خاص: إعداد- سماح عادل
يتكرر دوما الحديث عن إنسانية الإبداع، في محاولة لتمييز ذلك الإبداع الإنساني عن الإبداع الذي يهتم بشئون المرأة وقضاياها، وكأن ذلك الإبداع الذي يتناول قضايا المرأة، ويرصد مشاعرها وانفعالاتها، أو تجاربها الحياتية لا يصح ولا يجب مطلقا أن يطلق عليه اسم إبداع إنساني، وهناك تساؤل ملح بماذا نسمى الإبداع الذي يتناول التجارب الحياتية للكاتب الرجل كذكر، في تنقله في الحياة وأحداثها المعاشة، هل هو إبداع إنساني أم لا؟
هذا هو الجزء الثاني من تحقيق (النساء والكتابة)، والذي جمعنا فيه آراء الكتاب من مختلف بلدان الشرق عن الصعوبات التي تواجه الكاتبات، وطرحنا هذه الأسئلة:
- في رأيك هل مهام الكاتبة من عمل، ومسؤوليات الأمومة ورعاية الأسرة وأعمال المنزل صعوبات تمنعها من التفرغ للكتابة وتقلل فرصها للتواجد على الساحة الثقافية ككاتبة؟
- ما رأيك في مقارنة نصوص الكاتبات من النساء بنصوص وإنتاج الكتاب من الرجال رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ؟
- ما رأيك في تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء، والجرأة في الكتابة. وما رأيك فيها يسمى بالكتابة الأيروتيكية؟
- هل استطاعت كتابات المرأة أن تتواجد على الساحة الثقافية في مجتمعاتنا وأن تجد لها مكانا وفي رأيك هل ينصف النقاد كتابات النساء أم لا ولما؟
- هل تعتقد أن هناك اختلافات ما بين الكتابات التي تصدر عن النساء وتلك التي يكتبها الرجال وما هي هذه الاختلافات؟
تباطؤ النقد وعجزه عن ملاحقة الإبداع..
يقول الشاعر والكاتب المصري “صالح الغازي”: “أولا: أسباب كثيرة تقلل من تواجدنا جميعا على الساحة الثقافية، ويختلف ذلك باختلاف المناخ العام لكل بلد، قد يكون لسبب غياب حرية الكتابة أو لثقافة عامة لا تستوعب الكتابة نفسها أو تقصير في التخطيط الثقافي، أو حتى لسبب اقتصادي مثل إهمال الاستثمار في الصناعات الثقافية والإبداعية أو سياسة التقليل الثقافية أو إلغاء المجلات الثقافية، ثانيا: عن صعوبة التواجد على الساحة الثقافية نجد فئات كثيرة أبرزها من يعيشون خارج دولهم لا يتم الالتفات لإبداعهم كما يجب. وقد يأتي منبر أو صحيفة في بلد ما وتقرر قرار غير معلن أن تنشر لجنسية دون أخرى، كما أن هناك من لا يجدون مكانا على الساحة الثقافية لأنهم يعيشون في القرى والأقاليم الصغيرة بالإضافة لمن لا يوجد عندهم محسوبية أو واسطة للنشر وأيضا بالتأكيد المرأة لظروف الحمل والإنجاب.
ثالثا: في رأيي أن المرأة، أو الفتاة، تُظلم كثيراً في مجال العمل والبحث العلمي خاصة، فالحمل والإنجاب وفترات رعاية الأطفال تتسبّب كثيراً في انصراف أو تسرّب عدد من السيدات عن العمل عامة، ومجال العلم بالذات، بسبب طبيعتهن أو التزامهن بالتربية. والعودة للأنشطة البحثية بعد الانقطاع تكون بصعوبة؛ بسبب أن الشركات، أو حتى المؤسسات البحثية، تفضّل الرجال في المشروعات الطويلة المدى. أو بسبب فتور حماستهن أو طاقتهن التي تُبدّد في محاولات إعادة المواكبة بعد فترات الانقطاع.
لاحظ مثلاً أن هناك كثيراً من السيدات تضطرهن الظروف إلى التفرّغ فترة لتربية الأولاد، وعند عودتهن لمجال العمل بعد الأربعين مثلاً، يجدن صعوبة في إيجاد فرصة في العمل من الأساس، أو إعادة مواكبة التطورات والتغيّرات العلمية.
رابعا: أرى أن المرأة في المجال الأدبي والصحافة والكتابة فرصتها نسبيا أفضل من فرصة المرأة في المجال العلمي فمثلا حسب بيانات معهد اليونيسكو للإحصاء (2014 – 2016) نسبة النساء أقل من 30 في المائة من الباحثين في جميع أنحاء العالم رغم تفوقها الدراسي عن الرجل حتى الجامعة”.
وعن مقارنة نصوص الكاتبات من النساء رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص يقول: “أعتقد أن الكاتبات هن اللواتي يدفعن النقاد والرجال إلى المقارنة بين نص الرجل ونص المرأة، من قبيل إثبات الإجادة والتفوق والإبداع وهذا حق أي إنسان، لكن أعتقد أن هناك تصنيفات نوعية كثيرة مثلا ، الخيال العلمي أو الأنثوية، وهناك كتابة الطفل وكتابة اليافعين ففي كل وجهة نجد تصنيف نوعي، وأنا مع الكتابة الإنسانية التي لا تنتصر إلا للإبداع والرقي وخصوصية كاتبها وتميزه.
بلا شك أنه يجب تفكيك وحل العقبات التي يواجهونها، بدلا من المزيد من ضياع الفرص، سواء بالنسبة إلى السيدات والفتيات أنفسهن، أو للمجتمع ككل. وأدعو من خلالكم لنبذ التحيّزات النوعية والتمييز بين الذكر والأنثى، وهي أيضا أفكار تحتاج التفكيك والمناقشة المجتمعية في أمور المساواة بين الجنسين.
وأريد أن أضيف أن الاتحاد الدولي للناشرين ترأسه الآن امرأة عربية وهي (بدور القاسمي) وللمتابع لمجهوداتها سواء عربيا أو عالميا نجد مساحة كبيرة تعطيها للمرأة الكاتبة والناشرة، وتساند وتشجع وتدعم إبداعها عبر مبادرات ومشاريع وحتى تقديم لتجاربهن في المؤتمرات”.
وعن تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء، يقول: “الكتابة الإنسانية الجادة هي التي تشغلني ولا يمكنني وضع أفكار مسبقة أو وصفة مسبقة للكتاب الذي أتمنى أن أقرأه، والكتابة هي مهنة لها أصولها والكاتب الشاطر له توليفته دائما.
وقد نلاحظ أن المشاهير غالبا لهم قضايا خاصة يدافعون عنها ويكتبون عنها وقد تجد استحسان عند القارئ الغربي فتكون الشهرة عالمية، وعن التابوهات فما المخيف فيها مثلا الدين هناك درجات إيمانية مختلفة لماذا لا يكون هناك تعامل جاد مع هذه الأنماط؟ ما الذي يمنعنا من التفكر والنقاش؟ وعن السياسة أيضا هناك أخطاء لكل الحكومات والإدارات فما المانع من الانتقاد؟ أما عن الجنس فهو الذي وضعنا على عتبة الحياة وهو محور تفكير العديد من الناس فلماذا لا نترك للكاتب مساحته للرصد والتحليل. إنما عن تحديد الكتابة الأيروتيكية فإنني لا أفهم المقصود بها غير أن التوصيف نفسه تجاري تسويقي أكثر ما هو فني”.
وعن استطاعة كتابات المرأة أن تتواجد على الساحة الثقافية يقول: “كتابات المرأة موجودة في الحياة الثقافية وأثبتت ذاتها، وهناك كاتبات متميزات وعظيمات قديما وحديثا، أما عن النقد هناك أزمة كبيرة في النقد عامة ولا علاقة للأمر برجل أو امرأة، فالأمر هو تباطؤ الحركة النقدية وعدم قدرتها على ملاحقة الإبداع.
أذكر تجربة مميزة حدثت في عام 2006 وكنت أعمل في السعودية في إدارة النشر، وجاء لي رجل سعودي وقال أن زوجته ربة منزل وهي سيدة البيت وتربي خمسة أولاد ورغم انشغالها في تربية الأولاد فهي تحب القراءة وكتبت عدد كبير من الروايات ولم تنشرها، وقال أنه يتمنى أن ننصفها وبالفعل قرأت ما كتبته ووجدتها مميزة جدا وبدأنا في النشر تقريبا خلال خمس أعوام نشرت أربعة روايات، وهي ما زالت تكتب وأصبح لها جمهورها ومحبيها. هناك نماذج للطموح وللموهبة التي تقود الإنسان رغم الظروف الصعبة، وحتى لا تنتظر الناقد ليحللها”.
وعن وجود اختلافات ما بين الكتابات التي تصدر عن النساء وتلك التي يكتبها الرجال يقول: “أحيانا أجد اختلافات وأحيانا لا، حسب القدرات والمهارات والثقافة والخبرات الحياتية، وهي مجتمعة تكون شخصية الكاتبة، أما عن سمات الكتابة عند الكاتبات يحضرني مثلا الاهتمام بالتفاصيل والتقصي والذكريات، وهناك تجارب تخص الكاتبة كأم وعلاقتها بأولادها وتربيتهم أو كحبيبة وأحيانا الكتابة الرومانسية الحالمة كالغدر والخيانة، وأحيانا الضجر من المجتمع الذي يقهر الأنثى وتفنيد الأفكار الذكورية القبلية والرجعية. لكن هذا موجود على كل حال عند الرجل والمرأة لكنها بنسبة أكبر في تجارب النساء ولا أنكر أيضا وجود تجارب كاتبات تعتمد على الإبداع الإنساني الخالص”.
النساء قليلات الإنتاج أحيانا..
ويقول الشاعر والكاتب اليمني “حميد الشامي”: “في الواقع لدى المرأة كالرجل مشاغل والتزامات وواجبات أسرية وغير ذلك، وإن تباينت بعض الشيء في خصوصيتها أقصد هذه “المشاغل”، لهذا ومن وجهة نظري الموهبة والمثابرة والشغف هم من يصنعان الكاتب أو المبدع الحقيقي بغض النظر عن التفاوت الفسيولوجي بين الجنسين. والمشكلات والانشغلات المفرطة، تعيق المبدع وتنغص الإبداع أو تنهيه سواء أكان لدى المرأة أو الرجل”.
وعن مقارنة نصوص الكاتبات من النساء رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص يقول: “المقارنة في الإنتاج قد تكون ظالمة بعض الشيء، فلكل واحد انشغالاته وخصوصيتها ولنعذر المرأة في قليل إنتاجها بحد معقول، أما من ناحية جودة النص واكتماله فهما متساويان طالما الموهبة واحدة والمعرفة واحدة والشغف واحد”.
وعن تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء يقول: “هناك استغلال طفيف من بعض النساء غير الجديات في مواهبهن ومعرفتهن وتوقهن للحرية والشهرة في “عالمنا العربي” ولهذا تلجأ بعضهن لاستغلال مواضيع بعينها دون أن تكتمل في مخيلتهن وحياتهن اليومية أو يخرجنها على شكل نصوص وسرديات رديئة، هذه المواضيع هي الجنس وحرية العلاقات وكسر التابوهات.
كما تكرمتي الأيروتيكية شكل تعبيري فاتن ومدهش وكثير الجمال، أيا تكن الطريقة التي يخرج فيها نص المرأة أو الرجل”.
وعن استطاعة كتابات المرأة أن تتواجد على الساحة الثقافية يقول: “تستغربين إن قلت لك أن النساء يحظين بتناول أعمالهن نقديا في مجتمعاتنا أكثر من الرجل وقبل نضوجها، وخصوصا من النقاد الرجال، لأسباب لا علاقة لها بالإبداع، إنما بالعلاقة المرتبكة والناقصة في مجتمعاتنا، بين الجنسين.
أما من ناحية إيجاد المكانة أنا شخصيا أجد أن ثمة أعمال ومواهب نسوية أثبتت وجودها وجدارتها في مجتمعاتنا أكثر مما هي عليه عند المبدعون الرجال”.
وعن وجود اختلافات ما بين الكتابات التي تصدر عن النساء وتلك التي يكتبها الرجال يقول: “لا أجد أية اختلافات، باستثناء أن النساء قليلات الإنتاج أحيانا، لأسباب ليست بالضرورة متعلقة بواجباتها والتزاماتها كأم أو كزوجة، وإن شغل هذا جزء من تفاصل حياة المرأة. وفيما عدا هذا فالمرأة كالرجل تكون بموهبة كاملة وتنتج شيء رائع أو توجد بشكل مكرر وموهبة ناقصة كالرجل تماما”.