23 ديسمبر، 2024 8:30 م

“الوشم” .. العراق في زمن الأزمات .. تدخل ضمن قائمة الـ 100 رواية عربية !

“الوشم” .. العراق في زمن الأزمات .. تدخل ضمن قائمة الـ 100 رواية عربية !

خاص : قراءة – هانم التمساح :

ربما الحياة داخل معتقل تكون أفضل منها خارج هذا المعتقل.. حينما يواجهنا الواقع السياسي بسلسلة إحباطاته.. هذا ما نخرج به من رواية (الوشم)، التي أحدثت ضجيجًا أدبيًا وسياسيًا يتجدد مع كل محفل أدبي وكل مناسبة سياسية تُكرر أحداث التاريخ، ومنذ أن كتبها الروائي العراقي، “عبدالرحمن مجيد الربيعي”، في بداية السبعينيات من القرن العشرين، أحدثت صدى كبيرًا في المحافل الأدبية العربية، وحال إصدارها ودخلت ضمن قائمة الـ 100 رواية عربية.

وتُعتبر (الوشم) من الروايات العربية النادرة التي حظيت باستقبال هام نقدًا وتحليلاً، إذ تجاوزت البحوث الصادرة في المجلات الأدبية أربعة وسبعين بحثًا. صدرت الرواية في طبعتها الأولى، سنة 1972، في سياق تاريخيّ هام مرّت به الرّواية العربيّة الحديثة؛ من أبرز معالمه تحوّل في فهم الواقعيّة باعتبارها منهجًا في الكتابة الروائية.

ومن دون ذكر السنوات والزمن المحدد؛ يحكي “الربيعي” عن تجربة الاعتقال في “العراق” وعن زمن الخيبة والإنكسار، ويرسم معالم اللحظة الإنهزامية التي تقف فيها الذات سجينة ذاتها تنظر إلى وجهها في مرآة الذكريات وتُعيد النظر في الزمن الأول المنقضي خارج أسوار المعتقل.

عن اليسار والعسكرية.. والتناقض الصارخ !

ومع ذلك؛ يبدو للقاريء جيدًا أن أحداث الرواية تنحصر بين عامي 1958، عند قيام الثورة العراقية، وحتى 1967؛ العام الذي كُتبت فيه الرواية، وتتمحور الرواية حول، “كريم الناصري”، بطل الأحداث الرئيسة، وهو شاب عراقي إنضم إلى الأحزاب في تلك الفترة، أحب أن يكون البطل المنشود وأدى به الأمر إلى المعتقل، الذي شكل شخصية جديدة في حياة “كريم”، وانتقل بعدها إلى خارج المعتقل يحارب بين الشخصيتين؛ ويمثل أيضًا الصراع الذي يتبلور في الإضطهاد والملاحقة الظالمة لعناصر المعارضة التي لا تذعن وترفض أن تسيّر دفة حياتها ولم يُعد للبطل دور إلا أن يجسد الإشمئزاز، حيث لم يُعد مؤمنًا بالقيم والمُثل العليا والمتمثلة بالإلتزام السياسي وأنه الإشمئزاز وليس الضجر، لذلك تميزت الشخصية واستطاعت أن تعبر من خلالها إلى عالم الرواية بشكل عميق وأهم سبب لهذا الإشمئزاز هو رؤيته للوشم على جسد فتاة بغي من اللواتي التقاهن في ساعات تشرده بعد المعتقل.

وتُعد رواية (الوشم) نزهة أدبية بين مواقف وأحاسيس إنسانية فياضة، فهي تنقل القاريء ليسافر إلى عوالم متباعدة ومتقاربة في آنٍ واحد مجسدة عمق التناقض الصارخ الذي عرفته الحياة السياسية العراقية، كما أنها تنقل واقعًا عرفه تقريبًا الكثير من البلدان العربية، وخصوصًا، (العسكرتارية منها واليسارية)، وإن إعترفت لـ”العراق” بفرادة التجربة التي يبعثها “الربيعي” من رماد التاريخ.

فبعد خروج “كريم” من المعتقل ينتقل إلى “بغداد”؛ قادمًا من “الناصرية”، ليعمل صحافي بجريدة إضافة إلى عمله في شركة، (ترك العمل الآخر مبهمًا)، ولكن الواضح منها تشرده.

ورغم أن أحداث السُكر والجنس يمكن أن يبدوان مبتذلين، لكنهما من جانب آخر شكلتا ذكرياته التي تدور في رأسه بشكل مستمر، وخصوصًا الشخصية المحورية في الرواية، وهي “حسون”، الذي كان يرسم في خياله صورته الواضحة الأبعاد.

شخصيات الرواية..

ومن الشخصيات في حياة البطل؛ كانت فتاتان هما، “مريم” و”يسرا”.. “مريم”؛ زميلته في الجريدة، سمراء جميلة متزوجة، ولها ولدان، و”يسرا”؛ شقراء طويلة طالبة جامعة.

أحب الأولى، لكن النمو النفسي لهذا الحب لم يكن واضحًا، ما عدا الجانب الجنسي الذي حضر كثيرًا وكان يذهب وكانت سمات شخصيتها للمرأة، والتي ظهرت كأنها مهرج خالي من الخطوط التي تميز مكوناتها كإنسان، فلقد كانت تريد الخروج من واقع زوجها المتقدم بالعمر إلى عالم “كريم الناصري”، الذي طلب منها الزواج فرفضت ومن ثم سمحت أن يكون عشيقها.

أما الأخرى، “يسرا”؛ فكانت الفتاة المستقيمة الشريفة التي أحبها “كريم”، كمخلص له من خطاياه ويجد فيها نقاءه.

وهكذا يهيم على وجهه متشردًا لا يعرف قرارًا له، ويلجأ إلى السفر إلى “الكويت” كملاذ أخير.

وهنالك أيضًا شخصيات محورية في عمر الرواية، فهناك “حسون”، الذي كان الصديق في المعتقل، وكان هو الحوار الداخلي لـ”كريم الناصري”، في كل أمر يستجد عليه؛ فلقد كان “حسون” هو النفس الطاهرة المؤمنة كلما أشتدت الخيبة والآمال النفسية المبرحة.

وهناك “أسيل عمران”؛ الفتاة الحزبية التي جمع بينها وبين “كريم”، علاقة حب “دمجت السياسة بالحب”، ونجد أيضًا الشخصيات في المعتقل تتمثل في “حامد شعلان”؛ موظف الحكومة المتقاعد والشيخ الجليل، وهنالك “رياض قاسم”؛ شاعر السياسة والحزن، وأيضًا “علوان”؛ الحلاق ذو الصوت الجميل الذي كان يمثل الألم العاطفي.

إزدواجية السرد..

وتواجه رواية (الوشم)، قارئها، بإزدواجية خطابيّة شكليّة إذ يُفصل المؤلف بين مستويين من السّرد عبر تغيير حجم الحروف، يتّصل المستوى الأول؛ وهو مستوى الحروف العاديّة بخطاب السّارد، ويتّصل المستوى الثاني وهو مستوى الحروف الغليظة بخطاب “كريم الناصري”، وهو الشخصية المركزية في الرواية. وتتبلور هذه الإزدواجية الخطابية أكثر في مستويي استعمال الضمائر والتلقّي. فالسّارد يستعمل ضمير الغائب وهو يروي حكاية “كريم الناصري”، ويوظّف “كريم النّاصري” ضمير المتكلم ويروي حكايته الشّخصيّة. فالسّارد يوجّه خطابه إلى قاريء الرّواية في حين يوجّه “كريم الناصري” خطابه إلى “حسّون السليمان”، وهو أحد رفاق السجن. ويتقاطع الخطابان في شكل مقاطع سرديّة تطول وتقصر عبر كامل النص.

المكان.. معتقل موحش..

ويُعتبر المكان، في رواية (الوشم)، هو الشخصية المحورية، ولو بالغياب، وهو المعتقل الموحش، الذي كان يومًا إصطبلًا لخيول الشرطة.. بلياليه السرمدية.. هذا الفضاء الكريه، الذي يُصادر الحرية ويغتال الأحلام، ويختطف الدفء الإنساني.. ويُدجن المغضوب عليهم.. يقهرهم سياسيًا ونفسيًا.. ويدفعهم إلى الغرق في الوحدة وفي الخطيئة، (السقوط)، ويغدو الزمن النفسي توأم هذا الفضاء المقيت القاتل: “ويدعوه صوت من الأعماق لأن يحمل رفاته ويُقـلع لعل رأسه اللائب تحتضنه وسادة أمان” (ص 31)، ويدفعه في النهاية إلى “الهـرب” إلى اختيار منفاه: “إنني مسافر غدًا إلى الكويت؛ لقد استـقـلت من الجريدة والشركة معًا، وسأبدأ حياتي هـناك من جــديـد” (ص 120).

هذان الإستشهادان من الصفحة الأولى من الرواية، التي إستهلها “الربيعي” بوصف مشاعر “كريم الناصري”، فور إطلاق سراحه، والإستشهاد الثاني من آخر صفحة من (الوشم)، وبين البداية والنهاية سلسلة من الخطايا والآلام والتداعيات..

إذ يتحول “كريم الناصري”، (ذلك الصبي الشجاع الذي لا يخاف الظلام ولا المجهول)، بفعل المكان، من مثـقـف مناضل حالم إلى إنسان يحمل رفاته، دمرته ليالي المعتقل من الداخل، كل أمانيه في الحياة أن يعيش ليقرأ الكتب ويعاشر البغايا – بعد إنقراض الحب الأفلاطوني طبعًا – ويهرب من تأنيب الضمير باللجوء إلى السُكر وغيبوبة اللحظة والتفاهة.. هذا هو الوجه القبيح للسياسة بكل عهرها.

من هو “الربيعي” ؟

و”عبدالرحمن مجيد الربيعي”؛ كاتب عراقي وفنان تشكيلي، ولد سنة 1939، بـ”الناصرية”، جنوب “العراق”، درس الرسم وتخرج من معهد الفنون الجميلة وكلية الفنون الجميلة بـ”بغداد”، بدأ النشر في الصحف العراقية والعربية، أصدر أول مجموعة له، (السيف والسفينة) عام 1966، وأشرف على تحرير الصفحة الثقافية فى جريدة (الأنبار الجديدة)، و(الفجر الجديد)، عمل مديرًا للمركز الثقافي العراقي في كل من “بيروت” و”تونس”، من مؤلفاته: (السيف والسفينة) – قصص – بغداد 1966، (الظل في الرأس) – قصص – بيروت 1968، و(جوه من رحلة التعب) – قصص – بغداد 1969، (المواسم الأخرى) – قصص- بيروت 1970، (الوشم) – رواية – بيروت 1972، (عيون في الحلم) – قصص ورواية قصيرة – دمشق 1974، (القمر والأسوار) – رواية – بغداد 1974، (ذاكرة المدينة) – قصص – بغداد 1975، (الخيول) – قصص – تونس 1977، (الشاطيء الجديد)، قراءة في كتاب القصة العربية – بغداد 1979، (الأفواه) – قصص- بيروت 1979، (الوكر) – رواية – بيروت 1980، (خطوط الطول.. خطوط العرض) – رواية – بيروت 1983.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة