خاص: إعداد- سماح عادل
اليوجا هي مجموعة من الطقوس الروحية القديمة أصلها الهند، وهي في الديانة الهندوسية. وهي طريقة فنية أو ضوابط محددة من التصوف والزهد والتأمل، مما يعني خبرة روحية وفهم عميق جدا. وخارج الهند، أصبحت اليوجا مرتبطة بممارسة مجموعة من التمارين، كما أنها أثرت بشكل كامل في عائلات تدين ب البراهمانية وممارسات أخرى روحية حول العالم. اليوجا واحدة من المدارس الأرثوذكسية الرئيسية الست في الهندوسية، التي لديها نظرية المعرفة والميتافيزيقا الخاصة بها، وترتبط ارتباطا وثيقا بفلسفة سامخيا الهندوسية.
معنى الكلمة الحرفي هو النير، وليس المقصود أن يخضع الإنسان نفسه؛ أي يدمجها في الكائن الأسمى، بمقدار ما يقصدون بالكلمة إخضاع الإنسان لنير النظام التقشفي المتزهد الذي يلتزمه الطالب ليبلغ ما يريده لنفسه من طهارة الروح من كل أدران المادة وقيودها، ويحقق ما يسمو على الطبيعة من ذكاء وقوة؛ إن المادة هي أصل الآلام والجهل؛ ومن ثم كانت غاية اليوجا أن تتحرر النفس من كل ظواهر الحس وكل ارتباطات الجسد بشهواته؛ فهي محاولة أن يبلغ الإنسان التنوير الأعلى والخلاص الأسمى في حياة واحدة، بأن يكفر في وجود واحد عن كل الخطايا التي اقترفها في تجسدات روحه الماضية كلها.
ومثل هذا التنوير لا يأتي بضربة واحدة، بل يجب على المريد أن يخطو إلى غايته خطوة خطوة؛ وليس في الطريق مرحلة واحدة يمكن فهمها لأي إنسان إذا لم يكن قد مر على المراحل السابقة كلها، فلا سبيل إلى بلوغ اليوجا إلا بعد درس ورياضة للنفس طويلين صابرين.
قديما..
الطريقة في التأمل الزاهد التي تعرف باسم “يوجا” كانت موجودة أيام “الفيدات”؛ و”يوبانشاد” و”الماهابهاراتا” كلاهما اعترفتا بهذه الطريقة التي ازدهرت في عصر بوذا؛ حتى الإسكندر قد استوقف انتباهه قدرة هؤلاء الناس على رياضة أنفسهم في تحمل الألم صامتين، فوقف يفكر في أمرهم، ثم دعا أحدهم أن يصحبه ليعيش معه، لكن (اليوجي) رفض في عزم وثبات- كما رفض “ديوجنيس” – قائلاً إنه لا يريد شيئاً من الإسكندر، مقتنعاً بخلاء وفاضه؛ وكذلك ضحكت جماعة الزاهدين بأسرها سخرية من الرغبة الصبيانية التي جاشت في صدر ذلك المقدوني أن يفتح العالم، على حين أن مساحة لا تتجاوز أقدام قليلة من الأرض- كما قالوا له- تكفي الإنسان كائناً من كان، حياً أو ميتاً .
وحكيم آخر صحب الإسكندر إلى فارس، وهو (كالاَنسْ) (سنة 326 ق . م) فمرض هناك، واستأذن الإسكندر في أن يموت، قائلاً إنه يؤثر الموت على المرض؛ وصعد على كومة من حطب مشتعل، هادئاً، واحترق لم يبعث صوتاً، فأدهش اليونان الذين لم يكونوا قد رأوا قط هذا الضرب من الشجاعة التي تقذف بالنفس في الموت دون أن يكون في الأمر عنصر الاغتيال الإجرامي.
ومضى بعد ذلك قرنان (حوالي 150 ق.م) وعندئذ جمع “باتانجالي” أجزاء المذهب من أقوال وأفعال في كتابه المشهور “قواعد اليوجا” الذي لا يزال يتخذ مرجعاً في جماعات اليوجيين من بنارس إلى لوس أنجلس؛ وقد ذكر “يوان شوانج” الذي زار البلاد في القرن السابع الميلادي، أن هذا المذهب كان عندئذ كثير الأتباع ووصفه (ماركوبولو) حوالي سنة 1296م وصفاً حياً.
مراحل اليوجا..
ثمان مراحل:
– “ياما” أو موت الشهوة، وهاهنا ترضى النفس بقيود “أشما” و”براهما كاريا” وتمتنع عن كل سعي وراء مصالحها وتحرر نفسها من كل رغباتها وجهادها الماديين، وتتمنى الخير للكائنات جميعاً.
– “نياما” وهي إتبّاع أمين لبعض القواعد المبدئية للوصول إلى اليوجا، كالنظافة والقناعة والتطهر والدراسة والتقوى.
– “أسانا” ومعناها وضع معين للجسد، والغرض منه إيقاف كل إحساس؛ وأفضل “أسانا” لهذه الغاية هي أن تضع القدم اليمنى على الفخذ اليسرى، والقدم اليسرى على الفخذ اليمنى، وأن يتصالب الذراعان وأن تمسك بالإصبعين الكبريين في القدمين، وأن تحني الذقن على الصدر وتوجه النظر إلى طرف الأنف.
– “براناياما” ومعناها تنظيم التنفس، فهذه الرياضة قد تعين صاحبها على نسيان كل شئ ما عدا حركة التنفس، وبهذا يفرغ عقله من شواغله استعدادا للخلاء القابل الذي يجب أن يسبق استغراق تفكيره في تأملاته؛ وفي الوقت نفسه قد يتعلم الإنسان بهذه الرياضة طريقة الحياة على الحد الأدنى من الهواء فيستطيع أن يدفن نفسه في التراب أيام كثيرة دون أن يختنق.
– “براتياكارا” ومعناها التجريد، وهاهنا يسيطر العقل على جميع الحواس ويباعد بين نفسه وبين كل المُحَسَّات.
– “ذارانا” أو التركيز، وهو أن يملأ العقل والحواس بفكرة واحدة أو موضوع واحد بحيث يصرف النظر عن كل ما عداه فتركيز الانتباه في موضوع واحد كائناً ما كان مدة كافية من شأنه أن يحرر النفس من كل إحساس، وكل تفكير في موضوع معين وكل شهوة أنانية، ما دام العقل قد تجرد عن الأشياء فقد يصبح حراً بحيث يحس الجوهر الروحي للوجود على حقيقته.
– “ذيانا” أو التأمل، وهي حالة تكاد تكون تنويماً مغناطيسياً تنتج عن “ذارانا”، ويقول “باتانجالي” إنها يمكن استحداثها من الدأب على تكرار المقطع المقدس “أوم”؛ وأخيراً يصل الزاهد إلى المرحلة التالية التي تعد خاتمة المطاف في سبيل اليوجا.
– “ساماذي” أو تأمل الغيبوبة؛ فهاهنا يمحى من الذهن كل تفكير، فإذا ما فرغ العقل من مكنونه، فقد الشعور بنفسه على أنه كائن مستقل بذاته وينغمس في مجموعة الوجود، ويجمع كل الأشياء في كائن واحد، وهو تصور روحي؛ ويستحيل وصف هذه الحالة بكلمات لمن لم يمارسها، وليس في وسع الذكاء الإنساني أو التدليل المنطقي أن يجد لها صيغة تعبر عنها “فلا سبيل إلى معرفة اليوجا إلا عن طريق اليوجا”.
ومع ذلك فليس ما ينشده “اليوجيُّ” هو الله أو الإتحاد بالله؛ ففي فلسفة اليوجا ليس الله “واسمه إشفارا” هو خالق الكون أو حافظه، وليس هو من يثيب الناس أو يعاقبهم؛ بل هو لا يزيد على كونه فكرة من فكرات كثيرة مما يجوز لنفس أن تركز فيها تأملها وتتخذها وسيلة لمعرفة الحقيقة؛ الغاية المنشودة في صراحة هي فصل العقل عن الجسد، هي إزاحة كل العوائق المادية عن الروح، حتى يتسنى لها- في مذهب اليوجا- أن تكسب إدراكاً وقدرة خارقتين للطبيعة.
لأنه إذا نفضت عن الروح كل أثار خضوعه للجسد واشتباكها فيه، فإنها لا تتحد مع براهما وكفى، بل تصبح براهما نفسه؛ إذ أن براهما ليس إلا ذلك الأساس الروحي الخبيء، ذلك الروح اللامادي الذي لا يتفرد بنفس، والذي يبقى بعد أن تطرد بالرياضة كل أعلاق الحواس؛ فإذا الحد الذي تستطيع عنده الروح أن تحرر نفسها من بيئتها وسجنها الماديين، إلى هذا الحد تستطيع أن تكون براهما بحيث تمارس ذكاء برهمياً وقوة برهمية.
اتحاد الروح بالله..
كانت “اليوجا” في أيام “اليوبانشاد” صوفية خالصة- أعني محاولة تحقيق اتحاد الروح بالله؛ وتروي الأساطير الهندية أنه في سالف الأيام قد أتيح “لحكماء” سبعة (واسمهم أرشاء) أن يظفروا بالتوبة والتأمل بمعرفة تامة بكافة الأشياء؛ ثم اختلطت “اليوجا” بالسحر حتى أفسدها في العهود المتأخرة من تاريخ الهند؛ وأخذت تشغل نفسها بالتفكير بالمعجزات أكثر مما تفكر في سكينة المعرفة؛ ويعتقد “اليوجي” أنه بوساطة “اليوجا” يستطيع أن يخدر أي جزء من أجزاء جسده بتركيز فكري فيه وبذلك يجعله تحت سلطانه فيمكنه إن أراد أن يخفى عن الأبصار، أو أن يحول بين جسده وبين الحركة مهما كان الدافع إليها أو أن يمر في أية لحظة شاء أو من أي جزء شاء من أجزاء الأرض جميعاً، أو أن يحيى من العمر ما شاء أن يحيا، أو أن يعرف الماضي أو المستقبل كما يعرف أبعد النجوم.
ولزاماً على المتشكك أن يعترف بأنه ليس في هذه الأشياء كلها ما هو مستحيل؛ ففي وسع الجانبين أن يبتكروا من الفروض ما يستحيل على الفلاسفة أن يدحضوه؛ وكثيراً ما يشترك الفلاسفة وإياهم في مثل هذا الابتكار للفروض الغريبة؛ فشدة النشوة والتخليط الذهني يمكن إحداثهما بالصوم وتعذيب النفس؛ والتركيز يمكن أن يميت شعور الإنسان بالألم في موضع معين، أو بصفة عامة، وليس في وسعنا أن نجزم بألوان الطاقة الكامنة والقدرات المدخرة في العقل المجهول.
المصادر الأدبية..
المصادر الرئيسية النصية لمعرفة مفهوم كلمة يوجا هي الأوبانيشاد الوسطية (400 ق.م)، البراهمانية بما يتضمن البهجافادا جيتا (أغنية الإله) (200 ق.م) ويوجا ساتراس من بتنجالي (200 ق.م:300 ق.م)
البوذية..
تعتبر اليوجا أساسا في بوذية التبت، في تقاليد الناينجما، نجح الممارسون لها في زيادة الدرجات التأملية العميقة لليوجا، بدأُ من يوجا الماها، ومروراً بيوجا الأنو، ومع الأخذ بالاعتبار في الممارسة العليا يوجا الأتي، في نفس التقاليد يوجا الأوتارا مساوية في الرتبة لها. ممارسات يوجا التانترا هي الأخرى بما يتضمن نظام من 108 وضعية جسدية تمارس مع إيقاع التنفس والقلب، الوقت في التمرينات الحركية لليوجا يعرف ب ترول كور أو وحدة القمر والشمس (قناة) طاقات البراجنا، وضعية الجيم لدى ممارسي اليوجا القدماء في التبت مرسومة على حوائط معبد الدالي لاما الصيفي للوكانج.
أهداف اليوجا..
تهدف اليوجا إلى إدراك النفس وإدراك الله وهو شيء قابل للتبادل، مع الإحساس الباطني بأن الطبيعة الحقيقية نفسها (الحقيقة، الوعي والنعمة) تنكشف خلال ممارسة اليوجا، ولديها نفس طبيعة الكون (وحدة الوجود)، حيث ليس شرطاً أن تكون هناك ذات إلهية ولكن انتفى الكل في الواحد والواحد في الكل، وهذا يعتمد على فلسفة ممارس اليوجا هو من يحدد بباطنه وجود أو عدم وجود ذات إلهية، في الغرب والبلاد الإسلامية والعربية، هناك تأكيد دائم علي التفرد حيث لا يوجد وحدة للكون، طقوس اليوجا يمكن أن تكون امتداداً لمصطلح البحث عن الذات، ودمج العناصر المختلفة للكائن الحي.
داخل المدارس المعبدية (بأفاديات فيدانتا) والشيفية هذا الكمال يأخذ شكل: (موكشا) حيث التحرر من المعاناة الدنيوية ودورة الحياة والموت، حيث انقطاع التفكير والدخول في حالة من نعمة التوحيد بالروح العليا (بالبراهما)، بالنسبة لمدارس الباخي الدواليستيكية في فيشنافيست، الباخي (التقوى) هي نفسها الهدف المطلق والنهائي لمداخل اليوجا. حيث يبلغ الكمال أوجه وذروته في اتصال وخلود تام مع (الفيشنو) أو أحد الأفتارات المتصلة به مثل (كريشنا) أو (راما).
تاريخ اليوجا..
تُعرف أقدم المواقع الأثرية في شبه القارة الهندية باسم هارابا و موهينجو دارو وتقع في ما هو الآن باكستان الحديثة. يعود تاريخها إلى حوالي 2600 قبل الميلاد، ويعتقد أنها كانت المدن الرئيسية لإمبراطورية كبيرة تعرف باسم حضارة وادي السند والتي كانت ستشكل حوالي 3300 قبل الميلاد. خاتم باشوباتا تم العثور عليه في أنقاض وادي السند ويعتقد أنه أقدم تمثيل لتقنية يوجية معروفة للبشرية.
يمثل الختم صورة جالسة بثلاثة وجوه يُنظر إليها عمومًا على أنها إله هندوسي شيفا. شيفا يصور يجلس في مولابانداسانا, وضع جلوس متقدم للغاية مع كل من الركبتين والأصابع على الأرض ورفع الكعب أو لفه إلى الأمام بحيث يضغطان على العجان. تم الجمع بين هذه الوضعية بشكل عام مع فترات طويلة من التأمل والصوم في الطوائف اليوغية اللاحقة.
خاتم باشوباتا هي واحدة من المصادر الرئيسية للمعلومات عن دين حضارة وادي السند وعلى الرغم من أن هناك مجالًا كبيرًا للتفسير، يبدو أنه يظهر وجود شكل من أشكال اليوجا كان مشابها لليوجا التي تم ممارستها في فترات لاحقة.