النساء والكتابة (20):  الكتابة مثل بذرة تريد أن تطلق لأغصانها العنان وتثبت جذورها عميقا في الروح

النساء والكتابة (20):  الكتابة مثل بذرة تريد أن تطلق لأغصانها العنان وتثبت جذورها عميقا في الروح

 

خاص: إعداد- سماح عادل

مازال البوح مستمرا، حيث تحكي الكاتبات عن الصعوبات التي تظهر حين يخترن طريق الكتابة، صعوبات التفرغ، وصعوبات مقارنة نصوصهن بنصوص الرجال، وطرحت كاتبة صعوبات تجاهل إنتاج الكاتبات في مجال المسرح، بينما نصوص الرجال تجد طريقها نحو التنفيذ. ومازال البوح مستمرا باستمرار التحديات وبقاءها.

لذا كان لنا هذا التحقيق الذي يجمع آراء الكاتبات من مختلف بلدان منطقة الشرق حول الصعوبات التي تواجهها النساء حين يقررن أن يصبحن كاتبات، وتضمن التحقيق الأسئلة التالية:

  1. هل تواجه الكاتبات صعوبات للتفرغ للكتابة مثل عملها، ومهام الأمومة ورعاية الأسرة وأعمال المنزل؟
  2. هل العوائق التي تمنع الكاتبات من التفرغ تؤثر على إنتاج الكاتبات سواء على مستوى الكم وأيضا الكيف؟
  3. هل تشعرين بالظلم حين تتم مقارنة نصوص الكاتبات من النساء بنصوص وإنتاج الكتاب من الرجال رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ؟
  4. ما رأيك في انتقاد البعض للجرأة في كتابات النساء والذي قد يصل إلى حد الوصم؟
  5. هل تشعرين أن كتابات النساء مظلومة من قبل النقاد والمهتمين بالأدب؟

التسلط الذكوري والهيمنة المفروضة..

تقول الكاتبة السورية “توفيقة خضور”: “لا يمكن للكاتبة أن تتفرّغ للكتابة أياً كانت ظروفها، فإن كان وضعها المادي جيداً، وليست بحاجة للعمل خارج المنزل، وهذا نادراً ما يكون، فكيف لها أن تتفرّغ من رسالتها الأهمّ والأعظم ألا وهي رسالة الأمومة..؟

لا تستطيع بالطبع، ولا تريد ذلك، لكنّ أعباء البيت ترهقها وتسلب وقتها، وبالتالي هي بحاجة للعيش في جو صحّي إنسانيّ، يقوم فيه كل فرد من الأسرة بواجبه بحب ورضا، حتى يتوفر لها الوقت والطاقة اللازمين للكتابة”.

وعن تأثير العوائق على إنتاج على الكاتبات تقول: “العوائق التي تسلب الكاتبة جهدها ووقتها تؤثر على إنتاجها من ناحية الكمّ فقط، أما من ناحية الكيف فلا، لأن الكاتبة المتمكنة الموهوبة لا تكتب إلّا في العمق، وإن قلّ إنتاجها”.

وعن الشعور بالظلم من المقارنة تقول: “لا أشعر بالظلم من المقارنة مع إنتاج أي كاتب، فليست الظروف هي من تصنع الكاتب، الضعيف وحده من يخاف المقارنة، والمرأة الكاتبة رغم قسوة ظروفها، وضيق وقتها قادرة على إثبات جدارتها، وإنتاج الأدب الرفيع، وبالمناسبة ليس ثمة ما يُدعى أدب رجالي وأدب نسائي، فالأدب لا جنس له”.

وعن انتقاد البعض للجرأة تقول: “لا يحق لأحد أن يوجّه بوصلة الكاتبة لتدور حيث يشاء، وتشاء رغباته وتصوراته، والجرأة عنصر مهمّ من عناصر الكتابة الناجحة، على أن تُوظّف لخدمة العمل الأدبي، وما انتقاد البعض لهذه الجرأة إلّا من قبيل التسلط الذكوري، والهيمنة المرفوضة والممجوجة”.

وعن كون كتابات النساء مظلومة من النقد تقول: “نعم، كتابات النساء مظلومة جداً، فالنقاد لا يتناولون بالنقد والدراسة إلا كتابات  الرجال، والرخيصات ذوات المواهب الضحلة والشحيحة من النساء في الأعمّ الأغلب، والأسباب معلومة للجميع.. لكنْ.. لكل قاعدة استثناء”.

الوجود النسائي المميز يفرض وجوده..

وتقول الكاتبة اللبنانية “براءة الأيوبي”: “الكتابة هي قبل أيّ شيء شغف، ودائماً من يملك هذا الشغف لا يستطيع إلّا أن يلبّي نداء الحروف عندما يفيض اشتياقه لها. وبالرغم من أنّ العصر الذي نعيش فيه يفرض على المرأة تحدّيات عديدة ويحيطها بانشغالات كثيراً ما تتجاوز دورها التقليدي والأساسي داخل المنزل إلى أدوار أخرى قد تصل في كثير من الأحيان إلى احتلال مناصب ذات أهميّة على مختلف المستويات، إلّا أن ذلك لم يمنعها مطلقاً  من أن تتبوّأ  مكانةً مميّزة على الساحة الأدبيّة، والأمثلة كثيرة..

إن مسألة التفرّغ للكتابة تبدو غير منطقية في مواجهة كمّ المسؤوليات والضغوط، وخصوصاً أن الكتابة لم تكن يوماً مهنة يمكن الاعتماد عليها لتأمين مورد عيش، وبالتأكيد فإنّ مسألة التوفيق والتوازن بين حبّ الكتابة من ناحية وأداء المسؤوليات من ناحية أخرى ليست مطلقاً بالأمر السهل، ولكن يبقى للنساء قدرة مميّزة على تنظيم حياتهنّ وتخصيص ولو جزءٍ بسيط من الوقت لأمور تتجاوز المسؤوليات الأسريّة والمهنيّة، مهما تكاثرت الأعمال”.

وعن تأثير العوائق على إنتاج الكاتبات كما وكيفا تقول: “بالرغم من أنّ المسؤوليات الكثيرة الملقاة على عاتق المرأة في عصرنا الحالي لم تشكّل عائقاً قد يبعدها كليّاً عن الكتابة، إلّا أننا لا نستطيع أن ننكر أن هذا الوضع قد يقلّل من عدد إصداراتها الأدبيّة، مع التأكيد على أن جودة المنتج الأدبي لا يجب أن تتأثّر مطلقاً، فهي لا ترتبط مطلقاً بالكَمّ المُنتَج. من تملك الموهبة والتمكّن تستطيع الحفاظ على مستوى مميّز لإنتاجاتها الأدبيّة لو كانت ضئيلة”.

وعن الشعور بالظلم حين تتم مقارنة نصوص الكاتبات تقول: “المقارنة بين الجنسين قائمة دائماً وفي مختلف المجالات الأدبيّة وغير الأدبيّة، ولا أرى مطلقاً أن هناك ثمّة ظلم بإقامة تلك المقارنات لأنّ المرأة الكاتبة لن تخرج أبداً مهزومةً منها. ومثلما أنّ هناك كتّاباً مقلّين في أعمالهم وآخرين ناشطين أدبيّاً، كذلك الأمر بالنسبة للنساء..

فالمسألة نسبية ولا ترتبط مطلقاً بجنس من يقوم بالتأليف، لقد تمكّنت النساء برغم الظروف من تحقيق إنجازاتٍ أدبية عظيمة، ونافَسنَ فيها الكتّاب من الرجال. لا أحد يستطيع أن يُلغي الوجود النسائي المبدع والمميّز في الساحة الأدبيّة، ومجرّد التفكير في إجراء مقارنات هو إثباتٌ على الحضور النسائي الفاعل والخَلّاق”.

 

وعن انتقاد البعض للجرأة في كتابات النساء تقول: “دائماً هناك تشدّد في الرقابة على المرأة وأدوارها المختلفة في مجتماتنا الشرقيّة. وهذا ما تتعرّض له الكاتبات أيضاً، رغم أن انتقاد الجرأة في الكتابة هو مسألة مبدأ يجب أن تطال الجميع نساءً ورجالاً.

فإن اعتُبرت الجرأة في الأدب مرفوضة اجتماعياً لأسبابٍ معينة، فإن الرفض عندها يجب أن يكون عامّاً لأن المبادئ لا تتجزأ، وما يطبق على النساء يجب أن يُعمّم على الرجال.  أنا شخصيّاً لا أحبّذ الجرأة الزائدة في النصوص الأدبيّة عند النساء والرجال على حدٍّ سواء. وإن كان الأدب هو وسيلةً للتعبير عن الواقع، فباستطاعة الكاتب أن يصيب الهدف بذكائه الأدبي ودون أن يتجاوز الخطوط الحمراء”.

وعن كون كتابات النساء مظلومة من قبل النقاد تقول: “الملاحِظ والمتتَبِّع للساحة الأدبيّة لا بدّ وأن يُلفته موضوع النقد الأدبي والذي يطال في أغلب الأحيان الإنتاجات الأدبيّة لأعمال الكتّاب من الرجال. وأعتقد أن الموروثات الثقافيّة والاجتماعيّة ما زالت تؤثّر وإلى حدٍّ كبيرٍ في هذا المجال.

على مرّ التاريخ كانت النساء مهمّشات، وبالرغم من تغيّر الزمن وتبدّل الظروف إلّا أنّ الكثيرين ما زالوا يحملون إرثاً من الأفكار السلبيّة والتي تتناول المرأة ونضجها الاجتماعي والسياسي وحتى اهتماماتها التي لن تخرج بنظرهم عن مدار ذاتها. هناك عدم ثقة بقدرات المرأة على تناول المواضيع ذات الشأن، ممّا يدفع الكثير من النقّاد إلى إهمال أعمالها والتي قد تحمل قيمةً أدبيّةً في الشكل والمضمون قد تتجاوز فيها الكثيرين”.

حرمان الكتابات النسائية من الفرص..

وتقول الكاتبة العراقية “أطياف رشيد”: “من المفيد في هذا السياق أن أشارك تجربتي الخاصة، وأنا لا أميل إلى العموميات أساسا ولا أجد فيها فائدة، بخصوص الصعوبات التي واجهتني ككاتبة فأنا ولفترة طويلة لم استطع فيها ممارسة الكتابة لكل الأسباب المذكورة،  العمل ومهام الأمومة ورعاية الأسرة وأعمال المنزل، بالإضافة إلى شيء مهم جدا وهو الافتقار إلى الخصوصية، لهذا لم تكن البيئة/ البيت مهيأة لممارسة مثل هذا النشاط الفكري الذي يحتاج إلى كثير من التأمل والقراءة والصفاء الذهني.

فكل ذلك كان يؤثر سلبا على فعل الكتابة ويأخذ حيزا كبيرا من الوقت والجهد البدني، ناهيك عن الاستمرار فيها، هذه الفترة استمرت حوالي سبع أو ثماني سنوات، وحتى الأعوام  ٢٠٠٠ و ٢٠٠١ حين اتخذت قرارا بالعودة إلى الكتابة رغم كل شيء، بدأت بنشر بعض القصائد تلتها مقالات نقدية في المسرح في الصحف والمجلات الأدبية والثقافية، تخللتها معوقات كثيرة، كنت أشعر أني أتقدم ببطء في هذا المجال.

في عام ٢٠٠٧ أصدرت مجموعتي الشعرية الأولى (لا أملك أجنحة لكنني أحلم) ورغم ما فيها من قصائد جيدة وأنا اعتز بها جدا وكثير منها قريب إلى نفسي،  لكني اعتبرها تجربة مترددة  بسبب القلق الذي كان يعتريني حينها بين تربية الأولاد ومسؤوليات العائلة وبين توجهاتي الأدبية، هذا القلق يجعل كل شيء مشوشا وغير مستقر وتكون الخطوات متعثرة وغير واثقة، وكنت في بعض الأحيان أحاول أن أتبع نصائح  من المقربين في عملية تنظيم الوقت، ولكن بالحقيقة هذا التنظيم ليس سوى خدعة فعندما نتم كل الأمور المتعلقة بالمنزل والعائلة لن يتبقى من طاقة في نهاية اليوم للجلوس إلى طاولة الكتابة.

ثم ازدادت هذه الصعوبات مع حلول عام ٢٠١٤ وظننت أني أنهار لأنه كان علي أن أتحمل المسؤولية وحدي بسبب ظروف خاصة، مسؤولية كل شيء، ثلاثة أبناء في مرحلة هم في أمس الحاجة لوجودي ومتابعتي، وكذلك متطلبات البيت والعمل أيضا. ولأني وحدي كنت أريد أن أكون مرآة لهم، مرآة تعكس النجاح لا الفشل، وربما هي معجزة الكتابة تلك التي تجعلنا نمتلك هذا الإصرار لنتجاوز الأزمات عندما يكون كل شيء معتما، فكلما ازداد الضغط النفسي ازددت إصرارا على الكتابة.

فأنجزت كتابين في النصوص المسرحية الأول عام ٢٠١٥ بعنوان “ستارة زرقاء شفافة”، والآخر عام  ٢٠١٨ بعنوان “صالون تجميل”، بالإضافة إلى نصوص أخرى، وفي الحقيقة عندما يكبر الأولاد نجد متسعا أكبر لتحقيق طموحاتنا وإثبات ذواتنا، سواء في عالم الكتابة أو في أي مجال إبداعي آخر . فالإجابة على سؤالك عزيزتي نعم الصعوبات التي نواجهها نحن الكاتبات كثيرة تجعلنا في كثير من الأحيان نكاد نفقد العزم على المواصلة، ولكن هناك دائما دافع خفي، كلمة مثل بذرة شجرة مثمرة تريد أن تطلق لأغصانها العنان نحو نور الشمس، مثلما تثبت جذورها عميقا في الروح. بعض الصعوبات تكون محفزا ودافعا قويا نتغلب به على الإحساس بالهزيمة.

وعن تأُثير العوائق على إنتاج الكاتبات تقول: ” هناك تأثير بالتأكيد ولكن في جانب الكم في الأغلب بسب قلة الوقت المتاح للفعل الإبداعي. بالتأكيد لو يتاح للكاتبة من الوقت لإنتاج إبداعها الأدبي سنجد التفوق على المستويين الكم والكيف واضحا، إذ أن وجهات النظر لجوانب الحياة تأخذ من زوايا مختلفة وهنا يكمن الاختلاف والتميز”.

وعن الشعور بالظلم حين تتم مقارنة نصوص الكاتبات من النساء تقول: “رغم كل ما يكتب عن الأدب النسوي والاهتمام به وحركات النسوية المساندة لدور المرأة الريادي في كل الأنشطة، إلا أن هناك جوانب خفية لم يصلها هذا الاهتمام، في المسرح على سبيل المثال لم تزل النصوص المسرحية النسوية بعيدة عن خشبة المسرح على خلاف النصوص المسرحية التي يكتبها الرجل، وهذا التفاوت في إتاحة الفرصة للنص المسرحي النسوي يسبب غبنا لحقها في نقل ما تكتبه من فن رفيع إلى خشبة المسرح كعرض حي يتفاعل معه الجمهور”.

وعن انتقاد البعض للجرأة في كتابات النساء تقول: “هل المقصود بالجرأة هو التطرق لموضوعة الجنس أم كل الخطوط الحمر التي تعتبر تابوهات مقدسة؟ إذا كان المقصود هو موضوعة الجنس فالكتابة التي توجهها فكرة ويحدها هدف إنساني ومعرفي فهي كتابة تستحق الاحترام، الكتابة أولا وأخيرا هي حرية رأي ومنظور مغاير للمألوف والسائد، ومن حق الكاتبة أن تشترط لنفسها السياق الذي يناسب توجهها ومزاجها وتصوراتها، ليس من حق أحد أن يصم فلانة من الكاتبات بسمة مهينة لمجرد أنها وضعت فكرة أو كلمة أو مشهد يعبر عن حالة جريئة، هذه حرية أدبية وشخصية”.

وعن كون كتابات النساء مظلومة من قبل النقاد تقول: “كثيرا ما أجد دراسات ومقالات تتناول الأدب النسوي في الشعر والقصة والرواية والمسرح، وهناك بعض النقد يركز بشكل أساسي على التمايز بين ما تكتبه النساء وما يكتبه الرجال على مستوى الفكر واختيار المفردات اللغوية وبناء الصور والموضوعات وحتى توظيف المفردة اليومية في النصوص الأدبية، وهو مهم في جانب إظهار سمات متفردة وغنية إلا أنه من جانب آخر يعزز التفاوت، بل أنه يعزز كثيرا فكرة الأعلى والأدنى في تراتبية الأدب.

إذ قرأت ذات مرة أن أدب (الرجال) فيه عمق فلسفي أكثر؟! وهذا كلام غير حقيقي بالمرة، الأدب النسوي يحظى بالاهتمام والنقد لأنه استحقاق لجهد ومثابرة الكاتبات، في كل مجال هناك منافسة وهذه المنافسة تدفع دائما نحو التجديد والابتكار والتطوير من المهارات من أجل الوصول لمستوى الريادة”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة