8 أبريل، 2024 5:38 ص
Search
Close this search box.

ماذا كتب أشهر الروائيين عن الرواية (12) .. غرهام غرين : الروائي ممثل عاش أدوار كثيرة !

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص : كتبت – سماح عادل :

“جراهام غرين” روائي بريطاني شهير.. عمل أيضاً صحافي، وكاتب مسرحي، وكاتب سيناريو.. ولد في 1904 ومات عام 1991، ويعتبر أحد أشهر الروائيين المعاصرين.. كتب حوالي 30 رواية ومجموعة قصصية، وقد عبر في رواياته عن مأزق الإنسان المنهار في القرن العشرين، وعن الازدواجية في العقل البشري، وعن تعاسة وقسوة الحياة الاجتماعية لإنسان المدينة.. وسنستعين في هذه الحلقة من الملف بكتابه (تجربتي في كتابة الرواية), ترجمة “أحمد عمر شاهين”.

بداية كتابة الراويات..

يحكي “غرين” في  كتابه عن بدايته: “نصف قرن قد مر على كتابتي رواية (الرجل الذي بداخلي) أول رواية أجد لها ناشراً، كنت في الثانية والعشرين حين بدأتها، وكنت في إجازة من جريدة (التايمز) التي أعمل بها، كانت هذه الرواية الرمية الأخيرة للنرد في لعبة خسرتها فعلاً، فقد رفض الناشرون روايتين لي، وكنت مصمماً إذا فشلت هذه الرواية أن أتخلى نهائياً عن الطموح السخيف في أن أصبح روائياً.. أنهيت روايتي الأولى الفاشلة وأنا ما زلت طالباً في “أكسفورد”، كان موضوعها كغيرها من الروايات الأولى الطفولة والتعاسة، والرواية الثانية الفاشلة كانت عن شاب انكليزي يتشوق للهروب من طبقته، ونجحت روايتي(الرجل الذي بداخلي) نجاحاً مؤقتاً، وبعد عشرين سنة قام “سدني بوكس” بتحويلها إلى فيلم ملون”.

ويواصل: “روايتي (اسم العمل) التي نشرت في 1930, وروايتي الثالثة (إشاعة عند هبوط الليل) سنة 1931 أوقفت إعادة طباعتهما، وهما من الرداءة بحيث أنهما تحت مستوى النقد، السرد فيهما مسطح ومتكلف، وفي حالة رواية (إشاعة عند هبوط الليل) فهناك إدعاء ولغة طنانة ويمكن القول أنه لا يوجد فيها خلق للشخصيات الروائية، اذكر تلك السنوات 33 : 1937 كسنوات وسطى لجيلي يظللها الكساد الذي ساد بظله على الكتاب إضافة إلى صعود “هتلر” إلى الحكم في ألمانيا فكان من الصعب تلك الأيام ألا يكون المرء ملتزماً”.

ويضيف مواصلاً الحكي عن كتاباته: “كانت تلك الفترة في سنة 1935, مرحلة انجرف فيها الكتاب الشباب للقيام برحلات متعبة بحثاً عن مادة غريبة، وكانت لدي ذكريات عن المكسيك وليبيريا، كنا جيلاً نشأ على قصص المغامرات في ذلك الوقت, 1935, لم أكن قد خرجت من أوروبا بل لم أكن غادرت انكلترا إلا فيما ندر، وإن أختار ليبيريا للسفر إليها كان عملاً متهوراً، قبل أن أبدأ كتابة كتاب عن رحلتي في ليبريا بدا لي الأمر سهلاً, لكن حين عدت وواجهت المادة التي أعددتها داهمتني لحظة من اليأس ورغبت في التخلي عن المشروع، يوميات كتبها شخص متعب بقلم رصاص وعدة صور فوتوغرافية التقطت بكاميرا “كوداك” قديمة، وذكريات عن الجرذان وعن الإحباط والملل العميق في رحلة الغابة الطويلة البطيئة، كيف يمكنني أن أكتب كتاباً عن كل هذا، ولكني أنفقت كل ما اعطانيه ناشري من نقود ولن استطيع أخذ المزيد حتى أنهي الكتاب، كتبت بلسان راوي يحكي تجربته الذاتية، مرت أكثر من أربعين سنة منذ كتبت هذا الكتاب ولا استطيع الآن تحمل قراءته كاملاً مرة ثانية”.

الشخصيات..

عن الشخصيات الروائية يقول “غرين”: “الشخصيات الرئيسة في رواية ما لابد بالضرورة أن يكون لها صلة بالروائي فهي تخرج منه كما يخرج الطفل من الرحم، ثم يقطع الحبل السري وتترك الشخصيات لتنمو مستقلة، وكلما عرف الروائي نفسه أكثر استطاع أن يبعد نفسه عن شخصياته المبتكرة، وأن يتيح لها مساحة أكبر لتنمو خلالها في هذه الروايات المبكرة لي لم يكن الحبل السري قد قطع بعد، والروائي في سن السادسة والعشرين كان زائفاً بالنسبة لنفسه، كنت أحاول كتابة أول رواية سياسية دون أن أعرف شيئاً عن السياسة”.

ويضيف: “من النادر أن استخدم في روايتي شخصيات تتطابق مع أشخاص أحياء أعرفهم وإذا فعلت يكون ذلك في الشخصيات الثانوية وليس الرئيسة، اعرف جيداً من التجربة أنه يمكنني خلق شخصية ثانوية وعابرة مستوحاة من شخص حقيقي، فالشخص الحقيقي يقف عقبة في طريق الخيال، من الممكن أن آخذ منه لازمة معينة في الكلام، سمة بدنية، لكني لا استطيع أن أكتب إلا صفات قليلة قبل أن أدرك أني لا أعرف ما يكفي عن الشخصية لاستخدامها حتى لو كان صديقاً قديماً”.

وعن الشخصيات الرئيسة يقول: “في معظم كتبي ومهما كنت أعرف المشهد الذي أكتبه جيداً تظل هناك شخصية ترفض بعناد أن تصبح شخصية حية، وتوجد فقط من أجل الرواية، والحقيقة المؤسفة أن الرواية ليس فيها متسع إلا لعدد محدود من الشخصيات الرئيسة، لو حملتها بشخصية ناجحة أخرى تصبح كالقارب الذي يحمل أكثر من طاقته فيغرق”.

وعن الشخصيات الجذابة, يقول: “حين تقابلني شخصية مثيرة أقول لو كنت كاتباً حقاً فلابد أن تغريني هذه الشخصية لوضعها في رواية، أتخيل أن هذا ما يشعر به الكاتب من الحضور الطاغي لفرد يرغبون في فهمه، كنت حين أقابل شخصية كهذه أدون ملاحظات عنها حتى أرجع لها حين كتابتها في الرواية، أثناء مراجعتي للكتب قرأت أن الروائيين قد يمدحون أو يذمون لنجاحهم أو فشلهم في رسم الشخصية”.

وعن تشابه الروائي مع شخصياته, يقول: “يلجأ بعض الروائيين إلى التخفي وراء القول السائر بأنه لا يمكن العثور على الروائي في شخصياته، وفي الواقع أن بعض ردود أفعال الشخصيات في رواياتي هي ردود فعلي، واعتقد أن النقاط التي يلتقي فيها المؤلف مع شخصياته تؤدي إلى القوة والدفء في التعبير، كما اعتقد أنه ليس بالضرورة أن تتوازى شخصية الروائي مع الشخصية الروائية، أو تكون النتائج التي نستخلصها من الشخصية تنطبق على الروائي”.

توصيفات النقاد..

عن التوصيفات التي يعطيها النقاد للروائيين, يقول: “لقد استمتعت دائماً بقراءة الراويات المثيرة وبكتابتها أيضاً، بدأت كتابة رواية (صخرة برايتون) سنة 1937 كقصة بوليسية, وحتى نشر هذه الرواية كنت كأي روائي آخر، أمدح أحياناً إذا نجحت وأذم أحياناً كلما أخطأت في مهنتي، لكني بعد هذه الرواية وصفت بأني كاتب كاثوليكي، وقد كرهت ذلك، وقد وضع “نيومان” كلمة في موضوع الأدب الكاثوليكي اعتقد أنها صحيحة: “إذا كان الأدب موضوعاً يدرس الطبيعة البشرية فلا يمكن أن يكون لدينا أدب كاثوليكي لأن في ذلك تناقضاً في استخدام المصطلح، فكيف نحاول كتابة أدب بلا خطيئة عن إنسان خاطئ، يمكنك أن تكتب أو تجمع شيئاً عظيماص وعالي القيمة وأرقى من أي أدب عرفناه، وحين تفعل ذلك ستجد أن ما فعلته ليس أدباً على الإطلاق”, ومن ناحيتي كان سخطي على النقاد بسبب خلطهم بين شخصيات روايتي وبيني، ولكن أفكار شخصياتي الكاثوليكية وحتى أفكارهم الدينية ليست بالضرورة أفكاري”.

وعن النقاد, يقول: “كم هو خطر على الناقد ألا يكون لديه وعي فني بتركيب الرواية، وكم كان “هنري جيمس” عظيماً بمقدماته العظيمة لرواياته حين يحدد طريقة الروائي ووجهة نظره، بما لا يدع مجالاً للبس وبشكل يتعذر تجاهله أو إزالته”.

الرواية والأحلام..

يربط “غرين” بين الرواية وعالم الأحلام, يقول: “كتب “دن” في كتابة (تجربة مع الزمن) عن الأحلام التي تأخذ رموزها من المستقبل كما من الماضي، أمن الممكن أن الروائي يفعل الشئ نفسه حيث أن معظم عمله يأتي من مصدر شبيه بالأحلام، إنها فكرة مزعجة، هل كان الكاتب الفرنسي “إميل زولا” وهو يكتب عن عمال المناجم الذين حوصروا في منجمهم وماتوا اختناقاً بالغاز السام يستلهم شيئاً من ذاكرة المستقبل عن موته الخاص، الذي حدث نتيجة استنشاقه الغاز السام الذي يصدر من موقده الذي يعمل بالفحم، من العدل إذاً ألا يعيد الكاتب قراءة رواياته ثانية، فهناك إشارات كثيرة عن مستقبل غير سعيد”.

وعن اللاوعي, يقول: “من المؤكد أن الأحلام كان لها الأهمية الكبيرة في كتاباتي، ربما لأني عولجت نفسياً وأنا صبي، فأصل روايتي (ميدان المعركة) كان حلماً، وكذلك رواية (القنصل الفخري) بدأت كحلم، وأتخيل أن كل الروائيين قد وجدوا المساعدة نفسها من اللاوعي، فاللاوعي يشترك في كل عملنا، إنه الجوكر الذي نحتفظ به في القبو لمساعدتنا حين تواجهنا عقبة صعبة التجاوز، أقرأ ما كتبته خلال اليوم قبل النوم وأترك الجوكر يقوم بعمله، وحين استيقظ تكون العقبة قد أزيلت تقريباً وبدا الحل واضحاً”.

فترة انقطاع..

عن الانقطاع عن الكتابة, يقول: “أثناء فترة إلتحاقي بالجيش كنت لا استطيع كتابة يومياتي، كما لا استطيع كتابة انطباعات أو ملاحظات عنما أعيشه من أحداث رغم ثرائها، وبسبب ذلك علا الصدأ أسلوبي من طول الكسل، فما انغمست في أدائه خلال سنوات الحرب لم يكن عملاً أصيلاً، كان هروباً من الواقع والمسؤولية، بالنسبة للروائي فإن واقعه الوحيد ومسؤوليته الوحيدة هي كتابته، كان علي أن أعود إلى مكاني الصحيح والطبيعي حتى أشفى، شعرت أني في ضياع، كيف أمكنني في الماضي أن أتقدم من مشهد روائي إلى آخر في سهولة ويسر، كيف أقصر السرد على وجهة نظر واحدة أو اثنتين، دستة من الأسئلة الفنية عذبتني بينما قبل الحرب كان الحل ينبثق بسرعة، لم يعد عمل الكتابة سهلاً”.

أفكار تموت..

يقول “غرين” عن الأفكار التي لا يقتنصها الروائي: “افترض أن معظم الروائيين يحملون في أذهانهم أو مفكرتهم فكرة أولية لقصص لم يتح لهم أن يكتبوها، وأحياناً بعد سنوات كثيرة يرجعون إليها ويأسفون، فقد كانت فكرتهم عظيمة آنذاك لكنها ماتت الآن”.

كتابة الرواية..

يقول “غرين” عن الكتابة: “الكتابة شكلاً من العلاج النفسي، وأتساءل كيف يمكن لأولئك الذين لا يبدعون أدباً أو رسماً أو موسيقى أن يهربوا من الجنون والكآبة والذعر المتأصل والملازم للوضع الإنساني، كتابة رواية تشبه وضع رسالة في زجاجة وإلقائها في البحر وقد تقع في أيدي أصدقاء أو أعداء غير متوقعين”.

وعن الرواية أيضاً, يقول: “الرواية هي فعل خلق، من أجل فعل الخلق هذا يعيش الروائي، وحين ينتهي تصبح الساعات فارغة، ويتساءل الروائي ألم يكن من الممكن تأخير الانتهاء منها قليلاً من أجل استمرار المتعة، افترض أن كل روائي يمر بهذا الإحساس ولذا فهو يكتب رواية أخرى بعد ذلك”.

ورغم ذلك يرى “غرين” أن كتابة الرواية أمر مجهد حين يقول: “إن الأثر الذي تتركه كتابة رواية جيدة يعيش المؤلف معها سنوات بنفس كئيبة متوترة يكون مدمراً، وكنت دوماً أبحث عن الراحة بكتابة راويات التسلية، فالميلودراما وتصوير الفروسية تعبران عن مزاج مهووس، وهذا ما يجعلني استشعر المتعة في الكتابة، فأنا لا أكتب إلا إذا كان هناك صراع في مشاعري بين مزاجين على الأقل”.

القصة القصيرة والرواية..

عن كتابته للقصة القصيرة والرواية, يقول غرين: “خلال الأربعين سنة التي مضت، منذ نشر أول رواية لي، كنت أكتب القصة القصيرة بين الفينة والأخرى، ومن البداية أزعجني هذا الشكل الفني وأضجرني قليلاً، فقد كنت أعرف كل شئ عن القصة قبل أن أبدأ الكتابة، وانهي كتابتها أيضاً دون أن أفاجأ بشئ، بينما أثناء كتابتي للرواية، رغم فترات الملل التي أمر بها أحياناً، لكن في أية لحظة قد يحدث غير المتوقع، مثلا شخصية ثانوية تظهر فجأة وتسيطر وتملي كلماتها وأفعالها، أو أدخل حادثة تبدو لا علاقة لها بالموضوع في مكان ما في بداية الرواية، وبدون سبب أعرفه، ثم فجأة بعد كتابة 60 ألف كلمة وبإحساس مثير اكتشف لماذا كانت تلك الحادثة هناك، فقد كان السرد طوال الوقت يعمل خارج الوعي”.

ويضيف: “في الرواية التي تحتاج سنوات لكتابتها يكون المؤلف عند انتهائه منها ليس هو الرجل نفسه الذي كان عند بدايتها، ليست شخصياته فقط هي التي تطورت، بل هو أيضاً قد تطور معها، وهذا تقريباً الذي يعطي الإحساس بنقص العمل، فالرواية لا تعطي مؤلفها الإحساس بالكمال الذي تجده مثلاً في قصة لتشيخوف، والوعي بذلك النقص هو الذي يجعل مراجعة الراويات عملاً لا ينتهي، فالروائي يحاول عبثاً أن يكيف القصة تبعاً لشخصيته التي تغيرت، كما لو أنها شئ بدأه في طفولته وعليه إكماله في شيخوخته، وتمر به لحظات من اليأس حين يبدأ مثلاً مراجعته الخامسة للفصل الأول، ويرى أن عليه إدخال الكثير من التصويبات، كيف يمكنه ألا يشعر بأن هذا العمل لن ينتهي أبداً، وأنه لن يكون الرجل نفسه الذي كتب هذا منذ شهور، الروائي ممثل عاش ادوار كثيرة متباعدة على مدار فترات طويلة متباعدة أيضاً، هو شخص تلبسته شخصياته الروائية”.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب