25 فبراير، 2025 12:24 ص

“حسنة أولهاشمي”.. امرأة قُدّت من بهاء وكأنها قصيدة قالها شاعر في لحظة منفلتة

“حسنة أولهاشمي”.. امرأة قُدّت من بهاء وكأنها قصيدة قالها شاعر في لحظة منفلتة

 

خاص: إعداد- سماح عادل

“حسنة أولهاشمي” شاعرة مغربية، صدر لها ديوانان هما:

– بريد الفراشات.

– من عين بومة.. مر فرح صغير.

القلق الإبداعي..

في حوار معها أجراه “جليد محمد” تقول “حسنة أولهاشمي” عن ديوانها “من عين البومة.. مر فرح صغير”: “عند مواكبتنا لمسار الكتابة الشعرية في شكلها التجريبي وفي تجديد الخطاب الشعري نجد أن الشاعر في منجزه الشعري يحاول أن يساءل الذات، ويحاول أن يقرأ العالم حوله برؤيته وقلقه الإبداعي والوجودي، فحتما سيكون هناك تطور خافق في منجزات وإبداعات الشعراء، وهذا التطور الحاصل نلمسه فيما تكتنز به النصوص من اشتغالات جديدة، حيث يعنى بالزمن النفسي في الكتابة ويصبح النزوح إلى الاهتمام بالذات كوسيلة للكتابة الشعرية الجديدة وخلخلة مداراتها وتعريتها وسبر أغوارها بالاحتكام للسؤال الفلسفي حينا والالتقاطة الروحية حينا آخر.

هذا التطور تتداخل فيه عوامل ذاتية وموضوعية وتتشابك فيه عناصر تداولية وفنية وجمالية. هكذا، فمن الطبيعي أن يلمس القارئ تحولا وتطورا في بنية الخطاب الشعري وفي شكل الكتابة الشعرية وعمق الرؤيا. مؤثرات عدة تتضامن في هذا التغيير والتطور، فتغتني حمولة النص سواء على مستوى المبنى أو المعنى”.

وتواصل عن ديوانها الأول: “ديواني الأول “بريد الفراشات” هو قبس من جرح طويل ومكابر، هو الجناح الذي علمني التحليق البطيء في سماوات الروح الوجلة، هو الجناح السري للالتواء في حمرة نار المعنى، هو الطريق المتعثر المنذور للذة الاكتشاف. وفي الديوان الجديد “من عين البومة.. مر فرح صغير” يد جريحة تواصل الركض، تستقصي، تسأل، تنقب عن جذور السؤال.

في الديوان الجديد، تحضر أسئلة الذات الكاتبة لتغوص لتقرأ سر علاقتها باليومي وتتسلق منافي القضايا الصغرى والكبرى، تكشف عن قلقها النفسي، تحاور الهم الكوني وتحرر الوجع الإنساني، أسئلة كثيرة تهيج فعل الكتابة ومواضيع جمة تطاردها النصوص وتتلقفها رئة المعنى وتتنفسها اللغة..

 

في الديوان الجديد “من عين البومة.. مر فرح صغير”، تشق الكلمة ثوب وعينا الشقي، ترسل لحونها بكامل فرحها الطفولي لتطل عبر فجوة الإنسان على نداءات الألم المكابر، على تخوم الألم المتعالي. الديوان يترك الكلمة للقارئ ليقتنص شهقات توزعت قبلا في نصوصه وقعتها صرخات الجسد والموت والفرح والوطن والحلم والحب والإنسان”.

مشاعر الخوف والغربة..

وعن عكس شعرها لمشاعر الخوف والفقدان والوحدة والغربة والعزلة والغياب والفراغ (داخل الوطن في الغالب). تقول: “حين تحضر القصيدة، تصبح قدرا قُدر ووقع وكفى، فهي لا تترك المجال لترتب لها ظروف الميلاد، ولا تقبل أن تحسب لها أو تدقق في لحظات سطوعها، ومتى تشربت القصيدة صدق إحساسنا وشفافية حسنا، فحتما ستترجم مشاعرنا كما هي، دون رتوشات وهمية تجعلنا مجرد كلمات آلية أو كائنات جافة تتصنع وتختفي خلف الشعور المزيف.

القصيدة تنمو فينا وفي لا وعينا، تخلصنا من ثقلنا متى تواطأت علينا المتاعب وتلاعبت باستقرارنا الآلام، تخلصنا من ضجيج ذواتنا فتجعلنا نقترب منا ونواجه عطبنا الداخلي بقوة أكثر، تجعلنا نواجه موتنا المتعدد في الواقع وفي الحياة، بالنسبة إلى نصوصي الشعرية وحضور تيمات كالموت والألم وطغيان مشاعر الحزن والفقد والغربة والغياب، هنا أقول إنه بيني وبين الكتابة لا توجد حجب أو جدران فاصلة.

فما أعيشه من إرباك ولن أقول قهرا على المستوى الصحي بفعل المرض المزمن وبفعل اللاحركيتي- لكي لا أقول “إعاقتي” لما في الكلمة من انتهاك للتسمية- أقول ما أعيشه من معاناة حتما سينعكس شئت أم أبيت على ما أكتب، فلن ألبس دثار البطولات وأنفي هذا الجانب الحساس والمهم في حياتي. فالألم مضاعف حتما حين يصفعك الموت في كل الأرجاء، فتخذلك أوطان لامتناهية، كنت تخال أنها مرفأك الآمن حين تخونك خطاك، ليس يسيرا أن ترى الوطن يقتل أمامك هكذا بكامل تدفقه، فبالنسبة إلي الحلم وطن والحب وطن والحرية وطن، فإن تعذر علي أن أنعم بكل هذه الأوطان، فلا عزاء لي إلا في وطن كبير يسمح لي بممارسة وجودي وأنا في تمام جرحي وكبرياء موتي.

الكتابة.. هذا الوطن الكبير. هنا سأقف وقفة خفيفة، لكن وجب الإشارة إليها، وتخص المتتبع والقارئ، وقد تكون مطبة لا أتمنى أن يسقط فيها هذا المتتبع القارئ، إذ قد يطلق البعض حكما مطلقا على نصوصي مثلا كونها تتشبع بالتراجيديا السوداء فقط، بحكم وضعي الصحي القاسي كسبب وحيد وواحد، ويختزل سر المنجز الشعري بأكمله في خانة محددة سوداء، لا ننسى أن الشاعر هو إنسان، فهو، بالتالي، ذاكرة موشومة بحيوات عدة وجراحات بعيدة وبطفولة مرتجفة، حيوات تتداخل فيها رواسب التنشئة وطبيعة البيئة، المحافظة خاصة، وكل ما يعلق بالجذور من تشنج عرفا وعادات وقبيلة”.

وتضيف: “غير أنه لا يجب أن نخنق الألم في الكتابة الشعرية ونضيق حياة أبعاده، فحين أشرح جرحي على طاولة النصوص، فأنا حتما أستأصل إيحاءات فلسفية جمالية تضع ميلادات حية وجديدة في دم المعنى، ميلادات تحاور ذاك الألم ليصبح فكرة جديرة بالتحقق ويصبح الجرح حياة جديرة بالعناق، مادام هذا الجرح قابلا للتحرر والاختراق، وقابلا لبعث جديد في الروح في القيم والإنسان.

في نصوصي الشعرية أحب أن أعيش الألم في كامل فرحي وأتلذذ موتي باقتناع، لن أختار الجمود والاستسلام، بل أحب أن أخوض المعركة بإصرار وأحيى ثورة الفعل. أفضل، بل أحب أن أخوض الطريق ولا أبقى جامدة. هنا أستحضر قولة فرناندو بيسوا حين يقول: “لا تحدق إلى الطريق، اسلكها”.. إلى جانب كل ما ذكرت حول انعكاس الحزن حول كتابتي الشعرية، لن أغفل ما يكابده أي شاعر يتأثر بما يحصل حوله في العالم، فكغيري تضيع روحي بين كل رجة حاصلة هنا أو هناك، في زمن الحروب والمجاعات والإبادة الإنسانية وتوالي المآسي وكل أنواع الخرابات. فما بوسع الشاعر إلا أن يوقع اكتواءه بجرات أقلام يتشارك الفردي والجمعي الهم والقضية والمصير”.

من عين البومة..

وفي مقال بعنوان (إضاءة وقراءة في ديوان “من عين البومة.. مرَّ فرح صغير” للشاعرة حسنة أولهاشمي) كتبها “محمد الصفى” فيها: “تقدم لنا الشاعرة والكاتبة حسنة أولهاشمي مجموعتها الشعرية «من عين البومة.. مرَّ فرح صغير» الذي يضم بين دفتيه خمسا وسبعين قصيدة نثرية، تنوعت من حيث الشكل وتوحدت من خلال الرؤيا والحمولة الفكرية، مكونة عِقدا سعت من خلاله للسعي والبحث عن سبيل أو وصفة للفرح في ظل مجموعة من الإكراهات والظروف التي بات يعيشها المرء، سواء مع نفسه – الذات – التي بات لا يعرفها حق المعرفة وهو ما أشارت له في بداية مجموعتها من خلال قولة بول فاليري “أسرار المرء الحقيقية، تخفى عليه أكثر مما تخفى على الآخرين” أو مع الآخرين.

قصائد استطاعت من خلالها الشاعرة كسر ذاك الجمود العمودي للقصيدة، مستحدثة نمطها المشبع بالصور الإبداعية والبلاغية الرائعة، فاتحة شهية القارئ عبر امتداد لغوي ودلالي لا نهاية له”.

ويكمل: “يتجلى بوضوح من خلال الديوان، النهج الذي سلكته الشاعرة والمتميز بالأسلوب الواعي المتسم بجماليات النص الشعري، ومحاولة رصد الصورة الشعرية في شكلها الرمزي والدلالي تجاه الآخر أو تجاه الذات، وذلك بشكل لافت لما تتضمنه قصائدها من تراكيب فكرية وشعورية منبثقة من حمولة داخلية مشبعة بالأحاسيس والحس المرهف، شأنها شأن غالبية النساء اللواتي امتطين صهوة الشعر واعتلين مقاماته لما يتميز به من أسلوبهن وتعبيرهن المركز والمشحون بالمعاناة، لتبقى المقاربات الجمالية التي أسست عليها قصائد الديوان، وما تحتويه من علاقات وظواهر نفسية وشعورية تجاه ما يحيط بالشاعرة في عالمها الداخلي – الذات – والخارجي – الآخر – لتتوحد الصور والرؤيا معا في حالة واحدة.

صور للتراكيب المتناقضة والظواهر والأحاسيس الشعورية، وكذا حيز الإيحاءات والتأويلات التي بنيت عليها، مما يتطلب منا عند قراءة أو فهم شعر الشاعرة حسنة أولهاشمي، الإحاطة بكل هذه العوالم النفسية، سيما أنها خلقت تفاعلا ما بين ما هو شعري وسردي في أغلب قصائدها، فهي تكتب الشعر بطريقة القصة والقصة بأسلوب الشعر، وهو ما يبين أننا أمام كتابات للنص المثقف المليء بالإحالات والإيحاءات، وكذا بعض الأسماء والأماكن التي تحتاج من القارئ البحث عنها ومعرفة مرجعياتها وخلفياتها، مما يبرز سفينة الشعر التي تمتطيها شاعرتنا، سفينة حركة التجديد في الشعر العربي التي تستخدم الرموز والإيحاءات بتعبير مركز ومشحون بالمعاناة، والكلمة عندهم عالم منفصل، مليئة بالأحاسيس الفياضة والصادقة النابعة من دواخلهم”.

بريد الفراشات..

في مقالة بعنوان “الكتابة والجسد في بريد الفراشات للشاعرة المغربية حسنة أولهاشمي”، كتب “حميد ركاطة”: “تميز ديوان “بريد الفراشات” للشاعرة المغربية حسنة أولهاشمي، بارتكازه على بلاغة الاستعارة، والكتابة على سارية الجسد. جسد اتخذ صيغة ومفهوما جمعيا، كما تم إبراز طقوس الكتابة، مع الكشف عن دلالة المكان، وصورة وطن، وتاريخ المنسيين داخل حلم مؤجل.

كما عملت الشاعرة في قصائدها على استحضار بعض الرموز التاريخية، إلى جانب اهتمامها بالقضية الفلسطينية، وكذلك صورة الأب، التي ظلت مهيمنة بقوة إلى جانب صورة الطفولة المغتصبة، والخيانة، والحب المتمنع في العلاقات الحميمة. ف”بريد الفراشات” هو حلم مؤجل، في بلدة تنسكب في أعماق ساكنتها نار الانتظار، ووقع الهزيمة، وسيتأخر فيها بريد الفراشات التي غفت في سرير واديها المنسي”.

وفاتها..

توفت “حسنة أولهاشمي” يوم 8 مارس 2022.

ونعاها الروائي “مصطفى لغتيري”، الذي سبق له أن كتب تقديم ديوانها بريد الفراشات: “لو اجتمع لطف العالم كله ليشكل بلبناته النورانية قلبا طيبا رحيما ما كان ليحمل من الأسماء سوى حسنة أولهاشمي. إنها امرأة قُدّت من بهاء، في زحمة الحياة التي تحاصرنا تلتحف هذه الحسنة الصفاء والنور، وتخطر بيننا، غير آبهة بما يشغل الناس من توافه الدنيا ومشاغلها، شامخةً أبية تمضي في حياتها، حاملةً في قلبها عشقًا خاصا للكلمة وللحرف، تمحضهما الكثير من الشغف والاهتمام، وكأنها هي نفسها قصيدة قالها شاعر في لحظة منفلتة فتشكلت بعد حين امرأة مبدعة”.

“تحت شجرة تين جارتنا القديمة”..

 قصيدة “حسنة أولهاشمي”

كانت صديقتي الصبية ساعة اللعب

تحشو بطنها بقطع الثوب

ينتفخ بطنها

تتدلل

تصير أما

أصير صغيرتها المطبعة

أتبع أسراب صغار النمل

اتقفى صوت التراب

اركب ظهر أسئلة فتية

يسقط الفرح

و لا يسقط المنى..

الآن صارت صديقتي أما حقيقية

و أنا أصبحت ريحا متمردا

منكمشا في كف الحلم

ريحا

كانت قبلا

في جوف عروس الفصب

تروض خوفي

على ابتلاع لحون الموت

لتمدد ثقوب الفرح

على خصر النايات..

ليتني وقتها

حشوت بطني بقطع الشمس

لأنجب الآن

وطنا غير وديع

و أصير أما

يسع حضنها

جرح أمي ..

من ديوان ” من عين البومة .. مر فرح صغير “.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة