبيلة. إنها ثورة بيضاء لم يلوثها غير دم الشهداء الذين سقطوا في ساحات الحرية برصاص، غادر من جبناء يتقنون القتل في الخفاء”.

الثورة حلقة من تاريخ البلاد..

ويقول “سليم أبو بهاء”: “دائماَ البراكين تتفجر من القمم، وبما أن بلاد  مابين النهرين تتميز برصيد حضاري عبر موقعها في حضرة التاريخ، فحفل تاريخها بالأحداث والوقائع التي تُرجِمَت إلى أعمال أدبية، ورسوم، وجداريات، وملاحم، عكست تلك الأحداث والثورات والحروب التي دارت في بابل وسومر وأكد، وآشور وما خلفته تلك الحقب من أعمال احتلت موقعا متميزا بين ثقافات الأمم وأصبحت جزء من التراث العالمي والإنساني”.

ويضيف: “وبما أن قوانين التاريخ تقوم على تراكم التجارب، فإن أحداث تاريخنا الحديث هي حلقة في السلسلة التاريخية لبلاد الرافدين، لذا ثورة تشرين ٢٠١٩ ولدت من رحم هذا التاريخ، ومن خلال توفر شروط تفجرها، المحكومة بقوانين العلم  السياسي والقاعدة التي تؤكد:”أن عدم الاستقرار سببه عدم التوازن بين المجتمع والدولة والثقافة”، فالثقافة تنهل من القيم التي تطرحها الثورة باعتبارها تحمل المعنى الحقيقي للثورة  ونقصد الثقافة الحقيقية وليس المزيفة، لم يكتف الأدباء والفنانين بمؤازرة ودعم الثورة بل المشاركة والتضحية، وهناك أكثر من مثال في هذا السبيل، فالثورة قائمه في/ المعنى، أي المنجز الإبداعي للثورة”.

 

انتفاضة في الثقافة..

ويقول “أحمد بقلي”: “الكثير سمع ورأى وقرأ وتفاعل مع ما أنتجته انتفاضة تشرين من محتوى ثقافي فني، ناقد للكثير من السياسات الحكومية والمظاهر غير الصحية في الدولة العراقية، أتوقع أن ما حصل وما تمت أرشفته سوف يشكل نواة للكثير من الأعمال الثقافية في المستقبل، خصوصاً في مجال صناعة الأفلام والمقالات والروايات والأعمال المسرحية والشعرية، وهذا بشأنه سوف يُشكِل انتفاضة في المحتوى الثقافي العراقي، ويتيح فرص تعاون مع صناع محتوى أجانب مما يُزيد من قدرات صناع المحتوى المحليين”.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة