إعداد/ مايكل روبن- عرض: مرﭬت زكريا
تؤكد العديد من الشواهد حتمية تغيير النظام السياسي الإيراني بدون تدخل مباشر من الولايات المتحدة الأمريكية، والذي لا علاقة له بانسحابها من خطة العمل المشتركة الشاملة التي عقدتها طهران مع دول (4+1)، أو نظام العقوبات المفروض من قبل الإدارة الأمريكية. ففي الوقت الذي يناقش فيه صناع السياسة الأمريكيين أفضل الاستراتيجيات لتغيير سلوك طهران والتي تعتمد على الإكراه والاستقطاب بشكل كبير، لا أحد يفكر في التغيير التلقائي الذي يمكن أن يطرأ على النظام جراء الموت المفاجئ للمرشد الأعلى “على خامنئي”.
ويعد “خامنئي” بمثابة القوة الدستورية المطلقة في البلاد، القائد الأعلى للقوات المسلحة الإيرانية، فضلاً عن أنه خليفة “المهدى المنتظر” من الناحية الدينية. فبينما يركز صانعي القرار والدبلوماسيين الأمريكيين على القادة المنتخبين في إيران ومن يعينهم – الرئيس الإيراني “حسن روحاني” ووزير الخارجية “جواد ظريف” على سبيل المثال – يتجاهلون المرشد الأعلى الذي يحتكر سلطة اتخاذ جميع القرارات المصيرية لمدى الحياة.
في السياق ذاته، تقترب حياة “خامنئي” على الانتهاء؛ حيث خضع في عام 2014 لعملية جراحية على خلفية اصابته بسرطان البروستاتا وتعافي، لكنه يبلغ اليوم 79 عاماً من العمر، وتسببت الشيخوخة في ضعف جسده، فضلاً عن تعرضه لعملية اغتيال غير مسبوقة في عام 1981. ومن المرجح أنه عندما يموت “خامنئي” في غضون بضعة شهور أو أعوام ستعاني الجمهورية الإسلامية أزمة كبيرة.
أولاً- خلافة خامنئي التي تلوح في الأفق
حدث انتقال واحد للسلطة فيما يتعلق بالخلافة داخل إيران ؛ فمنذ أن توفى المرشد الأول للجمهورية الإسلامية “أية الله روح الله الخميني” في 3 يونيو/حزيران 1989، اعتبرت الولايات المتحدة الأمريكية أن الثورة قامت بشكل أساسي بدافع من العداء المتأصل لها، لكن في الحقيقة كان “الخميني” رجل ثوري بامتياز، فضلاً عن مؤهلاته الدينية العميقة وحنكته السياسية التي نبعت من احتكاكه بالقضايا الخلافية بين التيار الديني والنظام الملكي داخل إيران في ذلك الوقت، و التي أهلته فيما بعد لقيادة الثورة، الإطاحة بالملكية وتأسيس الجمهورية الإسلامية.
ففي عام 1988 دفعت النزاعات السياسية والدينية رجل الدولة الأول في ذلك الوقت أية الله العظمى “حسين على منتظري” جانباً وأصبح “خامنئي نائباً لـ “الخميني” وخليفة له؛ حيث كان لدى “خامنئي” مؤهلات عادية، فضلاً عن أنه ليس أية الله العظمي الشرط الرئيسي لتولى الخلافة، لكنه جاء نتيجة توافق بين الفصائل السياسية الكبرى.
نتيجة لما سبق، رفض الكثير من علماء الدين داخل طهران الطرح الذي اقترحته الحكومة الإيرانية عام 1994، الذي يقر بأن يتم الاعتراف بـ “خامنئي” لدى الشيعة في جميع أنحاء العالم بصفته عالماً شيعياً رفيع المستوى، وهو الأمر الذي سخر منه الجميع، وتم التراجع عن القرار في النهاية. لكن استمد “خامنئي” شرعيته داخل الجمهورية الإسلامية من المكانة التي منحه إياها “الخميني”.
عقبات اختيار خليفة “خامنئي” القادم
ستكون عملية انتقال الخلافة القادمة مختلفة عن سابقتها، لاسيما في ظل وجود مجلس الخبراء المكون من 88 عضواً، لكن ما حدث في عام 1989 الذي كان ليس الا هيئة وافقت على المرشح الذي توافق حوله صانعو القرار ذوي التأثير داخل الجمهورية الإسلامية في ذلك الوقت.
فخلال الثلاثة عقود الأخيرة الماضية تغير ميزان مراكز القوى؛ حيث أصبح الحرس الثوري أقوى بكثير ويسيطر على حوالي 90 % من الاقتصاد الإيراني، فضلاً عن رحيل عديد من الأباء المؤسسين للثورة ومنهم؛ الرئيس السابق الذي توفي قبل عامين “على أكبر هاشمي رفسنجاني” في حين يعاني رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام ورئيس السلطة القضائية السابق “محمود هاشمي شاهروردى” من سرطان بالمخ.
وعلى الرغم من عدم تمتع “خامنئي” بالحضور أو الكاريزما التي تؤهله للقيادة، إلا أنه استفاد من السلطة الكبيرة التي منحها له “الخميني”، والتي ساعدته على النجاة من الاقتتال الداخلي الحتمي، وهو الأمر الذي يفتقده الكثير من الزعماء الإيرانيين حالياً.
السيناريوهات المحتملة لاختيار المرشد الأعلى القادم
توجد مجموعة من السيناريوهات التي يمكنها تعقيد عملية اختيار خليفة “خامنئي” ومنها؛
1- توافق التيارات الرئيسية حول مرشح واحد؛ فعلى عكس ما يحدث في سلطنة عمان حيث ينص الدستور على وضع جدول زمني لاختيار خليفة السلطان الحالي “قابوس بن سعيد” لا يوجد مثل هذا الخيار لدى مجلس الخبراء الإيراني، ولذلك من المتوقع أن تلجأ تيارات سياسية تتمتع بنفوذ وتأثير قوى داخل الجمهورية الإسلامية مثل “الحرس الثوري” لاستخدام سلطاتها في اختيار مرشح بعينه، مع محاولة اجبار التيارات الأخرى على قبول الأمر الواقع عن طريق المساومات السياسية.
2- اختيار مجلس للقيادة وليس فرد؛ على الرغم من إيمان “الخميني” بهذه الفكرة وسعيه إلى تطبيقها، ولكنه رفضها في النهاية، حيث عمل على قمع الفكرة ولكن لم ينهى الجدل المثار بشأنها. ولذلك، من المحتمل أن يتم احياء الفكرة مرة أخرى. لكن من المرجح في حالة الجمهورية الإسلامية أن يعمل مجلس القيادة على تصعيد حالة عدم الاستقرار، والاقتتال بين الفصائل الموجودة على الساحة السياسية.
ثانياً- القرارات المصيرية في مرحلة ما بعد “خامنئي”
أصبح تغيير النظام في إيران مفهوماً شائعاً، لاسيما خلال الخمسة عشر عاماً التي أعقبت الغزو الأمريكي للعراق، ومن المحتمل أن يصبح أمراً لا مفر منه بعد موت “خامنئي”، ولكن لاتزال الولايات المتحدة الأمريكية غير مستعدة على الإطلاق.
الولايات المتحدة… ومرحلة ما بعد خامنئي
كيف سيكون رد فعل الولايات المتحدة الأمريكية إذا أدى الاقتتال الداخلي إلى حرب أهلية داخل الجمهورية الإسلامية؟ وعلى الرغم من أن ذلك قد يبدو بعيد المنال، وإذا حدث-كما في سوريا، ليبيا، اليمن-سيكون بعد فترة طويلة من الوقت، إلا أنه من المحتمل أن يستولى الحرس الثوري على السلطة، ولن تكون النتيجة ديكتاتورية عسكرية فقط، بل ديكتاتورية أيديولوجية مصحوبة ببلايين من الدولارات.
قد تقلق الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا ليس فقط بشأن الاقتتال بين الفصائل الدينية، بل بشأن التيارات الرئيسية للحرس الثوري داخل إيران، فهل ستكون هناك استراتيجية لاستقطاب بعض الفصائل، تحييدها أو القضاء على طموحات الحرس الثوري كلياً؟ وهل ستكون مستعدة لتقديم ضمانات في حالة قيادة الحرس الثوري للبلاد، فيما يتعلق بالحصانات الدبلوماسية والمالية، إذا قامت قيادات الحرس باختلاس أموال المستثمرين داخل إيران وخارجها؟
فبعد مرور أربعين عاماً على قيام نظام الجمهورية الإسلامية داخل إيران، اندلعت الاحتجاجات والتظاهرات، والتي كان أخرها الإضرابات العمالية في أواخر ديسمبر /كانون الثاني لعام 2017، ومن المرجح أن يؤدى موت خامنئي إلى تصعيد حالة عدم الاستقرار، وبالتالي، يصبح تغيير النظام أمر حتمي لا مفر منه، فماذا سيكون موقف واشنطن من تصاعد وتيرة مثل هذه الأحداث؟ هل الإدارة الأمريكية مستعدة للدفاع عن نظام الجمهورية الإسلامية داخل إيران، حتى لا يؤدى التغيير لتقويض أمنها المالي، أم ستحفز التيارات السياسية ولاسيما الإصلاحيين على التغيير الإيجابي للنظام نحو الحرية والديمقراطية؟
الجالية الإيرانية الأمريكية… والتحول الديمقراطي داخل الجمهورية الإسلامية
تتمتع الجالية الإيرانية في واشنطن بأوضاع جيدة على عكس كثير من الجاليات الأخرى، فالأمريكيين من أصل إيراني هم رأس مال بشرى قادر على قيادة عملية التحول السياسي داخل إيران، حتى لو كلفهم ذلك التخلي عن الرغبة في الحكم واستبدال الموظفين الذين نشأوا وتربوا على قيم الجمهورية الإسلامية.
لكن يأتي التساؤل الرئيسي حول الجهود التي يجب أن تبذلها مؤسسات صناعة القرار الامريكية مثل (وزارة الخارجية والبيت الأبيض) من أجل حشدهم والاستفادة من خبراتهم؟ في الواقع أنه لا شيء. هل تم التحضير لاستفتاء قرار البقاء على الجمهورية الإسلامية إم العمل بالديمقراطية الدستورية من عدمه؟ وما هي الصيغة المقترحة لهذا الاستفتاء؟ وإذا كان الأمر كذلك فما هي المحددات الحاكمة لكل هذه القضايا؟
ختاماً: أنه لأمر جيد أن يستعيد الجمهوريين والديمقراطيين استراتيجيات الماضي للتعامل مع طهران، لكن الأهم هو النظر إلى المستقبل الذي يجب أن يثير قلق إدارة “ترامب” وخلفاءها؛ فلا يوجد سبب قوى لعدم وجود توافق في أراء الحزبين الرئيسيين داخل الولايات المتحدة الأمريكية حول استراتيجية مواجهة التحدي الذي سيواجه الإيرانيين فيما بعد “خامنئي”، حتى يمكن ضمان الأمن والسلم الإقليميين.
فالأمر لا يتعلق فقط بالإرهاب الإيراني، برنامج الصواريخ الباليستية، تحقيق الاستقرار في سوريا، العراق واليمن، بل بحرية ثمانية وثمانين شخص، وتحول دولة منبوذة ذات اقتصاد مختل إلى قوة اقتصادية كبيرة، فمع التغيير سواء للأفضل أو الأسوء، يجب أن تكون واشنطن مستعدة، وليس كما تبدو عليه حالياً.
Like it or Not, Regime Change is coming to Iran: And it is not because of America, The National Interest, November 16, 2018, available at:
https://nationalinterest.org/blog/middle-east-watch/it-or-not-regime-change-coming-iran-36157?fbclid=IwAR2a5MnPiTHCadhw7Ellv-CGwBw73sN-SKj7g4dwXp-2ulBUjDHhQToFjYs .
المصدر/ المركز العربي للبحوث والدراسات