24 يناير، 2025 11:36 ص

(النساء والكتابة 2-37):  أصبح كثيرًا من الكاتبات يكتبن نصوصًا لا يُشتَمّ منها أيّ مَيلٍ نسويّ صريح مدجّج بصراخ وعويل لا يليق بكتابة الأدب

(النساء والكتابة 2-37):  أصبح كثيرًا من الكاتبات يكتبن نصوصًا لا يُشتَمّ منها أيّ مَيلٍ نسويّ صريح مدجّج بصراخ وعويل لا يليق بكتابة الأدب

 

خاص: إعداد- سماح عادل

في هذه الحلقة من الملف هناك طرح عن اختلاف الكتابات النسائية عن السابق، حيث أصبحت الكتابات النسائية تتحرر من الميل النسوي، الذي يمتلئ بالصراخ والعويل، الذي يعتبره الطرح بعيدا عن الكتابة الأدبية. وهناك طرح ثان عن أن الإبداع هو إنساني، ويقاس بقيمته وجودته، وأنه يجب الاهتمام بالنص بغض النظر عمن كتبه وعن جنسه. وهناك طرح آخر أن الكتابات ذات البعد السياسي اقتربت لتكون حكرا على الرجال، وأن على المرأة الكاتبة توسيع مجال الكتابة لديها.

هذا هو الجزء الثاني من تحقيق (النساء والكتابة)، والذي جمعنا فيه آراء الكتاب من مختلف بلدان الشرق عن الصعوبات التي تواجه الكاتبات، وطرحنا هذه الأسئلة:

  1. في رأيك هل مهام الكاتبة من عمل، ومسؤوليات الأمومة ورعاية الأسرة وأعمال المنزل صعوبات تمنعها من التفرغ للكتابة وتقلل فرصها للتواجد على الساحة الثقافية ككاتبة؟
  2. ما رأيك في مقارنة نصوص الكاتبات من النساء بنصوص وإنتاج الكتاب من الرجال رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ؟
  3. ما رأيك في تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء، والجرأة في الكتابة. وما رأيك فيها يسمى بالكتابة الأيروتيكية؟
  4. هل استطاعت كتابات المرأة أن تتواجد على الساحة الثقافية في مجتمعاتنا وأن تجد لها مكانا وفي رأيك هل ينصف النقاد كتابات النساء أم لا ولما؟
  5. هل تعتقد أن هناك اختلافات ما بين الكتابات التي تصدر عن النساء وتلك التي يكتبها الرجال وما هي هذه الاختلافات؟

القيمة النوعية المتفرّدة التي تقدمها الكاتبة..

يقول الروائي والقاص السوداني “طارق الطيب”: “الكاتبة الموهوبة تبرز كتابتها رغم كل المعوّقات. العبرة ليست بالكم المنشور أو بالانتشار “الفيسبوكي” الرهيب، بل بالقيمة النوعية المتفرّدة التي تقدمها الكاتبة.

سيكون منصفًا أن تتخفّف الكاتبة الموهوبة من أعباء تُثقِل مسارها الأدبي، وتخصّ المرأة تحديدًا في مجتمعاتنا العربية التي تؤمن بأدوار نمطيّة عليها القيام بها وإلا ستنخلع عنها قدسيّة المرأة الصالحة؛ إذ أن تخفّفَها من هذه الأعباء قد يثرينا بكتابات أكثر بحكم التفرّغ والوقت الأكبر المتاح.

أؤكد أن عدد المبدعات إحصائيًّا أقل من عدد المبدعين لأسباب تاريخيّة ليس مجال السؤال عنها هنا، ويؤكد التاريخ هذا على صعيد الموسيقى والرسم والكتابة كمثال.

التواجد الآن على الساحة الثقافية وعبر الوسائط الاجتماعية السريعة له شروط أخرى لا علاقة لها بالقيمة الأدبية للمنتَج!”.

وعن مقارنة النصوص رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ يقول: “لا أوافق في عصرنا الحالي على مقارنة النصوص “الذكوريّة” بالنصوص “الأنثويّة”؛ فاللغة لا جنس لها في الكتابة والتدوين وإنما التفريق يكون في تمام النص المتاح أمام القارئ، بمعنى آخر ما هي المعايير التي يتم الاستناد إليها لمقارنة نص بآخر؟ لو أن الأمر يعني قوّة النصّ وفرادته وموهبة الكتابة فيه؛ فهذا أمر لا تدَخُّل فيه لموضوع “الجندريّة”.

أكاديميًّا يجوز التفريق والتقسيم والتصنيف من أجل بحوث اجتماعيّة أدبيّة تهمّ الدراسة والإحصاءات لكنها لا تشكّل قيمة نقديّة بل علميّة، بشرط أن نأخذ مجال النقد كدرب من الإبداع.

الفرص لم تعد حكرًا على الرجل كما كان الأمر قبل نصف قرن تقريبًا، والمرأة أكثر ذكاء في تقدير واستغلال الوقت من الرجل.

وعطفًا على السؤال السابق. الكمّ ليس دائمًا قيمة عُليا في التقييم”.

وعن تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء، والجرأة في الكتابة يقول: “التابوهات تخلقها ثقافة المجتمع. ما يتعلّق بالسياسة والدين، فقد اجتازا بمسافة ما يسمى بـ “الخطوط الحمراء”في كثير من المجتمعات ولو بالتورية ومكر الكتابة، أمّا أمر “تابو” الجنس، فما زال في مجتمعاتنا العربية أسيرًا ويشكل معضلة أكبر للمرأة؛ فإن كتبَتْ فيه بعمق وتفصيل، فهي إمّا مجرّبة أو تكتب من سيرة حياتها. كثيرون يلغون فورًا حِرفيّة الأدب وعبقريّة الخيال ويصِمُون المرأة بأنها بعيدة عن العفة، لأنهم يتلصّصون على النصّ ويؤوّلون لما انطبع في أذهانهم وثقافاتهم، وتلك خصلة عربيّة شرقيّة متأخّرة بمراحل للأسف.

لا شيء اسمه تحطيم “التابوهات” وإنما هناك كتابة أصيلة واعية، وليس هناك في كتابة الأدب ما يسمَّى بالجرأة إلا في مجتمعاتنا العربيّة الشرقيّة”.

وعن استطاعة كتابات المرأة أن تتواجد على الساحة الثقافية في مجتمعاتنا يقول: “بكل تأكيد استطاعت كتابات المرأة أن تتواجد على الساحة الثقافية في مجتمعاتنا، وأن تجد لها مكانًا وتقديرًا وتوقيرًا وإنصافًا نقديًّا من النقاد المخلصين الواعين. هناك القليل من المَيل للغزل النقديّ بالمجاملة للكتابة “النسويّة”، لكنه لا يثبت دومًا أمام النصوص المتفرّدة مهما قلّت الكتابة عنها.

الزمن أفضل وأكثر إنصافًا للنصوص الحقيقيّة الأصيلة!”.

وعن وجود اختلافات ما بين الكتابات التي تصدر عن النساء وتلك التي يكتبها الرجال يقول: “أظن قديمًا كان التفريق واضحًا بين الكتابات التي تصدر عن النساء وتلك التي يكتبها الرجال. في العقود الأخيرة أصبح كثيرًا من الكاتبات يكتبن نصوصًا لا يُشتَمّ منها أيّ مَيلٍ نسويّ صريح مدجّج بصراخ وعويل لا يليق بكتابة الأدب!

وفي ظنّي أن الاختلافَ أيضًا في الرؤية في الكتابة بين المرأة والرجل أمرٌ عاديٌّ ولا استغراب فيه، إن كان الموضوع يستلزم إبراز وجهة نظر معيّنة أو قضايا تستحق الكتابة بشكل جديد مبتكر، والعبرة بجودة الكتابة وليس بنوع الكاتب سواء كان ذكرًا أو أنثى، أفريقيًّا كان أم أوروبيًّا!”.

يجب أن ننطلق من النصوص، سواء لامرأة أم لرجل..

ويقول الناقد المغربي “سعيد بوعيطة”: “لا أحد يجادل في كون أعمال البيت بالنسبة للمرأة عامة والمرأة الكاتبة على وجه الخصوص تستنزف وقتها بشكل كبير. خاصة إذا علمنا ما للوقت من أهمية في حياة الكاتب، سواء تعلق الأمر بالقراءة، البحث والكتابة عامة. لكن ذلك لا يقلل، حسب تصوري، من تواجدها على الساحة الثقافية باعتبارها كاتبة.

تؤثر مسؤوليات البيت على المرأة الكاتبة على مستوى الكم، وتحقيق تراكم إبداعي فقط. أما على المستوى النوعي فللمرأة حضورها البارز في المشهد الثقافي، ولو أنجزت عملا واحدا أو اثنين. لأن قوة الكتابة/ الإبداع لا ترتبط بالكم بل بقوة النصوص ونضجها، (القيمة الإبداعية). سواء بالنسبة للرجل أو المرأة.      وعن مقارنة النصوص يقول: “على الرغم  من المقارنة التي يقوم بها البعض في هذا الشأن، فإن لكل نص خصوصيته، سواء كان الكاتب رجلا أو امرأة. لأن النصوص، الكتابة عامة، تنطلق من رؤيا إبداعية خاصة. إنها كما تشير الباحثة الوجودية “سيمون دو بوفوار” رؤيا للحياة والكون. لذا، فإن مسألة المقارنة الميكانيكية المبينة على الجندر، نوع الجنس،غير صحيحة. أكيد أن هناك نوعا من التقاطع بين مجموعة من الكتاب والكاتبات، لكن كل نص له ما يميزه”.

وعن تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء يقول: “أود أن أشير في هذا الإطار إلى أنه لا توجد كتابة نسائية وأخرى رجالية، حسب تصوري، بقدر ما هناك نصوص إبداعية. لكل نص مميزاته وخصائصه الفنية المبنية وفق رؤيا إبداعية خاصة، كما أشرت سلفا.

لهذا، فإن الجرأة وتحطيم التابوهات هي جوهر العملية الإبداعية، الكتابة عامة، لأن هذه الأخيرة تعمل على  بناء عوالم جديدة، تتجاوز العوالم القائمة المبنية على تشويه الحقائق.

أما فيما يخص الكتابة الأيروتيكية، نسميها كذلك تجاوزا، فلا ينبغي أن تصل إلى حد الابتذال، حسب تصوري، بحيث يشكل الجانب الأيروتيكي عنصرا من عناصر البنية العامة للنص، وليس قيمة مهيمنة. ففي رواية ”انعتاق الرغبة” للروائية المغربية “فاتحة مرشد” على سبيل المثل، حضور للجانب الأيروتيكي واحتفاء بالجسد، لكن بشكل فني وليس بشكل مبتذل. والشيء نفسه في قصص القاصة “عائشة موقيض” خاصة في مجموعتها ”ألبوم”، حيث يشكل هذا الجانب عنصرا من عناصر بناء النص السردي”.

وعن استطاعة كتابات المرأة أن تتواجد على الساحة الثقافية في مجتمعاتنا يقول:”أكيد استطاعت كتابات المرأة أن تتواجد على الساحة الثقافية في مجتمعنا بقوة  من المحيط إلى الخليج. والأسماء غنية عن التعريف، سواء تعلق الأمر بالنقد أو الإبداع مثل (رضوى عاشور(مصر)، سمر يزبك (سوريا)، ريم  الكمالي (الإمارات العربية المتحدة)، نادية الكوكباني (اليمن)، فاتحة مرشد (المغرب)، سهير المصادفة (مصر)، ليلي الشافعي (المغرب)…إلخ). نصوص هؤلاء المبدعات قوية على جميع المستويات. لا أحد ينكر، حسب تصوري، القوة الفنية لرواية ”ثلاثية غرناطة” ل”رضوى عاشور” على سبيل المثال.

بعض النقاد ينطلقون من هذا التصنيف الجندري (نساء/ رجال)، في حين يجب أن ننطلق من النصوص، سواء كتبتها امرأة أم كتبها رجل. وهذا حسب تصوري هو النهج الصحيح الذي يجب أن يسلكه النقد عامة.

المسألة التي أود إثارتها في هذا الإطار أن بعض النقاد يهتمون بكتابات المرأة لاعتبارات شخصية، علاقات ضيقة. إلا أن الناقد الحقيقي هو الذي يهتم بالنصوص الجيدة بغض النظر عن كاتبها أو كاتبتها”.

وعن وجود اختلافات ما بين الكتابات التي تصدر عن النساء وتلك التي يكتبها الرجال يقول:  “لإضاءة هذا السؤال، يجب أن أؤكد، حسب تصوري على الأقل، بأنه ليس هناك كتابة نسائية وأخرى رجالية. بقدر ما هناك نصوص إبداعية تمتلك مقومات وأساليب فنية. لأن الاختلاف كامن كذلك في النصوص التي يكتبها الرجال أنفسهم. تبعا لتلك الرؤيا الإبداعية التي ينطلق منها كل كاتب، كما أشرت سلفا، لعل هذه الرؤيا هي التي تميز نصوص “محمد برادة” على سبيل المثال عن نصوص “إبراهيم الكوني” أو “وليد علاء الدين”…إلخ.

كما تميز نصوص “رضوى عاشور” عن نصوص “ليلى أبو زيد”، أو “فاتحة مرشد”…الخ. لذلك فإن هذا التمييز الكتابي، لا يعدو أن يرتبط بما ورثه الناقد العربي عن صلته بالنقد الغربي في مرحلة من مراحل النقد العربي الحديث، خاصة كتاب “بياتريس ديديه” ”كتابة المرأة” بيف،1981. حيث بحثت في العناصر الثابتة لهذه الكتابة، التيمات والأساليب.

لكن على الرغم من ذلك، يمكن الإشارة، كما أكد الناقد “جان اييف داييه” في كتابة النقد الأدبي في القرن العشرين، الصفحة:160، إلى أن كتابة المرأة تتميز ببعض الخصائص التي تتميز بها عن النصوص التي يكتبها الرجل. إذ اعتبرها أكثر حميمية، يهيمن عليها الجانب الذاتي (الأتوبيوغرافي)…الخ. لكنها خصائص حاضرة كذلك في النصوص التي يكتبها الرجل، مما يفند الحدود الفاصلة، المصطنعة، بين الكتابة المبنية على التمييز الجندري”.

الكتابات ذات البعد السياسي اقتربت لتكون حكرا على الرجال..

ويقول الشاعر العراقي “قيس الجراح”: ” لا شك حين نتحدث عن الكاتبة العربية وبالخصوص تلك التي تعيش في المجتمعات الشرقية ذات الطابع الذكوري فسيكون أمامها تحديات التوافق بين الواجبات الأسرية المناطة بها وامتلاك الوقت المناسب للتفرغ للكتابة. والحقيقة ليس هذه المسؤوليات وحدها ما تعيق التواجد الواسع الانتشار على الساحة الثقافية، بل هناك ما يعيق إبراز قدراتها الفكرية بدواعي التقاليد المحافظة ذات البعد الديني أو الأسري”.

وعن مقارنة النصوص يقول: “على قلة عددهن قياسا بالرجال امتازت الكتابة النسائية بلمسة الذكاء بين السطور والسعة المعرفية الدقيقة بخبايا المجتمع، ولنقل أنهن كالنحلات يعرفن جيدا أين ومتى يلسعن، وهن الأقدر في ترجمة المشاعر العاطفية بين السطور”.

وعن تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء، يقول: “كأننا نعيش في صراع بين الموروث من قيم دينية واجتماعية حين نقرأ لكاتبة عربية قفزت على الخطوط الحمراء التي اتفق المجتمع عليها، هنا تتعرض الكاتبة لحرب ضدها يشارك فيها أحيانا حتى الكتاب الرجال، وربما بعض المحسوبين على التثقف.

أنا شخصيا مؤمن بحق التعبير الأدبي الراقي الذي يفصل في رمزية الجسد عن الجنس وربما هذا يستدعي وجود قارئ حصيف قادر على فهم العمل الأدبي برمزيته. أما الكتابة الأيروتيكية تحتاج في الكاتبة الكثير من الجرأة  لتحمل أعباء ردود الفعل القائمة على كسر المحرم والممنوع.

ومن الطبيعي هنا أيضا أن تنال الكاتبة أضعاف مضاعفة من ردود الفعل المناهضة لها قياسا بما لو كان الكاتب رجل، وهذا يندرج تحت إطار إذا كان هناك ظلم عام فعلى المرأة ظلم مضاعف عام وذكوري”.

وعن تواجد كتابات المرأة على الساحة الثقافية في مجتمعاتنا يقول: “اعتقد أن في السنين الأخيرة صار للمرأة انتشار أوسع من ذي قبل وصارت تغني الساحة الثقافية بمنتوجها الفكري بكل ألوان الأدب.

أما فيما يخص النقد والنقاد فدعونا نشير إلى أن البعض من الكاتبات قد تجاوزن الحذر من النقد، وأني لأخشى حقيقة على الكاتبات الجدد وخشيتي تتلخص في التملق النقدي الذي يسيء أصلا لنمو قداراتها الكتابية، بقدر ما يسيء لإنسانيتها، وكذلك قد تقع الكاتبة تحت النقد المغلف الذي يخفي دوافع المجتمع الذكوري في شخص الناقد”.

وعن وجود اختلافات ما بين الكتابات التي تصدر عن النساء وتلك التي يكتبها الرجال يقول: “لنتفق أولا أن الكتابة هي مجموعة أفكار وأحاسيس تترجمها الكاتبة والكاتب بلون أدبي معين، ولأنها كذلك فالاختلاف يبدو جليا بين الجنسين. والحقيقة أن الكتابات ذات البعد السياسي اقتربت لتكون حكرا على الرجال، والقارئ يستشعر أن الكاتبة تحمل غالبا مظلومية المرأة في مجتمعاتنا الذكورية. والخلاصة أن المضامين مختلفة غالبا باختلاف الجنسين، وربما على المرأة الكاتبة تقع مسؤولية الانطلاق لمديات أوسع في الكتابة”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة