25 فبراير، 2025 1:14 ص

الهوس بالكاتب/ة (19): يخيف الكاتب أم فضول لربط حياة الكاتب بنصوصه أم شغف متبادل

الهوس بالكاتب/ة (19): يخيف الكاتب أم فضول لربط حياة الكاتب بنصوصه أم شغف متبادل

 

خاص: إعداد- سماح عادل

هناك رأي يعتبر هوس القارئ بالكاتب أمر كثير الحدوث، لكن استجابة الكاتب لهذا الهوس في حالة اختلاف الجنسين قد توصمه ككاتب، وتؤثر على مستقبله الأدبي. ورأي آخر يرجع الهوس إلى فضول متأصل داخل نفوس نوع من القراء، هذا الفضول يدفعهم إلى التفتيش عن تفاصيل حياة الكاتب الذي أبهرهم بنصوصه، ليحاولوا تلمس تفاصيل حياة الكاتب وأحداثها داخل نصوصه. ورأي ثالث يحتفي بهذا الهوس، ويصف اندماج الكاتب مع القارئة التي عاشت الهوس به بأنه عبارة عن الدخول في “جزيرة العواطف الافتراضية” حيث يتفاعل الكاتب والقارئة في علاقة انجذاب، قد تطول وقد تنتهي، لكنها تعبر عن شغف متبادل.

هذا التحقيق يتناول فكرة الهوس بالكاتب أو الكاتبة وقد طرحنا هذه الأسئلة على بعض الكتاب والكاتبات من مختلف البلدان:

  1. ككاتب هل تعرضت لحالة من الهوس من قارئة ما.. مثل أن تسعى للتعرف عليك أو تتقرب إليك؟ وماذا كان رد فعلك في حالة حدوث ذلك؟
  2. ما رأيك في هذا النوع من الهوس الذي ينتاب القارئ تجاه كاتب ما وما تفسيره؟
  3. كقارئ هل انتابك هذا النوع من الهوس تجاه كاتبة.. أو حتى كاتب وأحببت أن تعرف تفاصيل عن حياته، أو اهتميت به خارج حدود نصه؟
  4. هل يعني هذا الهوس بمعنى ما أن النصوص التي ينشرها الكاتب أصبحت وسيلة لعرض جزء من ذاته على الناس وبالتالي أصبحت بمعنى ما ملكا للجميع؟

الكاتب يخاف على صورته ومستقبله..

يقول الشاعر العراقي “عباس رحيمة”: “قبل أن أبدأ هناك نوعان، الشطر الأول هو إبداع الكاتب والمستوى الفكري والإنساني الذي أثراه بكل هذه التفاصيل عن الحياة بشكل عام وعن الإنسان بشكل خاص، هذه القدرة وهذا الإبداع الكتابي قد يجعل القارئ يتساءل؛ من أين لهذا الكاتب كل هذه المعلومات عني، أو بكلمات أخرى يرى القارئ وكأن الكاتب يعرف دون أن يلقاه. والشطر الثاني، ثراء الكاتب ثقافيًا وإبداعيًا ونضجه في انتقاء الأساليب ومواضيع الطرح، وبالمقابل فقر القارئ وعدم الوصول لذلك النضج لدى الكاتب.

أحيانا يتحول الإعجاب بما يكتبه الكاتب لدى القارئ إلى نوع من التخاطر والاشتراك بالفكرة. تصل إلى درجة أن المتلقي يظن أنه المعني وأن الشاعر كتب القصيدة لها، له. مما يأخذ منحى من تماهي  وتراشق بكلمات الإعجاب والإطراء وأحيانا يتحول إلى غزل وهيام”.

وعن هذا النوع من الهوس الذي ينتاب القارئ تجاه كاتب ما يقول: “شي، جميل أن يكون هناك قراء معجبين بما أكتب وهذا يمنحني الإصرار على  أن أكتب وأبحث وأناقش وأطرح للقارئ الشيء الجديد، وأكون ممتنا جدا إذا ناقش المتلقي وجادل بحسن النية والحث لغرض الاستفادة والإرشاد.

لكن على ألا يتعدى حدود الإعجاب ويتحول إلى هيام، لأن وضع الكاتب أو والأديب يحسب عليه. ونحن في مجتمع شرقي والكاتب في مثل عمري له أفقه الضيق وأي شي يمس بمستقبله الشعري، إذا كان الهوس بالنص الذي أكتبه والإطراء بحدود المتعارف عليه. وبدون تراشق بكلمات الغزل والهيام، حتى لا يثير لدى قرائي الآخرين فكرة أني أغازل هذه وتلك من المعجبات، وهنا أكون في منتهى الشكر”.

وعن هوسه كقارئ يقول: “في البدء وعندما كنت مراهق تقمصت إحدى شخصيات “عبد الرحمن منيف” في روايته “الأشجار واغتيال مرزوق” وكنت أشخبط كثيرا على دفاتري المدرسية أرسم وأحلل شخصيات “عبد الرحمن منيف”، وفي الشعر أعجبت بكاتبة عشت مع نصوصها، أحببت ما تكتب وهمت بها وحلمت أنها تضع الورق وفنجان القهوة  لتكتب لي وعني. وحلمت أني أحد حروفها التي جري على  الورق لتصل إلى نهر القلب، وقد راسلتها وعاكستها كثيرا”.

وعن عرض الكاتب لذاته في نصوصه يقول: “أنا اعتبر النص عندما يخرج من ذات الشاعر وينشر سواء في الفضاء الأزرق أو على  الورق ملك القارئ، حتى ولو كتب الكاتب نص لظرف أو معاناة شخصية”.

فضول التعرف على حياة الكاتب..

ويقول الروائي العراقي “عامر حميو”: “الهوس بمعناه السليم حالة إيجابية يتعرّض لها كل كاتب وكاتبة، تتوافق كتاباتهما مع ذائقة القارئ، وشخصي مثل الكثير من زميلاتي وزملائي، مع كل إصدار لي يظهر هذا الهوس، وتوافقه مع إصداراتي كتوافق ظاهرة المد والجذر مع قرب القمر وبعده عن جاذبية الأرض، وأجد ذلك ينطبق على غالبية المبدعين”.

ويواصل: “الهوس عندي يأخذ معنى الشغف في متابعة أخبار كاتبي الذي قرأت له وأعجبني، أسلوب الكتابة لديه، أو معالجته للنص، أو اختباره للثيم التي توافق هوى فضولي وذاك الشغف، وهذا شيء محمود ويقع لكل كاتب وكاتبة، خاصة في مجالي السرد والشعر.

بينما في سؤالكم أجده محاولة، من السؤال وليس منكم، لإزاحة وعي الذي يُسأل لأن يدفع معنى السؤال إلى رمزية تابو العيب، فإذا كان القصد هذا، فإنني أعتقد أن الكاتب والكاتبة، ويسايرهم في ذلك وعي القارئ من الجنسين، يدركون أن مرحلة إعجاب التلميذ بمعلمته، أو التلميذة بمعلمها، وتمنيهما أن يكونا لهما أبوين، أو شريكي حياة المستقبل، مثل هذه الأمنيات، مع وعي القارئ الشغوف، يتجاوزها الذهن، ليدفع الهوس هنا إلى الحفر بين سطور الكاتب والكاتبة، عما هو ذاتي ويوافق ما يعرفه القارئ من حياة وخصوصية كاتبه المهووس به، وما هو موضوعي ويناغي علل المجتمع وعلل الذات الفردية”.

وعن هوسه كقارئ يقول: “نعم ما زلت إلى اليوم يهمني أن ألُمَّ بأخبار وتفاصيل حياة من علمني كتابة السرد، ربما لاستشف الظروف المحيطة به أو بها والتي أنتجت لنا الإبداع (س)، وفرقه عن الظروف التي أنتجت لنا الإبداع (ص) لنفس الكاتب أو الكاتبة المهووس بهما. مثلا على ذلك، أنني رغم علمي بأن “دوستويفسكي” مات قبل أكثر من 150 عام، لكنني بعد أن قرأت منجزه الأدبي كاملاً رحت أبحث من مراسلاته، وعندما عثرت عليها، ألممت بكل الظروف التي أنتج بها جميع أعماله. وربما يشاطرني بذلك الكثير من القرّاء فيما يخص هذا الكاتب أو ذاك”.

وعن عرض لكاتب لذاته داخل نصوصه يقول: “نصوص الكاتب هي بنات الظروف والبيئة التي نشأ بها الكاتب، وهي في الشعر تكون واضحة لأنها غارقة في الذاتية، لكن التهويم والوضوح، والغش والاختفاء، والخبث المحبب يظهر في السرد، عندما يضع السارد توليفته الذاتية، من نكبة وانفراج، وقبح وجمال، وغضب وهدوء، وفرح وحزن، ونذالة ونبل، وخوف وشجاعة، وحب وكره، في مواقف ينسبها للآخر (الشخصية السردية في الرواية والقصة القصيرة) لكنها مفهومة لمن فيه هوس ملاحقة حياة الكاتب وخصوصياته، وسيعرف جيدا أن هذا الموقف، رغم التحوير الذي يكتنفه، هو يخص أحد مواقف كاتب النص في التجربة المعلومة له من حياة ذلك الكاتب. على الأقل هكذا يفعل هوسي بمن قرأت لهم”.

جزيرة العواطف الافتراضية..

ويقول الروائي العراقي “سالم حميد”: “لا اعتقد أن هناك كاتب قد نجا من هوس القراء، ولكن هوس المرأة بالكاتب يأخذ مدى أكبر من نفس الكاتب. في البدء يشعر الكاتب أن المرأة التي تتابع خطى حروفه وتمشي على سطوره بوله ما هي إلا إحدى بطلات رواياته، وهذا التعاطف الذي يحصل من الكاتب مرده في البدء إلى حبه وشغفه بإحدى بطلاته التي خلقها من ذكرياته ومشاهدته وتجاربه، قد تصل هذه العلاقة إلى نقطة ما حين يصحو الكاتب والقارئة ليجدا نفسيهما وقد جرفتهما أمواج العواطف بعيداً عن شاطئ الواقع في جزيرة تشكل الكلمات والحروف لهما السماء والشجر والماء والرمل.

عند ذلك يجب أن يصحى أحدهما أو كليهما ويحاولا مغادرة جزيرة العواطف الافتراضية، وقد يحصل أن يغادر أحدهما بينما يتخلف الآخر منتظرا العودة المستحيلة للحبيب، وحتى وإن غادرا معاً فإن حنينا سيشدهما إلى لحظات الزمن الغريب الذي عاشوه معا”.

ويواصل: “أما حين يكون الكاتب يقرأ لكاتبة أو كاتبة تتابع كاتب، هنا تكون المشاعر أكثر غرابة وأشد هياماً، لأن مخيلة الكاتب/ الكاتبة ملقحة برؤى هي أقرب إلى الواقع، لأن الكاتب أو الكاتبة في كثير من الأحيان يستدعي شخوص حكاياته إلى داخل غرفة الكتابة بل قد ترافقه وهو يذهب إلى عمله أو تلتقي معه في مقهى”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة