16 نوفمبر، 2024 2:24 م
Search
Close this search box.

النشر الحكومي في مصر .. دعم الإبداع أم إهدار المال العام ؟

النشر الحكومي في مصر .. دعم الإبداع أم إهدار المال العام ؟

خاص : كتب – نبهان رمضان :

عندما أعلنت نتائج “مسابقة النشر الإقليمي شرق الدلتا”، لفت انتباهي عدد الكتب المنشورة والأنواع الأدبية لهذه الكتب، وخاصة محافظة الدقهلية، كانت أربع كتب كلها من نوع أدبي واحد ألا وهو الشعر فقط.

كانت نفس المسابقة من العام الماضي ثلاثة كتب شعرية وعمل واحد فقط؛ مجموعة قصصية للكاتب “محمد خليل”، رئيس نادي الأدب المركزي في محافظة الدقهلية (الأبدي)، أمتعه الله بالصحة و العافية. تردد سؤال على ذهني هل محافظة مثل “محافظة الدقهلية” بمصر نضب بئر السرد منها ؟

قررت أن أخوض التجربة بنفسي، ربما لم يتقدم أحد من المواهب المتعددة في السرد في المحافظة، وأعلمهم جيداً، وأعرف حجم موهبتهم جيداً. تلقيت نصائح عديدة من مبدعين بالإحجام عن التقديم واصفين النشر الإقليمي بالشللية والمحسوبية وباب خلفي لفساد الثقافة في مصر، وفي المنصورة بصفة خاصة.

ما حدث هذا العام كان فجاً جداً ربما لم يعد يعبأ أحد من القائمين على النشر الإقليمي في المنصورة بأحد وأصبح كل شيء طوع بنانهم. عامان لم يظهر في المنصورة بأكملها موهبة واحدة سردية جديدة  فما جدوى نوادي الأدب الثمانية التي تنتشر في ربوع المحافظة.

الشللية و النفعية..

توجهت لكتاب ورؤساء أندية أدبية لمعرفة رأيهم في النشر الإقليمي.

ـ “حسين عبد العزيز” الصحافي، ونشرت له عدة أعمال قصصية في صحف مرموقة مصرية، ليست بصفة دورية، يحكى تجربته الشخصية مع النشر الإقليمي، قائلاً تقدم عدة مرات حتى أصابه اليأس و ظلت أسماء بعينها تتكرر نشر أعمالها في النشر الإقليمي، وأخيراً توجه للمسابقات الخاصة المنتشرة حديثاً كبديل للنشر الإقليمي مثل “مسابقة عماد قطري”.

ـ الكاتب والناقد “حسام المقدم”، أن الشللية وفقدان المعايير العلمية في الاختيار تقتل المواهب الشابة وتذبحها، عندما أصابه اليأس من تلك المسابقة المشبوهة تقدم للنشر في إحدى سلاسل النشر التابعة للهيئة العامة للكتاب، وقد جرى لها تعديل لقيادتها مؤخراً وبالفعل تم نشر رواية (سباعية العابر).

هناك مبدعون من البداية توجهوا إلى النشر الخاص معتمدين على موهبتهم التي يثقون فيها و يؤمنون بها، و أمثلة عديدة والبعد عن أنصاف الموهوبين، و أحياناً معدومي الموهبة.

ـ الكاتب “فكرى عمر”، له تجربة فريدة ومختلفة عن الآخرين، بالفعل تم الموافقة على عمله لكن أحد موظفي الإقليم حجب روايته عن اللجنة الفنية للنشر لصالح موظف زميل لهم و ذكر اسمه “وليد فؤاد”، وبالفعل تم تجاوز عمله لصالح هذا الشخص، لكن “فكرى عمر” لم يستسلم و تقدم بطلبات احتجاج وفحص تقرير الجنة الفنية، وفي النهاية تم توقيع العقاب الإداري على أحد الموظفين، لكن “فكري” توجه بأعماله لسلاسل النشر المركزي في القاهرة للهيئة العامة للكتاب، وبالفعل حاز على جائزة نشر على مستوى الجمهورية، وتوالت أعماله في عدة سلاسل نشر مركزية و ينصح بتجاوز النشر الإقليمي بشلليته الفاشلة التي لم تحقق شيئاً ملموساً في الحياة الثقافية والاتجاه إلى العاصمة.

اللجنة الفنية التي لم يعلمها أحد لكنها تعرف من ؟

ـ الشاعر الكبير “سمير الأمير”، أضاف معضلة جديدة في النشر الإقليمي، وهي عدم كفاءة اللجنة الفنية المعنية باختيار الأعمال للنشر، وذكر تحديداً الدكتور “علي غريب”، رئيس قسم اللغة العربية في كلية الآداب”، أنه يختار الأعمال طبقاً لذائقته الخاصة دون أي معايير وقواعد محددة لذلك. (محرر هذا التحقيق ليس لدية المقدرة للتحقق من أن الدكتور “علي غريب” أحد أعضاء اللجنة الفنية أم لا).

ـ الكاتب والإعلامي “طارق العوضي”، كانت له شهادة مهمة لأنه كان يشغل منصب رئيس “نادي الأدب المركزي” السابق، في إحدى الدورات القليلة التي تركها الكاتب “محمد خليل”، قائلاً يبرأ “طارق العوضي” قيادات الإقليم من تهمة التحيز والشللية ويلقي الأمر برمته على عاتق اللجنة الفنية السرية. يسرد لنا خطوات العمل في “نادي الأدب المركزي”، الذي يشكل لجان لكل نوع أدبي من أعضائه (رؤساء نوادي الأدب في المحافظة) تفرز الأعمال و تحدد ثمانية أعمال وترسلهم إلى اللجنة الفنية السرية التي لم يكن يعلم أعضائها كرئيس “نادي أدب مركزي” في ذلك الوقت ويتم اختيار الأعمال على أساس الجودة دون النظر إلى أي نوع أدبي كمعيار وحيد لاختيار الأعمال، (نذكر أن في فترة رئاسة الأستاذ “طارق العوضى” لرئاسة النادي تم النشر لرؤساء نادي الأدب السابقين “محمد خليل” و “مصباح المهدي”). لكنه لم يتذكر إن حدث من قبل اختيار الكتب جميعها شعراً أو سرداً لكنه يستنكر هذه الواقعة و يدينها.

إهدار مال عام و لا طائل من ورائها..

ـ “أيمن باتع فهمي” كاتب وناقد رئيس “نادي أدب المنصورة” السابق، يصف المشهد برمته بالعبثية كأننا في سيرك الكل يلهو ويلعب لصالح شلليته وعصبته، واعتبر النشر الإقليمي إهدار للمال العام، فهو عبارة عن مكاسب لا تغني ولا تسمن من جوع، يتناحر عليها أدباء الأقاليم.

أما عن نشر كل الكتب المخصصة لنوع أدبي واحد، (الشعر)، يعتبرها مهزلة تضاف إلى مهازل أخرى، مثل قبول العضوية في نوادي الأدب التشدد اتجاه المواهب الشابة والتبسط اتجاه أسماء بعينها، ويذكر حالة بعينها (حرية سليمان)، أنه بمجرد قبول عضويتها تم تعيينها عضوة في لجنة القراءة.

ـ الشاعرة “منى الضويني” رئيس “نادي أدب دكرنس” وعضوة في “نادي الأدب المركزي” لأكثر من دورة، ومازالت وتشارك بانتظام في اجتماعات في “نادي الأدب المركزي” تصف النشر الإقليمي بأنه أصبح ديكور مجرد أنشطة مظهرية خرجت عن هدفها الأساسي، لا تسهم في إبراز المواهب الشابة التي تلجأ إلى النشر الخاص على نفقتها الخاصة. لم تشارك أبداً في لجان القراءة ولم يطرح الأمر إطلاقاً في أي من اجتماعات نادي الأدب المركزي.

– الشاعر “رانية متولي بلاط”، تم نشر عمل له في مسابقة النشر الإقليمي العام الماضي، وتحدث عن تجربته القاسية من وجهة نظره. إن الكتاب جاء مخيباً للآمال من وجهة نظره مليء بالعيوب و الأخطاء النحوية واللغوية؛ وتم بتر قصائده مما جعلها مشوهة وفقد الكثير من قيمتها الفنية. عندما أراد أن يتخذ إجراءات قانونية ضد مصحح اللغة للسلسلة تم تدخل من قبل موظف الإقليم المسؤول عن النشر وتسوية الأمر ودياً (تعليق كاتب التحقيق: كيف ؟)، لأن الأستاذ “رانية” يتمتع بعلاقات طيبة مع الجميع على حد قوله.

كما أنه يرتبط بزمالة قديمة جداً مع رئيس نادي الأدب المركزي في ذلك الوقت (الأستاذ طارق العوضي)، و لم يستغل ذلك أبداً. (تعليق كاتب التحقيق: طبيعي أنه يسمع شعرحضرتك في الندوات ويعلمه جيداً)، لا اعتقد ذلك، كان رد الأستاذ “رانية”.

من هي اللجنة الفنية التي تذبح المواهب ؟

ـ توجهت بكل هذه الآراء إلى الأستاذ محمد خليل (الشخصية المسيطرة على نادي الأدب المركزي منذ إنشائه حتى الآن لم يترك رئاسة النادي منذ السبعينيات سوى دورتين على الأرجح دورة تولاها الشاعر مصباح المهدي والدورة السابقة تولاها الكاتب طارق العوضي وتم نشر كتاب له في هذه الدورة) قائلا:

كون أن الكتب الأربعة المخصصة للنشر هذا العام من نوع أدبي واحد (شعر) مطابق للائحة المحددة للنشر وأن الاختيار حق أصيل للجنة الفنية التابعة للنشر الإقليمي وهي المنوط بها الموافقة على نشر الأعمال. أضاف أيضا أن النشر الإقليمي له أهمية في الحياة الثقافية فالهيئة العامة لقصور الثقافة تسهم في حل مشكلة النشر وجشع دور النشر الخاصة لكن الحديث عن الكم والكيف فهذا ما يحتاج للتطوير والتحديث.

نوادي الأدب التابعة لقصور الثقافة تقدم المواهب الشابة وتقدم العون لها في إثقال تلك المواهب وتقديم العون والنصيحة في التقدم لمسابقة النشر الإقليمي. أعضاء نادي الأدب المركزي تحدد ثمانية أعمال فقط من العدد الكبير المتقدم إلى اللجنة الفنية لاختيار الصالح منها للنشر(تعليق كاتب المقال: حنفية أو بوابة تسمح بوصول الأعمال للجنة أو منعها).

الاختيار يكون للجودة فقط. هكذا تنص اللائحة المنظمة للنشر الإقليمي.

اللائحة المنظمة للنشر الإقليمي..

تابع محمد خليل قائلا: ليس من حق الإقٌليم أو رئيس  نادي الأدب المركزي تعديل اللائحة فذلك حق أصيل لمؤتمر أدباء مصر العام. هناك محضر إداري تحرره اللجنة الفنية للنشر في الإقليم تحصر فيه أعمالها على النحو التالي، الأعمال المقبولة للنشر وتحصرها وكذلك الأعمال المرفوضة لكن من حق كل مشترك معرفة النتيجة إذا طلب ذلك ولا تعلن على العامة ولا تكشف اللجنة عن أعضائها بعد انتهاء عملها. اللائحة تحدد مواصفات اللجنة الفنية يمكن أن تكون من الأكاديمي ويضاف إليها أحد الأدباء المشهود لهم بالكفاءة و السمعة الحسنة عددهم ثلاثة فقط. اللائحة تنص على سرية اللجنة لكن من الممكن يتنامى إلى مسامعي اسم أعضائها أو يكون لي صلة شخصية به، لكن ليس قانونا أن اتصل به أو يكون لي تدخل في أعمال اللجنة . بالتأكيد أتشكك أن تقوم  اللجنة بأعمالها  كاملا، هناك ثمانية أعمال لكل محافظة من المحافظات الأربعة التابعة للإقليم،  كما أن اللجنة (الثلاثية) لن تستطيع أن تقرأ كل هذه الأعمال كاملة كما أنها تقرأ كل الأنواع الأدبية أحيانا تحجج اللجنة بضيق الوقت. اللجنة واحدة لا تتغير كل عام (تعليق كاتب المقال: الذائقة واحدة لا تتغير كل عام).

الحديث عن الشللية معتاد كل عام، يذكر في الوسط الثقافي كل سبيل التندر أن فلان عليه الدور في النشر الإقليمي لأنه الدورة السابقة كان يشغل منصب رئيس نادي الأدب وهكذا ( تعليق كاتب المقال: لو تم حصر للأعمال التي نشرت في السنوات الماضية نكتشف أن هذه المقولة حقيقية). عدد أربعة كتب في محافظة الدقهلية وكذلك محافظة الشرقية يعتبر عدد قليل جدا نطالب بزيادته وسنتبنى ذلك في مؤتمر أدباء الدقهلية الذي سيقام  هذا الشهر ويكون مطابق لعدد نوادي الأدب التابعين للمحافظة. و سنتولى تصعيد هذا المطلب لمؤتمر أدباء مصر القادم.

النشر الإقليمي مشكلة مصرية عامة..

اللجنة الفنية وكفاءتها محل شك

ـ الشاعر عبده الزراع أشار لهذه المشكلة في مقالة نشرت في البوابة نيوز 7/2/2015 أشار إلى الفساد المستشري في نوادي الأدب حتى النخاع إلى حد تعبيره شكك الزراع في كفاءة القائمين على قبول النصوص أو رفضها غير مؤهلين في الأساس بالمرة لهذه الوظيفة المهمة.

ـ الأستاذ حمدي البطران في موقع النهار11/1/2017  يتهم اللوائح والقوانين ويصفها بأنها السبب الرئيس في تكوين الشللية ومحاولات استقطاب الأعضاء.

توصيات..

بعد كل ذلك نجد أن النشر الإقليمي بهذا الشكل إهدار للمال العام  حانت اللحظة المناسبة لتغيير اللوائح والقوانين لتحرير النشر الإقليمي من الشللية و الفساد.

ـ إلغاء دور أعضاء نوادي الأدب المركزي في تحديد الأعمال للنشر.

ـ تحديد مسابقة ولجنة تحكيم  خاصة لكل نوع أدبي.

ـ إعلان أعضاء لجان التحكيم مع إعلان النتيجة .

ـ تشكيل لجان تحكيم مختلفة كل عام مختلفة عن الأعوام السابقة.

ـ  لا يحق للفائز التقدم إلى المسابقة إلا بعد مرور ثلاثة أعوام.

ـ تحديد عمر المتقدم إلى مسابقة النشر الإقليمي ألا يتجاوز 45 عاما.

ـ زيادة عدد الكتب المخصصة للمحافظات الكبيرة وتكون مناسبا لعدد نوادي الأدب التابعة لها.

ستظل نوادي الأدب لها دورها الهام في اكتشاف المواهب و إثراء الحياة الثقافية.يجب تعديل اللوائح و القوانين و إعادتها إلى دورها الفعلي و البعد عن الديكورية و المظهرية.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة