14 مارس، 2024 12:40 ص
Search
Close this search box.

العزلة والكتابة (12): الكاتب كائن خيالي تمده العزلة بطاقة التأمل

Facebook
Twitter
LinkedIn

 

خاص: إعداد- سماح عادل

تنوعت استجابات الكتاب إزاء الحظر الإجباري الذي فرضه ظهور فيروس كوفيد 19، منهم من باغتته الحيرة لكنه سرعان ما استعاد نفسه، ومنهم من وجد في العزلة فرصة كان ينتظرها طويلا، وكان الأثر على حركة الثقافة كبيرا، وربما فاقم من أزمة الثقافة التي كان موجودة قبل ظهور الفيروس، لكن المخارج أيضا كان مبتكرة وفعالة وإيجابية.

لذا كان لنا هذا التحقيق الصحفي الذي يجمع آراء الكتاب والكاتبات حول تأثير العزلة العالمية بسبب الفيروس عليهم، وقد وجهنا لهم الأسئلة التالية:

– كيف كان تأثير ظهور فيروس “كوفيد ١٩”والعزلة التي صاحبته لمدة عام ونصف على الكتابة لديك؟

– هل أثرت العزلة على حركة الثقافة وعلى نشر وتوزيع الكتب خاصة مع قلة الفاعليات الثقافية من معارض كتب وندوات؟

تقهقر ثقافي..

يقول الكاتب والروائي العراقي “أحمد غانم عبد الجليل”: “أنا معتاد أن أكتب في كل الظروف تقريبًا، أحاول التخفف من الأعباء، على المستوى الشخصي والعام، من خلال الكتابة، لا شك أن الفيروس كانت له تداعياته في كل مفاصل الحياة، لكن الكتابة لدي لم تتأثر على نحو سلبي، فهي عالمي الخاص الذي اعتدت اللجوء إليه والانزواء في تفاصيله عن كل شيء، وفعلًا بدأت بكتابة سرد روائي أرهق تفكيري طويلًا، لا أعرف متى أنتهي منه، ولكني انشغل، أو أحاول التشاغل، به عن كل الجمود الذي خلَفته الجائحة.

فالأحداث العصيبة جعلتني أكثر تشبثًا بالمواصلة رغم كل الضغوط والعقبات التي تواجهني، وأعتقد أن الكاتب أقل تأثرًا بالعزلة من غيره إذا ما كان لديه حلمًا يود تجسيده على نحوٍ يرتضيه جهده الكامن في ذهنه، أي أنه حتى في الظروف الاعتيادية يعيش شيئًا من العزلة الخفية حتى عن أقرب الناس إليه”.

وعن تأثير العزلة على حركة الثقافة يقول: “نحن محظوظون بالتطور التكنولوجي بما وفره لنا من سبل تواصل على مختلف المستويات، هذا ما خفف كثيرًا من تداعيات العزلة التي فرضت على العالم بأسره، بالتأكيد هناك تأثير سلبي كبير زاد من ركود سوق الكتاب الذي يشهد أزمة متفاقمة منذ سنوات، ارتفاع في الأسعار مقابل ضعف القدرة الشرائية، مع ذلك هناك الكثير من الإصدارات صدرت خلال هذا الانغلاق العام، وأيضًا هناك دور نشر توقفت عن نشاطها، بالإضافة إلى مجلات ومواقع ثقافية متميزة، فنحن من قبل الجائحة نشهد حالة من التقهقر الثقافي ولأسبابٍ مختلفة.

لذلك نجد إقبالًا أكثر على النشر الالكتروني، وكذلك التجمعات الثقافية انتقلت، ولو على نطاق محدود نسبيًا، إلى مجموعات أو صفحات ضمن مواقع التواصل الاجتماعي، أرجو أن ما حصل بسبب الجائحة يدفع العاملين في مجال النشر إلى اتخاذ آلية جديدة تضمن حقوق الكاتب وتشجع القارئ على اقتناء ما يرتقي بتفكيره وإلا فإن الهوة ستزداد عمقًا في عالمنا الثقافي المتضرر أصلًا نتيجة الأزمات والاضطرابات التي تمر بها بلادنا بشكلٍ عام”.

وعن البدائل التي لجأ إليها الكتاب للتواصل يقول: “كما ذكرت آنفًا، مواقع التواصل الاجتماعي كانت ملجأ الكثير من الكتاب للبقاء ضمن المشهد الثقافي، هناك مجموعات أدبية استحدثت في الفيسبوك، على سبيل المثال، أتفاعل معها قدر الإمكان وبما يسمح به الوقت والقدرة على التركيز، لأني أجد فيها الكثير من النصوص الإبداعية المتميزة، مما قد يعوض، ولو بعض الشيء، عن الفعاليات الثقافية التي اعتدنا عليها، هي بمثابة ورش أدبية قادرة على تطوير قدرات مواهب لم يتسنَ لها أن الظهور من قبل، فلعل ما حصل استطاع أن يجعل تلك المواهب أكثر قربًا من أعين النقاد، فكل محنة ورغم ما تتضمن من صعوبة، أيضًا يمكن أن تفرز طاقات إيجابية قد لا نكون منتبهين لها من قبل، هكذا هي الحياة”.

الذهول والانكفاء في مجال الثقافة..

ويقول الشاعر والناقد العراقي “عبد الأمير خليل مراد”: “إن كوفيد 19  يمثل ظاهرة كونية أصابت العالم بالعجز والارتباك. حيث تعطلت العديد من الفعاليات والنشاطات الحيوية والمهمة في العالم, أما في مجال الثقافة فقد تراجع الفعل الثقافي, وأصبحت نشاطات الاتحادات وفعالياتها تدار عن بعد دون أي حضور يذكر خشية انتشار هذا الوباء في الأوساط الثقافية, وتعطلت بعض المؤسسات, حيث تراجع الإصدار الثقافي كالدواوين والمجلات الكتب الثقافية وغيرها.

وصرنا نرى الدرس الأكاديمي في الجامعات يقام عن بعد ولم نلمس ذلك التفاعل المعهود في كل مرافق الجامعات وفعالياتها المختلفة. إن هذا الوباء المستشري قد أصاب المؤسسة الثقافية بالذهول والانكفاء في إصداراتها وفعالياتها وتعامل المعنيين بالثقافة مع حراكها اليومي. وصرنا نقرأ الكتاب والمجلة والجريدة عبر وسائل الاتصال الانترنت. وغاب الحضور الفاعل في المنتديات الثقافية بصورة كلية”.

ويضيف: “إننا نتمنى على العالم الآن أن يعيد النظر في واقع الثقافة الراهن. وأن يكون أكثر استعدادا لمثل هذه المفاجآت في الأعوام القادمة وربما يكون هذا الطارئ أو المحتمل أكثر فتكا بالإنسان وقد يكون هو الأسوأ من هذا الفعل الكوفيدي الذي أبهرنا بتغلغله في كل مفردات حياتنا. وينبغي أن تحتسب إلى ما هو أصعب وأكثر مرارة في قادم الأيام”.

تهديد للوجود..

ويقول الكاتب والقاص العراقي “خالد شاطي”: “أحدث ظهور الوباء إرباكاً وحيرةً في داخلي. فللمرة الأولى نكون بمواجهة تهديد حقيقي للوجود البشري ولوجودي الشخصي أيضاً، فرض إجراءات واحدة متشابهة في كل أرجاء المعمورة، وأبان عن ضآلة وهشاشة كل ما أحرزناه في طريق تطورنا العلمي والتقني.

ولم تكن العزلة المفروضة نتيجة الوباء بالشكل المشتهى بسبب كونها مفروضة. وكنت دائما ما أعلن لأصدقائي عن حاجتي لعزلة – ستة أشهر مثلاً- أنجز فيها مشروعاً من المشاريع الكتابية الكثيرة المؤجلة. ومع هذا، جاءت هذه العزلة مثمرة، فقد أنهيت كتابة مجموعتي القصصية الثانية وإعداد الجزء الأول من كتاب (انطولوجيا القصة القصيرة العربية المعاصرة) والذي ظهرت نسخته الإسبانية بترجمة الصديق “حسين نهابة”، وستظهر نسخ له بالعربية والإنجليزية والهندية. كما أتاحت العزلة لي قراءة كتب كثيرة ومشاهدة أفلام مهمة”.

ويضيف: “ومن الطبيعي أن تتأثر الفعاليات والأنشطة الثقافية بانتشار الفيروس، استجابة لقرارات الحظر والتباعد الاجتماعي، فكان لزاما علي غلق مكتبتي ومشغلي الفني الذي كنت أحظى فيه بلقاء الكتاب والفنانين ويوفر لي فرصة النقاش والتواصل. غير أن وجود مواقع التواصل الافتراضي خفف، وإلى حد كبير، من أضرار الحظر. فكانت هذه المواقع هي البدائل الوحيدة الممكنة التي أسهمت في استمرارية النشاط الثقافي سواء في إقامة الندوات واللقاءات البحثية والقراءات الأدبية أو في توفير الكتب على هيئة pdf وغيرها”.

 

عزلة المتصوفة..

ويقول الكاتب والروائي “سالم حميد”: “الكاتب في كثير من الأحيان، يضع لنفسه برنامج معين ليعتزل في مكتبته، ليواصل القراءة أو الكتابة ولا يغادر هذه العزلة التي تشبه عزلة المتصوفة، إلا لأسباب تتعلق بالترويح عن النفس، وهي تشبه استراحة المقاتل. وهي لدى الكاتب مستحيلة لأنه كائن خيالي يتأمل في الأشياء والحوادث والزمن، وطقوس من هذا النوع تساعده وتمده بطاقة التأمل.

العزلة التي فرضتها السلطات الصحية مادية، لذلك فإنها تؤثر على المواد،   تؤثر على حركة الكِتاب سواءً في معارض الكتب، أو في أسواق الكتاب الأخرى، لكنها لا تؤثر على الكاتب، لأنه عادة ما يحجر نفسه ويمنعها من التجوال في سبيل تدوين أفكاره، لكن منع التجول قد ينفع الكُتاب الذين يصعب عليهم الالتزام بالحجر الذي يفرضه الواجب الثقافي عليهم.

 

أخبار ذات صلة

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب