23 نوفمبر، 2024 4:15 ص
Search
Close this search box.

العزلة والكتابة (11): ما بين التأمل وتأثر الصحافة والكتاب الورقي والشعور أن الأدب رفاهية

العزلة والكتابة (11): ما بين التأمل وتأثر الصحافة والكتاب الورقي والشعور أن الأدب رفاهية

 

خاص: إعداد- سماح عادل

تسبب ظهور وباء كوفيد 19 في حرمان بعض الكتاب من التواصل مع الناس، ومن ممارسة شغفهم في الكتابة عن الواقع وأحداثه وشخصياته، لكنه من ناحية أخرى أفادهم في توفير فرصة للتأمل والاقتراب من ذواتهم، ومن التفرغ لانجاز نصوصهم التي شغلهم عنها ازدحام الحياة والأعمال، لكن تمثل التأثير الأكبر في الشعور بالإحباط، والشعور برفاهية القراءة والكتابة وربما الأدب في مجمله  في مواجهة الموت وخطر الفيروس. وأيضا في تأثر حركة الصحافة الثقافية والركود الذي أصاب بيع وتوزيع الكتاب الورقي.

لذا كان لنا هذا التحقيق الصحفي الذي يجمع آراء الكتاب والكاتبات حول تأثير العزلة العالمية بسبب الفيروس عليهم، وقد وجهنا لهم الأسئلة التالية:

– كيف كان تأثير ظهور فيروس “كوفيد ١٩”والعزلة التي صاحبته لمدة عام ونصف على الكتابة لديك؟

– هل أثرت العزلة على حركة الثقافة وعلى نشر وتوزيع الكتب خاصة مع قلة الفاعليات الثقافية من معارض كتب وندوات؟

– ما هي البدائل التي لجأ إليها الكتاب للتواصل والتفاعل في مجال الثقافة؟.

كثافة في التجربة النظرية..

يقول الكاتب العراقي “عامر حميو”: “لعزلة فيروس (كوفيد ١٩) منحيين على الكتابة عندي، فهي من جانب خفضت منسوب ثراء التجربة الحياتية بضياع مدة الحجر الصحي من اختلاطي بما يجري حولي، سيما وأنني أعد نفسي من كتاب الواقعية، والعزلة من جانب آخر دفعتني لتعويض ابتعادي عن الاختلاط بالآخرين أنها منحتني فرصة تكثيف قراءاتي إلى مستوى الضعفين مابعد الجائحة، وهذا يعني أن (كوفيد ١٩)  أخذ مني جانب التجربة العملية ومنحني كثافة في التجربة النظرية.

ويواصل: “أما فيما يخص مدى تأثير العزلة على الحركة الثقافية، فقد كان التأثير على الأغلب شالا للنشاط الثقافي بصورة عامة، خاصة في السنة الأولى من الجائحة، حيث بات التعاطي مع الآخر مريبا بسبب الخوف من العدوى، فلا مهرجانات ولا ندوات، ولا زيارات بين الأدباء والمتعاطين في الشأن الثقافي.

ونتيجة لذلك صار الشعار الاقتصادي (الحاجة أم الاختراع) سببا لأن تلجأ المؤسسات الثقافية والقائمين على نشاطاتها إلى شبكات التواصل الاجتماعي لتغطية تلك النشاطات، واقتصر التحاور عبر البث المباشر على صفحات التواصل الاجتماعي المختلفة، لكن هذا الأمر صار ينحسر قليلا قليلا مع ظهور لقاحات الفايروس وانتشار تعاطيها من قبل أفراد المجتمع، وطبقة المثقفين كانت سباقة بأخذ جرعاته والترويج لتعاطيها”.

فرح بالعزلة..

وتقول القاصة العراقية “ميرفت الخزاعي”: “كان للعزلة الإجبارية التي فرضها ظهور الفايروس وإجراءات الحجر جانبين أحدهما سلبي والآُخر إيجابي.  فرغم أنه صَعَّبَ وقيد حركة الناس وتنقلاتهم بشكل سلسل وانسيابي ومريح، متى وأينما شاءوا، ومنع أو قلل من عقد وإقامة الجلسات الأدبية والمهرجانات والمناسبات الثقافية على أرض الواقع، وحد من إمكانية اللقاءات والتجمعات وانعكاس تأثير هذا الأمر على الناس والأدباء والمثقفين بشكل خاص، فأظن أن أغلبهم ربما شعر بالضيق وعدم الراحة لابتعاده عن رفقاء دربه وزملائه، وربما أدى هذا إلى الشعور بالخمول والإحباط في بادئ الأمر، لأن الكاتب يشتهي التواصل مع محيطهِ”.

وتؤكد: “لكن ما وفرته التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي قربت المسافات وقلصتها وسمحت للكثير منهم بالمشاركة والتفاعل عبر منصات أون لاين، ودون الحاجة للسفر أو للخروج وفي الوقت نفسه تبادل الآراء والأفكار.

فقد شاركتُ بورش ثقافية وأدبية إلكترونية عبر برنامج الزووم واكتسبتُ من خلاله صداقاتٍ وعلاقات جديدة.  أما عن نفسي فقد فرحتُ بهذه العزلة   لأنها أتاحت لي فرصا ذهبية من الهدوء والراحة ووفرت لي الوقت، العامل الأغلى والأثمن الذي يحتاجه كل كاتب بظني والمرأة بشكلٍ خاص”.

تأثر الصحافة الثقافية وركود الكتاب الورقي..

وتقول الشاعرة والإعلامية العراقية “ابتهال بليبل”: “أزمة فيروس كورونا عالمية وطويلة الأمد واقتصادية وطبية. ومع ذلك، فإنها وفرت فرصة ربما كنت أحلم بها صراحة في الكتابة، إذ تمكنتُ من انجاز (3) إصدارات كتابية. ولكن هذا لا يمنع من القول إن لهذه العزلة التأثير السلبي أيضا، وخاصة في مسألة التواصل مع الفاعليات الثقافية، التي كنا نتواصل معها عبر منصات التواصل الاجتماعي أو الاتصال هاتفياً، فحتى بعد الانفتاح وعودة الحياة ما زلنا نشعر بتوجس وقلق من الاختلاط الاجتماعي”.

وتضيف: “ومسألة أخرى وأظنها من المسائل المهمة، وهو أنني بصفتي محررة للصفحات الثقافية في جريدة الصباح، فقط أصبحت أعاني بشكل كبير من عملية تغطية ونشر الأخبار والنشاطات الثقافية بسبب أزمة الفيروس.

أيضا، من بين أكثر الأمور إثارة هو فشلنا في استغلال هذه العزلة بمسألة اقتناء الكتب الورقية، إذ كان من المتوقع أن يكون لتوزيع الكتب الورقية عبر خدمة التوصيل الدور الكبير، لكن الذي كان يحدث على الرغم من دفاعنا المستمر عن قراءة الكتب المطبوعة هو اللجوء للكتب الالكترونية، الأمر الذي أثر بشكل كبير على حركة الكتاب الورقي وركود سوقه”.

الأدب رفاهية في زمن الوباء..

ويقول الكاتب العراقي “محمد حسين”: “لاشك أن تأثير الجائحة كان مؤثرا على الأدب بشكل عام كسوق لتداول الكتب وعلى الأفراد سواء القراء والمؤلفين والكتبيين..

من جانبي كقارئ أولا كان التأثير ملاحظا من خلال الخوف والترقب الذي عشناه طيلة الفترة السابقة مما أدى إلى فتوري بشكل ملحوظ في متابعة ماينتج من مؤلفات. لأن أمر القراءة كاد أن يفقد معناه في ظل ظروف أخبار الموت المتلاحقة التي تعج فيها مواقع التواصل والتلفزيون. فكان جل اهتمامي وتركيزي على أخبار اللقاحات ومواعيد اكتمالها.. فما معنى أن يقرأ المرء وفي الخارج وباء مهول مجهول يحصد المئات في اليوم الواحد..

كان ذلك في الأيام الأول. ولكن بعد ذلك عندما بدا أن نهاية الوباء ليست قريبة أخذت بالاعتياد شيئا فشيئا، فالإنسان في النهاية كائن يتعود ويتكيف على معظم الأحوال التي تمر به. رجعت إلى عادتي الأثيرة المحببة وبدأت استأنف تقليب الأوراق من جديد لكن بإيقاع بطيء دون شغف حقيقي”.

ويضيف: “لكن بدا ذلك أفضل من تسليمي التام إلى عاطفة الخوف والترقب، وعمدت إلى اختيار كتب قديمة مثل قصص “عيد متنقل” ل”همنغواي” في محاولة لخروجي من الجو السلبي الذي يحيط بي، ومضت فترة أخرى وراح البعض يصدر كتبا وقصص عن الجائحة..

صراحة لم أتمكن أو لم أحب بالأحرى أن أطلع عليها لأنها ستكون تكريس يومي ضيق الأفق لما نمر به، ولاعتقادي شبه الراسخ بأن الأدب ليس خبرا وصفيا بالكامل أو نقلا لوقائع لم تجف أثاراها على أرض الواقع بعد”..

ويواصل: “أما بالنسبة للكتابة فقد أليت على نفسي أن لا أكتب شيئا سيبدو مستعجلا أن يقرأ أو غير ناضج تماما لنفس الأسباب أعلاه. إنما استثمرت أجواء الحظر الإجباري بالتأمل أكثر كلما أتيحت لي فرصة التأمل، التأمل بالأحداث من زاوية أننا نعيش لحظات استثنائية من التاريخ. لحظات قد لاتتاح لأي كاتب قد عاش في زمن لا وباء فيه. واكتشفت قيمة المراقبة اللصيقة للزمن ولجريانه الذي لمست توقفه أو شلله عن الحركة، وكم هو واهن وشفاف بحيث أن فايروس صغير قد أوقفه تماما..

تأملت أيضا بقيمة الأدب، واستنتجت بأنه شبه عمل مرفه مقارنة بالعلم الذي برزت الحاجة إليه شديدة وملحة. وأرجو ألا يفهم من كلامي بأن العلم أعلى قيمة ومكانة من الأدب. لكن الأمر بدا لي كمقارنة بين أولويات المجتمع. فمن الطبيعي أن تكون صحة الإنسان والمحافظة على حياته هي المرتبة والحاجة التي تسبق كل الحاجات الأخرى ومن ضمنها الحاجة إلى الأدب”.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة