28 نوفمبر، 2024 1:34 ص
Search
Close this search box.

(النساء والكتابة 2-11): في نصوص المرأة تفوق يتمثل في عمق الأحاسيس، وقوّة العواطف، ودفء المشاعر، ورقة الأسلوب وعذوبته

(النساء والكتابة 2-11): في نصوص المرأة تفوق يتمثل في عمق الأحاسيس، وقوّة العواطف، ودفء المشاعر، ورقة الأسلوب وعذوبته

 

خاص: إعداد- سماح عادل

اتفق بعض الكتاب على وجود اختلافات في نصوص النساء عن تلك التي يكتبها الرجال، وتتمثل تلك الاختلافات في التجارب المعاشة، وطرق التعامل معها والشعور بها، وفي عمق أحاسيس الكاتبة  وأسلوبها العذب. واتفقوا أيضا على أن هذه الاختلافات تصنع أدبا مختلفا.

هذا هو الجزء الثاني من تحقيق (النساء والكتابة)، والذي جمعنا فيه آراء الكتاب من مختلف بلدان الشرق عن الصعوبات التي تواجه الكاتبات، وطرحنا هذه الأسئلة:

  1. في رأيك هل مهام الكاتبة من عمل، ومسؤوليات الأمومة ورعاية الأسرة وأعمال المنزل صعوبات تمنعها من التفرغ للكتابة وتقلل فرصها للتواجد على الساحة الثقافية ككاتبة؟
  2. ما رأيك في مقارنة نصوص الكاتبات من النساء بنصوص وإنتاج الكتاب من الرجال رغم التفاوت الكبير في إتاحة الفرص وتوافر إمكانية التفرغ؟
  3. ما رأيك في تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء، والجرأة في الكتابة. وما رأيك فيها يسمى بالكتابة الأيروتيكية؟
  4. هل استطاعت كتابات المرأة أن تتواجد على الساحة الثقافية في مجتمعاتنا وأن تجد لها مكانا وفي رأيك هل ينصف النقاد كتابات النساء أم لا ولما؟
  5. هل تعتقد أن هناك اختلافات ما بين الكتابات التي تصدر عن النساء وتلك التي يكتبها الرجال وما هي هذه الاختلافات؟

كاتبات شكلن علامات في تاريخ الأدب..

يقول الكاتب المصري “توفيق صفوت مختار”: “عندما حاولت إعداد موسوعة عن أهم القامات الإبداعية العالمية كان السؤال/ التحدي. عمَّن أكتب؟ ولما كنت متتبعًا لأخبار الفوز بجائزة نوبل في الآداب فقد استثارني جدَّا أنَّ الأديبات الفائزات بالجائزة لا يمكن مقارنتهم (كمًّا) بالنسبة لأندادهم من الأدباء الرِّجال، فقرَّرت أنْ أكتب موسوعتي التي صدرت بعنوان: “أشهر المبدعات في تاريخ الأدب العالمي”، وفي خاطري أن أكتب الجزء الثاني من الموسوعة ليكون عنوانها هذه المرَّة: “أشهر المبدعات في تاريخ الأدب العربي”.

الذي أقصده من هذا أنَّه بالفعل التفرُّغ للكتابة بالنسبة إلي المرأة أمر شاق وصعب للغاية، وخصوصًا في مجتمعاتنا الشرقية والعربية، فالمرأة هي التي عليها أن تقوم برعاية زوجها وأولادها ليلًا ونهارًا رعاية كاملة ومتواصلة، وعليها في المقابل أن تقوم بمسؤولياتها تجاه عملها كموظفة خارج المنزل وما تتعرَّض له من ضغوطات منهكة. ولذلك فمن المؤسف أن نجد كاتبات مرموقات توقفن عن الكتابة بمُجرَّد الزواج والإنجاب إلَّا ما تيسر من ساعات تكاد تقتنصها بالكاد لتكتب”.

وعن تحطيم التابوهات في بعض كتابات النساء يقول: “التابو كلمة تُطلق علي كُلّ ما هو محظور في نظر المجتمع، أو الخط الأحمر الذي لا يقبل المجتمع تجاوزه بغض النظر عن مدى كونه مبررًا أو حتى متناسقًا مع القوانين والشرائع. وفي مجتمعاتنا العربيَّة كانت دائمًا هناك ثلاثة تابوهات، هي: “الدين، والجنس،  والسياسة”، لدرجة أنَّ دور النشر تتحفظ كثيرًا جدًّا علي أي عمل يُقدَّم إليها يتناول تلك التابوهات، لأنَّها هي في غني عن الاصطدام بسلطة الرقيب (عين الدولة) !!

أنا مع كسر كُلّ التابوهات أو المحرمات في كُلِّ مجالات الكتابة أدبية أو علمية أو ثقافية، فأنا مثلًا من أنصار تدريس التربيَّة الجنسيَّة للمراهقين والمراهقات وتبصيرهم بكافة المشكلات الجنسيَّة التي يواجهونها أو التي سيواجهونها مستقبلًا، ولكن في إطار علمي وتربوي رصين، ومن خلال أساتذة مؤهلين في هذا المجال تأهيلًا علميًا علي أعلي مستوي.

أمَّا الأيروتيكية أو الأدب الأيروتيكي فهو الأدب الذي يحتوي على مواد خيالية أو واقعية تثير قارئها جنسيًّا وقد يتخذ شكل الروايات والقصَّص القصيرة والشعر والمذكرات، وأنا بالطبع ضد الأيروتيكية بهذا المفهوم الغارق في الشهوانية، ولكني مع الكتابة التي تتناول الجنس كغريزة أودعت في الإنسان كما غرائز أخري كغريزة الطعام والشراب، وكما غريزة الأمومة أيضًا، لا أميل إلي وصف العمل الجنسي الحميم داخل العمل الفني الأدبي علي وجه الخصوص بطريقةٍ مباشرةٍ فجةٍ، بقصد اجتذاب القُرَّاء من المراهقين، فهذا ما أعتبره عملًا أدبيًا هابطًا، بينما أميل إلي السمو والعلو بغريزة الجنس داخل العمل الأدبي.

وقد سئُلت الأديبة الكندية «مارجريت أتوود» عن موضوع الجنس في الكتابة السردية، فقالت: إذا كان المقصود بالجنس هو الفعل الجنسي الفيزيائي فأظن أنَّني لا أكتب مشاهد من هذا الفعل لأنَّها يمكن أن تتحوَّل بسهولةٍ إلي مشاهد كوميدية أو مبتذلة، أو قد تتلبس لبوسًا اصطلاحيًا مفرطًا في الحذلقة البلاغيَّة السمجة، كمثل: «كان نهداها كتفاحتين»، وأشياء أخري من مثل هذه العبارات الفظة.

الجنس ليس الفعل الجنسي المحض، إنَّه العلاقة الحميمية بين المُحبين مع بعضهم، ومع أثاث الغرفة، وأوراق الأشجار، ومع العواطف التي تتملكنا إزاء فعل الحُبّ، وفعل الشهوة، وفعل الكراهية، وفعل الاختلاف، وفعل العنف، وفعل اليأس، وفعل الاحتواء، وفعل الأمل، كُلّ هذه الأفعال يجب أن تكون حاضرة في السردية الجنسيَّة. أفعال العري الجماهيري  Striptease أصبحت أقلّ جاذبية كثيرًا للجمهور منذ أن استحالت أفعالًا جسدية محضة محكومة بقوانين الفيزياء النيوتنية التي تنبئ بحركة الأجساد في الفضاء والزمان”.

وعن استطاعة كتابات المرأة أن تتواجد علي الساحة الثقافية يقول: “بالطبع تواجدت كتابات المرأة علي الساحة الثقافيَّة في مجتمعاتنا العربيَّة، فمن ينكر كتابات «مي زيادة» (1886ـ1941م)، التي تُعتبر رائدة من رائدات الأدب العربي المعاصر، وصاحبة أشهر الصالونات الأدبيَّة، والتي استطاعت عَبْر مسيرتها أن تُقدِّم للمرأة صورة جديدة تتقاطع مع عنوان أحد أشهر كتبها وهو «بين الجزر والمد»، وكذلك كانت حياتها.

ومن ينسى أشعار العراقية «نازك الملائكة» (1923ـ 2007م)،  والتي كانت من أوائل مَنْ كتبت الشعر الحُرّ في عام 1947 م. وهناك أيضًا الروائية الجزائرية «آسيا جبار» (1936 ـ 2015م)، أوَّل امرأة عربية تحصل على عضوية أكاديمية اللُّغة الفرنسيَّة. وبفضل كتابتها التي لامست قلوب الكثير رُشحت لنيل جائزة نوبل في الآداب عام 2009م.

ودعيني أذكر القُرَّاء الأعزاء بأبرز الكاتبات المصريات في العقود الأخيرة في الرواية والنقد، والتي تراوحت أعمالها النقدية، المنشورة بالعربيَّة والإنجليزيَّة، بين الإنتاج النظري والأعمال المرتبطة بتجارب أدبية مُعيَّنة، وتمت ترجمة بعض أعمالها الإبداعيَّة إلى الإنجليزية والإسبانيَّة والإيطاليَّة والإندونيسيَّة، وهي الأديبة «رضوي عاشور» (1946 ـ 2014م)، والتي أبدعت رائعتها الخالدة «غرناطة» وهى ثلاثية عادت فيها إلى فترة التعايش العربي الإسباني في الأندلس.

أمَّا الأديبة السورية «غادة السمان» فهي أيقونة الإبداع العربي بلا منازع، حيث استطاعت في أعمالها الإبداعيَّة أن تُقدِّم أدبًا مختلفًا ومتميزًا خرجت به من الإطار الضيق لمشكلات المرأة والحركات النسوية إلى آفاق اجتماعية ونفسية وإنسانية مُحطمة كُلّ التابوهات بجرأتها المعهودة.

والأمثلة كثيرة للغاية. وفي رأيي أنَّ جميع النُقَّاد علي اختلاف مشاربهم قابلوا أعمالهن الإبداعيَّة وأعمال غيرهن الأدبية بالاحتفاء والتقدير، فقد رصدت في الآونة الأخيرة تصدي نقدي رائع للمبدعة المصريَّة الدكتورة «ريم بسيوني» حيث حصلت روايتها  «أولاد الناس ثلاثية المماليك» على جائزة نجيب محفوظ للأدب من المجلس الأعلى للثقافة لعام 2019ـ 2020م، وهذا تكريمًا نقديًا قبل أن يكون تكريمًا شرفيًا”.

وعن وجود اختلافات ما بين الكتابات التي تصدر من النساء وتلك التي يكتبها الرجال يقول: “سألت مثل هذا السؤال علي الأديبة «سكينة فؤاد» في حوارٍ قد نشر أخيرًا فقالت: الأدب لا جنس له، ولكن له جودة، وله عمق وموقف ورؤية، أعتقد أنَّه في قواعد النقد، لا توجد لكتابات النساء قواعد نقدية مستقلة عمَّا يكتبه الرِّجال، طبيعي أنَّ كاتبًا يختلف عن كاتب آخر، والمرأة تختلف عن الرَّجل، كُلُّ كاتب أو كاتبة له تجربته الذاتية، له عالمه الخاص، أنا لا أؤمن أنَّ للكتابة جنس، ولكن أؤمن أنَّ لها وجود، لها قدرة ورؤية واستبصار، والمرأة عندما تتاح لها نفس التجربة، ونفس الحساسية لا تقلّ فيما تكتب، إن لم تتقدَّم.

لأنَّ بعض النساء كتبن ما فاق كتابات الرِّجال، كما أنَّ بعض الرِّجال ـ حتى عن عالم المرأة ـ كتبوا ما لا تستطيع المرأة أن تكتبه، القضية حساسية الكاتب، وتجربته وعمقه ورؤيته وقدرته علي استبصار ما تحت السطح، تلك المكونات التي تصنع الإبداع والإبداع لا يختلف بين رجل وامرأة، ولكن سوف تختلف الخصائص، سيختلف الشكل، سيختلف كُلّ هذا، وهو يختلف من «نجيب محفوظ» إلي «يوسف إدريس».

وأنا أتفق مع هذا الرأي ولكني بصفتي الشخصية فإنني أجد في نصوص المرأة الإبداعيَّة بعض المناطق التي تمتاز وتتفوق فيها علي أندادها من الأدباء الرِّجال،  مثل: عمق الأحاسيس ،وقوّة العواطف، ودفء المشاعر، ورقة الأسلوب وعذوبته”.

نحتاج إلى نقد محايد وبعيد عن الانطباعات الشخصية..

ويقول الكاتب اليمني “زياد القحم”: “فرص المرأة في تطوير قدراتها في مجالات الكتابة تختلف من مجتمع لمجتمع ومن بلد لبلد. في بعض بلدان العالم العربي لا تتمكن المرأة نهائياً من الاحتكاك بالمشهد النقدي ويقتصر تطويرها على ناقدها الذاتي الذي تنميه بالقراءة، وفي ظل حصار موجود تفرضه عادات وتقاليد معينة، ولا تتمكن المرأة من تجاوزه إلا في حدود معينة.

في ظل ذلك تواجه التحدي الآخر المتمثل في طبيعة المرأة ودورها الاجتماعي والأسري الذي يمثل قيدا إضافيا، ومع ذلك فإن حرص المرأة على الاهتمام بعملها، وبذل وقت، ربما يتجاوز ما يبذله الرجل، كل ذلك يساعد في وجود أدب خاص كتبته النساء. سواء ما كان يمثل قضاياهن الخاصة أو ما كان إضافة فنية بغض النظر عن موضوعه”.

ويضيف عن مقارنة النصوص: “يتحدث الكثير من الكتاب عن أفضلية وتفوق الأدب الذي يكتبه الرجال، وبالنسبة لي فلا أوافق على هذه الفكرة، قد تكون إنتاجات النساء أقل جودة، ولكنه لا يمثل كل النساء، لأن هناك قدرات مقموعة، النساء اللواتي يكتبن لسن كل النساء القادرات على الكتابة، والمساحة المقموعة والمخفية من شريحة النساء كبيرة، بينما الرجال الذين يكتبون هم تقريبا كل القادرين على الكتابة. باستثناء القليل من القادرين الذين يتخذون قرارات بالتوقف لاعتبارات شخصية ولا يفرضها عليهم أحد”.

وعن تحطيم التابوهات يقول: “تحطيم التابوهات مسألة فيها الكثير من الآراء، ما يهمني في الأخير هل العمل الفني مدهش وراق ومتعوب عليه، أم أنه يبحث عن طريقة سهلة للفت الأنظار. العمل الجميل يكون جميلا سواء حطم التابوهات وتجاوزها أم لم يفعل ذلك. هناك اعتبارات فنية أهم من مسألة وجود أو عدم وجود الجرأة، لكن الكتابة (والكتابة السردية بالذات) بطبيعتها تقدم حياة كاملة بكل تناقضاتها وتفاصيلها.

ما يسمى بالكتابة الأيروتيكية يختلف عن الكتابة الأدبية الجريئة، الجريء يقدم الحياة مع المناطق الخفية فيها، لكن الأيروتيكية تقدم المناطق الخفية فقط،. لذلك هو لون يهدف لتقديم ترفيه معين، لكني أرى أنه لا يندرج ضمن الكتابة الأدبية”.

ويواصل: “النقاد لم ينصفوا كتابات النساء، النقد عملية معقدة وصعبة، ومعظم المتصدرين لها ليسوا في مستوى الكاتبات حتى يتمكنوا من الحكم والتقييم. نحتاج إلى نقد محايد وبعيد عن الانطباعات الشخصية”.

وعن الاختلافات ما بين كتابات النساء وكتابات الرجال يقول: “أرى أن هناك اختلافات في أدب النساء وأدعو لأن يراعيها النقد دائما، هي اختلافات ولا تمثل تجاوزا لأدب الرجال ولا عائقا أمام منافسته، تمثل فقط نقطة اختلاف تساعد على وجود أدب مختلف”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة