29 نوفمبر، 2024 5:44 ص
Search
Close this search box.

بديع خيري.. من أهم كتاب المسرح وكتب أغاني لثورة 1919

بديع خيري.. من أهم كتاب المسرح وكتب أغاني لثورة 1919

خاص: إعداد- سماح عادل

“بديع خيري” مؤلف مسرحي مصري. أشتهر بتقديم الكثير من الأعمال المسرحية مع “نجيب الريحاني” في فترة العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي.

حياته..

ولد “بديع خيري” واسمه “بديع عمر خيري” في 17 أغسطس 1893 في حي المغربلين أحد أشهر الأحياء الشعبية بالقاهرة، ودخل الكتاب وحفظ القرآن وكتب الزجل في سن مبكر من عمره ثم أنهى دراسته وعين مدرسا، بدأ بكتابة المونولوج ثم كتابة المسرحيات فكانت أول مسرحياته هي “أما حتة ورطة” كان عام 1918، وقبل شهور من قيام ثورة 1919، هو العام الفارق في حياة “بديع خيري”، وربما في تاريخ المسرح المصري ككل، وذلك عندما التقى لأول مرة مع صديقه “نجيب الريحاني”، حيث كانت أول تجربة فنية جمعتهما في رواية “على كيفك”.

المسرح المصري..

ترى كثير من الدراسات التي أجريت على المسرح المصري أن “بديع خيري” هو أبرز كتاب المسرح المصري في القرن العشرين، كما أنه أول من كتب للسينما المصرية، كان “خيري” فنانًا متعدد المواهب منذ نعومة أظافره، فهو الزجال والكاتب المسرحي المرموق، والممثل والملحن، وبكل هذه المواهب شكل “بديع خيري” مع “نجيب الريحاني” أعظم ثنائي مسرحي في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، وكان “بديع خيري” بكل تأكيد هو السبب الرئيسي لسطوع ظاهرة “نجيب الريحاني”.

وعند التطرق لأسباب النبوغ المبكر ل”بديع خيري”، سنجدها تعود لمرحلة التأسيس، فقد نجح بذكاء شديد في العناية بموهبته، بداية من حفظ القرآن في سن مبكرة، وصولًا للاهتمام بدراسته في إحدى المدارس الأميرية بحي المغربلين، كما أنه اختار مجالًا للعمل ساعد على زيادة معارفه، فعندما تخرج عام 1905 في معهد المعلمين، وعين مدرسًا للجغرافيا واللغة الإنجليزية، وساعده عمله ومعرفته باللغة على تفتيح مداركه لعشق الشعر وكتابته، ولذلك ليس غريبًا أن أول قصيدة ل”خيري” قام بكتابتها في عمر الثالثة عشرة، وكانت باللغة العامية، وكتبها تحت اسم مستعار اختاره لنفسه هو “ابن النيل”، واستمر “خيري” في كتابة القصائد بعدها في صحف “الأفكار” و”المؤيد” و”الوطن” و”مصر”.

لم يكن “بديع خيري” يتوقف عن التعلم ومحاولة تطوير نفسه، فقد انضم إلى جمعية التمثيل العصري، التي كانت تقام فيها الندوات والحلقات الدراسية حول المسرح الفرنسي، وفى عام 1912 تعرف “بديع خيري” على فنان الشعب “سيد درويش”، ثم بدأ في تأسيس فن الأوبريت الراقص في مصر، وكان أول عمل من هذا النوع الفني الجديد يحمل اسم “الجنيه المصري”، وفي عام 1917 قبل انشغاله بتجربته مع الريحاني، قام بتأسيس المسرح الأدبي، بالإضافة لتأليف بعض المسرحيات لفرقة عكاشة، ثم بدأ في الكتابة للسينما المصرية، فكان “بديع خيري” أول من كتب لها، سواء في عهد السينما الصامتة أو الناطقة، من خلال تأليفه للحوار والقصة والأغاني، وكان أول أفلامه الصامتة “المندوبان”، بينما كانت أبرز بداياته في السينما الناطقة في أفلام “العزيمة” و”انتصار الشباب”.

حاول “بديع خيري” تكوين فرقة مسرحية مع فنان الشعب “سيد درويش في عام 1922، وخرجت للنور بمسرحية تحت عنوان “الطاحونة الحمراء” من تأليف “بديع خيري”، لكنه اضطر إلى العودة لمواصلة تجربته مع رفيقه “الريحاني”، بعد عودته من رحلة غير موفقة إلى الشام، حيث قدما معًا أوبريت “الليالي الملاح” في مارس عام 1923م، وأوبريت “الشاطر حسن”، وبعد عودة “سعد زغلول” وإفراج السلطات البريطانية عنه، قدم “بديع خيري” أوبريت “البرنسيس”، وفي عام 1924 عرضت فرقة “الريحاني” من تأليف “بديع خيري” أوبريت “أيام العز” و”الفلوس” و”مجلس الأنس” و”لو كنت ملك”، وفي أواخر العام نفسه كتب “خيري” مسرحيته التاريخية “محمد علي وفتح السودان”، وحصل بها على الجائزة الثانية من وزارة الأشغال.

سافر نجيب الريحاني وفرقته في جولة فنية إلى البرازيل عام 1924، فقرر خيري التوجه إلى كتابة المسرحيات للفنان “علي الكسار”، حيث كتب له مسرحية “الغول”، وفي أواخر نفس العام، أعادت “منيرة المهدية” تكوين فرقتها من جديد، فكتب لها “خيري” أوبريت “الغندورة” الذي عرض في بدايات عام 1925، نجح الأوبريت ولاقى استحسانًا من النقاد، فكتب لها خيري أوبريت “قمر الزمان”، ثم أوبريتات “حورية هانم” و”الحيلة”.

في عام 1926، واصل “على الكسار” الاستفادة من إبداعات “خيري” فقدم من تأليفه مسرحية “الوارث”، وفي تلك المرحلة كان “بديع خيري” يستعين في كتابة المسرحيات بتقنية خيال الظل، في صنع الحبكة الدرامية لمسرحياته، ورسم بعض مشاهدها، وظهر ذلك في مسرحيات “ليلة جنان” و”علشان بوسة”، كما وظف فن الأراجوز أيضًا في مسرحياته، والتي كتبها للسخرية من الشخصيات الأجنبية المحتلة داخل المجتمع المصري، وقد صدرت دراسة رائدة للباحث، وأستاذ المسرح في جامعة حلوان د.نبيل بهجت، تطرق فيها بالتحليل الكامل لتلك التقنيات التي استخدمها خيري، كما تطرق كتابه الموسوعي الصادر عن دار ميريت للنشر بالقاهرة، لحياة بديع خيري كاملة، كما قام بتوثيق الأعمال الكاملة لبديع خيري في المسرح.

ورغم الصداقة الطويلة بين “بديع خيري” و”نجيب الريحاني”، فإن هناك واقعة تاريخية طريفة جمعت بينهما، حيث ظل “نجيب الريحاني” لسنوات يعتقد أن صديقه “بديع خيري” مسيحي الديانة، حتى توفيت والدة “بديع خيري”، وذهب “نجيب الريحاني” للعزاء، فوجد القرآن الكريم يتلى في سرادق العزاء، فسأل نجيب الريحاني بديع خيري مستفسرًا “هل أنت مسلم؟”، فرد عليه بديع خيري “نعم مسلم”، فقال الريحاني “كنت أظنك مسيحيًا.. لماذا لم تخبرني من قبل؟!، فأجاب بديع خيري “لأنك لم تسألني من قبل”.

ومن الأعمال السينمائية التي قام “بديع خيري” بكتابة الحوار بها: (العزيمة- الباشمقاول- أنشودة الراديو- انتصار الشباب- جمال ودلال- ما أقدرش- ورد الغرام- لهاليبو- أحمر شفايف). والعديد من الأعمال الأخرى.

وأنجب الفنان “بديع خيري”، الممثل عادل خيري، “بطل المسرحية الشهيرة إلا خمسة”، كما أنه جد للفنانة “عطية عادل خيري”، مخرجة الرسوم المتحركة.

كاتب الثورة..

تحكي الحفيدة “عطية عادل خيري”: عن الجد “بديع خيري” الذي يعد كاتب أهم أغاني ثورة 1919 ومنها “قوم يا مصري، ويا بلح زغلول”، وهو المبدع متعدد المواهب، فهو رائد المسرح، وشاعر ومؤلف وكاتب سيناريو، شريك وصانع مسرح الريحاني ورفيق عمره، وصديق وصانع روائع فنان الشعب “سيد درويش” الذي جسد كل معاني التعايش معبرا عن هذا الانصهار بين أبناء الشعب المصري والشعوب التي انصهرت معه، فكتب الزجل والأغاني بلسان المصري والسوداني والإيجريجي «دنجى.. دنجى»، «مخسوبكوا أنداس»، وغنى بلسان الموظف والشيال والصعيدي والفلاح والجرسون الصحفي «شد الحزام على وسطك، يا حلاوة أم إسماعيل، هز الهلال ياسيد، الحلوة دي قامت تعجن، البحر بيضحك ليه، اقرأ يا شيخ فقاعة تلغراف آخر ساعة، آه ده اللي صار»، وتنوعت إبداعاته فكتب أجمل أغاني محمد فوزي «شحات الغرام، وليا عشم وياك ياجميل»، ولأسمهان «عليك صلاة الله وسلامه»، كما كتب سيناريو أول فيلم عربي يتحدث عن الحارة المصرية وهو فيلم «العزيمة»، وفضلا عن كل هذه المواهب أصدر عددا من الصحف والمجلات، ومازال إبداعه منبعا وملهما لعشرات الفنانين الذين أعادوا تقديم روائعه الصالحة لكل زمان ومكان.

تقول الحفيدة: “عاصرت جدي وأتذكره أكثر من أبى الذي توفى وأنا في عمر 6 سنوات، بينما مات جدي وعمري 9 سنوات. كنا متعودين نقضى أنا وإخواتي أجازات نهاية الأسبوع في بيت جدي وكنت أستعمره حين أراه وأدخل غرفته ولا أتركه، وكان يحكى لي المغامرات وقصص الأنبياء، وكان البيت عبارة عن طابقين بسلم داخلي وبطول هذا السلم وضع جدي صور كاريكاتير لكل نجوم الكوميديا فى عصره، نجيب الريحاني وسليمان نجيب، وبشارة واكيم، وشرفنطح وغيرهم. كان أكثر ما يضايق جدي أن آخذ أحد الأقلام الصغيرة التي يحتفظ بها”.

وتقول بفخر: “مفيش حد موهوب في جميع فروع الفن مثل جدي، فلم تقتصر مواهبه على الكتابة والتأليف شعرا ومسرحا وسينما وأغاني ولكنه قال في أحد البرامج النادرة إنه لحن وغنى، وكان عايش مع الناس ولا يتعالى بفنه على الجمهور وله موقف من كل الأحداث حوله وترجم ذلك في أعماله لذلك عاش فنه”.


وتضيف: “أصدر جدي عددا من المجلات ومنها مجلة ألف صنف التي أصدرها عام 1925، وكتب فيها الكثير من المقالات والأزجال السياسية. وأصدر 4 مجلات ضد الاحتلال، الذي أغلق مجلة ألف صنف وبعدها أسس خيري مجلة «الغول»، وكتب في الترويسة «هذه المجلة لترهيب الاستعمار» فتم إغلاقها، ثم افتتح مجلة «النهاردة»، وكتب في الترويسة «المجلة للدفاع عن الدستور»، فأغلقت أيضًا، ثم أسس مجلة «مصر الحرة». وكان يستقبل مقالات وأزجال بيرم التونسي التي يرسلها من المنفى وظل يرسل له مقابلا ماديا لهذه الأعمال حتى بعد إغلاق المجلات ليساعده على المعيشة في المنفى”.

وفاته..

رحل “بديع خيري” في فبراير عام 1966، بعد أن ترك بصمة مع الرواد “الريحاني” و”على الكسار”، ساهمت في إعلاء اسم مصر في الساحة الثقافية والفنية العربية، على مدار عقود طويلة.

 

 

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة