بحث مشترك
فهرس
-مقدمة
-العرب واليهود وبريطانيا العظمى
1914-1922
عمر عبد الستار محمود
– العرب و اليهود
من 1948 إلى 2018
شاهو القرة داغي
– العلاقات العراقية الاسرائيلية بعد ولاية الفقيه
مهند العالم
-عرب سنة العراق واليهود
عبد الناصر المهداوي
-خاتمة
مقدمة في نظريات الصراع وفرضيات البحث
تقوم نظريات الصراع على تصورات مفادها أن الحياة الاجتماعية تتكون من افراد وجماعات وانظمة ذات مصالح مختلفة ومتداخلة تولد بطبيعتها الصراع.
والنظم الاجتماعية ليست متحدة ومنسجمة بل أشكال متباينة من القوة التي تميل إلى التغيير سعيا لتأكيد ذاتها وضمان حقوقها والتخلص من الطبقة المسيطرة عليها، وكل ذلك لن يتأتى إلا عن الصراع.
ومن صور الصراع المختلفة، الازمة والتوتر والنزاع، فهناك تنازع الارادات الوطنية والقومية، وهناك الاختلافات والتناقضات بين أهداف الدول ونماذج الحكم.وتتعد وسائل الصراع فتكون حصارا وتهديدا وتحالفا وتحريضا، وتتعدد أسبابه فتكون سياسية أو اقتصادية أو استراتيجية أو اجتماعية.
ومحاور الصراع ثلاثة: اولها يفترض تناقض المصالح أو القيم بين اطراف الصراع وادراكها لهذا التناقض، والثاني يفترض شمول الصراع للافراد والجماعات والدول.
وصراع الدول يدخل ضمن المحور الثالث لمحاور الصراع، وهو الصراع الدولي، الذي يحتاج الى جهود ونظريات تمنع خروجه عن السيطرة، مثل نظريات صنع القرار والقوة والنظم وغيرها.
وللوصول الى شرق اوسط جديد وسط صراعات جماعاته ودوله ونماذج الحكم فيه، ومن اجل الاّ يخرج صراع هذه النماذج عن السيطرة، ادارت بريطانيا العظمى قبل 100 عام ثم الولايات المتحدة، صراعات نماذج الحكم المختلفة المستمر بعضها مع بعض، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ولم تزل.
واما فرضيات البحث فتشتمل على اكثر من فرضية منها
شكل العلاقة بين العراق بطوائفه المتعددة مع يهود اسرائيل والثمن الذي يجب ان يدفعه الجانبان من اجل هذه العلاقة. بالنسبة للعراق ربما تكون امكانية انهاء ولاية الفقيه على يد اسرائيل كفيل باعادة العلاقة مع اليهود العراقيين وعودتهم لاملاكهم التي تركوها في العراق مقابل ضمان وجود دولة اسرائيل.
اما الفرضية الاخرى فهي هل ان يهود اسرائيل جماعة واحدة يمكن التفاوض والسلام معها ام ان هنالك جماعات وفئات يهودية تقبل السلام واخرى لايمكن الوثوق معها للوصول الى السلام؟
كذلك هل ان التاريخ الاجتماعي للاقليات اليهودية في العراق وايران يساعد على لعب دور في السلام القادم بينهما ؟
وهل يمكن لراس المال والتجارة والاقتصاد والنمو والاستثمار من لعب دور اساسي في عملية الاستقرار والسلام القادمة بعد ولاية الفقيه.
ان تقسيم المجتمعات السنية في العراق بشكل خاص وفي منطقة الشرق الاوسط بشكل عام الى “مستوطنات” بشرية متعددة سيكون لها اخطر الاثار على مستقبل العلاقة مع اسرائيل بل وحتى في وجود اسرائيل كدولة ديمقراطية في الشرق الاوسط. وبالتالي فان وحدة المجتمع السني في العراق وتعايشه مع جيرانه سيكون له اثر مباشر على تلك العلاقة.
العائلات الليبرالية العريقة ذات المستويات العالية في التعليم والمال في الجانبين هل يمكن لهما من لعب دور في مستقبل العلاقات بين الطرفين بعد الانتهاء من التهديد الوجودي لهما من ثقافة وتوجهات ولاية الفقيه.
ان مستقبل الحوار والتوصل الى سلام بين العراق واسرائيل مرتبط بعوامل عدة منها عوامل اجتماعية وثقافية ومعتمدا لما ستؤل اليه نتيجة الصراع بين ولاية الفقيه واسرائيل. وهذا الصراع سيستمر لمدة طويلة وليس بالضرورة ان يكون لصالح اسرائيل وهو صراع قاسي ومدمر لاحد الطرفين ولذلك فان السلام المنشود لن يتحقق قبل حسم نتيجة هذا الصراع.
وقد انقسمت خطة البحث الى اربع اقسام بعد المقدمة، وسيتحدث القسم الاول عن مسار العرب واليهود في ظل بريطانيا العظمة من 1914-1922، ويتحدث القسم الثاني عن مسار علاقة اليهود بالعرب من 194802018، ثم القسم الثالث عن االمسار المحتمل لعلاقة اليهود بالعرب بعد رحيل ولاية الفقيه، ويختتم بالبحث حديثه عن العلاقة المستقبلية لسنة العراق العرب باليهود ثم الخاتمة.
صراع العرب واليهود في ظل بريطانيا العظمى اسبابه، مساره ومالاته المحتملة
دكتور عمر عبد الستار محمود
فهرس
– اسباب الصراع
– العرب واليهود وبريطانيا العظمى
– اطراف الصراع
– مالات الصراع
– اسباب الصراع:
استمرار الصراع بين العرب واليهود منذ 1920 لليوم ، يعود لاستمرار اسبابه الاستراتيجية السياسية منها والاقتصادية والاجتماعية، التي تستخدم كل اساليب الصراع من حرب وحصار وتحالف وتحريض، وكل صوره من ازمات ونزاع وتوتر.
وتكاد ان تكون الاسباب التي ادت الى استمرار الصراع في الشرق الاوسط منذ الحرب العالمية الاولى هي نفسها التي لم تزل تغذي الصراع بين دول وجماعات الشرق الاوسط الى اليوم.
ومن اسباب الصراع الطابع الديني الذي طبع مسار الصراع من جهة، الذي تصارع مع نموذج ويست فاليا الذي جاء به البريطانيون بعد انهيار الدولة العثمانية، سواء عند اليهود ومعتقد ارض الميعاد، اوعند عرب الشمال ومعتقد ان هذا احتلال للارض المقدسة.
وثاني اسباب الصراع عرقلة حصول الامم على حق تقرير مصيرها، وهو من مبادئ الثورة الفرنسية في ان يكون لكل امة بلد مستقل، وبهذا المبدا يمكن لهذه الامم من خلال نيلها بلد مستقل ان تخدم مصالحها ومصالح جيرانها.
وثالث اسباب الصراع هو العمل على شيطنة الاخر عند الطرفين، فقد جرى ولم يزل ابلسة الفلسطين عند اليهود وابلسة اليهود عند الفلسطينين، وبذلك فقد الطرفان القدرة على التعايش في ظل انتقال للنظام الدولي من حال الى اخر.
وانت ترى هذه الابلسة بوضوح حين يشرحها يهودي عر بي،يجد التناقض في شخصيته الذي نتج عن سياسة الاقصاء الثقافي والاجتماعي التي اتت من هجرة اليهود الاروربيين الى اسرائيل،اي في الضغط بين ان تكون يهوديا او عربيا، كما تقول البروفيسورة ايلا حبيبة شحوط.
وتضيف شحوط،: انه تدمير ذاتي، لم ينظر الى ثنائية ان تكون يهودي اميركي او يهودي اوروبي، على انه تناقض ولكن ان تكون يهودي عربي فهذه مفاربة منطقية، انه تدمير وجودي وفصام عميق، هكذا تقول شحوط.
وتقول شحوط، في الوسط الاميركي الذي اعيش فيه نواجه الهيمنة التي لاتسمح لنا الا بسرد ذاكرة يهودية واحدة هي الذاكرة الاوروبية. اما بعضنا الذين لايخفون هويتتهم الشرقية تحت عنوان هوية يهودية جامعة، فان الوجود في الوسط الاميركي المعادي لفكرة الشرقفية ذاتها، يصبح اكثر صعوبة.
وتزيد شحوط فتقول، ان الخطاب الفطري في الغرب يسلط الضوء على التقاليد اليهودية المسيحية ولكن نادرا مايعترف بالثقافة اليهودية الاسلامية في الشرق الاوسط وشمال افريقيا او في اسبانيا قبل طرد اليهود 1492.
لكنك من جانب اخر ترى سببا اخر من اسباب الصراع، حين تقارن بين نماذج الحكم العربية في الدول المجاورة لاسرائيل بموذج الحكم في اسرائيل، فتجد ان معادلة (احتلال+ديموقراطية)، افضل بكثير من معالة (استبداد+ استقلال)، وهو صراع انتصرت فيه اسرائيل على العرب.
فاليهود قد تقدموا على العرب منذ البداية بالمال والعلم والاتحاد وبشبكة علاقتهم بعالم الغرب، اضافة الى التزامهم بحدود فلسطين التاريخية ضمن اتفاقية سايكس بيكو بخلاف العرب، الذين كانوا يتنازعون على الوظائف ويعبرون الحدود في صراعهم مع اليهود خارج اطار ويست فاليا.
ففيما بنت اسرائيل دولة العلم والعدل والكفاية، اهدر العرب كل الفرص منذ قرن ولم يزالوا، وواجهوا قيامة الاسرائيلية بعقلية مازومة وبنية مرهقة في العلم والسياسة والاقتصاد والاجتماع، وتسبب ذلك في دفعهم دوما للعنف الذي يسمونه جهادا او مقاومة ويسميه العالم ارهابا.
كما ان العقلية الشرقية الاستبدادية كانت سببا ايضا من اسباب الصراع، فلقد ورث الروس والايرانيون شعوراً بعدم الأمان مطَّعم بنموذح ثوري إستبدادي ذو عقيدة عالمية يصر على إشعال حروب، كما لم يصر اي نموذج آخر.
فالصراع الغربي الروسي القديم الجديد يعد من اسباب الصراع التي جعلت بعض دول وجماعات الشرق الاوسط من نفسها وقودا وساحة له، رغم انها ليست طرفا فيه من جهة.
ومن جهة اخرى فان أوروبا أمس و أميركا التي ولدت و تأسست على قناعات و مبادئ الفكر والممارسة (الديمقراطية)، لم تزل كما يقول كيسنجر، تسعى لتصدير نموذج حكمها الويستفالي كمنهج وحيد ناجع في العالم، يتجاوز الفكرة الدينية العرب واليهود ويتجاوز النموذج الروسي.
وحتى ينتهى إحتواء أميركا للروس ، فعلى اهل الشرق الاوسط أن يتعلموا من دروس مدرسة الصراع الغربي الروسي، إن شعوب و دول هذه المنطقة ليسوا طرفاً في الصراع الغربي الروسي، لكن بعضهم لجنونه جعل من نفسه هدفاً في هذا الصراع.
و قد أثبتت الأيام إن إرتماء بعضهم في الحضن الروسي لمواجهة الغرب، كما فعلت الأنظمة القومية العربية او نظام و منظومة ولاية الفقيه اليوم ، كان سرابا بقيعة يحسبه الضمان ماءا.
– العرب واليهود وبريطانيا العظمى:
كان الشرق الاوسط خلال القرن التاسع عشر موضع اهتمام السياسة الغربية، فهو الساحة التي تجري على ارضه صراع اللعبة الكبرى،اذ كانت سلطة الشاه الفارسي والسلطان العثماني تعيش ايامها الاخيرة.
لكن اهتمام بريطانيا العظمى به بعد نقضه في الحرب العالمية الاولى، لم يكن كما بدا به القرن العشري،اذ كانت تسعى لمساندة انظمة حكم اهلية ساهمت في تاسيسها لمنع التوسع الاوربي، فلم تكن راغبة في السيطرة على المنطقة، بل كان همها ان تحول دون سيطرة دولة اوروبية اخرى عليه.
لذلك اتبعت بريطانيا العظمى وطوال القرن التاسع عشر سياسة دعم الممالك المتهاوية لحمايتها من التدخل الاوروبي، لكنها وجدت ان خصمها الروسي في الطريق،فاصبح هدفها دحر الهدف والدور الروسي واصبحت هذه اللعبة تسمى باللعبة الكبرى.
واللعبة الكبرى هي لعبة السيطرة على العالم،وقالت الملكة فكتوريا،ان المسالة هي مسالة السيادة الروسية او البريطانية على العالم، والتي ابتدات علم 1829،بالسيطرة على افغانستان لابعاد روسيا عنها.
ولقد وجد البريطانيون انفسهم في حاجة ملحة وهو يحاربون الدولة العثمانية ان يتحالفوا مع العرب الذين طالبوا بمملكة عربية مسقلة في غرب اسيا، كما هي حاجتهم في التحالف مع اليهود الذين يريدون وطنا قوميا لهم في فلسطين.
ولكن انقسام العرب الى عدة جهات بين العراق وسوريا والجزيرة ومصر،ورفضهم الانتداب البريطاني عليهم واصرارهم على رسم حدود ممالكهم العربية المستقلة، ومطالبتهم بفلسطين، في وقت كان لليهود حركة واحدة بهدف واحد، مكن البريطانيين من تجاوز كثير من الطلبات العربية.
ولقد كان الفهم البريطاني لفسطين ان تكون دولة واحدة، كما يقول لويد جورج رئيس وزراء بريطانيا في 1917، اذ رفض تقسيمها مع فرنسا في اتفاقية سايكس بيكو قائلا،”ان تقسيم فلسطين يشوهها،وفي حالة استعادة فلسطين يجب ان تكون واحدة غير قابلة للتقسيم من اجل تجديد عظمتها ككيان حي”.
ففي ظل الدعم البريطاني للعرب، وعدم اشارة اتفاقية سايكس بيكو لليهود، باستثناء وضع فلسطين تحت نظام دولي، اتصل مارك سايكس بهربرت صموئيل وزير الداخلية البريطاني وهو يهودي لمعرفة شيئا عن الصهيونية التي هيمنت على الدولة العثمانية عن طريق تركيا الفتاة.
ففكرت بريطانيا بعقد صفقة يمنحونهم بها ترتيبا بشان فلسطين مقابل ان تنسحب من تاييدها لتركيا الفتاة، وهو نفس الشرط الذي طلبه الانكليز من العرب، في وقت كان العرب في سوريا واليهود في فلسطين يواجهون عنت جمال باشا، حتى ان جمال باشا طرد العرب واليهود نهاية 1917 من يافا واعلن عزمه عن طرد اليهود من القدس، وقد فعل ولم يبق منهم سوى ثلثهم.
بالعودة لليهود جدير ان نذكر ان ديفيد بن غوريون واسحق بن زافي كانا مواطنبن عثمانيين وطالبين حقوق في جامعة القسطنيطينة وزعماء بنفس الوقت في الحركة الصهيونية، فطلبا من جمال باشا ان يشكلا جيشا يهوديا في فلسطين للدفاع عن الدولة العثمانية فرفض جمال باشا.
فذهب بن غوريون وبن زفي لاميركا لنفس الغرض، لكنهما في 1918 انضما لجيش يهودي الى جانب بريطانيا للقتال ضد الدولة العثمانية، في الوقت الذي سبقتهم ثورة الشريف حسين بسنتين في الحجاز، بعد ان اقتنع كما اليهود ان ضباط تركيا الفتاة خصوم الطرفين.
بل ان مارك سايكس شرح رؤيته للمستقبل قائلا، اريد ان ارى تفاهما بريطانيا فرنسيا بالتحالف مع اليهود والعرب يجعل الاسلام عديم الاذى وكان من نتيجة هذه الرؤية البريطانية صدور وعد بلفور.
ووعد بلفور الذي صدر بعد كثير من التروي،وبموافقة اميركا وفرنسا وبالتشاور مع ايطاليا والفاتيكان، والذي لم يتوقع البريطانيون ردا معاديا من الرب بسببه،لانهم احاطوا الملك حسين والامير فيصل على خططهم لاعادة خلق وطن يهودي في الارض المقدسة، انسجم مع رؤية بريطانيا لفلسطين واحدة تحت الانتداب البريطاني وانها وطن قومي لليهود وتراعي الحقوق الدينية والقومية لغير اليهود.
فقد وجدت بريطانيا ان التحالف مع العرب واليهود امر مثالي من شانه ىان يخدم احتياجات بريطانيا في الحرب والسلم، وليس بين الامرين تباينا في ظل رؤية بريطانية ترى ان بلاد الرافدين والجزيرة العربية وفلسطين ستكون ضمن امبرطوريتها التي في ستكون في المستقبل اشبه بعصبة امم مصغرة.
وقد شهد احتفال اقيم في دار اوبرا لندن نظمه الاتحاد الصهيوني البريطاني في 2-12-1917،حضرة مارك سايكس وعرب وارمن ومسيحييون، عدد من الكلمات التي اكدت على حاجة اليهود والعرب والارمن الى مساعدة بعضهم بعضا والسير قدما في انسجام.
وحين انتهت الحرب العالمية الاولى وعقد مؤتمر الصالح في باريس لم تجد بريطانيا معها سوى فرنسا بعد ان دفعت الثورة البلشفية الروس بعيدا وخسر وودر ويلسون انتخابات الكونجرس النصفية وانسحبت ايطاليا من مؤتمر الصلح، فكان مؤتمر الصلح بريطانيا فرنسيا.
يقول لويد جور رئيس وزراء بريطانيا الذي امضى ثلاث سنوات بعد الحرب وحضر 33 مؤتمرا دولبا، لرسم عالم ما بعد الحرب،عن هذا المؤتمر، لم تربح شعوب حرية في حرب مثلما ربحت في مؤتمر الصالح، خصوصا العرب الذي حصلوا على استقلال العراق والجزيرة وسوريا والاردن، رغم ان معظم العرب قاتلت وبضمنهم عرب فلسطين مع الحكم التركي.
وهذا ماحصل ففور انتهاء الحرب ومؤتمر الصلح نشبت ثورات في العراق وسوريا وفلسطين ضد الوجود البريطاني والفرنسي، ادى الى مغادرة فيصل بن الحسين سوريا للمنفى وسيطرة فرنسا على سوريا، وسيطر بن سعود على الجزيرة وخرج الشريف حسين للمنفى.
وكان حكام القدس من البريطانيين يرون في فلسطين بلد متعدد القوميات تحت رعاية بريطانية، في وقت لم يتعاطف الضباط البريطانيون مع الصهيونية حتى في هذا الاطار، وكانوا يرون ان سياسة لندن رسمت لاثارة الاضطراب،وهذا قدد يشير ان هناك اكثر من بريطانيا واحدة، كما نجد اليوم اكثر من اميركا واحدة.
وكان اليهود يرون ان سياسة بريطانيا متذبذبة ومعادية لهم، وكان حاييم وايزمن يحاول اقناع العرب ان فلسطين تسع الجميع، وكان العرب منقسمين بين اسرة الحسيني واسرة النشاشيبي وبين الاندماج مع سوريا او الولاء لبريطانيا التي كانت تدفع العرب لعدم تقديم تنازلات، فكيف يدفع العرب بعضهم البعض لتقديم تنازلات؟.
فتفجرت اعمال العنف بين العرب واليهود، فوقف حكام فلسطين البريطانييبن مع العرب ضد اليهود، حتى جاء تشرشل في 1922 واصدر الكتاب الابيض الذي ضمن لليهود وطن قومي ولغيرهم حقوقا كاملة.
وحاول تشرتشل اقناع العرب ان اليهود ليسوا اعداء وان فلسطين تسع الجميع لكن عدم استيعاب العرب لوجود غرباء يقاسمونهم العيش وانقسامهم وظهور امين الحسيني فجّر الصراع من جديد.
واوروبا التي اكتسحت كارثة 1914-1918 تبدلت بعد الحرب بسرعة فاقت سرعة تبدلها من قبل في عقود او قرون، وبدت الامبريالية في نظر عدد متزايد من الاوروبيين والاميركين(وودر ويلسون) والروس(لينين)مفاهيم عصر فات اوانه.
وحتى بريطانيا بعد 1922 لم تعد بريطانيا 1914،وتسويات 1922 لم تعكس ماكانت بريطانيا تريد، وهذا ادى بدوره الى الحرب العالية الثانية التي ازاحت بريطانيا وفرنسا وجاءت بالسوفيت واميرا في نظام عالمي جديد.
وكأن بريطانيا بعد ان احتلت المنطقة تركتها لفوضى خلاقة تماما كما فعلت اميركا بعد احتلال العرق في 2003، وعليه فنموذج الفوضى الخلاقة الذي يعيشه العراق والمنطقة بعد 2003 ، كان بريطاني الجذور منذ 1922، اذ انهى الشرق الاوسط القديم وانشا مسالة شرق اوسطية جديدة.
فالمستقبل السياسي للكورد في العراق والمنطقة والمصير السياسي للعرب في فلسطين، لم تزل مستعصية على الحل، رغم ان بريطانيا قسمت الارض الى دول علمانية مستقلة اساسها مواطنة قومية، لكنهم ادركوا ان سلطة الدين في المنطقة هي الخاصية الرئيسة للخريطة السياسية التي يتحتم عليهم مجابهتها.
لقد احتجات اوروبا 1500 سنة لتحل ازمة هويتها الاجتماعية والسياسية بعد زوال الامبراطورية الرومانية، منها الف سنة لكي يستقر النظام السياسي على شكل الدولة الامة، و500 سنة لتقرير من هي الامم التي تملك الحق بان تشكل دولا، وهكذا هو حال الشرق الاوسط الذي دخل فاصلته التاريخية منذ الحرب العالمية الاولى ولم تزل فاصلته مفتوحة.
وصحيح ان ازمة الشرق الاوسط ليست في مثل عمق ازمة اوروبا وطول الزمن، لكن موضوعها هو مثيل موضوع ازمة اوروبا الغربية ، في كيف تستطيع شعوب متنوعة ان تعيد تجميع نفسها لخلق هويات سياسية جديدة لنفسها بعد انهيار نظام امبرطوري طويل اعتادت عليه.
4– اطراف الصراع
اضافة الى اطراف الصراع الغربي الروسي والغربي الايراني، يمكن تقسيم المتصارعين العرب واليهود الى جبهتين، عرب الشمال واسرائيل في جانب وعرب الجزيرة واسرائيل في جانب اخر، اي جبهة النماذج الدينية العابرة للحدود، وجبهة النماذج الواقعية الويستفالية التي تضم السعودية والاسرائيلية.
فالنماذج الثورية على اختلاف انواعها، نماذج معادية للمنظومة الدولية، بعكس السعودية واسرائيل الحليفة للنظام الدولي، لكن نماذج الجبهة الواقعية الويستفالية تعاني من خلل دستوري، يكاد ان يضعها في جبهة واحدة.
فاسرائيل مثلا، لم تزل منذ سبعين عاما دولة بلادستور ، مع اصرار في وثيقة الاستقلال انها دولة للشعب اليهودي اينما كان وهذا اشكال ديني ،وقانون القومية الاخير يثبت ذلك، والسعودية قد تنتقل برؤية 2030 الى دولة ملكية دستورية خارج حقبة 1979.
وربما لن يستقر الشرق الاوسط على منظومة امن وتعاون شرق اوسطي جديدة، تحل نزاعاته وتدمجه بالنظام الدولي، حتى يتحقق امرين، اولهما زوال العوامل الثورية الدينية العابرة للحدود، وتظهر منظومة امن وتعاون شرق اوسطي جديد، وحعتى ذلك الحين فان صراع عرب الشمال واليهود قد يظل ساخنا وبادارة اميركية حتى لا يخرج عن السيطرة.
– مالات الصراع
السيناريو الاسوا والاخطر والاكبر لصراع العرب مع اليهود هو هيمنة الطابع الديني على هذا الصراع منذ البداية، من المفتي امين الحسيني الى الشيخ احمد ياسين، وبالتالي فهو حرب دينية تؤلب المسلمين حول العالم ضد اسرائيل، في قت تجاوزت العلاقات الدولية الفكرة الدينية.
لقد شجعت بريطانيا المفتي امين الحسيني في سبيل تقرير حق المصير لكن الحسيني طبع صراعه مع اليهود بالطابع الديني، وطلب انضمام فلسطين لسوريا والاردن مما زاد من حدة الصراع.
ثم التقى الحسيني بهلتر، كما تلتقي اليوزم حماس وحزب الله بايران، وحاول الحسيني اقناع هتلر بمد البرنامج النازي للشرق الاوسط لكن هتلر رفض، وقال ان الوقت غير مناسب فخسر الحسيني وانتصر البريطانيون عليه وعلى هتلر فذهب هتلر لتحشيد المسلمون ضد اليهود دوليا حتى توفي 1974.
ولذلك استمر هذا الصراع حتى بلغ مرحلة لم يعد هناك صراع عربي اسرائيلي منذ كامب ديفيد 1978واتفاق وادي عربة 1994،ولم يعد بقية العرب يعتبرون انفسهم في حالة صراع مع اسرائيل كما ان دول الخليج لم تكن ابدا عاملا في هذا الصراع، منذ اندلع في بادية القرن العشرين.
وقد بلغ الصراع العربي الاسرائيلي اشده مع عبد الناصر وصدام وحافظ الاسد، ولكن بعد سقوط صدام 2003 والعراق منشغل بصراع داخلي، ودخول سوريا حرب داخلية اشغلت بشاررغم انه وابوه ابقوا الحدود هادئة متذ ١٩٧٤.
وقد اعاد الحرس الثوري الطابع الديني للصراع مع اسرائيل من جديد، ومعه والحركات الاسلامية التي صعد نجمها مع ظهور ولاية الفقيه، لكسب الراي العام وجعلوا من انفسهم مدافعون بذلك عن فلسطين وكذا فعل القوميون العرب ومنظمة التحرير الفلسطينية من قبل وان كان اطار قومي.
والخطر الوحيد على الحدود كان مع لبنان وحزب الله منذ ١٩٨٢، وغزة منذ ٢٠٠٦حيث جرت اربع حروب مع اسرائيل، بعدد حروب العرب قبل كامب ديفيد، ومعضلة حزب الله وحماس المرتبطين بايران معضلة دينية تكمن في نية القضاء على اليهود وليس على الدولة فحسب.
ورغم تجاوز العلاقات الدولية للفكرة الدينية منذ اتفاقية ويست فاليا 1648 كنموذج للحكم، لم يزل اهل الشرق الاوسط بسسب ولاية الفقيه وحركة الاخوان المسلمين، يعيشون مفاهيم اوروبا اثناء حرب الثلاثين عاما، رغم انهم غادروا عصر ال عثمان الامبرطوري منذ 1920.
ولقد منح المجتمع الدولي اليهود حقا السيادة الاسرائيلية على فلسطين، وسيطرت اسرائيل على الارض بعد عدة حروب، وهم يقولون على لسان ابا ايبان: لا نحتاج من احد ان يعطي اسرائيل حق الوجود او يفاوضنا لاننا نملكه كما تملكه اي دولة كما اميركا والسعودية، وهم يقرنون حقهم بحق السعودية واميركا، حركة قومية تحررية كما تحررت اميركا من بريطانيا والسعودية من ال عثمان.
ومثلما تحالفت بريطانيا مع العرب واليهود اثناء الحرب العالمية الاولى، تحالف معهم اميركا بعد الحرب العالية الثانية، ليس لاجل سواد عيونهم بل لتستعين بهم ويكون لها جذور في مجتمعات الشرق الاوسط وهي تصارع الروس وال عثمان سابقا والروس وايران اليوم، وماكان اليهود والعرب ليحصلواعلى ماحصلوا عليه امس واليوم، الا أن تتحالف معهم أميركا اليوم كما تحالفت بريطانيا معهم قبل ١٠٠ عام.
و هذه المعادلة مهمة في التحالفات الدولية، أي لتنجح التحالفات ينبغي أن تتحالف الدول العظمى مع مجموعة او دولة صغيرة او متوسطة و ليس العكس، و قد نجحت السعودية واسرائيل في هذه المعدلة.
إن الاستقلال العربي وقيام الدولة اليهودية ، هو الذي شكل المنطقة خلال النصف الاول من القرن العشرين ولم يزل،لكن تغير النظام الدولي وظهور النظام القطبي الثنائي، قد اوقف تشكيل المنطقة تحت المظلة البريطانية، ودفع بالصراع السوفيتي الاميركي الى ساحة الشرق الاوسط ليجد صداه في نزاع لم يزل مستعرا او يكاد حتى اليوم، لكن تزعم الولايات المتحدة للنظام الدولي قد يساعد في ايجاد حل.
ان دول وجماعات الشرق الاوسط تعاني من نزاع تاريخي على الهوية الدينية والقومية، جعلها محط صراع دولي واقليمي ومحلي لم ينقطع طوال التاريخ، وان محاولة بريطانيا العظمى التحالف معهم امس ومحاولة اميركا تكرار الامر معهم اليوم، قد يكون اساسا للعبة الكبرى.
ومختصر اللعبة الكبرى هو تاسيس منظمة امن وتعاون اقليمي شرق اوسطى برعاية غربية تسد الطريق امام الروس وتكون بديلا عن صراع دول وجماعات الشرق الاوسط مع بعضها البعض او بديلا عن تعسر تحالف بعضهم مع بعض.
وقد وجدت بريطانيا ان للدين شان كبير في الشرق الاوسط،، ومثلما اوجد السوفيت الشيوعية بديلا للدين، فقد زرع البريطانيبون القومية او الولاء للعوائل الحاكمة بديلا للدين.
فكان وعد بلفوز لوطن قومي لليهود وكان رسم الحدود في سايكس بيكو اساسا للاستقلال العربي،لكن الاشكال الاكبر الذي اوقف مسار اللعبة الكبرى بعد نقض الشرق الاوسط،ان برطانيا قد تغيرت بعد نهاية الحرلاب العالمية الثاولى ولم تعد تثق بمخرجات الحرب او ببرنامجها الذي عملت على تنفيذه.
فاندلع الصراع الشرق اوسطي ولم يزل، سواء بين العرب واليهود الذين اعتبرتهم برطانيا اهم حليفين رئيسيين لها في الشرق الاوسط،او بين بقية مكونات الشرق الاوسط، وكأن بريطانيا قد زرعت في الشرق الاوسط فوضى خلاقة، كررتها اميركا مرة اخرى بعد 2003 في العراق والمنطقة، بعد ان نفذت برنامج وزارة الدفاع الميركية ، وتركت برنامج وزارة الخاجية الاميركية.
فوضى خلاقة لم تزل تضرب اطناب الشرق الاوسط، رغم انها قد افرزت جبهتين متعارضين، احدها يتمثل في نموذج اسرائيل وتركيا والسعودية، وجبهة النماذج الثورية العربية والكوردية والايرانية القومية منها والدينية.
وقد فشلت النماج المركزية الدينية منها والعرقية، في حل معضلة الهوية، ويبدو ان النظام الفيدرالي:الكونفيدرالي:الويستفالي الذي ولد في 1648 ولم يتمكن خصومه من اسقاطه منذ حروب نابليون حتى حروب ولاية الفقيه، هو الحل لهذه المعضلة.
ان فدرلة الشرق الاوسط هو السلاح الجيوسياسي الذي تحارب فيه اميركا اليوم وبريطانيا العظمى امس، النموذج الروسي المركزي، بعد ان انتصرت على نموذج السوفيت المركزي في الحرب الباردة، كما انتصرت من قبله على نموذج هتلر وهي تواجه اليوم نموذج ولاية الفقيه الديني المركزي الموالي للسوفيت.
وعقد اجتماعي جديد بدولة وطن ومواطنة وليس حدود جغرافية جديدة تزيد الشرق الاوسط انقساما هو الحل الموضوعي المستند لوعي الناس باهمية الدولة الوطنية بعيداً عن عنف و دموية وثورات دينية عابرة لحدود الدين و الدولة و دماء الناس.
وكما عاد الناس الى الدولة الوطنية الويستفالية بعد الثورة العربية الكبرى التي قامت بها الجزيرة العربية ضد الإمبرطورية العثمانية قبل ١٠٠ عام، قد يعود الناس للدولة الوطنية بثورة عربية كبرى تقودها الجزيرة العربية ضد إمبراطورية إيران، بتحالفها مع الولايات المتحدة.
المصادر
بروفيسورة ايلا حبيبة شحوط: تاملات يهودية عربية: صراع الهوية بين الديثن والعرق.
جوني جي ميرشايمر:ستف ام والت:2006
اميركا المختطفة، اللوبي الاسرائيلي وسياسة الولايات المتحدة الاميركية
ديفيد فرومكين: سلام مابعده سلام، الطبعة الثالثة،1992، الصفحات107-627
كرم الحلو : الصراع العربي الصهيوني من منظور مختلف: الحياة:24-11- 2017
ميشيل براند ٢٠١٧: myths and facts:AGıde to arab Israeli conflict : ص١٣-٢٧
الفصل الثاني: صراع العرب مع اليهود من 1948 إلى 2018
شاهو القره داغي
تمهيد :.
بعد سقوط الدولة العثمانية خضعت فلسطين للانتداب البريطاني منذ سنة 1920 م حتى 1948 بالحدود التي قررتها فرنسا و بريطانيا بعد الحرب العالمية الأولى في معاهدة سيفر ، وفي عام 1922 أقرت عصبة الأمم الانتداب بشكل رسمي بناءً على وعد بلفور (تأييد من الحكومة البريطانية بحق إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين ) وغطت منطقة الانتداب الأراضي الفلسطينية و الضفة الغربية وقطاع غزة و منطقة شرق الأردن .
في 1947م صدرت قرار الرقم (181) الذي يقسم فلسطين بموافقة الجمعية العامة التابعة لهيئة الأمم المتحدة وقضت بإنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين و تقسيم الأراضي إلى ثلاث كيانات جديدة بهدف حل النزاع العربي اليهودي عن طريق تأسيس دولتين : دولة يهودية و أخرى عربية على أرض فلسطين مع تدويل منطقة القدس (أي جعلها منطقة دولية، لا تنتمي لدولة معينة و وضعها تحت حكم دولي) ، وبشكل عام رحب الإسرائيليون بهذا التقسيم بينما شعر العرب و الفلسطينيون بالإجحاف . (1)
وبعد إعلان المجلس اليهودي تأسيس دولة إسرائيل في 14-5-1948 واعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بدولة إسرائيل في 16 من مايو نفس العام، دخل الصراع العربي الإسرائيلي منعطف آخر حيث قامت قوات خمس دول عربية ، هي مصر وسوريا و الأردن و لبنان و العراق بدخول “إسرائيل” لمنع قيامها على أرض فلسطين ، ويُعرف الحرب باسم حرب فلسطين أو “النكبة” وتطلق عليها إسرائيل” حرب الاستقلال”، و استمرت العمليات العسكرية حتى يناير / كانون الثاني 1949 ، حين نجحت القوات الإسرائيلية في السيطرة على مسرح العمليات ، وأدت الحرب عمليا إلى تأكيد تقسيم فلسطين ، وخروج أكثر من 400 ألف فلسطيني من ديارهم ليتحولوا إلى لاجئين ولينطلق الصراع العربي الإسرائيلي .
واستمرت المعارك بين الطرفين حتى تدخل مجلس الأمن الدولي وفرض وقفاً لإطلاق النار في 10 حزيران 1948 ، تضمن حظر تزويد أي من أطراف الصراع بالأسلحة ومحاولة التوصل إلى تسوية سلمية وعقب هذا القرار الدولي توقف القتال بين الجيش الإسرائيلي والجيوش العربية ، و لكن استأنفت القتال من جديد إلى أن انتهت المعارك في 21 يوليو بعد تهديد مجلس الأمن بفرض عقوبات قاسية على الجوانب المتقاتلة . (2).
بعد توقف المعارك بعام وفي 1949 تم عقد مجموعة من الاتفاقيات التي سميت باتفاقيات الهدنة بين إسرائيل وكل من مصر و لبنان و الأردن و سوريا لإنهاء الحرب العربية الإسرائيلية و إقامة خطوط الهدنة بين القوات الإسرائيلية و القوات الأردنية -العراقية، ووقعت كل دولة على الاتفاقيات بشكل منفصل ، وبدأت المفاوضات في جزيرة رودس اليونانية بتوسط الأمم المتحدة بين إسرائيل من جانب وكل من مصر، ولبنان، والأردن ، وسوريا من جانب آخر، بينما رف العراق الهدنة ولم يوقع عليها . (3)
بعدما أصبح الوجود الإسرائيلي أمر واقع على الأراضي العربية ، و فشل الدول العربية في هزيمة إسرائيل في المواجهات العسكرية التي جرت بين الطرفين في 1948 ، ودخول الدول العربية في اتفاقيات هدنة مع إسرائيل لإنهاء القتال ، كان هناك فصل آخر من الصراع العربي الإسرائيلي وهي مجيء القوميين إلى سدة الحكم في الدول العربية ، الذين جاؤوا عن طريق الانقلابات العسكرية و قاموا بالحروب مع إسرائيل دون أن يقع نتيجة إيجابية للجانب العربي وكان الخسارة نصيباً لهذه الحروب التي انتهت باتفاقية كامب ديفيد عام 1979.
.
أولاً :بروز القوميين و الحروب العربية الإسرائيلية
1.حرب 1956 “حرب السويس” أو العدوان الثلاثي :.
بعد الهزيمة العربية وقيام دولة إسرائيل في 1948 قام مجموعة من الضباط المصريين بتشكيل وقيادة مجموعة سرية في الجيش المصري أطلقت على نفسها اسم “الضباط الأحرار”القوميين ، وتم انتخاب جمال عبدالناصر رئيساً للجنة القيادة في التنظيم .
في 23 يوليو /تموز 1952 نجح تنظيم الضباط الأحرار بالقيام بانقلاب عسكري أطلق عليه “حركة الجيش” ثم اشتهرت باسم “ثورة 23 يوليو ” وأسفرت الحركة عن طرد الملك فاروق و إنهاء الحكم الملكي و إعلان الجمهورية .
في عام 1956 أصبح جمال عبدالناصر رئيساً منتخباً للجمهورية المصرية بعد حصوله في استفتاء شعبي على نسبة 99.8% من مجموع الأصوات التي بلغت حينذاك خمسة ملايين صوت.
قامت مصر بتوقيع اتفاقية مع الاتحاد السوفييتي تقضي بتزويد مصر بالأسلحة المتقدمة و المتطورة بهدف تقوية القوات المسلحة لردع إسرائيل، بالإضافة إلى الخطوة المهمة وهي تأميم قناة السويس الذي أعلنه الرئيس المصري جمال عبدالناصر في 26 تموز 1956 والذي منع إنجلترا من التربح من القناة التي كانت تديرها قبل التأميم .
تم التنسيق بين فرنسا و إنجلترا و إسرائيل لشن هجوم شامل على مصر بدأ في 29 أكتوبر 1956 بدخول القوات الإسرائيلية إلى سيناء وهو ما اعتبرته فرنسا و إنجلترا ذريعة للتدخل في منطقة القناة ، ورغم انسحاب القوات المصرية من سيناء، إلا أن الضغط الدولي (السوفياتي و الأمريكي) والمقاومة المصرية قد أدت إلى انهاء العمليات في 6 نوفمبر و انسحاب إسرائيل عام 1957 من سيناء . (4)
نتائج الحرب : هو حلول الولايات المتحدة الأمريكية محل بريطانيا في المنطقة ، و ثبوت ورسوخ إسرائيل بعد تدمير الجيش المصري و سلاحه السوفييتي ، وامتلكت إسرائيل الملاحة في خليج العقبة ، وجعلت ما حصلت عليه في 1948 غير قابل للمساومة ، مع تجميد الأوضاع بين مصر و إسرائيل لعشر سنوات حتى عام 1967. (5)
.
2.حرب 1967 :
يُعرف عربياً بالنكسة ، بينما يطلق عليها إسرائيل و الكتابات الدولية بـ “حرب الأيام الستة ” ومن أسباب هذا الحرب مطالبة مصر بسحب قوات الأمم المتحدة من سيناء وبدؤها بحشد جيشها في سيناء، وإغلاقها يوم 22 مايو مضايق “تيران ” بالبحر الأحمر في وجه الملاحة الإسرائيلية ماتسبب بحصار خليج العقبة ، وهذا ما اعتبرته إسرائيل بمثابة إعلان رسمي للحرب عليها.
قامت إسرائيل في يوم 5 حزيران 1967 كإجراء استباقي بقصف قواعد جوية مصرية ، ثم بدأت الدبابات الإسرائيلية تتحرك باتجاه الحدود المصرية، بعدها أعلنت الدول العربية الحرب ضد إسرائيل ، وفي منتصف الليل من اليوم نفسه أعلنت تل أبيب انها دمرت سلاح الجو المصري بالكامل بتعطيل مالا يقل عن 400 طائرة بين 300 طائرة مصرية و 50 سورية وكان هذا التفوق الجوي الإسرائيلي حاسماً في حسم المعركة منذ اليوم الأول من الحرب.
ورغم أن وجهة النظر الإسرائيلية كانت تعتبر هذا الحرب أول محاولة عربية كبيرة للقضاء نهائياً على الدولة العبرية الفتية إلا أن نتائج الحرب كانت كارثية على الجانب العربي ودام الحرب ستة أيام فقطو أدى لهزيمة الأطراف العربية هزيمة كبيرة و احتلال قطاع غزة والضفة الغربية و شبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان وتدمير أغلبية العتاد العسكري العربي والذي وصل إلى 80% وتهجير الآلاف من الفلسطينيين من الضفة الغربية و إطلاق العنان للاستيطان في الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس الشرقية.
3.حرب 1973 (حرب السادس من أكتوبر ، ويطلق عليه إسرائيل “حرب يم كيبور (عيد الغفران)
سعى كل من مصر و سوريا لاسترداد شبه جزيرة سيناء المصرية ، وهضبة الجولان السورية اللتين احتلتهما إسرائيل في حرب 1967م ، و فشل مساعي السلام الدولية لحل الأزمة بين العرب و الإسرائيليين ، وخاصة بعد رفض إسرائيل لخطة روجر الثانية التي عرضتها الولايات المتحدة الأمريكية والتي تقضي بانسحاب إسرائيل من الأراضي العربية التي احتلتها في 1967م.
قامت القوات المصرية و السورية في إطار خطة عسكرية مشتركة بشن هجوم مفاجئ ضد القوات الإسرائيلية في سيناء و الجولان، وتحطيم خطوط الدفاع الأولى الإسرائيلية في 6 أكتوبر 1973 و استمر الحرب إلى 26 أكتوبر نفس العام .
وكانت من نتائج الحرب استعادة السيادة المصرية الكاملة على قناة السويس، واسترداد جزء من الأراضي الواقعة في شبه جزيرة سيناء، و عودة الملاحة إلى قناة السويس عام 1975، و كانت تمهيداً لاتفاقية كامب ديفيد بين مصر و إسرائيل.
اتفاقية كامب ديفيد
بعد هذه الحروب و الصراعات التي وقعت بين الدول العربية و إسرائيل منذ إعلان دولة إسرائيل في 1948 ،تم صياغة اتفاقية سلام بين إسرائيل و مصر في المقر الرئاسي كامب ديفيد الأمريكي عام 1978م حيث استغرقت المحادثات 12 يوماً ، ووقعت بشكل رسمي في عام 1979 في واشنطن فيما يعرف بعملية السلام ، من قبل الرئيس المصري أنور السادات و رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحمبيجن ، والرئيس الأمريكي جيمي كارتر ، كشاهد على الاتفاقية بعد ثلاثة عقود من الحرب و الأعمال العدائية.
ومن أهم ما تضمنته هذه الاتفاقية انهاء حالة الحرب بين مصر و إسرائيل وإقامة العلاقات الودية بينهما و انسحاب إسرائيل من سيناء التي احتلتها عام 1967 وضمان عبور السفن الإسرائيلية قناة السويس و اعتبار مضيق تيران و خليج العقبة ممرات مائية دولية ، بالإضافة إلى البدء بمفاوضات لإقامة منطقة حكم ذاتي للفلسطينيين في الضفة و قطاع غزة و التطبيق الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 الذي دعا إلى “انسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها في النزاع الأخير و احترام سيادة أي دولة في المنطقة و الاعتراف بها وسلامة أراضيها و استقلالها السياسي وحقها في العيش بسلام في ظل حدود آمنة ومعترف بها بعيداً عن أي تهديدات أو تصرفات باستخدام القوة” (6)
وتتمثل الدوافع المصرية للقيام بهذا الاتفاق من خلال التأكيد على أن الوجود الإسرائيلي أصبح واقعاً إقليمياً و دولياً ، تلتزم القوى الكبرى بما فيها الاتحاد السوفيتي السابق و الولايات المتحدة الأمريكية بضمان أمنه و حماية شرعية بقائه ، وأن الدول العربية قد وافقت على الالتجاء للوسائل السلمية من خلال قبولها المشاركة في مؤتمر جنيف .
من الواضح أن السادات قد أدرك أن الحروب السابقة مع إسرائيل لم تقدم نتائج إيجابية للدول العربية المشاركة في الحرب و الفلسطينيين، وبالتالي فلن يكون هناك جدوى للاستمرار في حالة الصراع و الحروب إذا كانت النتائج عكسية لصالح إسرائيل ، وخاصة أن الأوضاع الاقتصادية لمصر كانت في تراجع كبير ما دفع السادات إلى عدم ربط مصالح مصر بإرادة باقي الدول العربية وخاصة سوريا حيث كان موقف حافظ الأسد متشدداً ورافضاً للحوار مع إسرائيل .
كان السادات يرى أن الرئيس المصري السابق جمال عبدالناصر قد ارتكب خطأ في تحدي الغرب و الانحياز إلى الاتحاد السوفييتي و أن عبدالناصر قد أحدث خراباً كبيراً على مصر، لذلك شعر أن طريقة إخراج المصريين من الصعوبات التي يواجهونها هي التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل و إعادة إقامة العلاقات الجيدة مع الغرب حيث كان تحسين الواقع الاقتصادي أحد دوافع السادات للتوجه نحو السلام.
وكما يبدوا أن الأنظمة القومية التي سيطرت على الدول العربية سواءً في مصر عام 1952 ، أو في سوريا ومجيء حزب البعث الاشتراكي في آذار 1963 ، أو في العراق ببروز البعثيين في 1968 ، و بث الأفكار القومية و محاولة التوحيد و الشعارات ضد إسرائيل إلا أنها في النهاية خضعت للأمر الواقع و حاولت بطريقة أو بآخر الوصول إلى مساومات مع إسرائيل أو انشغلت بالوضع الداخلي بسبب سياساتها الخاطئة و أدى هذا الأمر إلى أفول هذه النزعة القومية المطالبة بمحاربة إسرائيل لدى دول المنطقة ، وفي المقابل برز فكر جديد وهو ولاية الفقيه في إيران الذي يحمل نفس الأفكار تجاه إسرائيل ولكن بنفس مذهبي و ديني وليس قومي.
ثانياً: ولاية الفقيه و الحروب ضد إسرائيل
بعد اتفاقية كامب ديفيد بعام ، كان المنطقة مع حدث آخر وهو نشوء نظام الولي الفقيه في إيران، حيث عاد الخميني من منفاه في فرنسا إلى العاصمة طهران في 1 فبراير 1979 ، وتم إجراء استفتاء شعبي على تأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية في 1 أبريل 1979 و الإعلان عنها بشكل رسمي.
وكان النظام الإيراني الجديد بخلاف النظام السابق نظاماً ثورياً يحاول تصدير الثورة إلى الخارج و أصبحت دولة أيدولوجية تعمل على تصدير الأفكار و التدخل في دول المنطقة عن طريق تشكيل الميليشيات المسلحة و نشر الإرهاب و الفوضى في سبيل توسيع النفوذ السياسي .
موقف الخميني كان رافضاً للوجود الإسرائيلي وكان يدعوا لإنهاء دولة إسرائيل بشكل كامل، و تجسد هذا الأمر في خطاباته حيث يقول في خطاب له في عام 1979 ” منذ ما يقرب من عشرين سنة و أنا أوصي الدول العربية أن يتحدوا و يطردوا مادة الفساد إسرائيل هذه ، إذ لو وجدت الفرصة ، فإنها لن تكتفي باحتلال بيت المقدس ، فهي جرثومة الفساد ” .
كما كان يهاجم مصر بسبب اتفاقية كامب ديفيد حيث قال” إن إسرائيل وصديقتها الحميمة مصر يفكران اليوم في إيجاد بذرة مركزية في المنطقة من أجل القضاء على المسلمين و على قيمهم الفكرية العالية “! (7)
في عام 1982 اجتاحت إسرائيل لبنان لتدمير منظمة التحرير الفلسطينية، وتهميش النفوذ السوري، وتثبيت حكومة صديقة في بيروت ، وفي غضون أيام نشرت طهران فيلق الحرس الثوري في شرق لبنان لإظهار الدعم للطائفة الشيعية في لبنان وفتح الباب أمام تدخل إيراني أكبر، و قامت إيران بتدريب و تجهيز مجموعة مسلحة تطورت و أصبحت جماعة حزب الله الإيرانية في لبنان . ونجحت إسرائيل باحتلال أجزاء من جنوب لبنان استمر حتى عام 2000 ، وتدمير قواعد منظمة التحرير الفلسطينية .
-حرب 1993 “تصفية الحساب”
وهي عبارة عن حملة عسكرية استمرت سبعة أيام شنتها قوات الدفاع الإسرائيلية في تموز 1993 في جنوب لبنان للحد من إطلاق صواريخ حزب الله على المجتمعات الإسرائيلية ، وقد شهد ربيع 1993 إطلاق الصواريخ من مراكز حزب الله على طول الجانب اللبناني من الحدود و كذلك اشتباكات بين القوات الإسرائيلية و عناصر حزب الله ، وهذا ما دفع إسرائيل إلى إعلان عملية عسكرية ضد معاقل الحزب تم فيها إلقاء أكثر من 27 ألف قذيفة و إطلاق ألف صاروخ و الإضرار بالبنى التحتية اللبنانية .
وبعد أسبوع واحد من القتال، تمكنت الولايات المتحدة الأمريكية من التوسط لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وسوريا ولبنان وحزب الله وتضمنت سلسلة تفاهمات الهدنة التي تم التفاوض بشأنها لبنان و سوريا متعهدين بالحد من أنشطة حزب الله في أراضيهما و إعطاء الحق لإسرائيل بالانتقام باستخدام أي وسيلة ممكنة في حال استأنفت حزب الله إطلاق الصواريخ على إسرائيل.
-حرب تموز 2006
بدأت حرب تموز (حرب لبنان 2006) عندما قامت قوات خاصة من حزب الله اللبناني بعملية أسر جنديين إسرائيليين في 12 يوليو 2006 ، مما أدى لقيام القوات الإسرائيلية باختراق الحدود اللبنانية مع الأراضي المحتلة لتستقبلها عبوة ناسفة دمرت دبابة وقتلت 8 جنود ، لتبدأ فعلياً الحرب بين حزب الله و إسرائيل و التي استمرت 33 يوماً ، شن فيها سلاح الجو الإسرائيلي غارات عنيفة على مواقع تابعة لحزب الله ، وانتهت الحرب بانسحاب الجيش الإسرائيلي من لبنان بعد صدور القرار الدولي 1701.
شكلت هذا الحرب جزءاً من المواجهة الاستراتيجية الكبرى في الشرق الأوسط بين إيران وحلفائها و الولايات المتحدة الأمريكية و حلفائها ، وكان واضحاً أن إسرائيل تواجه إيران في الحرب ولم تكن مثل الحرب التي خاضتها ضد منظمة التحرير الفلسطينية في 1982 بل كانت الحرب إيرانية ، حيث شارك بجانب حزب الله حركة حماس في غزة أيضا عن طريق اطلاق قذائف الهاون على مواقع الجيش الإسرائيلي على طول الحدود مع قطاع غزة ، و كانت العملية العسكرية التي نفذتها حزب الله مشابهة لما قامت به حماس من اختطاف جندي إسرائيلي (جلعاد شاليط ) و هذا يعني زيادة التقارب و التنسيق بين حزب الله وحماس حينها لوجود علاقة رباعية تربطهما بإيران وسوريا ، وحسب التوقعات فإن أعمال حزب الله و حماس لا يمكن أن تأتي دون الموافقة الضمنية من طهران . (8)
حرب غزة 2008-2009
في 27 ديسمبر 2008 قامت القوات الإسرائيلية بإعلان الحرب على قطاع غزة تحت عنوان “الرصاص المصبوب” و بدأ الصراع في 2008 و انتهى في منتصف يناير 2009 .
وظهرت خلال الحرب العلاقة بين إيران و حماس بشكل واضح ، عندما قدمت إيران لحماس الدعم المالي، و مخزونات الأسلحة ، والقدرات القتالية التي تستخدمها حماس لمكافحة القوات الإسرائيلية في نزاع 2008-2009، ويزعم المسؤولون الأمريكيون و الإسرائيليون أن العديد من صواريخ حماس، خاصة المدى الطويل منها صُنعت في إيران ، و قام خالد مشعل زعيم حماس بزيارة إلى طهران في 2 فبراير 2009 وشكر إيران على مساعدتها خلال نزاع غزة و وصفها بـ “شريك في النصر” .
وخلال حرب غزة عام 2008 قدم القادة الإيرانيون ، بمن فيهم المرشد خامنئي، ورئيس البرلمان علي لاريجاني، و الرئيس أحمدي نجاد الدعم البلاغي المستمر لحماس قائلين” إيران لن تتخلى عن الجماعة” ، كما ألمح قائد الحرس الثوري الإيراني إبراهيم الجعفري في يوليو 2008 إلى “أن إيران ستستخدم حزب الله أو حماس للرد إذا ما تعرضت إيران للهجوم “(9) .
قدمت إيران تدريباً مهماً لحماس خلال عام 2008 ، وتشير عدة تقارير إلى أن ما لايقل عن 150 من نشطاء حماس تدربوا في إيران في مارس 2008 ، و أيضا دخل سبعة إلى عشرة من أعضاء فيلق القدس الإيرانية إلى غزة لتدريب عناصر حماس على استخدام الأسلحة التي تم تهريبها إلى القطاع و التفتيش عن المناطق المتاخمة لإسرائيل باستخدام جوازات سفر عراقية مزورة لعبور معبر رفح (10).
حرب “الجرف الصامد ” تموز 2014 أو “العصف المأكول :.
استمرت هذا الحرب 51 يوماً وانتهت في 26 أغسطس 2014 ، وكان الهدف من الحرب تدمير قدرات الفصائل الفلسطينية و بنية قطاع غزة التحتية ، وشنت القوات الإسرائيلية قرابة 60 ألف غارة جوية وبرية وبحرية على القطاع ، ووقوع ضرر كبير بالقطاع و خسائر مالية تقدر بـ 5 مليارات دولار .
وفي 26 أغسطس 2014 توصلت إسرائيل و الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة ، برعاية مصرية إلى هدنة أنهت الحرب وتضمنت بنود الهدنة استئناف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية غير المباشرة و بدء سريان وقف إطلاق النار.
ويبدوا أن هذا الحرب قد أعاد الدم إلى شريان العلاقات بين حماس و إيران حيث شهدت فتوراً بسبب وجود اختلافات عند الطرفين حول قراءة المشهد السوري و الموقف من الاحداث في سوريا بعد 2011، ولكن هذا الحرب أعادت حماس إلى البيت الإيراني ، وقال باسم نعيم “القيادي في حماس” أن القيادة الإيرانية الجديدة حريصة على الحصول على أوراق قوة إضافية في مفاوضاتها مع الغرب من خلال تعزيز علاقتها مع القوى في المنطقة، وحماس تُعتبر رأس حربة في هذه القوى ، كي تستفيد من علاقتها كورقة ضغط في المفاوضات النهائية القادمة ” (11) .
هل من الممكن رؤية كامب ديفيد أو اتفاقية سلام أخرى مشابهة للاتفاق المصري الإسرائيلي في 1978 ولكن هذه المرة بين مع إيران ؟
بعد توقيع الدول الكبرى مع إيران الاتفاق النووي في 14 تموز / يوليو عام 2015 ، دار الحديث حول إمكانية أن تكون الصفقة الإيرانية مع الدول الأخرى كامب ديفيد جديد! حيث كان البعض يُعلق الآمال على الصفقة ليحدث تحول في النظام الإقليم ويكون بداية لإعادة تنظيم النظام الإقليمي ، ولا يظل محدودة في المجال النووي الضيق، ولكن بعد انسحاب الرئيس الأمريكي من الاتفاق النووي في 8 مايو 2018 و فرضه لعقوبات اقتصادية ضد إيران مع للجلوس و التفاوض مع قادة إيران أو الوصول إلى اتفاقية أخرى بين الطرفين ، فإن الأنظار سيكون لطريقة تعامل”دونالد ترامب” مع طهران ، ومن المؤكد أن تجربة كامب ديفيد ورغم حملها تحديات سياسية قوية للساحات الأمريكية و الإسرائيلية و المصرية و المعارضة السياسية الكبيرة للاتفاقية ، إلا أنها نجحت في بناء السلام بين مصر و إسرائيل وتطور العلاقات الاستراتيجية ، و توصل الولايات المتحدة الأمريكية إلى كيفية إدارة بنية التحالف التي شملت كل من إسرائيل و مصر إلى جانب دول الخليج التي تعتبر إسرائيل معادية ، وبالتالي فإن كامب ديفيد قد يكون نموذجاً ممكناً للتطبيق ، ومن الممكن أن يغير المنطقة دون شرط تغيير المواقف العامة ، بشرط استطاعة الولايات المتحدة الأمريكية من دمج طهران في نظام إقليمي يوازن العلاقات مع شركاء آخرين كما فعلت طوال عقود بعد كامب ديفيد . (12).
وعلى الرغم من توغل ميليشيات إيران في المنطقة و إدخال الفوضى في العديد من الدول في سبيل توسيع النفوذ الإيراني و الخطابات الحماسية لقادة الحرس الثوري ، إلا أن طهران تعاني من ظروف اقتصادية صعبة و انهيار في سعر العملة و نقم شعبي داخلي من السياسات الاقتصادية الخاطئة التي تسببت بالعديد من الأزمات و المشاكل ، وبالتالي من المتوقع تغيير طهران لسلوكها في سبيل التخلص من هذه المشاكل، ورغم ورود كافة السيناريوهات بما فيها تغيير السلوك من قبل النظام الحالي أو تغيير النظام بسبب عوامل داخلية أو خارجية ، فإن التوصل إلى اتفاق سلام شامل أمر وارد مع الولايات المتحدة الأمريكية يمكن تسميته بكامب ديفيد الثاني.
المصادر
(1)https://mawdoo3.com/%D8%AA%D9%82%D8%B1%D9%8A%D8%B1_%D8%B9%D9%86_%D9%82%D8%B6%D9%8A%D8%A9_%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86
(2)http://hebroo111.over-blog.com/2015/09/1948-1.html
(3)http://www.wikiwand.com/ar/%D9%87%D8%AF%D9%86%D8%A9_1949
(4)http://www.aljazeera.net/specialfiles/pages/fe0a1b90-669d-4870-b46e-c3e7f93f9635
(5)http://melhamy.blogspot.com/2014/11/1956.html
(6)http://www.bbc.com/arabic/middleeast/2013/07/130729_timeline_history_mid_east_peace_talks
(7)http://nedaalbahrain.com/iran-i15368
(8)https://www.nytimes.com/2006/07/13/world/middleeast/13mideast.html
(9)“IRGC Commander Warns of ‘Very Quick,’ ‘Crushing’ Response to Enemy Attack,” Jam-e-Jam, July 2, 2008, http://wnc.dialog.com/.
(10).https://www.criticalthreats.org/analysis/iran-hamas-relationship-in-2008#_ednd92864b279fa358a0058f3032e965bb045
(11)http://www.islamist-movements.com/3092
(12)https://www.washingtonpost.com/news/monkey-cage/wp/2015/07/14/can-the-iran-deal-be-a-new-camp-david/?noredirect=on&utm_term=.2598daf7c15f
الفصل الثالث…
العلاقات العراقية الاسرائيلية بعد ولاية الفقيه
مهند العلام
الجماعــات اليهــودية في العراق وايران….
الانقسام الطبقي والتمايز الوظيفي
لم تكن الجماعات اليهودية داخل كل من العراق وايران تتسم بالتماسك والوحدة، فقد كانت خاضعة للصراعات الطبقية والثقافية التي يتصف بها أي مجتمع إنساني، إذ كان منهم الأغنياء والفقرّاء، ومنهم من استفاد اقتصادياً بدخول الاستعمار وظهور القطاع الاقتصادي الغربي الجديد، ومنهم من سقط ضحيته، ومنهم من استوعب الثقافة الغربية الدخيلة واندمج فيها، ومنهم من أخفق في ذلك وإن كان الفريق الأول أكبر بكثير من الثاني.
لقد كانت الجماعة اليهودية في العراق تشمل ثلاث طبقات. ففي أعلى السلم الطبقي نجد عدداً من العائلات الأرستقرّاطية الغنية المعروفة بثرائها ومركزها ومكانتها وعلاقتها القوية مع النخبة الحاكمة، ومن بينهم كرولو وسوارس وهراري وشيكوريل وصيدناوي وعدس وغيرهم من أصحاب البنوك والأعمال التجارية وكبار ملاك الأراضي والبارزين في الحياة العامة.
وتلي هذه الطبقة التي شملت كبار الأثرياء والمموِّلين طبقة متوسطة على رأسها رجال التصدير والاستيراد وأصحاب المحال التجارية والمهن الحرة في بغداد والبصرة. وينتمي إلى هذه الشريحة أيضاً عدد ضخم من الموظفين اليهود في مكاتب بعض المؤسسات التي كانت تضم نسبة مرتفعة من اليهود. وكانت هذه الشريحة تتنافس مع طبقة كبار الأثرياء، ولكن أعضاء كل من هاتين الطبقتين كانوا مرتبطين ببريطانيا تماماً، لغةً وثقافة.
ثم يأتي أخيراً فقرّاء اليهود، وكانوا من الباعة المتجولين وصغار الحرفيين ومعظمهم من اليهود المستعربة. ويسكن معظم هؤلاء الفقرّاء في بغداد؛ في محلات اليهود في السعدون أو في حي راس القرية مثلا.
كان أبناء اليهود المستعربين يذهبون إلى مدارس الأليانس ويحصلون على الثقافة الأوربية اللازمة لدخول القطاع الاقتصادي الغربي. ويمكن أن نضيف هنا أنه رغم وجود فقرّاء بين أعضاء الجماعة اليهودية، فلو تمت مقارنة متوسط دخل أعضاء الجماعة اليهودية بمتوسط الدخل في العراق لتبيَّن أن متوسط دخل العراقي اليهودي كان أعلى من متوسط دخل غيره من العراقيين، ولاتضح أن اليهود لم يعرفوا الفقر المدقع إلا بأعداد صغيرة للغاية.وهذا التقسيم الثلاثي كان نمطاً سائداً في ايران أيضاً.
اما فيما يتصل بالوضع الوظيفي أو المهني أو الاقتصادي، فإن الصورة كانت مركبة. ففي المناطق ذات الكثافة الكردية من العراق، عمل اليهود رعاةً ومزارعين. ولكن، بشكل عام، يُلاحَظ عدم وجود أعضاء الجماعات اليهودية كعمال أو فلاحين، أي أنهم كانوا بعيدين عن قاعدة الهرم الإنتاجي.
وكان منهم الحرفيون الذين عملوا ببعـض الحرف اليدوية مثل الصاغة والصبـاغة والصناعات اليدوية للزجاج، كما اشتغلوا بصناعة الخمور. وكانت هناك أعداد كبيرة منهم، في مهن الطبقة الوسطى، يعملون بالطب والصيدلة والصحافة، وكان منهم أساتذة الجامعات. وقد عملوا موظفين في الحكومة، ووصل أفراد منهم في العراق وايران إلى مناصب الوزراء، وانتُخبوا وعُيِّنوا أعضاء في البرلمان مثل ساسون حيسكيل عضو البرلمان ووزير المالية في العراق، ومناحم دانييل عضو مجلس الشيوخ في العراق أيضاً.
كذلك في العراق، ساهم اليهود في النشاط الاقتصادي التجاري المحلي والدولي وفي النشاط المالي سواء على مستوى صغير ربوي أو على مستوى حديث مصرفي. حيث كانت ثمة بنوك مثل بنك زلخا وبنك كريديه. وقد ظهرت، مع بداية القرن التاسع عشر، بعض الشخصيات المالية والتجارية المهمة في بغداد (مثل الشيخ ساسون بن صالح عميد عائلة ساسون التي استوطنت الهند فيما بعد، وإسحق المصرفي، ومناحم عيني)، كما ازدهرت الأوضاع الاقتصادية لأعضاء الجماعة اليهودية بعد افتتاح قناة السويس حيث أصبح خط التجارة الواصل بين إنجلترا والهند يمر عبر البصرة.
وكان من أهم الشخصيات المالية في البصرة خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر خوجا يعقوب، وأدون عبد الله. وسيطر اليهود تقريباً على تجارة الصادرات والواردات وعلى نسبة عالية من تجارة التجزئة، كما احتكروا تجارة أهم البضائع في أسواق العراق مثل صناعة الأبسطة والحصر والأثاث والأحذية والأخشاب والأدوية والأسلحة والأقمشة والتبغ والأرز والحلويات كما كانوا من كبار تجار الأحجار الكريمة والمجوهرات ومن كبار الصاغة.
وكان أصحاب أكبر الشركات في بغداد (شركة خضوري وعزرا ميدلاوي) الوكلاء الوحيدين لاستيراد دهون وشحوم شركة موبل أويل الأمريكية للبترول بفروعها في البصرة والموصل وكركوك. وكان يهود البصرة يحتكرون 95% من الأعمال التجارية في البلاد عام 1914. ورغم تَراجُع النسبة قليلاً، ظلت 85 ـ 90% عام 1933، و65 – 75% في عام 1946. وكان 95% من واردات العراق قبل الحرب العالمية الثـانية (ولكـن 10% فقـط من صـادراتها) في يد اليهـود. وكان أغلبها، وهو ما كان يُسمَّى «بضائع مانشستر»، وكان يتم استيرادها من مانشستر بإنجلترا.
وحقق أعضاء الجماعة اليهودية ثروات كبيرة من خلال إعادة تصدير هذه البضائع إلى إيران. وقد استفاد يهود العراق بشبكة علاقاتهم التجارية والمالية في الخارج، وخصوصاً مع اليهود العراقيين الذين استوطنوا في الهند والشرق الأقصى وإنجلترا مثل عائلة ساسون وعائلة عزرا.
أما بعد عام 1948، فقد انخفضت النسبة إلى 20% من واردات العراق و2% من صادراتها. ويُلاحَظ الشيء نفسه تقريباً في ايران، إذ تَركَّز اليهود في الأعمال التجارية والمالية. وفي إحصاء عام 1947، يتبين أن 46.5% منهم يعملون بالتجارة و36.1% يمارسون المهن الصناعية المتنوعة و7.6% في المهن الحرة و4.1% يعملون بالزراعة
عائلـــــة خـــدوري The Kadoori Family
عائلة تجارية ومالية يهودية من أصل عراقي استوطنت في الشرق الأقصى حيث حققت ثروة طائلة من خلال العمل في مجال الأعمال المصرفية والنقل والبناء والتشييد، وساهمت في تطوير شانغهاي وهونج كونج.
ومؤسس العائلة هو صالح خدوري الذي كان من أغنياء بغداد. وقد وُلد ابنه سير إليس خدوري 1865 1922- في بغداد حيث تلقى تعليمه في مدرسة الأليانس إسرائيليت يونيفرسل.
وفي عام 1880، انتقل إلى بومباي بالهند حيث عمل إدارياً في مكاتب عائلة ساسون، ثم بدأ في تأسيس وتطوير تجارته وأعماله الخاصة في هونج كونج والصين وحقق ثروة كبيرة. ومُنح إليس لقب «سير» عام 1917 تقديراً للخدمات التي قدمها للمستعمر البريطاني في الشرق الأقصى.
وكانت له مساهمات مالية مهمة لعديد من المؤسسات اليهودية وغير اليهودية، فدعم الأليانس إسرائيليت يونيفرسل والرابطة الإنجليزية اليهودية، وأسس مدرستين زراعيتين لليهود.
والعرب في بغداد كما ساهم في تأسيس مدارس أخرى في كلٍّ من بغداد وبومباي. وبعد وفاته، أوصى إليس بتخصيـص جـزء من ثروته لبناء مـدارس تحمل اسـمه في فلسطين والعراق، فتأسست على ضوء ذلك كلية خدوري الزراعية في فلسطين عام 1931.
أما شقيقه سير إللي (إليعازر سيلاس) خدوري (1867 ـ 1944)، فقد وُلد في بغداد وانتقل مع شقيقه إلى الشرق الأقصى وأسس مؤسسة آي. اس خدوري وشركاه في هونج كونج وشنغهاي، كما كان شريكاً في مؤسسة آي. اس. خدوري وأبنائه. وقد مُنح لقب سير عام 1926. واشترك سير إللي مع شقيقه في دعم وتأسيس العديد من المؤسسات التربوية والمستشفيات في الشرق الأقصى والعراق. ولكنه أعطى اهتماماً خاصاً للمشروع الصهيوني في فلسطين، وبخاصة منذ عام 1900، فترأس صندوق مؤسسة فلسطين في شنغهاي، وساهم في تأسيس عدد من المدارس الزراعية في فلسطين، كما ساهم بمبلغ كبير لبناء الجامعة العبرية في القدس.
وتولـى ولـداه من بعـده؛ لورانس 1899، وهوراس 1902، إدارة أعمال الأسرة في هونج كونج ودعم الجماعة اليهودية الصغيرة بها.
ومثل غيرها من العائلات اليهودية الثرية في الشرق الأقصى والهند وبعض دول الشرق الأوسط، كانت عائلة خدوري تقوم بدور الجماعة الوظيفية الوسيطة التي ارتبطت مصالحها بوجودها في هذه المناطق، وارتبط ذلك بمصالح الاستعمار المترجمة في شكل أنشطة مالية وتجارية وعقارية ونقل وغير ذلك من نشاطات في إطار المشروع الرأسمالي الغربي الذي كان يسعى إلى استنزاف موارد هذه البلاد وشعوبها والذي وجد في كثير من الأقليات الدينية والإثنية ومن بينها الجماعات اليهودية خير معين لتحقيق أغراضه. الجالية اليهودية في ايران…
حكمت الأسرة الصفوية، وهي أسرة فارسية شيعية، بلاد فارس في الفترة 1502 ـ 1736، وجعلت المذهب الشيعي دين الدولة، كما جعلت طبقة رجال الدين الشيعة (الملالي) عمودها الفقري. واتسم حكمها باضطهاد الأقليات، فطُبِّق على اليهود المفهوم الشيعي الخاص بنجاسة أهل الذمة.
وتحت حكم أسرة القاجار (1795 ـ 1925)، زادت عملية قمع اليهود، كما كان الحال في مشهد عام 1839. وقد فُرض الإسلام قسراً على بعض أعضاء الجماعة اليهودية، فتحولوا إلى يهود متخفين، أي أبطنوا اليهودية وأظهروا الإسلام، وأُطلق عليهم مصطلح «جديد الإسلام». حيث أصبح من حق اليهودي الذي يعتنق الإسلام أن يرث ممتلكات كل أعضاء أسرته الذين ظلوا على دينهم.
بدأ التدخل الأمريكي لصالح يهود إيران عام 1897 حين قام القنصل العام الأمريكي في طهران بمحاولة الظهور بمظهر حاميهم والمدافع عن حقوقهم.
ومع أوائل القرن الحالي، تظهر في الوثائق الدبلوماسية الأمريكية أول إشارة لأعضاء الجماعة اليهودية في إيران. وفي عام 1918، قامت وزارة الخارجية الأمريكية بتحويل بعض المعونات الأمريكية اليهودية إلى يهود فارس، ثم استمر يوسف شاؤول كونفلد، وهو حاخام يهودي وممثل للولايات المتحدة في
طهران، في التدخل لصالح يهود إيران عام 1924 وواكب هذا حركة من جانب جماعة الأليانس والتي تمثلت في فتح مدارس يهودية حيث فُتحت مدرسة عام 1898 في طهـران وأخرى في أصـفهان عام 1901 وثالثـة في شـيراز عام 1903
وبعد الحرب العالمية الثانية، قامت الولايات المتحدة بالمساهمة في تمويل التعليم اليهودي في إيران. ثم تغيَّر وضع اليهود تحت حكم أسرة بهلوي (1925 ـ 1979)، مع ظهور الاتجاهات نحو إدخال القيم الغربية والعلمانية، قامت النخبة الحاكمة الإيرانية .
لكن مع مجيء ثورة خميني 1979 تغيرت العلاقة اليهودية الايرانية وانشئ ما يقرب من التحالف بين اسرائل وايران ، حيث جاء فضيحة ايران – كونترا لتكشف حقيقة العلاقة بينهما بعيدة عن شعارات الموت لاسرائيل.
اما اليوم فتصريح رئيس ايران روحاني في فينا الاسبوع الماضي حول العلاقة اليهودية الايرانية والمستمرة منذ ان انقذت فارس اليهود من بابل على حد التصريح الرسمي الايراني.
الجماعات اليهودية في العراق وايران
وتحولها إلى عنصر استيطاني
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى حاول الاستعمار البريطاني في العراق أن يوسع رقعة نفوذه بين السكان عن طريق فرض الحماية على أعضاء الأقليات وإعطائهم حقوقاً ومزايا لم تكن متاحة لأعضاء الأغلبية بحيث تتحول الأقلية إلى جيب سكاني ترتبط مصالحه وتطلعاته بالقوى الاستعمارية الحامية وتتحول هي إلى جماعة وظيفية وسيطة بين القوة الاستعمارية والسكان المحليين، وكانت هذه العملية تسمى عملية (حماية الأقليات).
وحماية الأقليات تعني تقوم إحدى الدول الكبرى التي لها أطماع في دولة ما بإعلان مسئوليتها عن أقلية تعيش داخل حدود الدولة المستهدفة فتضعها تحت ” حمايتها “، أي تتدخل في شئون الدولة التي تعيش الأقلية في كنفها بحجة الدفاع عن مصالح هذه الأقلية. وقد تكون هذه الأقلية دينية مثل الكاثوليك في لبنان والأقباط في مصر، أو إثنية كالدروز في لبنان وسوريا، أو عرْقية دينية كالأرمن في الدولة العثمانية.
وتهدف فكرة الحماية هذه إلى إقناع أعضاء أقلية ما بأن مصالحها تختلف عن مصالح محيطها وأن أفضل وسيلة لحماية هذه المصالح هي التحالف مع الغرب الصديق، أي أن الغرب (عن طريق حماية الأقلية) يحوِّلها إلى جماعة وظيفية تعمل لصالحه.
ومفهوم حماية اليهود مفهوم راسخ في الحضارة الغربية، فاليهود باعتبارهم جماعة وظيفية كانوا قريبين من النخبة الحاكمة التي كانت تمنحهم المواثيق والمزايا نظير أن يقوموا هم على خدمتها وتحقيق المكاسب لها. وقد بُعث المفهوم من جديد مع ظهور الصهيونية، فالصهيونية إعادة إنتاج لعلاقة الجماعة الوظيفية بالنخبة الحاكمة وتأخذ شكل علاقة الدولة الوظيفية بالراعي الإمبريالي.
فحماية اليهود كانت إحدى الآليات التي تم من خلالها تحويل يهود العالم العربي من يهود محليين ومهاجرين إلى مادة استيطانية، وهي عملية لم تكن مقصورة على اليهود ولا على فلسطين؛ وإنما كانت تضم أعضاء الأقليات الدينية الأخرى وكل الوطن العربي.
ولفهم صراع الدول الغربية حول حماية الأقليات، لابد أن ندرس البُعد الديني في العملية الاستعمارية الغربية. فالإمبريالية الغربية، شأنها شأن كل الأنساق العلمانية، وظفت النصوص الدينية كديباجات لتجنيد جماهيرها ولتجييش الجيوش. وبهذا المعنى، فإننا نتحدث عن البُعد الديني للاستعمار الغربي كتوظيف علماني غير ديني للدين.
فقد بدأ المشروع الاستعماري الغربي بالاستعمار الكاثوليكي، البرتغالي والإسباني، الذي حقَّق الاندفاعة الأولى التي تم من خلالها استعمار أمريكا الجنوبية. ولكن، بعد هذه الاندفاعة، توقف التشكيل الاستعماري الكاثوليكي إذ أن إسبانيا والبرتغال دخل عليهما الجمود وكانت إيطاليا مجزأة، ولم تكن هناك قوة استعمارية كاثوليكية سوى فرنسا. ولكن الثورة الفرنسية وهزيمة نابليون أدَّت إلى إبطاء المشروع الاستعماري الفرنسي،ولم ينشط مرة أخرى إلا في أفريقيا في ستينيات القرن الماضي،ولكن ظهور ألمانيا أجهز عليه في السبعينيات وهو ما جعلها ترضى بدور التابع لإنجلترا إلى حدٍّ كبير.
ومع تَراجُع المشروع الاستعماري الكاثوليكي، ظهر المشروع الاستعماري البروتستانتي وانتقل مركز الثقل من حوض البحر الأبيض المتوسط إلى المحيط الأطلسي. فظهرت هولندا كقوة استعمارية وتبعتها إنجلترا التي تزايدت قوتها وأصبح لها مركز الصدارة في العالم. وقد زاحمتها ألمانيا بعض الوقت في نهاية القرن التاسع عشر.
لكن ظهور الولايات المتحدة باعتبارها القوة الرأسمالية العظمى رجح كفة التشكيل الأنجلو ساكسوني داخل التشكيل الاستعماري البروتستانتي. وفي القرن الثامن عشر ظهرت روسيا باعتبارها القوة الاستعمارية الأرثوذكسية.
ويُلاحَظ أن التقسيم الثلاثي الديني: كاثوليك ـ بروتستانت ـ أرثوذكس، يقابله تقسيم ثلاثي عرْقي: لاتين ـ أنجلو ساكسون ـ سلاف، وهذا يدل على أن الدين إن هو إلا ديباجة وقشرة رقيقة تغطي المصالح الاقتصادية والرؤى العرْقية.
وقد عبَّر الصراع بين القوى الاستعمارية المختلفة بديباجاتها الدينية عن نفسه، فكانت كل دولة تحاول حماية أقلية دينية ما وتحفظ لها حقوقها، وهذا يعني في واقع الأمر وضعها داخل مجال نفوذ الدولة الحامية وتحويلها إلى مادة بشرية تابعة لها.
فكانت فرنسا تدعم الكاثوليك وتحميهم، وقامت روسيا بدعم الأرثوذكس. وقد كانوا يظنون أنه، مع سقوط الدولة العثمانية، سيقوم الرعايا الكاثوليك والأرثوذكس بالمطالبة بفلسطين لدولهم الراعية ولذا حرص الصهاينة على إقناع الإيطاليين والفرنسيين بأن النشاط الصهيوني لن يُعرِّض مصالحهم للخطر.
لكن أنشط القوى الاستعمارية كانت هي القوة البروتستانتية البروسية والإنجليزية وحيث لم يكن يوجد عرب بروتستانت، كان لابد من البحث عن أقلية « لحمايتها »، فقام نشاط تبشيري بروتستانتي قوي بين المسيحيين العرب الأرثوذكس والكاثوليك، وهذه حقيقة ذات مغزى عميق في مجال النشاط التبشيري الغربي الأساسي ليس المسلمين وإنما المسيحيون العرب، كما أن أعضاء الجماعات اليهودية أصبحوا مرشحين لأن يلعبوا دور الأقلية القابلة للحماية والرعاية.
لقد نشأ تنَافُس عميق بين الدول الاستعمارية لحماية الأقلية التي تتبعها. ومن ثم زاد عدد اليهود الذين تمتعوا بالحماية الأجنبية في فلسطين مع منتصف الخمسينيات إلى خمسة آلاف، أي أن نصف يهود فلسطين أصبحوا من يهود الحماية مقابل يهود الراية العثمانيين وقد عملت القنصليات الأجنبية على الحيلولة دون قيام السلطات العثمانية بتطبيق القوانين التي كانت تهدف للحد من تَدفُّق اليهود على فلسطين.
كما قامت هذه القنصليات بمساعدتهم في عملية التحايل على القانون حتى يمكنهم شراء الأراضي الزراعية. وقد استمرت حماية الأقليات حتى بداية الحرب العالمية الأولى. ففي عام 1914 تدخلت وزارة الخارجية الألمانية لحماية اليهود الروس في فلسطين من الطرد، وقد تُوِّجَت حماية اليهود بصدور وعد بلفور ثم قرار الانتداب وإنشاء الدولة واتفاقية التعاون الإستراتيجي بين إسرائيل والولايات المتحدة.
وهذا النمط من عملية حماية الأقليات كأول شكل من أشكال الاستعمار الاستيطاني عن طريق تحويل أقلية محلية مندمجة إلى عنصر غريب يدين بالولاء لقوة غربية غريبة! ولعبت المؤسسات اليهودية الغربية، وخصوصاً الأليانس ذات الاتجاه الصهيوني، دوراً أساسياً في ذلك.
حيث أسست الأليانس سلسلة من المدارس في أنحاء العراق ودخلها أبناء اليهود من الجماعات كافة سواء المحلية أو الوافدة. ولم يتعلَّموا في العراق لغة بلادهم (العربية) وإنما تعلَّموا الانكليزية والفرنسية أساساً ولغات أوربية أخرى، وهو ما أدَّى إلى صبغ معظم أعضاء الجماعة اليهودية بصبغة غربية وإلى عزلهم عن بني أوطانهم وتهميشهم من الناحية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية.
ومما عمق هذا الاتجاه نحو التهميش الاقتصادي والثقافي، وجود عناصر يهودية وافدة من الغرب كان يفوق عددها أحياناً عدد اليهود المحليين. اذ كان العنصر الوافد يشكل، بطبيعة الحال، عامل جذب قوياً للعناصر المحلية إذ كان لدى الوافدين من الكفاءات ما يؤهلهم للتعامل مع القوة الاستعمارية المهيمنة ومع الاقتصاد الحديث الآخذ في التشكل.
ولذا، نجد أن العنصر المحلي سرعان ما اكتسب الصبغة الغربية حتى أصبح من الصعب، في كثير من الأحوال، تمييز اليهود المستعربة المحلية عن اليهود الوافدين.
لكن كان يهود العراق استثناء من هذه القاعدة، إذ لم تنضم أعداد كبيرة منهم إلى يهود العالم الغربي واحتفظوا بهويتهم العربية. وكانت هناك شريحة اكتسبت الثقافة الغربية في مدارس الأليانس واعتمدت عليها سلطات الاحتلال البريطانية للخدمة في إدارتها الجديدة في أعقاب الحرب العالمية الأولى.
ويبدو أن أعضاء الجماعة اليهودية لا يختلفون كثيراً في سلوكهم هذا عن بعض أعضاء النخبة الحاكمة في البلاد العربية ولا عن بعض أعضاء طبقات المجتمع الهامشية الأخرى الذين يتركون ثقافتهم الوطنية وهويتهم ويكتسبون ثقافة الغازي ويتعلمون لغته. وهم في الواقع يهدفون إلى أن يحققوا حراكاً اجتماعياً، وينتهي بهم الأمر إلى التوحد الكامل مع هذا الغازي ثم الرحيل معه حينما تحين الساعة .
أن أعضاء الأقليات أكثر تعرضاً لهذه العملية من أعضاء الأغلبية بسبب هامشيتهم فيما يتعلق بالرموز الأساسية للمجتمع. ومن المفارقات التي تستحق التسجيل أن عملية إعتاق يهود العالم العربي وتحديثهم تمت خارج نطاق المجتمع العربي نفسه وبمعدلات مختلفة عن معدلات التحديث فيه، كما أنها تمت من خلال القوى الغازية. ولذلك، فبينما أدَّى الإعتاق والتحديث في الغرب إلى اندماج اليهود في مجتمعاتهم أدَّت العملية السياسية والاجتماعية نفسها إلى نتيجة عكسية تماماً في المجتمع العربي.
فقد قرر كثير من المواطنين اليهود الاستفادة من قوانين الامتيازات، فتجنسوا بإحدى الجنسيات الأوربية حيث كانت بعض الدول الغربية تشجع هذا الاتجاه لخلق رأس جسر لها. ففي الجزائر بالذات، أعطيت الجنسية الفرنسية لكل يهود الجزائر في محاولة لزيادة الكثافة البشرية الفرنسية داخل الجزائر، وكان هذا جزءاً من المخطط الاستعماري الاستيطاني. ومع اندلاع الثورة الجزائرية، كانت أغلبية يهود الجزائر العظمى مواطنين فرنسيين. وقد كان العدد أقل في تونس والمغرب نظراً لأن الحكومة الفرنسية لم تشجع هذا الاتجاه هناك.
لكن في العراق الامر مختلف فبعد احتلال بريطانيا للعراق في أعقاب الحرب العالمية الأولى، سعى أعضاء الجماعة اليهودية في العراق للحصول على الجنسية البريطانية، فقدموا طلبات بهذا المعنى إلى المندوب السامي البريطاني عام 1921 ولكن بريطانيا لم تستجب لطلبهم.
فيهود العراق الذين بلغ عددهم 118.000 عام 1947 وتَركَّز منهم في بغداد 77.542. كما كانت تُوجَد نسبة مرتفعة منهم في البصرة والموصل، أي أن معظم يهود العراق كانوا من سكان المدن، مع العلم بأن هذا يستبعد يهود كردستان البالغ عددهم 18 ألفاً.
ومن العناصر الأخرى التي سـاهمت في تعمـيق الاتجـاه نحو التغريب، تركيب أعضاء الجماعات اليهودية الوظيفي والاقتصادي، وخصوصاً بين الوافدين. فقد تركزوا في مهن تجارية معينة (تجارة دولية) ومالية (الربا والسمسرة وأعمال البورصة) وحرفية (صناعة الخمور)، وهي مهن حولتهم إلى جماعات وظيفية وسيطة مرتبطة أساساً بالقطاع الاقتصادي الغربي وبالقوة المهيمنة.
ولم يكن من قبيل الصدفة أن معظم قرّارات التعريب أو التأميم كانت دائماً تضر بمصالح أعضاء الجماعة اليهودية والجماعات شبه الأوربية الأخرى، مثل اليونانيين والإيطاليين والمالطيين، من الوافدين أو الذين تم تهميشهم ثقافياً واقتصادياً.
وقد ازدادت عملية التهميش هذه مع تَزايُد نشاط الحركة الصهيونية التي حاولت أن تعرِّف اليهود لا باعتبارهم عرباً أو حتى غربيين وإنما باعتبارهم يهوداً يدينون بالولاء للشعب اليهودي ثم للدولة الصهيونية.وفي العشرينيات، قامت الوكالة اليهودية بتكوين شبكة جاسوسية في العالم العربي استخدمت المؤسسات والمنظمات اليهودية الشرعية (مثل نوادي المكابي) واجهات تخفي نشاطها المعادي وغير الشرعي.
وفي الثلاثينيات، أسست الوكالة اليهودية جهاز مخابرات يتبعه قسم عربي يترأسه موشيه شاريت. وقد قام الموساد عام 1937 بتأسيس مركز لتدريب بعض اليهود العرب على أعمال الجاسوسية ضد بلادهم أطلقت عليه اسم «الأولاد العرب».
وبعد قيام الدولة، تم تجنيد بعض العناصر العربية اليهودية للقيام بأعمال تخريبية تخدم مصالحها، كما حدث في حادثة لافون حينما جنَّد بعض اليهود المصريين للإساءة إلى العلاقات بين حكومة مصر الثورية الجديدة عام 1952 وحكومات الدول الغربية. ولقد أدَّى تأسيس الدولة الصهيونية التي تدَّعي أنها دولة يهودية تُمثِّل كل يهود العالم،ومنهم يهود العالم العربي، إلى الوصول بعملية التهميش إلى ذروتها.
ومع هذا، ظلت أغلبية يهود العراق بمنأى عن عملية التهميش آنفة الذكر لبعض الوقت، ولذلك فقد تمتعوا بقدر كبير من الاستقرّار والرخاء الاقتصادي واستفادوا من الازدهار الاقتصادي الذي شهدته البلاد خلال سنوات الحرب العالمية الثانية، ولم يتعرض اليهود إلا لبعض الأحداث المتفرقة التي جاءت كرد فعل إما للتطورات الجارية في فلسطين أو لتصاعد المشاعر المعادية لبريطانيا.
وقد كانت أخطر هذه الأحداث الاضطرابات التي جرت عام 1941، والتي جاءت في أعقاب هزيمة قوات رشيد عالي الكيلاني أمام القوات البريطانية وسقوط نظامه. وقد راح ضحية هذه الاضطرابات التي عُرفت باسم الفرهود ما بين 170 و180 يهودياً وعدد أكبر من غير اليهود وبعد هذه الأحداث، عادت الأمور إلى نصابها.
ولذلك، فقد وجدت الحركة الصهيونية صعوبة بالغة في تشجيعهم على الهجرة إلى فلسطين، واضطرت في نهاية الأمر إلى اللجوء للإرهاب ضدهم حين دفعت بعملائها ليضعوا متفجرات في المعابد اليهودية وفي أماكن تَجمُّع أعضاء الجماعة حتى يبدو الأمر وكأن المجتمع بدأ يتحرك ضد اليهود.
ومن المعروف ايضا أن يهود العراق لعبوا دوراً ملحوظاً في تأسيس الحركة الشيوعية في العراق. فقد كانت هذه الحركات نشاطات، معادية للاستعمار. فقد كان هناك وجود يهودي ملحوظ في الحركة الشيوعية في العراق كالصحفي اليهودي نعيم قطان ومراد العماري وغيرهما ممن تبنوا موقفاً معادياً للصهيونية وأسسوا منظمة باسم (عصبة مكافحة الصهيونية) والواقع أنَّ وجود اليهود في هذه النشاطات بأعداد تفوق نسبتهم العددية أمر ليس مقصوراً عليهم، ففي الكثيرمن الأحيان يوجد أعضاء الأقليات بنسب كبيرة في الحركات الثورية والفوضوية.
فحينما قررت الحركة الشيوعية العراقية أن تلعب دوراً أكثر فاعلية في محيطها العربي، طلبت إلى أعضاء القيادة من اليهود الاستقالة، وقد فعلوا ذلك مؤثرين مصلحة الحزب على مصلحتهم الشخصية.
ولقد ضمنت دساتير العراق وغيره من الدول العربية لليهود المساواة في الحقوق الدينية والسياسية والاقتصادية. وكان لكل جماعة يهودية مدارسها وصحفها، العربية والإنجليزية والفرنسية، ومحاكمها .
ومن المفارقات التي لها أعمق الدلالة أن يهود البلاد العربية كانوا يُشكّلون أقلية صغيرة جداً لا أهمية لها بالنسبة ليهود العالم، وأصبحوا الآن يشكّلون أغلبية سكان إسرائيل. فاليهود من أصل عراقي كان عددهم يبلغ 129.499، ومن أشهرهم شلومو هليل. وانضم إليهم 130 ألف يهودي من إيران و100 ألف يهودي كردي.
هجرة أعضاء الجماعات اليهودية في العراق وإيران
أعضاء الجماعات اليهودية في العالم العربي لا ُيشكِّلون وحدة دينية أو ثقافية أو لغوية. ويمكن تقسيم الجماعات اليهودية الى اليهود المستعربة الذين يتحدثون العربية وينتمون إلى التشكيل الحضاري العربي الإسلامي كيهود اليمن. وهناك يهود السفارد الذين يتحدثون اللادينو وهناك يهود الإشكناز الذين يتحدثون اليديشية. ويهود الغرب الذين يتحدثون لغات بلادهم المختلفة كالفرنسية والإنجليزية والألمانية. وهناك يهود البربر في جبال الأطلس ويتحدثون اللغات البربرية المختلفة.
اما يهود كردسـتان في العـراق وإيران فهم الذين يتحـدثون الكردية والآراميـة. وان كان بعضهم يتحدث العربية، ولذا كانوا يُعدُّون من اليهود المستعربة.
ويعبَّر عدم التجانس هذا عن نفسه في شكل الصراع بين الجماعات اليهودية المختلفة. ففي المغرب، كان اليهود السفارد الوافدون إلى المغرب يشيرون إلى اليهود الأصليين على أنهم «توشافيم»، أي سكان أصليون أو محليون، وهي عبارة تحمل بعض الإيحاءات القدحية. وكان اليهود الأصليون يشيرون بدورهم إلى الوافدين باعتبارهم «مجوراشيم»، أي المنفيين أو المنبوذين!
بينما يهود صنعاء في اليمن ينظرون بعين الاحتقار إلى يهود الجبال ويعتبرونهم أدنى مرتبة منهم. كما لم يكن الفريقان يتزاوجون فيما بينهم. اما في مصر، كان السفارد والإشكناز ينظرون إلى يهود مصر المستعربة بشيء من التعالي. كما كان السفارد يشيرون إلى الوافدين الجدد من الإشكناز على أنهم «شاخت»، أي الأشرار، بسبب تَورُّط عدد كبير منهم في الأنشطة المشبوهة، وخصوصاً الدعارة، وقد كانوا ينظرون إليهم بقدرٍّ كبير من التعالي.
وهذه المواقف كانت في معظم الأحوال انعكاساً لمواقف مشابهة في المجتمع وسائدة بين أعضاء الأغلبية. وقد نشب الصراع الحاد بعد ذلك بين دعاة الصهيونية وأعدائها. والواقع أنَّ انقسام يهود البلاد العربية كان بارزاً في الإطار التنظيمي حيث لم يكن يتسم بأية مركزية أو وحدة إلا إذا قامت الدولة بفرضه كما حدث في مصر.
بينما أعضاء الجماعات اليهودية المستعربة مندمجين حضارياً في المحيط الثقافي العربي الإسلامي لكل جماعة. فكان يهود المغرب مغاربةً أو بربراً لهم نفس فلكلور المغاربة أو البربر ونفس المستوى الثقافي والحضاري، فكانوا يزورون أولياء اليهود، بل هناك حالات كثيرة كان فيها المسلمون واليهود يتبركون بوليّ واحد ويقومون بزيارته. وقد طلبت حكومة فيشي الموالية للنازي من الحكومة المغربية تسليم أعضاء الجماعات اليهودية للنازي لإبادتهم كما حدث مع أعداد كبيرة من يهود فرنسا. ولكن العاهل المغربي محمد الخامس تصدَّى لهم، وهو ما أدَّى إلى نجاة الجماعة اليهودية من خطر الإبادة. والشيء نفسه ينطبق على يهود ليبيا والجزائر ومصر وغيرها من البلاد العربية.
ولكن كان هناك بالطبع العناصر اليهودية غير العربية التي كانت مرتبطة أساساً بالتشكيل الحضاري الغربي ثم الاستعماري. وكان السفارد ضمن هذه العناصر. وكذلك، بطبيعة الحال، الإشكناز الذين استوطنوا في العالم العربي مع تَزايُد النفوذ الغربي ومع تَعثُّر التحديث في روسيا ابتداءً من عام 1882. ويُلاحَظ تَركُّز أعضاء الجماعات اليهودية في المدن بسبب اشتغالهم بالمهن وتركزهم في قطاعات اقتصادية بعينها.
وبالتالي فان مستقبل الحوار والتوصل الى سلام بين العراق واسرائيل مرتبط بعوامل عدة منها عوامل اجتماعية وثقافية توضحت تفاصيلها فيما سبق من هذا البحث ومنها معتمدا لما ستؤل اليه نتيجة الصراع بين ولاية الفقيه واسرائيل.
وهذا الصراع سيستمر لمدة طويلة وليس بالضرورة ان يكون لصالح اسرائيل وهو صراع قاسي ومدمر لاحد الطرفين ولذلك فان السلام المنشود لن يتحقق قبل حسم نتيجة هذا الصراع.
إيران تبالغ أحياناً في أمر “الموت لاسرائيل” وهو شعار دعائي اكثر منه اعتقادي. إذ يتفاخر به المسؤولون، على انه صورة النفوذ الإيراني في العراق، الأمر الذي يثير ردود فعل غاضبة بين العراقيين والاسرائليين على حد سواء. فالعراقيين يغضبهم هذا الشعار ويستفزهم لانه يذكرهم بالمنهجية العسكرية التي تفضلها إيران، واسرائيل يغضبها هذا الشعار لانه لن يسفر عن نتائج عسكرية حاسمة.
ومع ذلك، فإن التحفظ وضبط النفس اللذان تعتمده اسرائيل، يكون تأكيداً على أن إيران لا تزال تلعب دوراً عسكرياً كبيراً في العراق، على الأقل طالما لا يزال هذا الشعار موجودا ويشكل تهديداً وشيكاً، وأن العراق يثبت أنه غير قادر على التعامل مع هذا التهديد بمفرده.
لقد ضمنت الجغرافيا والسياسة والاقتصاد والدين احتفاظ إيران بنفوذ كبير في العراق. إذ دائماً سيكون هناك عراقيين على استعداد للدخول في شراكة مع إيران لأسباب عملية أو أيديولوجية أو أخرى تتعلق بالمرتزقة، وخاصة طالما يُنظر إلى إيران كقوة صاعدة وقائدة لأكثر المحاور تماسكاً في المنطقة.
ولا تزال القومية العراقية والسياسات الإيرانية الخاصة وسلوك طهران المتعالي في بعض الأحيان، هي التي تشكّل القيود الأكثرة قوة على النفوذ الإيراني في العراق. ولكن من دون بذل جهود أمريكية واسرائيلية مصممة على ازالة الوجود الإيراني، ستبقى إيران القوة الخارجية الأكثر نفوذاً في العراق. وبالتالي لن يتحقق السلام مع اسرائيل.
ثبت المصادر:
أحمد سوسة، العرب واليهود في التاريخ، دار الحرية، ط5 ، بغداد 1981.
آريمة بلخضر، الأصولية السياسية المعاصرة من خلال الرؤية الصهيونية-دراسةتحليلية نقدية -جامعة الجزائر بن يوسف بن خدة، آلية العلوم السياسية و الإعلام، معهدالعلوم السياسية والعلاقات الدولية، “رسالة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في العلومالسياسية والعلاقات الدولية، فرع التنظيمات السياسية و الإدارية بجامعة الجزائر بنيوسف بن خدة”.
حنان الهاشمي، الأصولية في الفكر الديني اليهودي، والنصراني المعاصر وأثرها علىالعالم الإسلامي، وطرق مواجهتها، كلية الدعوة وأصول الدين، جامعة ام القرى، 2009.
سعيد عبد الفتاح عاشور، تاريخ العلاقات بين الشرق والغرب في العصور الوسطى، دار النهضة العربية ، بيروت 1972.
علي الشامي، الحركة الصليبية وأثرها على الاستشراق الغربي، مجلة الفكر العربي، مجلة الأنحاء العربي للعلوم الإنسانية ، بيروت ، العدد 32 / نيسان – حزيران ، 1983 ، السنة 5 .
كامل سعفان، اليهود تاريخ وعقيدة، دار الاعتصام، بيروت، 1988 .
مامون كيوان، اليهود في ايران، دار بيسان، بيروت، ط1، 2000
المبحث الرابع
العرب السنة واليهود
دكتور عبد الناصر المهداوي
4-1المسلمين واليهود في العراق
تأريخ مشترك
ونحن نتكلم عن يهود العراق لا بد من تعريف خاص بهم وبتاريخهم وفكرهم وتعايشهم مع أبناء بلدهم في العراق للوصول إلى المشتركات في المعاناة وفي المصير مع أبناء الشعب العراقي بألوانه وأطيافه كافة، ونخص العرب السنة العراقيين في هذا المبحث لكونهم القربان الذي قدم على محفل الحكم الطائفي في العراق. يقول الكاتب مير بصري(1) وهو من أواخر أعلام اليهود الذين غادروا العراق (1974)؛
بعد إعلان وعد بلفور، وعدم اكتراث وجهاء يهود العراق به، عندما استطلع آراءهم نائب الحاكم البريطاني بالعراق أنذاك، كتبت جريدة «دجلة» في 3 يوليو (تموز) 1921 تقول: «إن ما ذكرناه في بعض أعدادنا عن الصهيونيين ليس له علاقة بمواطنينا الموسويين. فيهود العراق بنظرنا عرب وعراقيين، وكل فرد منهم يمت بعربيته إلى السموأل اليهودي العربي، الذي نزلت لاميته المشهورة في قلوبنا منزلة الإلياذة في قلوب الإغريق، وأشعار شكسبير في قلوب أبناء اللغة الإنجليزية».
وقد أكثر المؤلف مير بصري في مستهل مؤلفه من أبيات شعراء مسلمين عراقيين تنبهوا مبكراً إلى محاولات استغلال الفِرقة الدينية، لضرب الوحدة العراقية. ويأتي في مقدمتها بيت لمعروف الرصافي: «وهل هم في الديانة من خلاف..نصارى أو يهود ومسلمونا».
وبيت للأديب الشاعر محمد صادق الأعرجي: «رغم اختلاف الدين سوف يضلنا.. وطن يوحد بيننا دستوره». ونصوص أخرى أوردها المؤلف ليعزي بها نفسه، وهو يعيش يومياته البغدادية في منزل شيخوخته بلندن، تحيطه تراجم العراقيين، ومؤلفاتهم وأضابير رسائلهم الشخصية له، المستمرة من بغداد حتى قُبيل وفاته، مردداً بيت زميله الشاعر المحامي أنور شاؤول: «يا دياراً حبها تيمني.. لك في قلبي غرام أبدي»، الذي مات سنة 1984 بعيداً عن العراق أيضاً.
نخلص مما تقدم أن غالب اليهود العراقيين كانوا يعتزون بعراقيتهم ولا يعترفون بالفكر الصهيوني الدخيل وعاشوا في كنف العراق ومن قبله في كنف الدولة العثمانية مئات السنين من غير أن يستشعروا بغربة في بلدهم، بل كانت الدولة الإسلامية وفي مدة عزها إبان الدولة الأموية لا تتعامل مع اليهود على أنهم أغراب في حكمها.
ويؤكد هذا الكلام ما ذكره موقع الخارجية الإسرائيلي(2) من ترحيب الدولة الأموية في إسبانيا بعاصمتها قرطبة باليهود وتسمح لهم بدخول جميع المهن،ويجذب تسامح إسبانيا الإسلامية كثيرا من اليهود من البلدان الأخرى.
ولم يخرج اليهود من العراق إلا بعد شن حملات مشبوهة عليهم على مستوى العالم، وتستمر الجاليات اليهودية في الانحطاط كلما ازداد التشريع المضاد لليهود، وكلما ازداد الاضطهاد. يتم تدمير المعابد في بعض الأحيان، ويتم الضغط علي الجاليات وترغم في بعض الأحيان علي اعتناق المسيحية، كما يتم تنفيذ أفعال العنف بين حين وآخر ضد الأفراد والجماعات اليهودية(3).
ويقينا العراق كجزء من العالم عانى اليهود العراقيين مما عانى به شعبهم في البلاد الأخرى، في تاريخ العراق المعاصر سكن اليهود المدن الكبيرة، بغداد والبصرة والموصل. وكانت لهم أحياء عُرفت بأسمائهم، كعكد اليهود أو البتاوين في بغداد والذي يظهر في الصورة مقطع حديث منه. هذه المناطق ازدهرت وكانت تعد من المناطق الجميلة والغنية.
لكن وبعد خروج اليهود من العراق وسلب ممتلكاتهم فيما بات يعرف ب(الفرهود) عانت هذه المناطق من الإهمال الشديد ولم تشهد أي عملية صيانة أو أعمار منذ أربعينات القرن الماضي(4).
4-2 المسلمين واليهود من شارك ببناء الدولة العراقية
في حواضر المدن العراقية الكبيرة بغداد،الموصل والبصرة كان العرب السنة يعيشون كجزء شعب هذه المحافظات التي يعيش فيها المسلمون والمسيحيون واليهود دون تفريق بين مواطن وآخر على حساب دينه أو مذهبه أو معتقده، وفي ظل الدولة العراقية التي أسسها العرب السنة كان اليهود جزءا من هذه الدولة، بل كان أول وزير مالية في الحكومة العراقية عام 1921 يهودياً، هو حسقيل ساسون (5) . وكان معظم اليهود قد تم تهجيرهم بطريقة سيئة جدا من الفرهود والقتل والسجن وسحب الجنسية، تاركين وراءهم آثار غنية جدا عن تاريخهم الذي يعود إلى 2500 عام وقد ساهموا بشكل كبير فى بناء العراق وتكوين مؤسساته. والحقيقة أن الأرشيف الخاص باليهود في العراق يوضح بشكل جلى مكانة اليهود فى مختلف الجوانب السياسية والإجتماعية والإقتصادية(6).
العرب السنة في العراق رجال دولة في العموم فقد قامت الدولة العراقية الحديثة على أكتافهم 1921 وحتى المعارضة العراقية للاحتلال يومها تفاهمت مع الملك في انهاء الانتداب البريطاني، لكون قادة العراق السياسيين يركزون على انهاء الانتداب بدلا من التركيز على حق الاستقلال، فقد سعى الملك فيصل إلى تعاون قادة المعارضة بعد الاستقلال
فبعيد دخول العراق إلى عصبة الأمم استقال نوري السعيد الذي كان رئيسا للوزراء منذ 1930، بعد ادارة مؤقتة دعا الملك فيصل رشيد عالي الكيلاني أحد قادة المعارضة لتشكيل حكومة جديدة.وبدا لفترة قصيرة ان كل قادة البلاد سوف يغلقون الهوة ويوجهون كل جهودهم للاصلاحات الداخلية(7).
وبعد الاحتلال الأمريكي في 2003 أقصي العرب السنة من ساحة التأثير السياسي إلا من ديكور لذر الرماد في العيون، وهيمنت الأحزاب الطائفية على مقدرات الدولة الحديثة في العراق بعد الاحتلال وليومنا هذا عانى العرب السنة بألوان طيفهم كافة ما عاناه من قبل يهود العراق وزيادة
والهدف من استهداف اليهود في السابق هو لإجبارهم على الهجرة إلى أرض الميعاد كما تحلم بها الصهيونية العالمية المرفوضة من جل يهود العراق، والهدف من استهداف العرب السنة هو أيضا في الأمد البعيد يسهم في تغيير ديمغرافية المنطقة لصالح الأحزاب الطائفية ولصالح المشروع الإقصائي الإيراني في سبيل تفريغ العراق من عناصر التأثير العربي السني الذي حافظ على العراق أرضا وشعبا لما يقرب من القرن من الزمان.
واليوم وبعيدا عن التباكي على مأساة العرب السنة، وبنظرة موضوعية محايدة، كيف سيستفيد العرب السنة من اليهود العراقيين؟ وهم أصحاب التأثير على العالم، بعد أن علم الجميع أن اليهود في العراق خاصة، وفي العالم الإسلامي بشكل عام عاشوا سعداء، ولم يعانوا في ظل الدول الإسلامية المتعاقبة من الخلافة الراشدة مرورا ببني العباس فالدولة الأموية وحتى في الدولة العثمانية على أرض العراق
ولم يطالهم الأذى بقدر ما طال العرب السنة في العراق في ظل المشروع الطائفي البغيض، فهل سيجرؤ العرب السنة في سبيل الخلاص من الحكم الطائفي البغيض أن يصطف مع أي جهة تستهدف المشروع الطائفي وأذرعه في العراق الجديد؟ الإجابة على هذا السؤال المركزي سيكون للمتلقي بعد أن سنعرف في قابل الكلمات ماهية وحقيقة العرب السنة في العراق.
4-3 تيه “العرب السنة” وافتراقهم في ظل المشروع الطائفي
في مقال للكاتب سابق أكد على أن”العرب السنة” بعد الاحتلال في تيه يشبه إلى حد كبير تيه بني إسرائيل حين خالفوا أوامر الله تعالى ورسوله، وكذلك يشبه تيه هذه الأمة حين ابتعدت عن منهج الله، والتيه هو رمز للبعد عن الهدف والغاية والتمكين(8)، فكان لبني إسرائيل في بعدهم عن الأرض التي كتب الله لهم أربعين سنة
وكان التيه لهذه الأمة الإسلامية أيضا في البعد عن الوعد الذي وعدهم الله من التمكين في الأرض، وأن يدخل هذا الدين كل بيت من مدر و وبر.، أما للعراقيين فإن هذا التيه يبعدهم عن توحدهم وتقدمهم وتحررهم، و الخروج من هذا التيه بالنسبة ل”لعرب السنة” في العراق سيكون أملا منشودا لهم على مر الأجيال القادمة إن تعذر عليهم في هذا الجيل
و قد خرج بنو إسرائيل من التيه بعد أربعين سنة، واستجابوا لأمر الله على لسان نبيهم فمكن الله لهم، والخروج من التيه ربما يطول لسنوات، وربما يستبدل الجيل بآخر، كما حدث مع بني إسرائيل، أو حتى أجيال، ولن نخرج من هذا التيه ما لم نقيم تجربتنا الماضية، ونشخص الحاضر، ونسعى مجتمعين لبناء رؤية واضحة المعالم بينة السمات للخروج من هذا التيه بمشروع مكافئ يمتلك مقومات النهوض من جديد، ليس على مستوى “العرب السنة” في العراق فحسب، بل على مستوى مكونات الشعب العراقي كافة.
فمن الاحتلال وليومنا هذا لا توجد قضية مهمة ومصيرية لم يفترق عليها “العرب السنة”، فهم مختلفون في العملية السياسية ما بين مشارك ومقاطع ومتوقف، وهم مختلفون في الموقف من الاحتلال ما بين محارب وما بين مراقب أو متعامل، وهم مختلفون في الدستور ما بين موافق ومؤيد وما بين معارض ومكفر ومسفه، وهم مختلفين في إقامة إقليم لهم يحفظ أرواحهم وهويتهم وأموالهم ما بين مؤيد ومعارض ومناهض يتهم الآخر بدعوى التقسيم
وهم مختلفون بشأن أولوية العداء وترتيبه هل في المشروع الطائفي و ميليشياته الخارجة عن القانون التي ذبحت أبنائهم بصرف النظر عن المؤسسة التي تنتمي لها هذه الميليشيات قانونية أم غيرها فالفعل واحد مع المشروع الطائفي البغيض، وما بين مشروع الكيان الصهيوني و”إسرائيل” التي استهدفت العرب الفلسطينيين واستوطنت بلدهم
بل لربما تعد حكوماتها المتعاقبة أرحم من بعض حكومات الأنظمة العربية المستبدة، ويقينا هي على سوئها أفضل من الحكومات الطائفية التي توالت على حكم العراق بعد الاحتلال، لا توجد جزئية واحدة يتفق عليها “العرب السنة” سوى أنهم يجترون آلامهم ومأساتهم وضحاياهم التي لم يفرق المشروع الطائفي فيها بين سياسي ومقاطع ولا بين مؤيد للدستور وموقع عليه أو معارض، فالمشروع الطائفي الإقصائي لا يفرق بين زيد وعمرو بل الجميع ما لم يخضع له مستهدف.
4-4 أولوية العداء بالنسبة للعرب السنة
والذي يعنينا من هذا الاختلاف اليوم هو في رصد توجه “العرب السنة” إزاء أولوية العداء، هل هو للمشروع الطائفي الإقصائي الذي استباح دمائهم وأموالهم وبلادهم، أم هو للاحتلال الاستيطاني الصهيوني وقيام دولة “إسرائيل”؟ حقيقة رصد تأثير العداء يتعين بمقياس واحد للطرفين وفي كل حقل من حقول المأساة.
ويقينا يعد تناول حقول المأساة كافة سيكون طمع في غير مطمع في مبحث صغير لكون لا تكفيه مجلدات ولا أسفار، لذلك فقد نركز على أهم حقل وهو الإنسان وهدر دمه فحسب، لكونه في الفكر الإسلامي يعد أكبر جريمة ف(مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)…كما يقول الله تعالى في كتابه الكريم.
ولكي نكون موضوعيين ومحايدين لا نلقي بظلال خلفياتنا على المشهد سنتكلم بتجرد حاد، ونحن هنا إن تكلمنا عن “العرب السنة” في العراق فحسب، قد يكون القياس فيه نظر لكون العراق والعراقيين غير محاذين لدولة “إسرائيل” وبالتالي فإن “العرب السنة” لم يعانوا من بطش يهود فيها
لذا سنتجاوز هذا التفصيل ونحمل آلام شعبنا الفلسطيني في الأرض المحتلة “للعرب السنة” العراقيين لكونهم أمة واحدة، على أن نتجنب الصراع التأريخي فلا الحرب العراقية الإيرانية في القرن الماضي نحتج بها ولا الحروب التي شهدتها الساحة الفلسطينية سنحتج بها بل سيكون الرصد من عام 2003 وليومنا هذا فحسب، وسنركز الكلام عن قتل الإنسان كجريمة كبرى في الإرث الإنساني.
في أصعب قضية وأهمها على المستوى العالمي وعلى مستوى المنظومة الفكرية الإسلامية التي يدعي لها وصلا المشروع الطائفي زورا وبهتانا، ونعني بهذه القضية الإنسان، فقتل الإنسان في منظومة الفكر الإسلامي أبشع من هدم البيت العتيق المكان الأقدس لدى المسلمين في أرجاء المعمورة، وهو ما أكدته النصوص المقدسة لدى المسلمين في الكتاب والسنة وأقوال العلماء
فلو رصدنا عدد القتلى الذين استهدفهم المشروع الطائفي الإقصائي في العراق من “العرب السنة” ومن غيرهم من مكونات الشعب العراقي على مر الخمس عشرة سنة الماضية، سواء كان في الحرب الطائفية بعد تفجير المرقدين في سامراء في 2006، أو في عمليات القتل الممنهج التي قامت بها الميليشيات الخارجة عن القانون، أو التي قامت بها الميليشيات المخترقةللأجهزة الأمنية، أو الذي حدث من جراء الأعمال الحربية المقارعة للإرهاب الأعمى الذي سيطر على ما يقرب من 44% من الأراضي العراقية، التي شملت جل المحافظات ذات الأغلبية العربية السنية كالموصل والأنبار وديالى وصلاح الدين وكركوك وجزء من حزام بغداد.
يقينا أن جل الشعب العراقي ومن مختلف مكوناته عانى الأمرين من جراء السياسات الطائفية الخاطئة، صحيح أن “العرب السنة” قدموا تضحيات أكثر من غيرهم من مكونات الشعب العراقي بسبب كون جل أصحاب القرار مع جل الأجهزة الأمنية تتبع الأشقاء من “العرب الشيعة” مع وجود ميليشيات مسلحة لهم تتحكم بالمواطنين
أما الأشقاء الكورد فحافظوا على مكونهم في إقليم يديرونه بأنفسهم بعيدا عن الاحتراب الطائفي الذي تسبب به المشروع الطائفي، إذا ما قيست التضحيات التي قدمت بالعراق ومن الاحتلال وليومنا هذا، ومن المكونات كافة بعيدا عن التخندق الطائفي سنجد أنها تعادل التضحيات التي قدمها الشعب الفلسطيني من جراء السياسات التي قام بها الاحتلال الصهيوني من عام 1948 وليومنا هذا، لا بل تضحيات الشعب العراقي يفوق تضحيات الفلسطنيين بعشرات الأضعاف، ولكي لا يكون الكلام مجرد تخمين وتقدير نرفق تبعا تقديرات موقع ضحايا العراق المثبة رسميا ، مع اعتبار أن غير المثبت أضعاف هذا العدد.
4-5 ضحايا العراق وسوريا في ظل المشاريع الطائفية المشبوهة
لقد أحصى موقع ضحايا العراق(9) المدنيين الذين قتلوا من الاحتلال وللعام الحالي مع اعتبار أن الرسوم البيانية تقوم على الرقم الأعلى في المجاميع. وتشيرالثغرات في التسجيل والإبلاغ على المجاميع المتوفرةحتى الآن قد ينقصها كثيرمن القتلى المدنيين جراء العنف الذين لم توثق وافاتهم رسميا.
ومن المؤكد أن الضحايا من مختلف أبناء الشعب العراقي، ولم تشمل جميع القتلى من الإرهابيين ولا من المحاربين إذا كانوا من صفوف القوات المسلحة العراقية أو من الميليشيات الأخرى قانونية كانت أم خارجة عن القانون…الإحصائية هي للضحايا من المدنيين الذين وثق قتلهم فحسب…
القتلى المدنيين شهريا جراء العنف اعتبارا من 2003
من المعلوم أن تضحيات الفلسطينيين من جراء الاحتلال معروفة ومثبتة فردا فردا، وتضحيات العراقيين بسبب المشروع الطائفي يتعذر رصده وإحصائه لكثرة عدده، فلا يزال مئات الآلاف من العراقيين مفقودين لا تعرف لهم مصير، ولعلهم في القبور، أو لا زالوا تحت الأنقاض في المدن المهدمة، أو في السجون السرية التي لا تعد ولا تحصى أو لعل البعض منهم قضى نحبه من غير علم أهله بمكانه، في حين السجون الإسرائيلية يرصد فيها المضربون عن الطعام ويعلم منها التفاصيل كافة.
في مقاربة تقع ضمن المشروع الطائفي الإقصائي في سوريا التي يدافع آلاف العراقيين فيها عن النظام القائم بالحديد والنار، يقول الكاتب الفلسطيني محمد خير موسى(10)؛ هلسمعت فصائل المقاومة الفلسطينية كلها دون استثناء؛ الإسلاميّة وغير الإسلاميّة؛ عن إبلاغ النظام السوري باستشهاد 540 فلسطينيا سوريا في قائمة واحدة؟!
وإذا كان إصدار قائمة باستشهاد سبعة الاف شهيد دفعة واحدة منهم الف في داريا وحدها تحت التعذيب “شأنًا سوريا داخليّا”؛ وكم هي قاسية عبارة “الشأن الدّاخلي في حضرة الأرواح المعذّبة” فماذا عن الصّمت المطبق على استشهاد المئات من الفلسطينيين تحت التعذيب؟!
تخيلوا لو أن الاحتلال الصهيوني أبلغ عن استشهاد 540 أسيرا في سجونه دفعة واحدة؛ فماذا كنتم فاعلون؟!
هل العبرة عندكم بالقاتل أم بالمقتول؟!!
أليس هؤلاء الشهداء فلسطينيون؟!
أم أنّهم خارج حساباتكم الجغرافيّة والسياسيّة؟
كم كنّا سنرى من بيانات وتصريحات ومؤتمرات صحفيّة واستنفار إعلامي وتحركّات سياسيّة لو أنّ عُشرَ هذا العدد استشهد تحت التعذيب في سجون الكيان الصّهيوني المجرم؟!!
هذه الازدواجيّة في الموقف تنبئ أنّ المواقف عندكم متعلّقة بالقاتل لا بالضّحيّة، الضّحية التي يُفترض أنّها هنا جزء من شعبكم الذي تجاهدون وتناضلون وتكافحون من أجل حقوقة وعودته إلى أرضه التي أخرجه اليهود منها والضّحية هنا هي الفلسطينيّ السوريّ المخذول والمتروك من الجميع؛ من الجميع بلا استثناء
بهذه الكلمات القاسية التي يسد المجتمع الدولي أذانه عنها يفصح أحد الكتاب الفلسطينيين عن حجم المأساة التي قدمها الشعب الفلسطيني على مذبح المشروع الطائفي في المنطقة، وأختم هذا الكلام بقول سمعته من أحد أكبر العلماء الفلسطينين في الخارج حين حاولت المقارنة بين ما يفعله يهود “إسرائيل” بالشعب الفلسطيني وما يفعله الطائفيون في العراق وسوريا…يومها قال هذا العالم الفلسطيني أن يهود بشر يقيمون للعام الآخر اعتبارا فيتوقفون…أما الطائفيون فليسوا ببشر بل مجرمون لا يقيمون اعتبارا لأي شيء.
الخلاصة
بعد ذلك هل يشك عاقل بكون استهداف “إسرائيل” لميليشيات إيران في سوريا يخدم الواقع الإنساني العام أكثر من خدمته لأبناء العراق وبلاد الشام، فالدول التي تعاني من وباء التدخل الإيراني (11) كانت قبل الثورات وبعدها في حال يرثى لها؛ العراق، لبنان، سوريا، اليمن. كل دولة توغلت فيها إيران دب فيها الفساد الإداري والسياسي، وأحيل إلى حاضنة للإرهاب.
ويظل العراق هو الدولة الأكثر سهولة للإيرانيين لافتعال الأزمات، مثلما فعلت في الموصل شمالاً قبل أربعة أعوام ومكّنت لتنظيم داعش احتلالها وإشغال الحكومة المركزية والدول الحليفة بالحرب على التنظيم منذ ذلك الوقت. وهي اليوم تثير العراقيل والمشكلات في الجنوب لتعميم الفوضى وإطالة أمد الأزمة وتهديد الدول المجاورة.
إيران تنتظر أياما عصيبة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، التوقيت الذي حدده الرئيس الأميركي دونالد ترمب لضرب تجارة النفط الإيرانية، مع وجود بدائل للنفط الإيراني يضمن توفر إمدادات الطاقة، وهي قد دخلت دوامة المصاعب منذ إعلان الرئيس ترمب الانسحاب من الاتفاق النووي، وتترقب أزمات اقتصادية ستنفخ في نيران الغضب الشعبي الذي لم تتوقف وتيرته منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي. إيران تحاول أن تستعرض مكاسبها وقوتها في المنطقة، تفرض نفسها كقوة إقليمية ليس من السهل محاصرتها في خانة العقوبات الأميركية عليها، تذكّر إدارة ترمب أن لها في العراق مكانا من العسير تجاوزه.
يبقى الإنسان هو المعيار الحقيقي بين خيريين أو بين شريين، فالذي يعتبر حقوقه المشروعة وحقه في الحياة يستحق التفاهم والتعامل مهما بلغت درجة عدواته من قبل،ومن هنا فالبحث عن مشروع سلام دائم وعادل للشعب الفلسطيني مع “إسرائيل” مطلب شرعي وقانوني وهو أمل أن تمضي الحياة بسهولة ويسر للفلسطينين كافة، والخلاص من الإجرام في حق إنسانية الإنسان في العراق وسوريا ولبنان واليمن مطلب شرعي يستحق التضحية، كما يستحق التفاهم وفقه مع الأعداء التقليديون، وهذا اليوم هو حلم العراقيين في الخلاص من المنظومة الطائفية المقيتة التي قدم العراق مئات الآلاف من الضحايا بسببها، واليوم يعاني أهلنا في الجنوب ما عناه أهلنا في الوسط والمنطقة الغربية بسببها، فلا خلاص ولا انعتاق من ربقة العبودية للطائفية ما لم نتخلص من هذه المنظومة ليس “للعرب السنة” فحسب بل للعراقيين كافة.
موقع المعرفة، يهود العراق:
https://www.marefa.org/%D9%8A%D9%87%D9%88%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82 .
2. موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية، http://mfa.gov.il/MFAAR/InformationaboutIsrael/TheJewishReligion/ChildrenOfAbraham/Pages/jews%20and%20aspx .
3.المصدر نفسه.
4.http://www.projetaladin.org/ar/%D8%A2%D8%AB%D8%A7%D8%B1-%D9%8A%D9%87%D9%88%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82-%D9%81%D9%8A-%D8%B5%D9%88%D8%B1.html
5.موقع المعرفة، يهود العراق، مصدر سابق.
6.د. نبيل الحيدري، ، الأرشيف اليهودى العراقى تاريخ حافل بالأمجاد، موقع إيلاف، 23/12/2013، http://elaph.com/Web/opinion/2013/12/858745.html
7.http://www.iraqena.com/aniraq/new.htm .
8.ينظر http://www.alukah.net/culture/0/22269/ .
9.ينظر https://www.iraqbodycount.org/database/ .
10.نقلا عن حساب محمد خير موسى الشخصي.
11.أمل عبد العزيز الهزاني، عراق والمصير المرتقب، الشرق الأوسط، 17/7/2018، العدد14476 .
https://aawsat.com/home/article/1333666/أمل-عبد-العزيز-الهزاني/العراق-والمصير-المرتقب
خاتمة البحث المشترك
العرب واليهود المسار والمصير من 1920-2020
ان قيم ومصالح وموارد وتحالفات واهداف العرب واليهود، كما بقية مكونات الشرق الاوسط من شيعة وكورد وارمن ومسيحيين، افراد وجماعات وانظمة قد تحكمت بمسارهم منذ 1920 وحتى اليوم، فهم ذو قيم ومصالح مختلفة ومتداخلة تولد بطبيعتها وتزيد من حدة الصراع،وهم يخرجون من عالم الدولة العثمانية ويدخلون عالم قومي عربي، ثم في عالم ولاية الفقيه.
فنظم وعقليات هذه المكونات الاجتماعية والدينية والسياسية ليست متحدة بل أشكال متباينة تميل إلى الصراع سعيا لتأكيد ذاتها وضمان حقوقها والتخلص من الاخر، وهذا لايكون الا بصراع في ظل نظام اقليمي غير مستقر، ونظام دولي ينتقل من متعدد الى ثنائي ثم احادي واليوم يبدو انهم ينتقل مرة اخرى الى متعدد..
ولذلك تجد ان طبيعة صراع الطرفين المستمر منذ قرن اتسم ولم يزل بازمات وتوترات ونزاعات وحروب، وتعددت وسائل صراع العرب واليهود فكانت اكثر من ثمان حروب، وتتعددت أسباب الصراع فكانت محلية واقلمية ودولية، وكانت دينية وسياسية أو اقتصادية و اجتماعية.
ان اسرائيل كما غيرها من الاقليات الموجدة في الشرق الاوسط ، كالمسيحيين والعلووين والشيعة والكورد والارمن ،تعول على التحالف مع الغالبية العربية السنية التي تؤمن بنموذج ويست فاليا في الحكم ولاتحلم بالعودة الى نظام الامبرطوريات العثماني او الايراني، الذي يدفع هذه الاقليات للبحث عن تحالف اقليات يحميها من ظلم الامبرطوريات.
ويبدو ان الحل الممكن لهذا الصراع المعقد بابعاده الدولية والاقليمية والمحلية ، هو في منظومة امن وتعاون شرق اوسطي تتشكل من انظمة حكم فيدرالي او كونفيدرالي تحترم نموذج ويستفاليا، وتضمن عدم عودة الانظمة الامبراطورية قومية كانت او دينية،وتحترم ايضا حقوق الناس الدينية والقومية، وتتهي تسلط اغلبية على اقلية وبالعكس.
المصدر/ مركز العراق الجديد