كتب – هاني رياض :
تعتبر الآثار أحد أهم الروافد الرئيسية لثقافات الشعوب التي كونت حضارتهم عبر التاريخ، وهي الشاهد على حياة الشعوب وتطورها.. وتلعب دوراً هاماً في تشكيل هوية الوطن والمواطنين عبر الحقب التاريخية المختلفة، مما تساهم في تعزيز انتمائهم للوطن وتاريخه، وتساهم في بناء الحضارة الإنسانية المتنوعة.
وتعد آثار وتراث “اليمن” شاهدة على حضارة عظيمة أنارت بلاد العرب جميعاً عبر مراحلها التاريخية القديمة الممتدة لآلاف السنين، ابتداء من مرحلة مملكة “سبأ” في مأرب، ثم مرحلة الممالك المستقلة أبرزها مملكة “حضرموت” في شبوة، و”قتبان” في بيجان، و”معين” في الجوف، والمرحلة الثالثة هي مملكة “حمير” أخر ممالك التاريخ القديم في اليمن.. شملت الفترة الإسلامية ك1لك على آثارها المتنوعة العديدة منها مدن تاريخية مثل “حضرموت”، و”شبام”، و”صنعاء” القديمة، و”صعدة”، و”جبلة”، و”زبيد”، ومساجد ومدارس إسلامية، وقلاع وحصون تاريخية، التي تزخر بالمخطوطات والكتب الإسلامية النادرة.
تعرضت المواقع التاريخية والآثرية في “اليمن” بسبب الحروب والصراعات السياسية المسلحة وأعمال التهريب، للتدمير والنهب، فقد أثر الصراع المسلح ما بين “تنظيم القاعدة”، والجيش اليمني على المواقع الآثرية والمباني، والمدن التاريخية، وبعض المتاحف اليمنية مما عرضها للعبث والسرقة والتدمير.. ولكن شكلت “عاصفة الحزم”، التي اندلعت فى عام 2015 والصراع المسلح بين قوات التحالف بقيادة المملكة السعودية وبين جماعة الحوثيين، أخطر التهديدات المباشرة لتاريخ وتراث اليمن، نظراً لوجود الأماكن الآثرية فى قلب مناطق الصراع والنزاع المسلح مما يعرضها للقصف والدمار، فهناك العشرات من المناطق والمواقع الآثرية والتاريخية، والمتاحف والمؤسسات الثقافية، المهددة بالاندثار بسبب القصف بين مختلف الأطراف المتصارعة.
أهم المواقع التاريخية المعرضة للخطر..
محافظة صنعاء:
تعرضت “صنعاء القديمة” للقصف بالطيران، في خضم النزاع المسلح بين قوات التحالف وبين جماعة الحوثي، مما عرض المنازل الآثرية في حي “القاسمي” للهدم، كما تعرض جامع الإمام “يحيى بن الحسين بن القاسم”، الذي يعد أقدم جوامع مدينة صعدة وأهمها، حيث يعود تاريخ بنائه إلى العام 290 هجرية، إلى الهدم، وقصر “السلاح” أهم وأقدم القصور التاريخية في مدينة صنعاء القديمة، حيث جاء ذكره في كتاب “الإكليل” للمؤرخ “أبو محمد الحسن الهمداني” في القرن الرابع الهجري، وفي شمال العاصمة صنعاء استهدف الطيران “وادي ظهر”، مما أدى إلى تدمير قصر “الحجر” الذي يعود للعصر الحميري، والذي بني على أنقاض معبد أو حصن قديم، وأيضاً طال التدمير الكلي أو الجزئي مسجد وضريح “الإمام عبد الرزاق ابن همام الصنعاني” في منطقة حمراء بقرية دار الحيد بصنعاء.
محافظة البيضاء:
فى نهاية عام 2011، تحولت مدينة الرداع بمحافظة البيضاء إلى ساحة قتال بين الأطراف المتصارعة، “أنصار الشريعة” التابع لتنظيم القاعدة من جهة والجيش اليمني من جهة أخرى، مما أضر بمواقعها الآثرية منها “مسجد ومدرسة العامرية”، وهي من أهم المساجد والمدارس القديمة والآثرية في اليمن، يعود تاريخ بنائها لعام “910 هـ/ 1504 م”، وأيضاً تعرضت أجزاء من سور القلعة التاريخية لمدينة رداع، والتي يعود تاريخ بنائها إلى عهد الملك الحميري ” شمر يهرعش” الذي حكم في القرن الثالث للميلاد، هو الآخر للضرر والتصدع بسبب نيران القصف المتبادل بين “مليشيات الحوثيين” من جهة، وبين “أنصار الشريعة” من جهة أخرى.
محافظة صعدة:
تضم محافظة صعدة العديد من المواقع الآثرية المؤهلة للخطر بسب ظروف الحرب وتفاقم الصراع المسلح، منها المقابر الإسلامية في الجهة الشمالية الغربية للمدينة على بعد 51 كم، وهو عبارة عن مقابر صخرية نحتت في الصخر، أيضاً العديد من المساجد والمدارس الآثرية مثل جامع الإمام الهادي “الذي يرجع إلى القرن التاسع الميلادي”، بالإضافة إلى القلاع والحصون التاريخية الآثرية مثل قلعة “السنارة”، وقلعة “الصمع”، وحصن “تلمص”، وحصن “العبلا”، وقلعة “رازح، و”حرم”، وحصن “أم ليلى” الذي يقع في الجهة الشمالية الغربية من صعدة.
وفي محافظة تعز جنوب غرب اليمن استهدف القصف الجوي قلعة القاهرة التاريخية التي يعود تاريخها إلى عهد الدولة الصليحية “1045 – 1138 م”، ويقدر ارتفاعها بحوالي (1500م) عن مستوى سطح البحر، وكانت مقراً لحكم الأيوبيين عام 1173م، مما أدى إلى هدمها، وفي محافظة مأرب تعرض “سد مأرب”، أقدم السدود الحجرية فى العالم، ويرجع إلى حضارة “سبأ” منذ ألف عام ق. م، إلى خطر الهدم والدمار بسبب قصف طيران التحالف لمدينة مأرب، وفي مدينة “صرواح” في محافظة مأرب، تعرضت جدران معبد “أوعال صرواح” الذي يعود إلى عهد “الدولة السبئية”، إلى التشقق في الكثير من ملحقات المعبد وأجزائه خاصة السور.
وهناك العديد من المواقع الآثرية بمختلف المحافظات اليمنية التي تعرض للتدمير أو الهدم من جراء الحرب الدائرة فى اليمن، في محافظة عدن تعرض “المتحف الوطني” الذي يعود تاريخ بنائه إلى عهد السلطان “فضل بن علي العبدلي” عام “1912م”، و”مسجد جوهرة” التاريخي، كما تعرضت “قلعة صيرة” التاريخية أهم القلاع فى مدينة عدن، والتي ترجع إلى القرن 11 الميلادي لأضرار القصف، وفي محافظة “الجوف”، تعرض سور مدينة “براقش” الآثرية، والتي تعود إلى القرن الخامس ق.م، للأضرار وتدمير أجزاء كبيرة منه، وتعرضت قلعة “باجل” أهم القلاع التاريخية في اليمن، وتطل على مدينة “باجل”، والتي تعود إلى الحضارة القديمة “الزياديين”، للقصف فى شهر آيار/مايو 2015، وتم تسوية المبنى بالأرض نتيجة الغارات الجوية، كما تم استهداف قلعة “صيرة” العسكرية فى عدن، والتى ترجع إلى القرن الحادي عشر الميلادي.
محمية سقطرى:
تعد “سقطرى” احدى أهم المحميات الطبيعية في العالم، وتقع بالقرب من خليج عدن على بعد 380 كم جنوب السواحل اليمنية، وضمت فى عام 2008 لقائمة التراث الطبيعي العالمي المعتمدة من منظمة “اليونسكو”، نظراً للتنوع البيولوجي الهائل في النباتات والحيوانات والطيور، حيث أنها تشمل ما يقرب من 37% من أنواع النباتات، و90% من أنواع الزواحف, و59% من أنواع الحلزونيات البرية المتواجدة في “الأرخبيل” وغير المتواجدة في أي مناطق أخرى على مستوى العالم، بالإضافة إلى انها تحوي عدد 192 من الطيور المختلفة، و42 نوع نادر من الطيور، ويتعرض سكانها الصيادين الذين يقدرون 1.4 مليون نسمة لخطر المجاعة بسبب تردي الأوضاع المعيشية نتيجة الحصار الجوي المفروض على الجزيرة جراء الحرب، مما أدي إلى نزوح أكثر من 100 ألف نسمة، وتشريد 27000 نسمة من الأهالي.
متحف ذمار الإقليمي:
تعرض متحف “ذمار” الإقليمي في منطقة “هران” بمدينة “ذمار” للتدمير الكامل بسبب الغارات التي تشنها قوات التحالف بقيادة المملكة السعودية في آيار/مايو 2015، مما أدى إلى تدمير محتويات المتحف من غرف تخزين القطع الآثرية، ومعامل ترميم وصيانة وحفظ الآثار، بالإضافة إلى القطع الآثرية التى يرجع عمرها لآلاف السنين، والتحف الحرفية التي تقدر بـ 12.500 تحفة، كذلك لم تسلم المؤسسات الثقافية من القصف حيث تم قصف مبنى ومقر مؤسسة “السعيد” الثقافية في تعز، مما أدى إلى إحراق مكتبته التي تضم مئات آلاف الكتب القيمة.
الجهود الدولية لإنقاذ تراث وآثار اليمن الحضاري..
نظراً لاستهداف المواقع الآثرية والثقافية، أو استخدامها لأعمال حربية ضمن الصراع العسكري فى اليمن، وجهت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم “اليونسكو” نداء في حزيران/يونيو الماضي، لأطراف الصراع داخل اليمن، باحترام اتفاقية عام 1954 بشأن حماية المؤسسات الثقافية في حالة الحروب، حيث أن العديد من المدن والمواقع اليمنية مدرجة ضمن قائمة التراث العالمي، منها مدينة “شبام حضرموت” عام 1982، ومدينة “صنعاء القديمة” عام 1986، ومدينة “زبيد” عام 1993، وجزيرة “سقطرى” في عام 2008، وقد قامت “اليونسكو” بإصلاح الجسور والممرات الداخلية، وإعادة السور التاريخي لمدينة صنعاء ضمن الحملة الدولية لحماية صنعاء القديمة عام 1984.
كما حذر باحثون فرنسيون مجلس الأمن من النتائج الكارثية التي تسببت بها الحرب على وضع تراث وآثار اليمن، بمؤتمر استضافه البرلمان الفرنسي، وحضرته رئيسة لجنة الصداقة البرلمانية الفرنسية اليمنية في البرلمان الفرنسي، وممثل مكافحة تهريب التراث العالمي بمنظمة اليونسكو، ونددوا بخطورة الصمت على تدمير عشرات المواقع الآثرية والتاريخية بسبب قصف الطيران لمناطق تحتوي على مواقع آثرية، وخطورة الوضع الكارثي للتراث الثقافي لليمن، وشددوا على أهمية التراث المعماري اليمني المدرج على قائمة التراث العالمي باليونسكو، وضرورة الحفاظ عليه.
وللأسف منذ إعلان “اليونسكو” في اختتام اجتماع خبراء مجال التراث، المنعقد في مقر المنظمة بباريس فى تموز/يوليو 2015، عن خطة عمل طارئة للحفاظ على التراث الثقافي اليمني، والتي كانت تهدف إلى وضع آلية للتعاطي مع التهديدات المتواصلة والناتجة عن النزاع القائم للتراث الثقافي المادي وغير المادي، لم يحدث أي تحرك على المستوى القومي أو الدولي لترجمة هذه الخطة ميدانياً، وتفعيل دورها الرسمي وغير الرسمي لإنقاذ التراث الثقافي اليمني الذي يتعرض لخطر الانهيار والاندثار من جراء القصف الجوي الذي يقوم به قوات التحالف فى مناطق تاريخية تزخر بمئات المواقع والمتاحف الآثرية، التي تمثل حضارة اليمن وتراثه الممتد من آلاف السنين.