15 نوفمبر، 2024 10:39 م
Search
Close this search box.

“بائع الحلوى” .. الطبقة الوسطى الهندية في الخمسينيات بين التحرر والإنبهار بالغرب !

“بائع الحلوى” .. الطبقة الوسطى الهندية في الخمسينيات بين التحرر والإنبهار بالغرب !

خاص : عرض – سماح عادل :

رواية (بائع الحلوى)؛ للروائي الهندي “آر. كي. نارايان”، ترجمة “ميسون جحا”.. الرواية ترصد واقع الطبقة الوسطى في الهند خلال فترة الخمسينيات والستينيات، من خلال أحد الشخصيات التي تنتمي لتلك الطبقة.

الشخصيات..

“غاغان”: البطل.. لديه دكاناً لبيع الحلوى، وهو رجل متعلم يهتدي بمبادئ “المهاتما غاندي” وإرشاداته في حياته، تزوج وهو في عمر الشباب وتوفيت زوجته نتيجة لمرض في المخ وتركت له ابناً يدعى، “مالي”، يظل “غاغان” يعيش حياة هادئة إلا أن يتمرد ابنه عليه.

“مالي”: ابن “غاغان”.. تأثر لموت والدته كثيراً، ثم أخذ في الإبتعاد عن والده، ترك دراسته في الجامعة وقرر أن يصبح كاتباً ثم سافر إلى أميركا دون علم والده، ورجع منها يفكر في عمل مشاريع خاصة.

“غريس”: فتاة أميركية من أصل كوري.. إرتبطت بـ”مالي” في علاقة حب، وعاشت معه في الهند، لكنه تعامل معها بجفاء وأراد هجرتها.

“ابن العم”: قريب لـ”غاغان” يجلس معه كل يوم في المحل ويقوم ببعض الخدمات له ولباقي أفراد البلدة، التي يعيشون فيها، وهو رجل وصولي يتقرب من الناس ويقدم لهم الخدمات ليستفيد منهم.

الراوي..

الراوي عليم.. يحكي عن البطل الرئيس “غاغان” بضمير الغائب، لكن الرواية كلها تدور من خلال وجهة نظر “غاغان” ويقدم الراوي الشخصيات الباقية من خلال عيونه، يهتم برصد مشاعر “غاغان” وإنفعالاته الداخلية فقط، في حين يحكي عن باقي الشخصيات من الخارج ومن خلال تعاملها مع “غاغان”.

السرد..

نظراً لأن الرواية قديمة، صدرت في الستينيات من القرن الفائت، فهي بدائية في طريقة السرد.. لكنها رغم ذلك لازالت تحتفظ بجاذبية ما، خاصة للقارئ غير الهندي الذي يتعرف على بلد لا يعرفها وعادات ناس لم يعايشهم، كما أنها ترسم شخصية “غاغان” بعمق.. تقع الرواية في حوالي 260 صفحة من القطع المتوسط وتنقسم إلى 13 فصل، وتنتهي بتغير في شخصية “غاغان”.

الهند في الخمسينيات..

ترصد الرواية الهند في فترة الخمسينيات والستينيات، وأيضاً في فترة قبلها حين يستعيد “غاغان” بعض ذكريات طفولته وشبابه، من خلال وجهة نظر بطل ينتمي إلى الطبقة الوسطى من “طائفة البراهماتية”، وهو أيضاً ليس بطلاً عادياً؛ وإنما ينتمي بأفكاره ومبادئه إلى أفكار، “المهاتما غاندي”، الذي كان يدعو إلى مقاطعة الاحتلال الإنكليزي مقاطعة سلمية، وكان يدعو إلى تشجيع الصناعة المحلية، لذا نجد “غاغان” يغزل ملابسه بنفسه ويرفض أن يرتدي حذاء من جلد حيوان مقتول فينتظر حتى يموت أحد الحيوانات ويذهب ليأخذ جلده ويهيئه ليصنع منه حذاء له، كما أنه يواظب على قراءة الكتاب المقدس الخاص بطائفته ويصلي للآلهة كل يوم، ويسعى لرخاء بلاده، لكنه مثل كل أفراد الطبقة الوسطى مذبذب ومتردد ومتناقض، فهو يشفق على الفقراء؛ لكنه يطلب من أحد عماله طرد الأطفال الفقراء حين يتجمعون حول الحلوى باهظة الثمن، وهو يفكر دوماً بالمتسولين؛ لكنه حين يغضب ينهر المتوسل ويقول له أن عليه أن يبحث عن عمل بدلاً من التوسل، ويصر على أن تصنع الحلويات التي يبيعها في دكانه من مواد طبيعية ويرفض تماماً إدخال أية ألوان صناعية فيها، لكنه مع ذلك يتردد حين خفض سعر بضاعته ليتناولها الفقراء ويفكر أن يرفع ثمنها مرة أخرى خوفاً من أصحاب المحال من حوله وهجومهم عليه، مقنعاً نفسه أن هؤلاء لديهم عمال أيضاً ويجب ألا يكون سبباً في خسارة تجارتهم.

في شبابه إعتنق “غاغان” مبادئ “غاندي”؛ حتى أن أهله قد نبذوه، أخته وأخيه بعد موت والديه، لأنه قام بفعل أحمق وهاجم بيوت أحد الموظفين البريطانيين ورفع علم الهند على ذلك البيت فجرح نتيجة ضرب الشرطة له ثم سجن فترة من الزمن، وحين خرج نبذه أهله، لكنه استمر يعيش في بيت والديه، وأدار دكاناً لصناعة وبيع الحلوى التي تعتمد على مواد طبيعية، ومع زيادة الأسعار وإرتفاع أثمان السلع كالسكر والدقيق والزبدة لم يبال وظل مصراً على تصنيع حلوى نافعة للناس، ورغم ذلك هو يحرص على تكديس الأموال، يملأ جرة برونزية بالأموال التي يدفعها الزبائن حتى السادسة مساء، ثم جرة أخرى يجعل العامل يضع فيها المال حتى السابعة، ويعتبر تلك الأموال التي يتقاضاها في الساعة الأخيرة منحة له؛ لأنه لا يسجلها في سجلات البيع حتى تعفى من الضرائب التي تفرضها الحكومة على المبيعات، وهو أصلاً يتأفف من ضرائب المبيعات ويدفعها على مضض، ويضع منشفة في درج مكتبه حتى لا يسمع صوت النقود حين يخرجها من الجرتين، ويظل يعد أمواله ويحولها إلى أوراق نقدية ويخزنها في غرفة في منزله ويعيش حياة التقشف، لا يتناول الملح والسكر في طعامه ولا ينفق أمواله إلا على الضروري من الأشياء.

“غاغان” نموذج للبرجوازي الصغير؛ الذي يتمسك بمبادئ ما ليشعر بذاته وأنه إنسان له مبادئ، لكنه رغم ذلك يلتزم ببعضها ويترك بعضها، كما أنه لا يتخلص من طمعه وسعيه لجمع الأموال رغم تبريره لنفسه ذلك بمبررات عديدة وواهية، فهو يجمع المال لكن لا يحب تكديسه ولا يحب إنفاقه على ما لا يفيد، وحين يحتاج ابنه المال منه ليقوم بعمل مشروع تجاري يرفض إعطاءه له؛ رغم إدعاءه طول الرواية أنه لا يهتم لأمر المال، لكنه في النهاية لا يحب أن يكون مفلساً تماماً، ويترك ابنه ويرحل إلى منطقة معزولة لأنه مل معاملة ابنه السيئة له.

وأثناء الرواية يرصد الكاتب بعض مظاهر الحياة في الهند في تلك الفترة، المطاعم التي تحاول أن تكون عصرية فتقدم لحوم البقر، الذي لا يأكلها سوى الغربيين، والشباب الذين يحاولون تقليد بريطانيا وأميركا ويسعون إلى إدخال الآلات المتطورة المستوردة من أميركا إلى الهند، مدعين أن تلك مهمة عظيمة يساهمون فيها في تطوير بلادهم .

صراع الأجيال..

ترصد الرواية أيضاً صراع الأجيال بين الأب والابن، فـ”غاغان” دلل ولده، بعد وفاة أمه، وظل يعامله بحذر حتى أصبح الابن بعيداً جداً عن والده، وحين قرر أن يترك دراسته ليصبح كاتباً اضطر “غاغان” أن يستعين بابن العم كي يحادث ابنه، ومن ثم إنصاع لرغبة ابنه وحاول تشجيعه، لكن “مالي” ترك ذلك الحلم سريعاً وذهب إلى أميريكا دون إعلام والده بالأمر، وظل والده يعرف أخباره عن طريق ابن العم، وقد تسلل ابنه إلى الغرفة التي يخبئ “غاغان” فيها نقوده وأخذ منها ما يكفي لسفره إلى أميركا، وحين علم والده بالأمر خبأ النقود في مكان آخر، ورغم رفضه لسفر ابنه إلا أنه إنصاع للأمر، وظل يفتخر بأن ابنه سافر إلى أميركا للدراسة، وظل محتفظاً برسائله التي يرسلها إليه وكأنها كنز.

وحين عاد “مالي”، بصحبة فتاة تدعى “غريس”، استقبلها “غاغان” بحفاوة، وكان يظن أن “غريس” زوجته، وحين أخبره ابنه برغبته في عمل مشروع تجاري واستيراد آلة كاتبة تساعد الكُتاب على كتابة قصصهم، رفض الوالد إعطاء مبلغاً كبيراً لابنه في هراء لا يفهم عنه شيئاً، وظل يتحاشى التعامل مع ابنه بشكل سلبي حتى لا يتورط في الإفلاس، وحين علم أن ابنه لم يتزوج “غريس”، وإنما يعيش معها دون زواج، وأنه ينتوي تسفريها مرة أخرى بعد أن استغلها وأخذ نقودها، لم يقم بأي فعل، وإنما إعتزل “مالي” و”غريس”، وفي النهاية قرر ترك المنزل والذهاب إلى منطقة معزولة، عبارة عن حديقة بقرب البحر حتى يبدأ مرحلة جديد من حياته وتخلى عن دكان بيع الحلوى ورفض إعطاء ابنه أية نقود.

كان “غاغان” ممثلاً للجيل القديم، الذي يعيش على مبادئ “المهاتما غاندي” ويتطلع دوماً إلى أن تكون الهند أفضل دون الإعتماد على أية قوى خارجية؛ وإنما كان يكن عداء للاحتلال البريطاني، في حين أن “مالي” كان مبهوراً بأميركا، ذهب لدراسة الكتابة الأدبية هناك؛ وحين عاد ظل مبهوراً بما شاهده في أميركا وساخطاً على كل مظاهر التخلف في بلاده، كما يعتقد، يسخط على تلصص الناس وتدخلهم في شؤون الآخرين، ويسخط على والده بائع الحلوى ودكانه، ويسخط على بلاده معتبراً أن أميركا هي النموذج الأمثل الذي يجب أن يحتذى..

الطريف في الأمر أن الرواية، صدرت لأول مرة في الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا في عام 1967، كتبها المؤلف باللغة الإنكليزية ليقدمها إلى القراء الغربيين وليس إلى الهنود، وكأنه يقدم صورة للمجتمع الهندي بعادته وتقاليده وخصوصيته، لكنه رغم ذلك اهتم بـ”غاغان”، البطل، وتعاطف معه ولم يتعاطف مع “مالي”، الذي ينبهر بأميركا والغرب، وإنما قدمه على أنه ولد عاق بوالده وسيء السلوك.

الكاتب..

“آر. كي .نارايان”.. من أشهر الكُتاب الهنود؛ الذين صاغوا كتابتهم باللغة الإنكليزية، وقد حاز على جوائز هندية وأجنبية، ولد “راسيبورام كريشنا سوامي نارايان”، في عام 1906 في “مدراس”، وتوفي في عام 2001، عن عمر 94 عاماً، وكان الثالث بين ثمانية أبناء، وقد رعته جدته من أمه في ظل تقاليد صارمة للطبقة “البراهماتية” المتوسطة للتأميل، وقد ظهرت تلك التقاليد في الرواية، تأثر بكتابات الأدباء الإنكليز وعلى رأسهم “شكسبير”.

درس “نارايان” في مدرستين بـ”مدراس”، وكان تلميذاً جاداً، وقبل في “جامعة المهراجا” في “ميسور”، حيث كتب أولى قصصه القصيرة، وقد اختار لمعظم رواياته مسرح مدينة “مالغودي” الخيالية التي تقع في جنوب الهند، ألف 15 رواية فضلاً عن عدد كبير من القصص القصيرة.

أول رواياته (سوامي والأصدقاء) 1935، ثم (خريج قسم الفنون) 1937، و(الغرفة السوداء) و(مدرس اللغة الإنكليزية)، وغيرها من الروايات الشهيرة؛ وعلى رأسها رواية (الدليل)، التي حازت “جائزة أكاديمية الآداب الهندية”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة