23 ديسمبر، 2024 7:13 ص

النساء والكتابة (26): القهر هو القاتل الخفي لموهبة النساء وإبداعهن في مجتمعنا الشرقي

النساء والكتابة (26): القهر هو القاتل الخفي لموهبة النساء وإبداعهن في مجتمعنا الشرقي

 

خاص: إعداد- سماح عادل

مازالت  ظروف الكاتبات تتشابه في مجتمعاتنا الشرقية، حيث تعاني الكاتبة من ربط حياتها الشخصية بنصوصها، بل وتعاني  من سرقة هذه النصوص لأن من يسرقها يعرف جيدا أنها لا تستطيع أن تحمي نصوصها أو تدافع عنها، كما تعاني من حرمانها من التواجد في المحافل الثقافية، ومن حرمانها من الوقت الكافي للكتابة، أو الاعتراف المجتمعي بأهمية ما تفعله، ومن انحياز بعض النقاد والمهتمين بالأدب ضد نصوصها.

هذا التحقيق جمع آراء الكاتبات من مختلف بلدان منطقة الشرق حول الصعوبات التي تواجهها النساء حين يقررن أن يصبحن كاتبات، وتضمن التحقيق الأسئلة التالية:

  1. هل تواجه الكاتبات صعوبات للتفرغ للكتابة مثل عملها، ومهام الأمومة ورعاية الأسرة وأعمال المنزل؟
  2. هل العوائق التي تمنع الكاتبات من التفرغ تؤثر على إنتاج الكاتبات سواء على مستوى الكم وأيضا الكيف؟
  3. هل تشعرين بالظلم حين تتم مقارنة نصوص الكاتبات من النساء بنصوص وإنتاج الكتاب من الرجال رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ؟
  4. ما رأيك في انتقاد البعض للجرأة في كتابات النساء والذي قد يصل إلى حد الوصم؟
  5. هل تشعرين أن كتابات النساء مظلومة من قبل النقاد والمهتمين بالأدب؟

خلط النصوص بالحياة الشخصية..

تقول الكاتبة المصرية “هيام رضوان”: “تواجه النساء صعوبات كثيرة في الكتابة كونها أما وزوجة، وخاصة إذا كانت امرأة عاملة، حيث يصعب عليها تحقيق التوازن بين حياتها الشخصية وممارسة موهبتها وحقها في التعبير عن نفسها في كل المجالات. وأنا أتحدث هنا بصفة خاصة عن الكتابة بجميع أنواعها من قصة وشعر وما إلى ذلك.

بالنسبة لي ككاتبة وعاشقة للشعر والأدب لم يكن إيجاد الوقت الكافي هو أكثر العوائق والصعوبات التي أواجهها لأنني عندما أكتب لا أختار وقت معين ولكنه هاجس يتملكني وينتزعني عن الواقع للحظات، دقائق أو ساعات. وكأن من يكتب ليس أنا.

ولكن ما أثر علي كثيراً هو الخلط بين حياة الكاتبة الشخصية وما تكتبه من شعر أو قصة وربطة بشكل مباشر بحياتها الشخصية أو ما نطلق عليه الإسقاط، مما جعلني أعاني كثيرا في حياتي وخاصة أنني تربيت في بيئة متزمتة في صعيد مصر، حيث الاعتقاد أن تعبير المرأة عن الحب، العشق، الخيانة، الهجر إنما هو نتاج حياتها الشخصية. ولا يعتبرون ذلك من خيال الكاتب الذي يتأثر بما حوله من تجارب وقصص، وهو الوحيد القادر على إظهارها للعلن.

وذلك ما جعلني مثل باقي أقراني أخشي البوح بكتاباتي وحتى إن أظهرتها للعلن تكون باسم مستعار، مما يجعلها عرضة لسارقي الحرف والكلمة. في تلك اللحظات تشعر الأنثى وكأن وليدها هو من سُرق منها، فهذه الكلمات هي من رحم شعورها وإحساسها، هذه الكتابات والأشعار هي نبض قلبها في حروف، وذلك ما  جعل كتاباتي حبيسة الأدراج حتى شاءت الأقدار وانتقلت خارج الصعيد، ومن هنا كانت بداية ظهوري ككاتبة  باسمي إلى النور والعلن، وساعدني في ذلك زوجي و بناتي علياء ولاء ومرام”…

وعن تأثير العوائق على إنتاج الكاتبات تقول: “النساء كغيرهم يتأثرن بالعوائق حولهن بل هن أكثر تأثرا، خاصة في مجتمعنا الشرقي الذي يلقي بمسئولية تفكك الأسرة على المرأة كسبب رئيسي في فشل الحياة الزوجية دون النظر إلى الطرف الآخر، وأنا لا أنكر أن هناك من يفعلن ذلك، ولكن نظرية التعميم على العنصر النسائي وإلقاء جل اللوم عليه جعل المرأة تحت ضغط شديد، مما جعلها تتحمل فوق طاقتها وذلك القهر يكون السبب في شيخوختها ليس في العمر، ولكن في المشاعر والأحاسيس، ذلك القهر هو القاتل الخفي لموهبة العنصر النسائي في مجتمعنا الشرقي”.

وعن الشعور بالظلم من المقارنة تقول: “ينتابني شعور القهر وليس الظلم فقط عندما تقارن أعمالي بغيري من الكتاب، ذلك لأنني غير قادرة على أن أحمى كتاباتي أو أن أنشرها في المحافل الأدبية أو أن أرعاها حتى تزهر في ربوع المنتديات الثقافية.

لأن فكرة أن تشارك المرأة في المنتديات والمهرجانات يؤخذ على محمل آخر وهو أنها تهمل أسرتها لترضي غرورها وموهبتها الفذة، وذلك في إطار من التهكم والاستهزاء، فتظل كتابات العنصر النسائي كالطفل اللقيط الجميع يحنو عليه، ولكن لا أحد يعتبره من الأسرة، فالجميع يعجب بكتاباتي ولكن عندما يشاركها البعض إما أن يزيلها باسمه وهذا يعتصر قلبي ألما، أو يتركها بلا هوية فتضيع بين سارقي الحرف ومدعي الأدب والكتابة”.

وعن انتقاد البعض للجرأة في كتابات النساء تقول: “هناك بعض الكتاب يغالي في انتقاد كتابات النساء، ليس من منظور نقدي محايد وذلك لتحقيق الشهرة، والبعض الآخر يركز على بعض النماذج الهابطة التي لا تعبر عن العنصر النسائي، وهؤلاء كثر ليعمم النظرية بأن النساء لا يصلحن سوي للمطبخ وأنهن فقط يستطعن الإبداع في المحشي ويتفنن في المخبوزات.

وإن كانت هذه أشياء مهمة ولكن الجنسين يستطيعا عملها، فأشهر الطباخين من الذكور، وللمرأة الحق في التعبير عن مشاعرها ومشاعر بني جلدتها، وما تراه من قصص وحكايات تستطيع الكاتبات نسجها في شعر، أو قصة دون وصمها بمسميات يعجز اللسان عن نطقها”.

وعن كون كتابات النساء مظلومة من بعض النقاد تقول: “كتابات النساء مظلومة جدا من قبل النقاد، لأنها تقاس بمعايير غير محايدة ولا تراعي الظروف ومقتضي الحال، كما أن البعض يتمادى في الإساءة للمرأة لمعرفته حق اليقين أن بعض الكاتبات لا يستطعن الرد أو أن ينحدرن لمستوى أخلاقي لا يليق بهن.

رسالتي لكل نون في العالم ألا تتخلي عن حلمك في الكتابة أو في أي مجال، فنحن لا نملك سوى حياة واحدة، أعطاها لنا الله، فلا تهدريها في الخوف من أشباح، فتنسل أحلامك وطموحاتك من بين يديك كحبات الرمل وقطرات المياة “عيشي حلمك””.

بيئة صحية متعاونة لأجل الكتابة..

وتقول القاصة العراقية وعضوة اتحاد أدباء بابل “ليلى عيال”: “المرأة الآن تنهض بأعباء مضاعفة ومسؤوليات كثيرة ألقيت على عاتقها طوعا وكرها، مما يؤثر على الوقت والصحة والتفرغ بشكل طبيعي وحتمي. لكن لا أظن أن ذلك قد يؤثر على إبداعها لو كانت جادة وتعرف كيف تعطي الكتابة حقها ووقتها، باعتبار ذلك جزء من كيانها، الكثير من المبدعات وفقت بين تلك الأمور، ربما قصرت خلال مراحل معينة لكنها نهضت وأعادت هيكلة حياتها، وأبدعت وقدمت انجازات أدبية يشار لها بالبنان”.

وعن تأثير العوائق على إنتاج الكاتبات تقول: “نعم تؤثر، المرأة كان حي حساس ورقيق يجب أن تتوفر لها بيئة صحية صادقة متعاونة لكي تبدع وتتطور في مجال إبداعها، يجب أن تأخذ لكي تكون قادرة على العطاء والإبداع والتألق”.

وعن الشعور بالظلم من المقارنة تقول: “لا إطلاقا المنجز هو ما يدل على ذاته سواء كان لرجل أو امرأة، الإبداع عمل إنساني لا يحدده الجنس، لكن لنقل مازالت المرأة تحت وطأة مجتمع ذكوري سلطوي، ولم تخرج منه إلى الآن. لكني أشعر بالظلم عندما تتدخل العلاقات والوساطات في إبراز البعض والمبالغة في تسليط الضوء الدائم على أسماء وتجاهل الأخرى. الظلم كبير على المرأة ومن جهات متعددة، لكن يبقى الإبداع هو المقياس وهو الحكم أولا وأخيرا”.

وعن انتقاد البعض للجرأة تقول: “المرأة تعيش بمجتمع تحده الأعراف والتقاليد، من هذا المنطق يخاطبها الرجل مع الأسف حتى المثقف، دون أن يعترف بأن الأنثى وحدها قادرة على التعريف بنفسها ومشاكلها وما تريد فهي الأقرب لذلك إبداعيا.

المرأة لم تكسر القواعد أبدا خوفا من المجتمع المحيط، لذا نجدها لم تتطرق إلى ذاتها إلا بالرمز، وذات المواضيع لم تنجح في كسر التابوهات إلا بصور ضئيلة. المجتمع، الأعراف، الدين، القانون، كلها تشكل حاجزا لا تستطيع المرأة تجاوزه وإلا تتهم وتحارب وهذه حقيقة. لذا نجدها ابتعدت حتى عن الشعر وأصبح لا يمثل طموحها واتجهت نحو الرواية والسرد لأنه يمثلها بشكل أفضل. الجرأة مطلوبة لكن بذكاء، وبالذكاء وحده تستطيع التطرق لكل شي دون اعتراض من أحد”.

وعن كون كتابات المرأة مظلومة من بعض النقاد تقول: “بعضها مظلوم جدا وبعضها يأخذ أكثر مما يستحق، يبدو أن الاهتمام بالأسماء بات أكثر من المنجز ذاته، فنجد الدائرة تدور حول نفس الأسماء ذاتها، النقد ظلم الكثيرات كذا المهتمين بالأدب والدعوات والمهرجانات”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة