17 أبريل، 2024 2:29 م
Search
Close this search box.

“اختراع موريل” .. وهم الخلود ولو عن طريق صور مخزنة !

Facebook
Twitter
LinkedIn

خاص : قراءة – سماح عادل :

رواية (اختراع موريل) للكاتب الأرجنتيني “أدولفو بيوي كاساريس”، صدرت عام 1940، وأحدثت جدلاً كبيراً وقت صدورها، واستمرت طوال تلك السنوات محل إعجاب العديد من القراء في العالم.. ترجمت إلى العربية عام 2015، عن منشورات الجمل، ترجمة “أحمد يماني”.

تتناول الرواية أفكار هامة حول الخلود، ورغبة الإنسان في تخليد نفسه بعد موته، وعزلة الإنسان، والوحدة والحب، في شكل بوليسي يتحول في منتصف الرواية تقريباً إلى شكل فانتازي وخيال علمي.

الشخصيات..

البطل: رجل متهم في قضية قتل ومحكوم عليه بالسجن المؤبد.. لا نعرف عنه تفاصيل أكثر حول عمره أو مواصفاته الجسدية، وهو في نفس الوقت الراوي الرئيس للرواية، يتجه إلى جزيرة معزولة يقال أن بها وباء هرباً من الشرطة.

باقي الشخصيات مجموعة من الأفراد يقومون بالتجوال داخل الجزيرة، منهم فتاة صامتة تحب مشاهدة الغروب تدعى “فوستين” ورجل رياضي يدعي “موريل” وبعض أصدقائهم، يتجولون داخل الجزيرة طوال الوقت.

الراوي..

البطل هو ما يروى حكايته داخل الجزيرة، وكيف يعيش عليها في عزلة ووحدة وتخبط بسبب وجود أناس آخرين، وهناك صوت آخر يتدخل عدة مرات حيث يكتب ملاحظات على الراوي وحكيه الذي يسميه تقريراً.

السرد..

اختار الكاتب أن تكون روايته القصيرة، التي تبلغ حوالي 100 صفحة من القطع الصغير، في شكل يوميات.. مرة يدعوها كذلك ومرة أخرى يسميها تقريراً، حيث يصور الأيام التي يقضيها على الجزيرة المنعزلة وحكايته الغريبة عليها، مع تدخلات من شخص مجهول يدعى “الناشر”، الذي يصحح بعض أخطاء الراوي أو يوضح لبس ما في حكيه.. الرواية معقدة وصعبة القراءة لأن الكاتب اختار أن يكشف لغزها في المنتصف، كما أن هذا اللغز أقرب إلى الفانتازيا والخيال العلمي، لكن الرواية تتمتع بالتشويق خاصة حين يبدأ الكشف في المنتصف.

الغموض ..

في بداية الرواية يبدأ الراوي الحكي عن نفسه، وكيف يعيش في جزيرة معزولة لا يتوفر بها طعام، كما أن بها مداً يأتي بصورة دورية مما يشكل خطراً على حياته ويهدده بالغرق، وهو ينام في العراء رغم أن الجزيرة بها مبنى كبير يسميه الراوي “المتحف” مليء بالغرف، ومبنى آخر يسميه “كنيسة” و”حمام سباحة”.. ساعده تاجر سجاجيد إيطالي حين أرشده عن تلك الجزيرة، لأنه هارب من الشرطة، وساعده أيضاً في الوصول إليها، وهو منذ وصوله يعيش في عزلة ووحدة قاتلة ويبحث عن الطعام باستماتة، ويحاول أن ينام في مكان مريح.

كما يكتشف بنفسه أجواء الجزيرة، ثم يبدأ بعض الناس في الظهور وهو يختبئ منهم، لكن ظهورهم لا يغير شيء في الجزيرة، فلا يوجد طعام ولا تتحرك الأشياء من مكانها، ويبدأ الراوي في التوجس، خاصة عندما يقع في عشق إحدى الفتيات، “فوستين”، ويبدأ في ملاحقتها، ثم يكتشف أنها لا تستطيع رؤيته هي وأصدقاءها الذين يجوبون الجزيرة.. لبعض اللحظات تخيلت كقارئة أن الراوي شبح لميت؛ لذلك لا يراه الناس على الجزيرة ولا يشعرون بوجوده، والراوي نفسه يعطي هذا الإيحاء للقراء، لكنه في منتصف الرواية يكشف عن “اختراع موريل”.

اختراع موريل..

يكشف “موريل” لأصدقائه عن اختراعه ويخبرهم أنه اخترع جهازاً يختزن صورهم وهم يتجولون داخل الجزيرة ويتحركون، ثم يعيد بث هذه الصور والمشاهد إلى ما لا نهاية داخل الجزيرة حتى بعد موتهم، يستمع البطل لذلك الحديث ويعتقد أنه يتصنت عليهم دون معرفتهم، ليكتشف في النهاية أن هؤلاء الناس ما هم إلا صوراً يبثها الجهاز “اختراع موريل”، وأنهم ليسوا أناساً حقيقيين، أثناء حديث “موريل” مع أصدقاءه يغضب أحدهم لأن هذا الجهاز قد تسبب في موت أناس آخرين أجرى عليهم “موريل” تجاربه، ويتوقع أن يموتوا هم أيضاً، ويكشف “موريل” لهم أنه هو من بنى هذه المباني على الجزيرة، وجلبهم لقضاء أسبوع معه ليبقوا خالدين جميعاً معاً ولتكون تلك الجزيرة جنتهم.

ويحتار البطل في تفسير الأمر ويظل يراقب تلك الصور في حركتها المتكررة عدة أيام ليفهم ما هي الحكاية، ويخمن أن هؤلاء الناس قد ماتوا إما بفعل تأثير هذا الجهاز عليهم، والذي أصابهم بمرض يقشر جلودهم ويسقط شعرهم ثم يجعلهم يموتون، أو أنهم أحياء في مكان آخر ويحلم أن يذهب ليقابل “فوستين” ويتعرف إليها.

الحب وهم العزلة..

منذ أن رأى البطل، “فوستين”، حتى وقع في غرامها وتعلق بها كغريق، حيث شعر أن حبه لها هو ما يمنعه من الاستسلام والانهيار في تلك العزلة الموحشة، لكنه عندما اكتشف أنها صورة خيالية ذعر، ظن في البداية أنها ربما تكون حية في مكان ما وحلم أن يذهب إليها، وأخذ يتسمع إليها عدة أيام ليعرف موطنها، لكنه استسلم في النهاية لفكرة أنها ميتة وأن باقي الناس على الجزيرة ماتوا بسبب ذلك الوباء الغامض، الذي سمع عنه قبل مجيئه للجزيرة، وفكر أن “موريل” ربما هو من اخترع ذلك الوباء ليبعد الناس عن جزيرته التي يعتبرها جنته الموعودة، أو ربما يكون هذا الوباء من تأثير جهاز “موريل” المخترع، ويقرر الراوي أن يصور نفسه مع “فوستين” ويكون قريباً منها حتى يوهم من سيشاهد هذه الصور في المستقبل أنهما عاشقين وتخلد صورتهما معاً للأبد على هذه الجزيرة، وتظهر عليه أعراض ذلك الوباء، ويبدأ جسده في الوهن ويتمنى في نهاية الرواية، ممن سيقرأ تقريره هذا أو يومياته، أن يستطيع أحد ما في المستقبل إعادة تركيب أجزائه بالقرب من أجزاء “فوستين” ويتواصلا روحياً من خلال صورهما المخزنة في الجهاز..

الرواية..

في دراسة للناقد “أدولفو باسكيث روكا”، تتناول رواية (اختراع موريل)، يرى أنها: “رواية تأسيسية لأدب استباقي، حيث تحضر فيها رحلات الخلود وتكرارات الحياة وأرشيف الصور والنسخ والهولوغرام، مضيئة النظام المعرفي للصورة وهي مسائل إشكالية تناولها، في زمن لاحق، منظرون للصورة أمثال (جان بودريار) و(بول فيريليو) و(سوزان سونتاغ)، مانحة موضعاً لتأمل الخطوة المعقدة للانتقال مما هو واقعي إلى ما هو افتراضي والذي يهدد فيه عالم الصور العالم الواقعي”.

ترجمت (اختراع موريل) إلى ما يقرب من 20 لغة، وانتقلت إلى السينما في فيلم عام 1974 للمخرج الإيطالي “إيمديو غريكو”، كذلك اقتبست عنها أعمال مسرحية وتليفزيونية وسينمائية كثيرة، ويبقى “أدولفو بيوي كاساريس” كاتباً هاماً في الأدب الأرجنتيني في القرن العشرين.

الكاتب..

ولد الكاتب الأرجنتيني “أدولفو بيوي كاساريس” في “بوينوس أيرس” عام 1914، كتب روايته الأولى (إيريس ومارغريتا)، وهو في الحادية عشرة من عمره، في الرابعة عشرة كتب قصّته الأولى (الزهو أو مغامرة مريعة)، وبفضل والده تمكن من نشر كتابه الأول (تمهيد)، وهو في الخامسة عشرة من عمره، وندم بعد ذلك على نشره وحاول ألاّ يطلع عليه أحداً.

هجر الدراسة الجامعيّة، بعد أن حاول دراسة القانون والفلسفة والآداب، وانتمائه لعائلة غنية ولأب كان كاتباً محبطاً سمح له أن يتفرّغ لكتاباته وقراءاته منذ صغره، كان مطلعاً على الآداب العالمية، وفي عام 1932 تعرّف على “خورخي لويس بورخيس” وجمعتهما صداقة عميقة وكتبا معاً أكثر من خمسة كتب بدء من 1942 وحتى 1977.

في 1933 نشر “كاساريس” كتابه الثاني: (سبع عشرة طلقة على ما هو آت)، وقد حاز على بعض النجاح، وكتابه (عماء)، الذي نشره في 1934 حاز على اهتمام نقدي كبير، وفي نفس العام تعرف على الكاتبة “سيلبينا أوكامبو”، التي أصبحت زوجته في العام التالي، وكتبا معاً كتاباً اسمه (الذين يحبّون يكرهون) في 1946. وكتبا بالاشتراك مع “بورخيس” كتاب (أنطولوجيا الأدب الفانتازي).

تحول “كاساريس” بإصداره روايته (اختراع موريل) عام 1940، إلى واحد من أهم كتاب “أدب الفانتازيا” في أميركا اللاتينية واعتبرها هو نفسه أول إصدار جاد له، وكتب بعدها رواية أخرى في 1945 هي (خطّة هروب)، والتي تعتبر امتداد بشكل مّا لـ(اختراع موريل).

توالت رواياته بعد ذلك: (حلم الأبطال) 1954، (يوميات حرب الخنزير) 1969، (النوم في الشمس) 1974، (مغامرة مصوّر في لابلاتا) 1985، (بطل ناقص) 1993، (من عالم لآخر) 1997. بالإضافة إلى الكثير من المجموعات القصصية من بينها: (التمثال المنزلي) 1936، (الحبكة السماوية) 1948، (جانب الظلّ) 1962، (بطل النساء) 1978، (حكايات مفرطة) 1986، (دمية روسية) 1991.

كما كتب عدة كتب بالاشتراك مع “بورخيس”، منها: (ستّ معضلات من أجل السيد إيسيدرو بارودي) 1946، (أخبار بوستوس دوميك) 1967، (قصص جديدة لبوستوس دوميك) 1977.

في 1991 حصل على جائزة “ثربانتس”، وهي أهمّ جائزة للآداب الإسبانية، وفي 1999 توفى “كاساريس” عن أربعة وثمانين عاماً، في “بوينوس أيرس”.

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب