خاص: إعداد- سماح عادل
هناك طرح هام بخصوص الكتابة عن الجسد في كتابات بعض النساء، حيث يراها بعض الكتاب إما نوعا من الابتذال والبحث عن الشهرة السريعة، أو سلاحا للانتقام من الرجل، أو خضوعا للتسليع الذي تتعرض له المرأة في المجتمع الذكوري، وعجز عن التحرر من براثنه. وربما هناك آراء أخرى سلبية عنه. لكن هل يمكن أن تكون الكتابة عن الجسد رد فعل، ربما مرضي، عن القمع والتمييز والتضييق الذي تتعرض له النساء، وحبسها في إطار حدود جسدها وفقط؟.
فهي في كل الأحوال في نظر المجتمع الذكوري مجرد جسد، تربى على ذلك ويتم تلقينها بشكل يومي أنها مجرد جسد، جسد لابد وأن يتمتع بصفات جمالية وفق مقاييس محددة ومعروفة، جسدها كنزها الوحيد لابد أن تحافظ عليه وتحميه وتمنحه وفق شروط وقواعد يضعها الذكور. فكيف بها أن تتخلص من حصار الجسد ومن سلطته التي تغرق فيها حتى أذنيها، ومن إشكالاته التي تعيش بها بشكل يومي.
هذا هو الجزء الثاني من تحقيق (النساء والكتابة)، والذي جمعنا فيه آراء الكتاب من مختلف بلدان الشرق عن الصعوبات التي تواجه الكاتبات، وطرحنا هذه الأسئلة:
- في رأيك هل مهام الكاتبة من عمل، ومسؤوليات الأمومة ورعاية الأسرة وأعمال المنزل صعوبات تمنعها من التفرغ للكتابة وتقلل فرصها للتواجد على الساحة الثقافية ككاتبة؟
- ما رأيك في مقارنة نصوص الكاتبات من النساء بنصوص وإنتاج الكتاب من الرجال رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ؟
- ما رأيك في تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء، والجرأة في الكتابة. وما رأيك فيها يسمى بالكتابة الأيروتيكية؟
- هل استطاعت كتابات المرأة أن تتواجد على الساحة الثقافية في مجتمعاتنا وأن تجد لها مكانا وفي رأيك هل ينصف النقاد كتابات النساء أم لا ولما؟
- هل تعتقد أن هناك اختلافات ما بين الكتابات التي تصدر عن النساء وتلك التي يكتبها الرجال وما هي هذه الاختلافات؟
إما الانتقاص من كتابات النساء أو المبالغة في مدحها..
يقول الكاتب والشاعر اليمني “محمد الشمري”: “الكتابة في زاوية ما، أراها فعل النسيان، نسيان كل القيود التي تحاصر العمر، نسيان عجزنا عن فعل ما، نسيان للنسيان أحيانا.
من هذه الرؤية، تستطيع المرأة الكتابة، وهي تلقى بجسد عمرها على أريكة السطور، بعد ساعات أو سنوات من الإجهاد الذي فرضته الأمومة، ودمغته الأسرة على ضلوع صبرها وصمتها الرؤوم! ربما أرى كل هذا الثقل الجاثم على كاهل وجودها، هو الحبر الأصلي للكتابة، وهو دار النشر الذي تفتتحه الشمس كل يوم، مهما حاولت الغيوم إغلاق الشارع المؤدي إليها.
لا يمكن تجاهل التعب الذي تتعايش معه المرأة، كونه قدرا مقدورا عليها، وقد تجده ملاذا ودافعا للكتابة، هذه المفارقة، هي التي تخلق كاتبة تفرض حضورها، دون التحجج بأدوارها الأخرى التي تصنع الحياة!
باختصار أنيق:
الكتابة لا يبتكرها الفراغ،النسبي، الذي يعيشه الرجل، ولا يقتلها الزحام المطبق على وقت المرأة وأنفاسها”.
وعن مقارنة النصوص رغم تفاوت الفرص يقول: “المقارنة في كثير من صورها، هي اقتراف جندري، لا أغفره. الكتابة لا جنسية، ليست مؤنثة، ولا تحمل في سطورها جينا ذكوريا، لذلك، لست من المحبين لهذه الطريقة في قراءة ما أجده. مع ذلك، لا أرفض تحليل ما يكتب، لاستكشاف عوالم المرأة، والتنقيب عن آثارها وجوانب شخصيتها، وتأثيرها وتأثرها بمحيطها الداخلي والمحيط التي تعيشه وتتعايش معه.
هناك فرق كبير بين قراءة إبداع المرأة ودراسته الموضوعية، وبين تجنيسه وفق القاعدة (للذكر مثل حظ الأنثيين)، الإبداع لا يحتاج لبطاقة إثبات الهوية، حتى يفتح لك البوابة، هكذا أتعامل مع ما يكتب غالبا”.
وعن تحطيم التابوهات في كتابات النساء يقول: “حاول الكثيرون كسر التابوهات سواء الدينية والمجتمعية أو الجنسية، واستطاع القليل منهم بوعي، إحداث زحزحة لصخرة الممنوع، فكانت كتاباتهم ممتعة مفيدة، ومتجاوزة لكثير من الخطوط الحمراء، دون أن تولد ردة فعل متطرفة لدى القارئ.
المشكلة من وجهة نظري، تكمن في الابتذال، حين يكون الهدف من اقتحام التابوهات، هو الإثارة، وتسطيح الفكرة لتصبح الأيروتيكية “بورنو”.
كتب الكثير من الكتاب والكاتبات حول هذه المغاليق، وأزاحوا عنها الشمع الأحمر، دون اجتراح أو اجترار التقزز، وللأسف، حدث كسر مرضي لعظام الممنوع، فطغت على كتبات كثيرة، صبغة الابتذال، لدرجة، قد تستدعي إخضاع كثير من الكتاب والكاتبات إلى جلسات علاج نفسي، ليعودوا إلى سطور الإبداع والإنتاج بعيدا عن ممارسة العادة السرية بين دفتي ما يسمونه كتابا…!”.
وعن تواجد إنتاج الكاتبات على الساحة الثقافية يقول: “كما أسلفت في حديثي، قراءة الإنتاج والإبداع الذي تكتبه المرأة، تغلب عليه النظرة الدينية/ المجتمعية، وحسابات المواريث، للذكر مثل حظ الأنثيين، لذلك نجد انتقاصا لما تبدعه المرأة، وهذا ليس فقط لدى العامة، بل نجده للأسف عند بعض الأدباء والنقاد، فيتجه النقد ويسلك إحدى طريقين:
الانتقاص من كتاباتها، والحديث عنها من منطلق الدرجة الثانية، أو الإعلاء المبالغ فيه، كمحاولة لاستمالتها، والتقرب منها، وربما استغلال البعض منهن، تحت ذريعة مساعدتها في الانتشار والشهرة.
أتحدث هكذا، بعيدا عن محاولة التغطية عما يحدث كثيرا، لكن ينبغي الإشارة والإشادة بكثير من القراء والنقاد، الذين يتناولون النص أو الكتاب، كمحتوى بعيدا عن جنس المؤلف، وهؤلاء هم الذين يرفعون من مستوى الإبداع، ويؤسسون لمشهد إبداعي بملامح مبشرة بالانتقال إلى مرحلة جديدة أكثر جدية وأبلغ أثرا.
وعن وجود اختلافات بين كتابات النساء وكتابات الرجال يقول: “لو نزعت أو مسحت اسم المؤلف في بعض الكتاب والكتابات، وطلبت من القارئ العادي، وربما الكثير من القراء المتمرسين والنقاد، لما اكتشفوا جنس كاتبها/ كاتبتها، إلا حين يكون المحتوى ذاته مجنسا من خلال وجود شخصية الكاتب.
باعتقادي، الاختلافات بين كتابة النساء وكتابات الرجال، توجد في الذهنية مسبقا، ومن هنا، لا تكون القراءة محايدة، بل محملة بحكم مسبق وفق نسق مضمر، فرضته الثقافة المجتمعية.
ولا أدري، ما جدوى تأصيل وجود أدب نسوي وآخر ذكوري؟! حتى لا تكون إجابتي طوباوية، هناك فروق واضحة في الواقع، أخشى أن نجدها يوما متمثلة بالتفريق بين أماكنها في رفوف المكتبات، خوفا من الاختلاط المحرم….!”.
الكتابة عن الجسد سلاح للانتقام..
ويقول الكاتب والروائي الليبي “فتحي نصيب”: “أظن أن معاناة الكاتب العربي (رجالا ونساء) أكثر وطأة وحدة من نظيره الغربي أو الأوروبي، فالعربي مطالب بتأمين معيشته لأن مهنة الكتابة لا تكفل له (وأسرته) العيش بكرامة. ومن النادر أن نجد كاتبا عربيا متفرغا تماما للكتابة فالأغلب أنه يمارس مهنة أخرى كي يستطيع تأمين قوت يومه.
أنا هنا أشير إلى جانب واحد من المسألة، ولكن إن أضفنا المشاكل المجتمعية والسياسية الأخرى كالرقابة والعوائق التي تحد من حرية التفكير والتعبير والتابوهات الثلاث (الدين والجنس والسياسة) فإن حدود الحرية تتقلص إلى حدها الأدنى، فالهرواة فوق رقاب الكاتب والمفكر العربي (رجالا ونساء).
في المجتمع العربي (الأبوي والذكوري) فإن هرم القهر والغبن والظلم يبدأ من رأس الهرم نزولا إلى الأسفل، فكل من يتمتع بسلطة مادية أو رمزية يمكن له أن يقهر من هو تحته، ولاشك أن أضعف الحلقات التي تقبع في نهاية هذه السلسلة هي المرأة والطفل، فالموظف يتسلط على المواطن وهذا المواطن يتسلط على زوجته والأخ الأكبر يتسلط على الإخوة الأصغر، والولد الذكر يتسلط على إخواته البنات حتى لو كن أكبر منه سنا وهكذا. وهناك نظرة سلبية ومتشككة تجاه المرأة المطلقة والأرملة.
فالمرأة/ المتزوجة والكاتبة مطلوب منها أن تقوم بكل مهام الأمومة ورعاية الأسرة وأن تستغل لحظات الفراغ القليلة للقراءة والكتابة، وهذا يقلل من فرص تواجدها في المنتديات والندوات الثقافية إلى حد كبير. هذا بافتراض أن الزوج منفتح ومرن تجاه فكرة أن الزوجة كاتبة تسعى إلى التواجد (نصا وشخصا) في الشأن الثقافي”.
وعن مقارنة النصوص يقول: “مقارنة نصوص الكاتبات بنصوص وإنتاج الكتاب رغم التفاوت في الكبير في إتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ أظنه بدأ يتقلص بفعل التطورات التاريخية والفكرية والتقنية مقارنة بحقبة (مي زيادة) مثلا.
وأنا هنا أشير إلى ناحية (الكم)، فلا شك أن عدد أسماء الكاتبات قد ازداد كثيرا، أما من ناحية (الكيف) أو نوعية هذه الكتابات فموضوع آخر سأتطرق إليه لاحقا”.
ويواصل: “في ما يخص مسألة تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء والجرأة في الكتابة وما دعوته (الكتابة الأيروتيكية)، فإنني كنت قد كتبت منذ سنوات عن هذا الموضوع بعيد انتشار بعض الروايات والقصائد التي تخطت حاجز (الممنوعات)، وبالذات في الكتابة النسوية التي حاول بعضها الحديث عن المسكوت عنه في بعض المجتمعات المنغلقة أو تلك التي تنحو إلى (الأيروتيكية).
فالصرخة الاحتجاجية ضد قمع المرأة في مجتمعاتنا ظهرت في أسلوب الكتابة من خلال التمرد على الأساليب الفنية والأدبية كمعادل للتمرد على القيود الاجتماعية، ولكن الكثير من الكتابة النسوية (تلك النصوص التي تكتبها المرأة وتدور موضوعاتها حول المرأة) وقعت في ترسيخ ما تسعى إلى رفضه، فإذا كان المجتمع الذكوري يعمل على تشييء المرأة وتسليعها (تحويلها إلى سلعة)، فإنها في كثير من النصوص تعلي من ثيمة أنها (موضوع/ جسد) ولذا تتخذ من موضوعة الجسد سلاحا وحيدا للانتقام المضاد من الرجل، وتظهر على شكل انفعال (أيروسي) في النصوص الأدبية: رواية وشعرا”.
ويضيف: “وبخصوص مسألة تواجد الكتابة النسوية في الساحة الثقافية، في كل الدول العربية تقريبا نلمح أصواتا نسائية من حيث العدد، حتى في تلك الدول التي كانت إلى عهد قريب لا توجد بها كاتبات، أما من حيث إنصاف النقاد لهذه النصوص فأظن أن الثقافة العربية في العقدين الماضيين خفت بها صوت النقد قليلا لأسباب عديدة، وأعني هنا النقد الجاد الأدبي أو الأكاديمي و لا يعتد بما يسمى النقد الصحفي أو ما ينشر على صفحات التواصل الاجتماعي. وأظن النص الجيد فنيا يفرض نفسه على القارئ والناقد معا”.
وعن وجود اختلافات ما بين كتابات الرجال وكتابات النساء يقول: “من وجهة نظري أنه ليس ثمة اختلاف بين الكتابة النسوية أو الرجالية لأنني أرى أن قيمة الإبداع لا تخضع للتقسيم الجندري، ولا دخل لجنس الكاتب، وإذا طرحنا سؤالا هنا: هل المرأة أقدر على التعبير عن بنات جنسها أكثر من الرجل؟ وإجابتي كلا بالطبع، فثمة من عبر عن أحاسيس وواقع المرأة باقتدار كما في رواية (زينب) لهيكل أو(دعاء الكروان) لطه حسين على سبيل المثال.
إذا يظل المقياس في موضوع الكتابة هو مدى تمكن الكاتب/ الكاتبة من الأدوات الفنية والأساليب الجمالية والإبداعية”.