إعداد/ صافيناز محمد أحمد
فى الرابع من أبريل الجارى (2017) تعرضت مدينة خان شيخون بمحافظة إدلب شمالى سوريا لقصف بغاز السارين السام ما أسفر عن وقوع عدد كبير من الضحايا فى واحدة من أبشع المجازر التى مورست ضد السوريين منذ اندلاع الصراع بين النظام والمعارضة قبل سبعة سنوات. المجزرة فتحت باب الجدل الدولى مرة أخرى بشأن الأطراف المسئولة عن استخدام الأسلحة الكيماوية من بين طرفى الصراع السورى؛ فهناك وجهة النظر الروسية- الإيرانية- السورية التى ترى أن فصائل المعارضة بإدلب تمتلك مستودعا للسلاح الكيماوى وأنها المسئولة عن استخدامه، وأن اتهام دمشق بالمسئولية عن هذا القصف مسألة سابقة لأوانها قبل إجراء تحقيق دولى فى هذا الشأن. بينما تشير وجهة النظر المقابلة، والتى تتزعمها الولايات المتحدة وعدد كبير من القوى الدولية والإقليمية، إلى مسئولية النظام السوري عن المجزرة وتورطه فيها مستندة إلى مجزرة مماثلة مورست ضد سكان الغوطة الشرقية فى أغسطس 2013. وفى الحالتين كان الموقف الأمريكى من تلك المجازر حاضرا وإن اختلفت ماهيته نظرا لاختلاف سياسات الإدارة الأمريكية من الصراع السورى بين الرئيس السابق بارك أوباما والرئيس الحالى دونالد ترامب. فقد استغل أوباما آنذاك مجزرة الغوطة الشرقية فى رعاية اتفاق أممى أُسس بناء على مبادرة روسية تقضى بوضع ترسانة الأسلحة الكيماوية السورية تحت الرقابة الدولية. وفى 29 سبتمبر 2013 صدر قرار مجلس الأمن رقم 2118، الذى وضع إطار عمل “للتدمير العاجل لبرنامج الأسلحة الكيماوية السورى بطريقة أكثر أمانا”. وبمقتضى ذلك تراجعت إدارة الرئيس الأمريكى السابق عن ما أسمته بالخطوط الحمراء التى لا يُسمح لنظام الأسد بتجاوزها فى إشارة إلى استخدامه للأسحلة الكيماوية، ومثل النكوص الأمريكى عن توجيه ضربة عسكرية للنظام وقتها نوعا من الاعتراف بشرعيته فى مواجهة المعارضة.
الأمر اختلف كليًّا بالنسبة لترامب الذي أولى الأزمة السورية قدرًا من التفاعل عبر الانخراط العسكري الفعلي في سوريا من باب محاربة الإرهاب؛ فبعد أيام قليلة من تصريحات عدد من مسئولي إدارته بأن بقاء نظام الأسد من عدمه لا يعد من أولويات واشنطن في الوقت الراهن، جاءت مجزرة خان شيخون ليعيد النظام السوري فيها المشهد نفسه متجاوزًا كافة الخطوط الحمراء، وواضعًا ترامب في اختبار شديد الصعوبة لسياسته الخارجية في منطقة المشرق العربي، ما دفع الأخير إلى الإدلاء بتصريحات تشير إلى أن موقفه من نظام بشار الأسد قد تغير، وأنه بصدد التشاور مع الكونجرس والبنتاجون لاتخاذ خطوات قاسية ضده. وبالفعل وبعد ساعات من تلك التصريحات شنت الولايات المتحدة في السابع من إبريل الجاري هجومًا صاروخيًّا – عبر مدمرتين حربيتين في شرق البحر المتوسط – على مطار الشعيرات الاستراتيجي في جنوب شرق محافظة حمص.
الهجوم الذي تم باستخدام صواريخ توماهوك وأدى إلى إلحاق خسائر جمة بالمطار يحمل العديد من الدلالات، ويعد مؤشرًا مهمًا على تغيرات مستقبلية في سياسة واشنطن تجاه الأزمة السورية.”قد” لا تقف هذه التغيرات عند حد محاربة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وإنما تتعدى ذلك إلى دور أكثر انخراطًا في الصراع السوري عبر إعادة تقييم واشنطن لحساباتها السياسية والأمنية في سوريا، وهو ما قد يدفع علاقاتها بغيرها من القوى الداعمة لنظام بشار الأسد وتحديدًا روسيا وإيران إلى مزيد من الصدام.
دوافع وأهداف
الضربة العسكرية الأمريكية لمطار الشعيرات بمحافظة حمص أثارت عدة تساؤلات بشأن الأسباب التي أدت إلى تغيير موقف الرئيس الأمريكي من النظام السوري، وهل كانت واشنطن في انتظار هذه الخطوة غير المحسوبة من جانب النظام السوري ليحدث هذا التغير النوعي في موقفها تجاهه، أم أن هناك “أسبابًا كامنة” تقف وراء ذلك؟ وما هي الأهداف المنتظرة من تلك النقلة النوعية الأمريكية، وهل ستكون الضربة مقدمة لغيرها من الضربات أم ستقف عند حد اعتبارها مجرد ضربة عقابية لا أكثر؟ في هذا السياق يرى المحللون أن ثمة جملة من الدوافع والمنطلقات مثلت مدخلات مهمة للإدارة الأمريكية أدت إلى حسم أمرها بتوجيه ضربة عسكرية للنظام السوري يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
أولًا، رغبة ترامب في توجيه رسائل لإيران التي اعتبرها الراعي الرئيسي للإرهاب في المنطقة، ووضع ميليشياتها العاملة في سوريا على قدم المساواة مع تنظيمات المعارضة السورية المسلحة المصنفة ضمن التنظيمات الإرهابية. هذا بخلاف عدم استساغته شخصيًّا، ومجموعة مستشاريه السياسيين والعسكريين، للاتفاق النووي الإيراني باعتباره منح إيران نفوذًا متناميًّا في المنطقة على مدار العامين الماضيين. ومن ثم، فإن ضربة سريعة وخاطفة ونوعية ضد حليفها نظام الأسد قد تمثل خطوة البداية في طريق الانخراط العسكري الأمريكي الشامل في الأراضي السورية بما يعنيه ذلك من تقليص النفوذ الإيراني الذي تمدد بشراسة داخل سوريا على مدى السنوات الماضية.
ثانيًّا، استخدام نظام الأسد للأسلحة الكيماوية يعني أن عملية التخلص من الترسانة الكيماوية السورية قد شابها بعض الخروقات، وأنها لم تتم على الوجه الأكمل، أو أن النظام استطاع الحصول عليها من حلفائه في المنطقة وتحديدًا إيران، وبالتالي تتزايد مخاوف الولايات المتحدة من تهديدات محتملة لإسرائيل إذا ما حاول النظام استخدام السلاح الكيماوي ضدها، أو أن تستخدمه المعارضة ذات الأيديولوجيات الدينية الراديكالية حال استيلائها عليه. وبناءً عليه، فإن واشنطن أرادت توجيه رسالة للنظام السوري مؤداها أنها ستراقب تحركاته جيدًا في هذا الشأن، وأنها لن تتوانى عن توجيه مزيد من الضربات العسكرية إذا ما أقدم على خطوة مماثلة ضد المدنيين من شعبه أو ضد إسرائيل.
ثالثًا، رغبة ترامب في الظهور بمظهر الرئيس القوي الذي بإمكانه اتخاذ قرارات تليق بدولة بحجم وثقل الولايات المتحدة لاسيما بعد الضغوط الإعلامية الدولية والأمريكية بشأن رد الفعل المتوقع منه، خاصة بعد أن اعتبرت إدارته أن أولوياتها في سوريا لمحاربة الإرهاب وليس لإزاحة نظام الأسد، الأمر الذي وضعها في موقف غاية في الصعوبة.
رابعًا، تأكيد الحضور الدولي للإدارة الأمريكية الجديدة في منطقة المشرق العربي بما يحقق لها منافع استراتيجية على المدى المنظور، وذلك عبر موازنة الحضور العسكري الروسي القوي في سوريا بحضور عسكري أمريكي نوعي ومؤثر، والتأكيد كذلك على عدم التبعية لروسيا وتعاطياتها على ساحة الصراع السوري، وبالتالي نفي فكرة التواطؤ معها، وتسويق فكرة القدرة على مواجهتها وإمكانية الاصطدام معها؛أي إعادة تجديد الدور الأمريكي في المنطقة بما قد يعنيه ذلك من إمكانية مواجهة المحور الروسي- الإيراني في سوريا مرة أخرى، وهو المحور الذي سيكون مطالبًا بإعادة دراسة تعاطياته مع الملف السوري على ضوء المستجدات الأمريكية خلال المرحلة القادمة، خاصة إذا ما أرادت واشنطن الدخول بثقل عسكري وسياسي على خط الصراع السوري ما قد يضطر هذا المحور إلى الجنوح لخيار التفاوض الجاد.
خامسًا، الرغبة الأمريكية في توسيع التواجد في منطقة المشرق العربي، وذلك عبر ما يحققه الانخراط العسكري الأمريكي من مكتسبات تتمثل في إقامة قواعد عسكرية في سوريا لاسيما في المناطق التي سيتم تحريرها من داعش في الرقة، ناهيك عن تطوير القاعدة العسكرية الموجودة في الحسكة (الجزيرة) شمال شرق سوريا. هذا بالإضافة إلى ضمان السيطرة على عدة مطارات في مناطق تمركز حلفاء الولايات المتحدة من الأكراد في عين العرب (كوباني) وفي القامشلي.
سادسًا، سعي ترامب إلى كشف مدى الضرر الذي لحق بمصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط خلال فترة ولاية الرئيس السابق نتيجة انسحابها من المنطقة لصالح روسيا وإيران. ومن ثم، فإن رد الفعل السريع والحاسم بضربة عسكرية ضد نظام الأسد يعيد تسويق ترامب داخليًّا بعد الانتقادات التي واجهته فيما يتعلق بقرارات السياسة الداخلية، أي أن ترامب أراد تعويض خسائره في تنفيذ سياساته الداخلية بعمل خارجي له بعده الإنساني والاستفادة من ذلك داخليًّا.
الدلالات والرسائل
إلى جانب الدوافع والأهداف السابق رصدها بشأن الضربة العسكرية الأمريكية على سوريا، فإن ثمة جملة من الدلالات السياسية والعسكرية التي تعكسها هذه النقلة النوعية الأمريكية:
أولها، يتعلق بالاختيار الدقيق للهدف العسكري للضربة وهو مطار الشعيرات وما يمثله من أهمية عسكرية للنظام السوري وحليفه الروسي في آن واحد؛ حيث يقع المطار في جنوب شرق محافظة حمص ويعد من أهم القواعد العسكرية السورية في وسط سوريا التي يستخدمها النظام بفعالية في حربه مع المعارضة؛ حيث يعتبر منطلقًا لكافة عمليات النظام العسكرية في حماة وريف دمشق وإدلب. كما أن المطار يعتبر مكانًا لتمركز عدد ضخم من الطائرات العسكرية من طرازات ميج وسخوي والتي استخدمها النظام في ضرب خان شيخون. هذا بالإضافة إلى تمركز عدد من الفرق والألوية العسكرية به، كما تتواجد فيه قوات روسية وإيرانية، ويمثل أهمية خاصة لروسيا حيث استخدمته في ضرب مناطق تمركز “داعش” في مدينة تدمر بمحافظة حمص.
ثانيها، يتعلق بدلالة “محدودية ” الضربة؛ فالضربة سريعة وخاطفة ونوعية ومحدودة النطاق بالنظر إلى طبيعة الهدف الذي تم تحديده وأثره في القدرات العسكرية للنظام السوري. محدودية الضربة تعكس أمرين: الأول، أنها لا تعبر – حتى الوقت الراهن – عن تدخل عسكري أمريكي شامل وواسع في الصراع السوري؛ فلم تستخدم واشنطن طائراتها العسكرية الموجودة في قاعدة إنجرليك التركية في استهداف المطار، وإنما استهدفته بصواريخ من مدمراتها الحربية في البحر المتوسط. والثاني، أنها لن تكون رادعة للنظام السوري على المدى المنظور لأنها لم تستهدف إصابة كافة معدات سلاح الجو السوري التي كانت متمركزة في المطار – البعض يعزي ذلك إلى أن واشنطن أخبرت موسكو بالضربة مسبقًا – بشكل قد لا يشل من قدرة النظام السوري على استخدام المطار في شن هجمات على المعارضة. لكن هذا لا ينفي حقيقة أن الاستهداف الأمريكي للقدرات العسكرية للنظام سيمثل عاملًا لكبح النظام تجاه استخدام أي سلاح كيماوي مرة أخرى، خاصة بعد أن أساء تقدير رد الفعل الأمريكي المحتمل على استخدامه.
ثالثها، يشير إلى رغبة واشنطن في توصيل رسالة لموسكو مفادها أنها لم تعد تحتكر وحدها ساحة التأثير في الصراع السوري، وأنها بصدد تغيير فعلي في استراتيجيتها تجاه ذلك الصراع. كما تدعو موسكو إلى إعادة النظر في دعمها الكامل لنظام الأسد خلال المرحلة القادمة، خاصة بعد فشلها في تسويقه لدى واشنطن باعتباره شريكًا لا غنى عنه في محاربة الإرهاب، وأن واشنطن قد تطور من انخراطها العسكري إذا ما حاول النظام الإقدام على خطوة مماثلة، عبر عدة بدائل تتراوح ما بين فرض حظر جوي على النظام السوري بما يشل من حركة سلاحه الجوي، أو إقامة مناطق آمنة، أو توفير مظلة عسكرية جوية للمناطق التي خرجت عن سيطرة النظام وحررتها المعارضة. وجدير بالذكر هنا أن هذه البدائل قد تم طرحها في المناقشات التي أجراها ترامب مع الكونجرس والبنتاجون قبل الاتفاق على خيار توجيه ضربة عسكرية محدودة ونوعية.
رابعها، يشير إلى توجيه واشنطن رسالة لإيران مؤداها أنها لن تسمح باستمرار التمدد الإيراني في منطقة المشرق العربي، خاصة في سوريا والعراق، ولن تسمح باستهداف مصالحها في منطقة الخليج أو تهديد حلفائها فيها؛ وأن المصالح الإيرانية في سوريا باتت مستهدفه شأنها شأن النظام السوري تمامًا إذا ما حاولت إيران استهداف المصالح الأمريكية.
خامسها، يؤشر على تراجع حظوظ احتمالات التوصل إلى صفقات أمريكية روسية بشأن سوريا في الوقت الراهن على الرغم من اعتراف كل طرف بمصالح الطرف الآخر في سوريا، سواء كانت مصالح سياسية أو عسكرية. ويرجع ذلك إلى مستجدات الدور الأمريكي، وإلى تمسك روسيا بالحليف الإيراني، الذي تناصبه واشنطن العداء وترفض مشروعه القائم على ضمان التواصل الجغرافي لمناطق الهلال الشيعي رفضًا مطلقًا. وبالتالي، وفي حالة رغبة روسيا استعادة التنسيق السياسي والأمني مع الولايات المتحدة في سوريا مجددًا ستكون مطالبة بفك الارتباط الاستراتيجي بينها وبين إيران، وأولى خطواته هي اقتناعها بأن لا مكان للأسد ونظامه في مستقبل سوريا، وحتي تصل روسيا لهذه القناعة الأمريكية ستظل معادلات الصراع السوري الدولية والإقليمية قائمة كما هي باستثناءات تفرضها طبيعة التعاطي الروسي الأمريكي خلال المرحلة القادمة.
سادسها، يتعلق بدلالة وجود درجة من “الترحيب” الدولي والإقليمي لأهمية الضربة الأمريكية في تعديل سياق التعاطي الأمريكي مع الصراع في سوريا بما يحقق كبح جماح النظام وجرائمه ضد المدنيين من ناحية، وعدم ترك ساحة الصراع السوري لروسيا وإيران من ناحية ثانية. هذا الترحيب لم يتوقعه النظام السوري وروسيا باعتبارهما يحاربان إرهاب الفصائل السورية المسلحة الذي طال تأثيره قلب أوروبا وعدد من دول الشرق الأوسط، لكن الأمر الذي لم يدركه النظام السوري وداعمه الروسي حتي هذه اللحظات هو تزايد معدلات القلق الدولي بشأن جرائم الإبادة الجماعية التي بات يمارسها نظام الأسد تجاه شعبه بصورة يومية وممنهجة تتراجع أمامها كافة مبررات النظام بشأن مواجهة الإرهاب. بل إن ثمة من يرى أن سياسات نظام الأسد باتت هي المسئول الأول عن تفشي الإرهاب لما تخلقه من تعاطف معنوي مع الكيانات الإرهابية ويمنحها مبررات للوجود.
سابعها، يتعلق بالأطراف المستفيدة من توجيه الولايات المتحدة ضربتها العسكرية للنظام السوري بهذه الكيفية، وهما المعارضة السورية وتركيا؛ فبالنسبة للمعارضة السورية هناك “احتمال” أن يترجم الموقف الأمريكي الجديد على أرض المواجهات الميدانية وعلى مسارات التفاوض المقبلة من جولات جنيف، بما قد يؤدي إلى تزايد الضغوط على النظام السوري الذي بات مستهدفًا في قدراته العسكرية ولم يحميه الوجود الروسي من ذلك الاستهداف، وما يفرضه ذلك من تقليص قدرة النظام على المناورة السياسة في المفاوضات والمناورة العسكرية باستخدام السلاح الكيماوي مجددًا. أما بالنسبة لتركيا فمن المحتمل أن تسعى إلى تحسين علاقتها مع الولايات المتحدة على الرغم من انتقادها لسياستها في سوريا التي اعتمدت على الأكراد في مواجهة داعش وتحديدًا قوات سوريا الديمقراطية بدلًا عن قوات درع الفرات. هذا التوجه التركي المحتمل سيكون على حساب علاقة التنسيق والتقارب مع روسيا لاسيما إذا صعدت الأخيرة من مواقفها تجاه الولايات المتحدة. وبناء على ذلك، من الممكن أن تعيد تركيا طرح أفكارها المتعلقة بضرورة رحيل الأسد وضرورة إقامة منطقة آمنة شمال سوريا في جولات المفاوضات القادمة.
ثامنها، يشير إلى ردود الفعل الروسية الغاضبة على الرغم من الأنباء التي تفيد بإبلاغ واشنطن لموسكو بالضربة العسكرية وحرصها على عدم وقوع خسائر بشرية بين القوات الروسية العاملة في مطار الشعيرات. وقد أخذت ردود الفعل تلك منحى متصاعدًا خلال الأيام الماضية؛ بدأ بتصريحات تدين الضربة الأمريكية وتعتبرها عدوانًا إرهابيًّا على سيادة الدولة السورية، وتعتبرها كذلك ضارة بالعلاقات الروسية- الأمريكية واستراتيجيات محاربة الإرهاب دوليًّا، ومقوضة لمسار المفاوضات السياسية الخاصة بالأزمة، مرورًا بتعليق التفاهم الموقع بين البلدين في عام 2015 حول السلامة الجوية الهادف إلى منع وقوع حوادث بين طائرات البلدين في الأجواء السورية، وصولًا إلى أجرأ الخطوات ردًا على الضربة الأمريكية والتي تمثلت في تعهد روسيا بتعزيز نظام الدفاعات الجوية السورية وزيادة التواجد الروسي في قاعدة طرطوس البحرية. ويعني ذلك أن روسيا قد لا تسمح بتكرار مثل هذه الضربات مرة أخرى لأنها ببساطة ستؤدي إلى تغير معادلة الصراع السوري بما قد يعدل في موازين القوى العسكرية القائمة حاليًّا بين النظام والمعارضة، وهو ما تتحسب له الإدارة الأمريكية التي تدرك حجم التواجد العسكري الروسي من حيث عدد الجنود والمعدات والقواعد البرية والبحرية، ناهيك عن أنظمة الدفاع الجوية الروسية القادرة على استهداف الطائرات الأمريكية.
وختامًا، يمكن القول إن الضربة العسكرية الأمريكية على مطار الشعيرات السوري بما حملت من دوافع ودلالات تعتبر ضربة عقابية تأديبية أكثر من كونها بداية لانخراط عسكري أمريكي واسع النطاق في سوريا على الأقل في المدى المنظور، وأنها لن تدفع النظام السوري إلى تغيير حساباته في معادلة الصراع مع المعارضة طالما ظل الدعم الروسي للنظام قائمًا ومتجددًا، ولكنها في الوقت نفسه ستمثل كابحًا له في سياق سياسات القتل الممنهجة باستخدام السلاح الكيماوي، فتصاعد الحضور الأمريكي سياسيًّا وعسكريًّا في الصراع السوري من شأنه فرض قيود على سياسات النظام وحلفائه بما يقلص من نفوذ المحور الروسي- الإيراني- السوري ويبعث برسالة مفادها أن الولايات المتحدة ممسكة ببعض الخيوط المهمة في ساحة الصراع السوري التي بإمكانها تغيير قواعد الصراع ومسلماته التي سادت منذ التدخل الروسي العسكري قبل عامين وهو ما تدركه موسكو جيدًا. ومن ثم، ممن المحتمل أن يتم ترجمة الرسائل السياسية التي استهدفتها الولايات المتحدة من ضربتها العسكرية ضد النظام السوري عبر تسريع الجهود الدولية لدفع مسار المفاوضات السياسية خلال المرحلة القادمة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نقلا عن مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية