27 نوفمبر، 2024 11:29 ص
Search
Close this search box.

(النساء والكتابة 2-14): المرأة المبدعة بتمردها على التابوهات لم ترض أن تستسلم لنظرة الرجل عنها

(النساء والكتابة 2-14): المرأة المبدعة بتمردها على التابوهات لم ترض أن تستسلم لنظرة الرجل عنها

 

خاص: إعداد- سماح عادل

قد يختبئ التمييز الذي يكنه الرجل نحو المرأة، والصورة الذهنية الراسخة في ذهنه عنها والتي هي أدني من مكانتها الحقيقية، ومن تصوراته عن نفسه،  تظهر في بعض جمل، قد لا يكون قاصدا منها الكشف عن شعوره نحو المرأة ونظرته المتدنية عنها، لكنها تخرج رغما عنه. ذلك أن الشعور الرجل بتفوقه أمر راسخ داخل ذهنه وداخل وعيه ولا وعيه، ومهما حاول أن يبدو منصفا، تطل ذاته على غير إرادة منه لتبين شعوره بذاته في مقارنة مع المرأة كذات أخرى.

هذا هو الجزء الثاني من تحقيق (النساء والكتابة)، والذي جمعنا فيه آراء الكتاب من مختلف بلدان الشرق عن الصعوبات التي تواجه الكاتبات، وطرحنا هذه الأسئلة:

  1. في رأيك هل مهام الكاتبة من عمل، ومسؤوليات الأمومة ورعاية الأسرة وأعمال المنزل صعوبات تمنعها من التفرغ للكتابة وتقلل فرصها للتواجد على الساحة الثقافية ككاتبة؟
  2. ما رأيك في مقارنة نصوص الكاتبات من النساء بنصوص وإنتاج الكتاب من الرجال رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ؟
  3. ما رأيك في تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء، والجرأة في الكتابة. وما رأيك فيها يسمى بالكتابة الأيروتيكية؟
  4. هل استطاعت كتابات المرأة أن تتواجد على الساحة الثقافية في مجتمعاتنا وأن تجد لها مكانا وفي رأيك هل ينصف النقاد كتابات النساء أم لا ولما؟
  5. هل تعتقد أن هناك اختلافات ما بين الكتابات التي تصدر عن النساء وتلك التي يكتبها الرجال وما هي هذه الاختلافات؟

غياب النقد أثر على وصول الكاتب لقارئ حقيقي..  

يقول “ماجد أبادير” شاعر وعضو عامل باتحاد كتاب مصر: “نعم مما لا شك فيه أن عنصر “الوقت” هام جدا سواء بالنسبة للكاتبة أو للكاتب سواء المستغرق في تفاصيل الحياة بوجه عام أو المستهلك بفعل “الكسل” والبعد عن الكتابة ومقوماتها. ويعتبر من أهم المعوقات، ولو تحدثنا هنا عن الكاتبة فغالبا تفاصيل حياة المرأة المسئولة عن منزل وأطفال لابد وأن تستنزف أغلب وقتها، ومشكلة الكتابة والإبداع عموما أنهما لا يستقيما أن تستقطع لهما جزء معين أو وقت معين، لأنك لا يمكن أن تقول أنك ستكتب قصيدة الساعة التاسعة أو حينما ينام الأطفال، فالكتابة المؤجلة ربما تكون مستهلكة أو منهكة أو متكررة أحيانا.

ومن الطبيعي أن عدم توفر الوقت للمبدعة أو الكاتبة أن يقلل من فرصها في التواجد علي الساحة الأدبية، وإن كانت مواقع التواصل الاجتماعي أتاحت الفرصة أكثر الآن للنشر والتواجد والقراءة وغيرها، ولكن يظل الإبداع آفته ندرة الوقت وعدم التفرغ، فالكتابة حياة وليست جزء من حياة”.

وعن مقارنة النصوص رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص يقول: “الإبداع الحقيقي يفرض نفسه بنفسه بغض النظر عن نوع من يكتب أو يبدع. والتمييز بين المبدعين على أساس النوع لا يقل سوء عن تمييز أي شيء بالدين أو اللون، لأنه قمة العنصرية فلا يستقيم القول بأن هذا أدب جيد لأنه أدب ذكوري أو أنثوي.

بل أقول أن مشكلتنا أن هناك العديد من النقاد لا يقوم بدوره في التعرض للنصوص بشكل محايد، فكثيرا ما كنت أحضر مناقشات لدواوين شعر أو مجموعات قصصية أو روايات وأجد أن الندوة تحولت إلي مجاملات فجة وغزل صريح وعفيف في الكاتبة/ الكاتب، وربما يتم إهمال التعرض للنص من الأساس، مع الاكتفاء بقراءة لفصل أو قصيدة أو قصة.

فغياب النقد الحقيقي أثر بالسلب علي الإبداع عموما، وعلي من يتصدر المشهد الأدبي في العديد من الدول العربية ومنها مصر. أما بالنسبة لإتاحة  الفرص أو التفرغ أو الإمكانيات فتلك أشياء لا تصنع الإبداع وحدها إن افتقد الإنسان للموهبة، والدراسة الحقيقية لمجال إبداعه، وأقول لكي وعن تجربة أن تجارب الرجل وخبراته وحريته التي حصل عليها في مجتمعاتنا العربية بسبب نوعه “ذكر” قد لا تكون من أهم مميزات الكتابة، فغالبا حينما تكتب المرأة العربية عن الحرية والحياة والحق والعدالة تكون أكثر صدقا، ربما من الرجل لأنها شخص منقوص الحقوق أردنا أو لم نرد بمنتهي الصدق. وأيضا حتى في الكتابة عن نفسها وعن مشاعرها وتجاربها تكون أصدق من الرجل، لأنها أكثر جلوسا مع نفسها منه وأكثر مصادقة لذاتها  فالمرأة المبدعة المتحققة تفرض نفسها رغم أية معوقات”.

وعن تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء يقول: “إن كسر التابوهات بالنسبة للكاتبة أو المبدعة ليس بجديد، وتعرض الكثيرات منهن لتلك التابوهات المزعومة يدل علي أن المرأة المبدعة لم ولن ترض في وقت من الأوقات أن تستسلم لأن تكون مجموعة من آراء الرجل وتصوراته وتحديده لشخصيتها ودوافعها وقناعاتها من تلقاء نفسه.

فما كتبته الدكتورة “نوال السعداوي” علي سبيل المثال خير دليل وصراحتها التي أدت إلي الهجوم المتواصل عليها الذي وصل أحيانا إلي تكفيرها واهانتها بسبب أفكارها، ودفاعها عن حرية المرأة والخروج بها من مجرد مجموعة آراء أو عادات وتقاليد. وتحويلها من مفعول به دائم إلي فاعل حقيقي قادر علي التغيير.

نأخذ نموذجا آخر وهي الشاعرة الكردية “باران ميلان” وقصيدتها (العاهرة) التي تمردت بها على تلك النظرة المتدنية للمرأة، ولم تتعر في قصيدتها بقدر ما عرت عادات مجتمعها ونظرته المتدنية لها والمحدودة والضيقة جدا، وتقول في مطلعها:

شرف بعلي يُحتضَر بين فخذيّ

وأتحول يوميا أكثر عهرا مما كنت اليوم الذي سبق

كل ّ يوم تموت فيّ أنوثة ما

يتم طعن امرأة من ذريّتي بخنجر الشرف

فاقتلوني بدلا عن نساء العالم

اقتلوني

لقد ضاجعت ُ كل ما هو موجود في هذه الدنيا

منذ سنين أضاجع هموم الخبز

أضاجع الغربة،

بندقيتَك، خندقَك، تشردَك،

أضاجع جراحك،

أوساخَ ثيابك،

والمطبخَ

أضاجع القلم،

أحلاما أكتبها، مجموعتي الشعرية،

بعيدة عن أنظارك.

أضاجعك أنت الذي لا أحبّه.

فلن تجد أبدا عاهرة أكثر عهرا منّي!

أضاجع ورد الياس، و أريج البستان،

والوحدةَ، والمكنسةَ، والموقد، والسماورَ، واستكانَ الشاي.

فضع توقيعك!

تكرّم ْ، وقّع ْ هنا!

عفوا! وقّع هناك!

…وتقول في نهايتها:-

فأنا أكبر عاهرة اليوم.

فلم يبق لك من كرامتك شيء، لطول بقائي في السرير لوحدي.

لكثرة مضاجعاتي لهاجس حب ّ انتزعتُه منك،

فلم تعد شريفا حتى لو قتلتني كل ّ يوم…..

ونموذج آخر لكسر التابوهات رواية (المنكوح)  للروائية اللبنانية الساخرة والرائعة “نسرين النقوزي”.

وتقول:

إن اسم المنكوح يعني المفعول به، وأنها اختارت أبطال الرواية من جنس واحد، لتكون صفعة أولى لمجتمعاتنا لفهم أن الذكور والإناث كلاهما متساويان في مدى ما يواجهونه من قسوة.

أضافت أن العنوان يبدو فجًا للغاية، ولم يكن اختياره، فقط، لجذب الأنظار، كجزء رئيس من متن الرواية التي أقول إنها بالفجاجة تشبه واقعنا فهي بمثابة صفعة لواقعنا العربي.

وهنا نري مدى صدقها وعمق رؤيتها ولتكسر ما تكسر من تابوهات النفاق والرياء والذكورية، لتخرج علينا بكتابة مختلفة تعبر بصدق عن مجتمعات طالها من التخلف والجهل والقهر ما طالها، ونظن بل نعتقد وربما نؤكد أننا نحرك بأصابعنا العالم ونحن أجهل الناس عن حالنا أصلا..

ومن أجواء الرواية:-

ننام الاثنان هكذا، ما تبقّى من اللّيل. أستفيق عدة مرات في ذعر. أسمع أصواتًا غريبة وصفيرًا حادًّا يطنُّ في أذني. أرى كوابيس والكثير من الظلام.

هل الكلاب المذمومة تحلم! هل من لا ذاكرة ولا ماضي له يحلم. مرة حلمتُ أنّ الكلبة التي أحببتها، اغتصبها رجل يشبه عبجي وجلال وعمار، ربما مجيد. الكثير من الّذين يشبهون مجيد. قامت هي بالالتصاق به مستمتعةً كما تفعل الكلبات ورفضَتْ أن تطلقه. فعلق قضيبه داخلها. نقلوها إلى المستشفى فلم يستطيعوا استئصالها إلّا بعملية قيصرية.

ثم حلمتُ برجل اغتصب تمساحًا كبيرًا وعندما سألوه ما السبب قال: هذا التمساح يظنّ أنّه أقوى مني………………

ثم حلمتُ أنّي عضضتُ مجموعة الذئاب الّتي هاجمتني واحدًا تلو الآخر. وزأرتُ فيها عاليًا. فهربَت بعيدًا جدًا، وصفّق لي الخراف والتيس الأسود وأبو مجيد ومجيد وعبجي وجلال وعمّار. صفّق لي الجميع………….”.

وعن استطاعة كتابات المرأة أن تتواجد على الساحة الثقافية في مجتمعاتنا يقول: “أشرت سابقا أن غياب النقد الحقيقي ربما أضاع الفرصة علي العديد من المبدعات أو المبدعين علي السواء فرصة الوصول لقارئ حقيقي، في وطن ثقافته للأسف ثقافة سمعية، ولكننا في مجتمعات يندر فيها القراء ولكن أن تتواجد المرأة علي الساحة الثقافية أمر مفروغ منه.

ولو حاولت أن أحصر كم الكاتبات والمبدعات المتحققات ربما أحتاج إلي مجلدات. ولكن  المشكلة في كيفية تواجدها فللأسف العديد من النقاد أساءوا إلي النقد وإلي الإبداع بشكل كبير يتعدي مستوي المجاملات بل للنوايا السيئة وربما  للقنص. فقد أهدت لي العديد من الكاتبات كتبهن ومنها كتب ربما أقرأها لأكثر من مرة، ومنها كتب لم أجد فيها جملة لها صلة بالإبداع”.

وعن وجود اختلافات ما بين الكتابات التي تصدر عن النساء وتلك التي يكتبها الرجال يقول: “لابد وأن تعبر الكاتبة عن نفسها ومشاعرها، فأنا استعجب من شاعرات تكتب قصائد تخاطب المرأة علي لسان الرجل فتجد قصائدها مجرد خطابات مباشرة تخلو من الإبداع، الأمر الذي يجعلني لو تصادف وجودي في ندوة وألقت إحداهن مثل تلك القصائد أجد نفسي  نظرت إلي أسفل، وكأنني اختفي من الندوة حتى لا يصدر عني ما يفضح رأيي فيما أسمع.

ولو تكلمنا عن الرواية أو القصة أو القصيدة فالمرأة المبدعة ربما تعدت حتى مستوي المقارنة مع الكتابة الذكورية في بعض الأحيان. ولكنني أنصحها بعدم الاستعجال في الكتابة وتثقيف نفسها وثقل موهبتها بقدر الإمكان، لتخرج لنا جميلة ومتألقة بإبداعها كما مظهرها ورقتها وصدقها تماما.

وماذا بعد جرأة الكاتبات..

ويقول الروائي والشاعر العراقي “وحيد أبو الجول”:لا أحد متفرغ تماما للكتابة على حد علمي، ولكن الكاتبة قد لا تنال المساحة الكافية للكتابة كونها رحى هذه الحياة وعليها من المسؤوليات ما تفوق مسؤوليات الرجل وهذا يقلل من تواجدها على الساحة الأدبية”.

وعن مقارنة النصوص يقول: “العمل الأدبي الجيد ليس له علاقة بنوع الجنس ولا كم الفرص المتاحة،  هناك كاتبات قد أبهرن عين القارئ وعقله وهن نساء، حالهن حال البقية من الكاتبات اللواتي لم تكن لهن بصمة أدبية مهمة، وهناك كتاب جيدين وأيضا هناك من لا يذكر. سعة المساحة لا تخلق كاتبا مبدعا ولا ضيقها يؤثر سلبا على نوع النتاج الأدبي”.

وعن تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء يقول:”قرأت القليل من هذا النمط من الكتابة (الأيروتيكية) ولم يعلق في ذهني مما قرأت كونه لم يقودني إلى شيء أو يحفز حواس اللغة لدي، إنه أشبه بالنظر إلى صور متحركة،  نعم هي جرأة بالنسبة للكاتبات ولكن ماذا بعد!؟”.

وعن استطاعة كتابات المرأة أن تتواجد على الساحة الثقافية في مجتمعاتنا يقول: “بصراحة نجمهن ساطع في الوسط الأدبي بغض النظر عن نوع النتاج والسبب أجهله حقاً”.

وعن وجود اختلافات ما بين الكتابات التي تصدر عن النساء وتلك التي يكتبها الرجال  يقول: “الاختلاف واضح بين الكتاب أنفسهم وليس بين الكتاب والكاتبات فقط، وقد قلت مسبقا بأن هناك كاتبات قد أبدعن وتخطين الكثير من الكتاب. الأمر يعتمد على توفر الأسس التي تخلق كاتبا أو كاتبة”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة