25 ديسمبر، 2024 8:48 ص

“بدر شاكر السياب” .. احتفى بالأسطورة وتخلد شعره لدى العرب

“بدر شاكر السياب” .. احتفى بالأسطورة وتخلد شعره لدى العرب

خاص : كتبت – سماح عادل :

هو أحد أهم الشعراء العرب في العصر الحديث.. شاعر عراقي ولد في قرية “جيكور”، قرية صغيرة تابعة لمحافظة البصرة، في 25 كانون أول/ديسمبر 1926، والده هو “شاكر بن عبد الجبار بن مرزوق السياب”، كان تاجراً، ووالدته هي “كريمة بنت سياب”، توفيت وهو في السادسة من عمره، وكان لوفاة أمّه أثر عميق في حياته، درس الابتدائية في مدرسة “باب سليمان” ثم انتقل إلى مدينة البصرة ليتابع دروسه الثانوية، ثم انتقل إلى بغداد للالتحاق بدار المعلمين العالية، وتخصص في اللغة العربيّة ودرس سنتين الأدب العربي، وفي 1945 درس اللغة الإنكليزية، وتخرّج من الجامعة عام 1948.

حياته..

أثناء دراسته مال إلى الاتجاه اليساري، وانخرط في النضال الوطني في سبيل تحرير العراق من الاحتلال الإنكليزي، وفي سبيل القضية الفلسطينية، ثم التحق بوظيفة معلم للغة الإنكليزية في “الرمادي”، وبعد عدة أشهر فُصل بسبب اتجاهه السياسي ودخل السجن، وحين خرج من السجن عمل في أعمال حرة متنقلاً ما بين البصرة وبغداد، وفي 1952 غادر العراق وتوّجه إلى إيران ثم إلى الكويت، وذلك بسبب اشتراكه في احتجاجات ومظاهرات، وفي 1954 عاد “السياب” إلى بغداد وعمل في وظيفيتين الصحافة والعمل في مديرية الاستيراد والتصدير.

رحب “السياب” بثورة 14 تموز/يوليو سنة 1958 وأيدها، وانتقل إلى تعليم اللغة الإنكليزية، وفي 1959 انتقل إلى السفارة الباكستانية للعمل بها، ثم بعد تركه للحزب الشيوعي عاد إلى عمله في مديرية الاستيراد والتصدير، ثم عمل في مصلحة الموانئ في مدينة البصرة.

قارئاً نهماً..

كان “السياب” قارئاً نهماً, يقول صديقه “فيصل الياسري”: “وكان السياب قارئاً مثابراً فقد قرأ الكثير في الأدب العالمي والثقافة العالميّة، كما أنه قرأ لكبار الشعراء المعاصرين قراءة أصيلة عن طريق اللغة الإنكليزية التي كان يجيدها، وكان يقرأ الكتب الدينية كما يقرأ الكتب اليسارية”، ويضيف عن حبه للبصرة: “وكذلك السيّاب لم يكن كثير الكلام، ولكنه كان يفتخر أنه من البصرة، المدينة التي أنجبت الأخفش وبشار بن برد والجاحظ وسيبويه والفرزدق وابن المقفع والفراهيدي واضع عروض الشعر”.

مراحل شعره..

بدأ “السياب” بداية كلاسيكية في كتابة الشعر، ثم تأثّر بتيار الرومانسية خاصة برومانسية الشاعر الفرنسي “بودلير”.. كان التأثر بالرومانسية المرحلة الأولى، أما الثانية فهي مرحلة الخروج من الذاتية الفرديّة إلى الذاتية الاجتماعية، وقد كتب الشعر متأثراً بنزعته الاشتراكيّة عن هموم الشعب، وهاجم الظلم، ثم اتجه بعد ذلك إلى الواقعية الجديدة وفي تلك المرحلة اهتم بتحليل المجتمع بعمق، وبتصوير حال الناس تصويراً واقعياً، وكان في تلك الفترة قد اتجه إلى الاتجاه القومي بعد تركه للحزب الشيوعي، وفي هذه الفترة من حياته كان معروفاً بنزعته القوميّة العربيّة، وكان انجازه الشعري متميزاً حين اتجه إلى الواقعية في كتابة الشعر، وظهر ذلك التميز في قصائد “حفّار القبور”، “المومس العمياء”, “الأسلحة والأطفال”، كما نال ديوان (أنشودةّ المطّر) احتفاءً كبيراً ليس في العراق وحدها وإنما في العالم العربي لأنه أبدع فيه، وفي هذا الديوان نماذج كثيرة للقصيدة العربية الحديثة، التي تجمع بين شكل فني حديث، ومضمون اجتماعي هادف، ومن أشهر قصائد هذا الديوان “أنشودة المطر”، و”مدينة السندباد”؛ و”النهر والموت”، و”بروس في بابل”، وقصيدة “المسيح”.

حركة الشعر الحر..

قام بعض رواد الشعر في العراق, ومنهم “بدر شاكر السياب”, بمحاولات للتجديد في شكل القصيدة العمودي المعروف، والتحرر من القافية ورتابتها في الشعر العربي.. بالنسبة للسياب كان تأثره بالشعر الإنكليزي هو ما دفعه للتجديد، شاركه في ذلك السعي للتجديد, وإنشاء ما عرف بعد ذلك بحركة الشعر الحر, الشاعر “عبد الوهاب البياتي” والشاعرة “نازك الملائكة”، حيث أرادوا نقل الحرية التي لمسوها في الشعر الغربي إلى الشعر العربي، وقد كانت هناك محاولات من قبل هؤلاء الشعراء الثلاثة للتغيير في شكل القصيدة العربية، ولكنها لم تؤخذ مأخذ الجد وكانت بمثابة إرهاصات، وأما الشعراء الثلاث فقد دافعوا عن اتجاههم الجديد باستماتة وأصبح تياراً شعرياً جديداً تأثر به باقي الشعراء العرب في ذلك الوقت، ومع ذلك اختلف الباحثين حول نسبة الريادة لهذا التجديد في شكل القصيدة ما بين “السيّاب” و”نازك الملائكة” أيهما سبق إليها.

سمات شعره..

تميز شعره ببعض السمات هي:

  • ظهور روح الشعر العربي التقليدي من خلال جزالة اللفظ وحسن السبك واهتمامه بالعروض اهتماماً خاصاً.
  • استخدام الأسطورة والرمز.. معظم قصائده بها أسطورة أو رمز, وأحياناً تصبح الأسطورة جزءاً من القصيدة كما في “مدينة بلا مطر”، وكان عالم الاسطوره عالماً غنياً بالنسبة له نتيجة لشعوره بالاغتراب وسعيه للهروب من واقعه.
  • الموسيقى الحادة, والاستفادة من الأوزان.
  • استفاد الشاعر من بحور الشعر العربي فأجاد في استعمال بحر (الرجز), كما في “أنشودة المطر”.
  • الانسياح بدل التمركز، قصيدة “السياب” مثل الدوائر المائية إنها تنساح وتنساح حتى تتلاشى وهي تتسع بدلاً من أن تتعمق, والانسياح لم يأت على حساب التركيز ولم يفقد القصيدة كثافتها.
  • العفوية، قصيدة “السياب” مكتوبة بوعي, ولكن الصناعة فيها لا تكشف عن نفسها، تشعر أكثر بأنه شاعر عفوي.

الترجمة..       

إجادة “السيّاب” للغة الإنكليزية جعلته يتجه إلى ترجمة كثير من أعمال أدباء العالم، فقد ترجم “السيّاب” للشاعر الإسباني “لوركا”, وللشاعر الأميركي “إزرا باوند”, والهندي “طاغور”, والتركي “ناظم حكمت”, والإيطالي “أرتورو جيوفاني”, والبريطانيان “تي. إس. إليوت” و”إديث سيتويل”, ومن تشيلي “بابلو نيرودا”.. وقد أصدر مجموعة ترجماته عام 1955 في كتاب بعنوان: (قصائد مختارة من الشعر العالمي الحديث).

زواجه..

مر الشاعر بعدة تجارب حب فاشلة, إما من طرفه هو فقط أو بسبب صعوبات من الخارج، وكان حظه في الحب سيئاً وظهر ذلك في بعض قصائده، تزوج “السياب” احدى قريباته، وكان زوجاً وفياً حنوناً وأنجب ثلاثة أبناء “غيداء وغيلان وآلاء”.

أعماله..

1 . أزهار ذابلة – القاهرة – 1947.

2 . أساطـير – النجف.

3 . حفار القبور – بغداد – 1952.

4 . المومس العمياء – بغداد – 1954.

5 . الأسلحة والأطفال – بغداد – 1954.

6 . أنشودة المطر – بيروت – 1960.

7 . المعبد الغريق – بيروت – 1962.

8 . منزل الأقنان – بيروت – 1963.

9 . أزهار وأساطير – بيروت.

10 . شناشيل ابنة الجلبي – بيروت – 1964.

11 . إقبال – بيروت – 1965.

13 . قيثارة الريح – بغداد – 1971.

14 . أعاصير – بغداد – 1972.

15 . الهدايا – بيروت – 1974.

16 . البواكير – بـيروت – 1974.

17 . فجر السلام – بيروت – 1974.

الترجمات الشعرية..

1 . عيون إلزا أو الحب والحرب: عن أراغون – بغداد.

2 . قصائد عن العصر الذري: عن ايدث ستويل.

3 . قصائد مختارة من الشعر العالمي الحديث.

4 . قصائد من ناظم حكمت: بغداد – 1951.

رأي النقاد..

يقول الناقد “عبد الرضا علي” عن الأسطورة في شعر “السياب”: “أن التراث العربي كان عاملاً إضافياً لنزوعه إلى الأسطورة والرمز، لذا فإن اندفاع “السياب” لأجزاء من أساطير كتاب (الغصن الذهبي) لإليوت لاسيما أساطير الخصب والنماء، وبصورة أخص لرمز “تموز” ما يبرره في تجربته الشعرية، فهو الرمز الذي تتوحد فيه كل رموز التضحية من أجل إعادة الحياة ودفع الموت بشكل مأساوي حاد”.

ويقول “جبرا إبراهيم جبرا”: “كانت السنوات الثلاث الأخيرة من حياته فترة رهيبة, عرف فيها صراع الحياة مع الموت، لقد زجّ بجسمه النحيل وعظامه الرقاق إلى حلبة هذا الصراع الذي جمع معاني الدنيا في سرير ضيق، حيث راح الوهن وهو يتفجر عزيمة ورؤى وحباً، يقارع الجسم المتهافت المتداعي، وجه الموت يحملق به كل يوم فيصدّه الشاعر عنه بسيف من الكلمة، بالكلمة عاش “بدر” صراعه، كما يجب أن يعيش الشاعر، ولعل ذلك “البدر”، كان الرمز الأخير والأمضّ، للصراع بين الحياة والموت الذي عاشه طوال عمره القصير على مستوى شخصه ومستوى دنياه معاً، فهو قبل ذلك إذ كان جسده الضامر منتصباً، خفيفاً، منطلقاً يكاد لا يلقي على الأرض ظلاً لشدة شفافيته، كان أيضاً في زحمة الصراع بين الخير والشر، بين الحب والبغضاء، بين الموت والقيامة، لقد كان تعلقه بهذا الصراع انتصاراً للخير والحب والقيامة”.

أما “ناجي علوش” فيرى انه: “لم يستخدم شاعر عربي الأسطورة كما استخدمها “بدر” ولقد أكثر منها حتى أصبح من النادر أن تخلو قصيدة من قصائد “بدر” من رمز أو أسطورة”.

ويقول “السياب” نفسه, في إحدى المقابلات الصحافية معه: “هناك مظهر مهم من مظاهر الشعر الحديث, هو اللجوء إلى الرمز أو الأسطورة، ولم تكن الحاجة إلى الأسطورة أمسّ مما هي اليوم، فنحن نعيش في عالم لا شعر فيه، أعني، أن القيم التي تسوده قيم لا شعرية والكلمة العليا فيه للمادة لا للروح”.

وقال في حوار أجراه “كاظم خليفة”: “إن العرب عرفوا الرموز البابلية بين عهد إبراهيم والبعثة النبوية، فالعزى هي عشتار واللات هي اللاتو، ومناة هي منات وود هو أودون أو السيد، وإذا جاء الإسلام ليقتلع اللات والعزى فمن الخير أن لا نستعمل اليوم هذه الأسماء فراراً من تهمة التحدي ونستعمل بدلها الأسماء البابلية، وقد يقال أن هذه عودة إلى الإقليمية، فالذين يريدون انفكاك العراق من الرابطة العربية يحاولون أن يربطوه بالتاريخ البابلي”.

مرضه..

في سنة 1961 بدأت صحة “السياب” بالتدهور، ثم انتابته حالة الضمور في جسده وقدميه، وظل يتنقل بين بغداد وبيروت وباريس ولندن للعلاج دون تحسن، ثم ذهب إلى الكويت لتلقي العلاج في المستشفى الأميري، وتوفي بالمستشفى هناك في 1964 عن عمر 38 عاماً ودفن في مقبرة الحسن البصري في الزبير.

فيلم عن حياته:

قصيدة وصية من محتضر:

https://www.youtube.com/watch?v=WJ5aAzPTxsY

قصيدة منزل الاقنان بصوته:

الوصية وسفر ايوب بصوته:

قصيدة الثورة:

قصيدة أنشودة المطر:

https://www.youtube.com/watch?v=Ibxmn1GuiFk

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة